الصاحب ساحب.. نظرة في العمق
من العنوان يخطر بالبال قوة العَلاقة بين المبتدأ والخبر في هذه الجملة؛ حيث لا مناص من تأثير علاقاتنا على حياتنا ومعاشنا وأعمالنا ومستقبلنا القريب والبعيد.
واستكمالًا لمشروعنا، الذي انطلقنا به قبل أسابيع، حول طرح سبل التحول الإيجابي الذي نرجوه، من كوننا أفرادًا عاديين إلى أفراد فاعلين، ومن ثم إلى قادة بحول الله وقوته، نطرح قضية العلاقات بقوة، وأثرها علينا، بعد أن طرحنا قضية الاهتمامات في المقال السابق، كأولى الأشياء التي يجب أن نغيرها، لكي نكون فاعلين، ومن ثم قادة ونماذج بشرية مميزة وخالدة في الحياة، يشار إلينا بالبنان، في كل زمان ومكان.
وهنا نورِدُ الكثير من المعادلات التي يُستحسن أن نبدأ تطبيقها بشكل متدرج؛ لكي نصل إلى غاية ما نتمناه من علاقات ترفعنا ولا تضعنا، تضيف لنا ولا تضيف علينا، فيها الخير ومنها الصلاح والبر، بإذن الله تعالى.
الحياة أمامنا باب واسع، وميدان مفتوح، وبيداءُ مترامية، وضع الله لنا فيها حرية الاختيار أساسًا لمنهج عبوديته سبحانه، فلا إجبار ولا إكراه في الدين، وهذا هو المنهج الواصل بين العبد وخالقه، ومن هنا نستنبط أيضًا أن أمور المعاش والمعاد تُركت للإنسان لكي يقدرها ويختار منها ما شاء، ولكنه محاسب عند خواتيم الأمور ومآلات الأشياء ونهايات الأحداث {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}.
فلا حساب في نهاية المطاف إلا بحرية اختيار في بدايته، وهنا أقول: إن واقعنا الحياتي لا يمكن أن يُفرض علينا، ونحن من يصوغ أغلب فصوله، ومن أبرزها قضية العلاقات والصداقات، والذي يكون عبر الارتباط العاطفي والوجداني مع الآخرين، ومن خلال إيماننا الراسخ والكامل بأن لكل شيء مغنمًا، كما أن لكل شيء مغرمًا، نفصّل هنا في توصيف واقع الحال؛ حيث إنه لا يمكن لإنسان ينشد الخير في حياته أن يقع في أخطاء فادحة، تعرقل مسار عيشه، وتُفشل مشاريعه الخاصة والعامة، وتجعله نادمًا على ما قدَّم، ومتحسرًا على ما ذهبت إليه قدماه.
ومن أبرز الأخطاء الشائعة هنا الفشل في تكوين العلاقات؛ ومن ثم الفشل في إدارتها!!
وهنا نورد بعض التقنيات والتكتيكات الهامة والضرورية لتفعيل علاقاتنا، وجعلها بوابة الخير والسعادة والنجاح والتألق الدائم والمستمر، بإذن الله تعالى.
اقترب من:
1- الصديق الحكيم، ذو العقل واللبّ، وإن اختلفت معه في وجهات النظر، فهو صاحب نظرة ثاقبة، وتجارب عظيمة، أنت بأمَسِّ الحاجة لها.
2- الصديق الصدوق، وإن أغضبتك صراحته.
3- الصديق الطموح، ذو الفكر الإيجابي، والمشجع والمحفز لمن حوله، والمتحمس للحياة والعمل والإبداع.
4– الصديق التقي الورع، والعالم المتبصِّر، فبهم يُرفع أقوام ويوضع آخرون.
5- الصديق الهيِّن الليِّن، ذو المرونة، ومعه تستطيع عمل الكثير من المشاريع المشتركة.
6– الصديق المتعاون؛ حيث يأخذ ويعطي، صاحب الكرم والشيم والشهامة، وهو كنز أتمنى أن تقدره حق قدره.
7– الصديق المفكر، ذو الرؤيا البعيدة، والخطة الواضحة، والرسالة السامية في الحياة.
8– الصديق الظريف، ذو النكتة والطرفة، وهو ضالتكم بعد يوم عمل طويل ومزدحم.
9– الصديق المخلص، الذي لا يخون، وهو النموذج الذي ننصح بتعميق العلاقة معه، فهو الأخ الذي لم تلده أمك.
10- الصديق المعطاء، والذي لا يتوانى عن أي خدمة أو مشاركة؛ حيث تجده في المقدمة، فهو كنز من العطاء لا ينضُب.
وابتعد عن:
1- الصديق الفاشل، ذو التفكير السطحي والساذج، فهو يصيب نفسه ومن حوله بالخبال، فاحذروا أن تصيبكم عدوى الفشل.
2– الصديق المراوغ، فهو فاقد للصدق والمصداقية.
3– الصديق الأناني؛ حيث تجده حين الأخذ ولا تجده حين العطاء.
4– الصديق المنافق؛ حيث لا تجد لديه إلا النفاق والتملق وبيع الكلام والانتهازية.
5- الصديق السلبي، ذو الروح المتشائمة، والأقوال المثبطة، والتبريرات التي لا تنأى عن الفشل والتقهقر.
6– الصديق الجاد فوق العادة، قليل المرونة والتعاون، فهو صعب المراس، وفي الغالب يصعب تعميق العلاقة معه.
7– الصديق الجاهل، ذو الرأي الأرعن، والقول الأجوف، والسلوك الشاذ، والانفعال الدائم، فهو خطر كبير ينبغي تجنبه.
8- الصديق المتقلب أو المزاجي، فلن تعرف له وجهًا، ولن تستطيع فهم الكثير من تصرفاته، فهي مربوطة بحالته النفسية المتحولة على الدوام.
9– الصديق الوصولي؛ حيث يراك سُلَّمًا للوصول إلى أهدافه، ومن ثم يتخلص منك في أقرب فرصة.
10– الصديق ضعيف الدين وضعيف الإيمان، فمن ليس فيه خير لخالقه ليس فيه خير للخلق.
(ويتم استثناء أُولي الرحم، من الأهل والأقارب، بالإضافة إلى الجيران، من هذه القاعدة، فوصلهم واجب على كل الأحوال، ولكن نستطيع إدارة العلاقات معهم حسب هذه التكتيكات، التي تكون لنا فيها مساحة بين تعميق العلاقة وتسطيحها، حسب الحالة العامة ومقتضيات الأمور).
وهنا نسأل سؤلًا هامًّا: كيف نُفرز الناس، ونضعهم في منازلهم التي يستحقونها؟
هناك صنف من الناس لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء؛ حيث لا صداقة عميقة قوية مؤثرة ننشدها، ولا انقطاعًا تامًّا في العلاقات، وهم من نسميهم الزملاء؛ حيث تكون علاقات صادقة وأخوة، ولكنها ليست عميقة.
كيف ندير هذه العلاقات؟
علينا أن نؤمن بأن العلاقات الطبيعية والإيجابية هي أحد أهم علامات الحياة الصحية، وأن الأصدقاء لهم تأثير كبير على بعضهم في قضايا كثيرة، منها:
زراعة الأخلاق والقيم والسلوك والقناعات، سواء كانت السلبية أو الإيجابية، وهذا الأمر الهام يكون في عمر المراهقة والشباب.
وله أثر كبير في سن النضج والرشد، وهو فتح آفاق كبيرة للتعاون في أبواب مهمة في الحياة، سواء في مشاريع مشتركة، أو تعاون مثمر، أو تشاور إيجابي، أو تبادل خبرات أو معلومات، أو تسهيل لبعض المهام والإجراءات المعلقة أو الصعبة؛ حيث تقاس قوة الإنسان ونفوذه بأهمية علاقاته وقوتها، وقربه من أهل الحل والعقد، في مجال أعماله واهتماماته العامة والخاصة، وهذا أمر هام يجب أن نقدره حق قدره، وألا نعتمد على الذكاء المنطقي أو التفوق الدراسي فقط للنجاح في الحياة؛ حيث علينا ألا ننسى أهمية التمتع بالذكاء الاجتماعي والذكاء العاطفي، بالإضافة إلى العوامل الأخرى؛ مثل التخطيط والتنظيم وحسن التصرف والتنفيذ.
وهنا نؤكد على أن تمتع الإنسان بعلاقات مميزة وقوية وواسعة سوف يكون له بالغ الأثر في نجاحه في الحياة، وتحقيقه للكثير من طموحاته وأحلامه.
محبرة الحكيم:
وسِّع علاقاتك العملية، واجعلها منتشرة في كل مكان، وانتقِ علاقاتك الاجتماعية، واختر منها الصفوة التي تعاهدها على الأخوة الدائمة، التي لا تذوب مهما كانت الأمواج عاتية.
شعار العلاقات الخالد:
إذا أردت أن تحلق مع الصقور فلا تبقَ مع الدجاج.
تأصيل:
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إما أن يحذيَك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه رائحة طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه رائحة خبيثة)» [متفق عليه].
_____________
سلطان بن عبد الرحمن العثيم
موقع: مهارات النجاح للتنمية البشرية