logo

الشيخوخة والقيادات الإدارية


بتاريخ : الخميس ، 12 جمادى الآخر ، 1444 الموافق 05 يناير 2023
الشيخوخة والقيادات الإدارية

لم تكن المدرسة النبوية تُخرِّج قيادات مركزية متمسكة بمناصبها وقراراتها فحسب! بل كانت تُخرِّج القيادات التي تؤمن بمبدأ نفع الشعوب أولًا على يدِ أيَّ قائدٍ كان.

 لقد زرع النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس الصحابة رضي الله عنهم الإيمان بمبدأ تجديد الدماء وتنوع القيادات وأصحاب المهام، سواء كان ذلك في حياتهم الدعوية، أو في قياداتهم للمعارك، أو في مناصبهم الدنيوية، أو في تعليمهم للعلم، بل حتى في مكاتباته للملوك، وإبرام عقود المصالحة والعهود مع أعداء الدين، فكلما رأى من الصحابة من هو أهل لهذه المهمة قدمه.

فعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يكتب صلح الحديبية، وزيد بن ثابت يكتب الوحي، وحسان بن ثابت شاعر النبي صلى الله عليه وسلم، وثابت بن قيس خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، وزيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن أبي رواحه يتبادلون الراية والقيادة في معركة مؤتة، ثم يأخذها خالد بن الوليد ليقود المعركة لأنه أقدر على إدارة شئونها.

ويُنوع النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين رُسُلِه إلى الملوك، فدحية الكلبي يرسله إلى قيصر ملك الروم، ويرسل عبد الله بن حذافة السهمي إلى كسرى ملك فارس، ويرسل عمرو بن أميه الضمري إلى ملك الحبشة مع وجود غيرهم من الصحابة أسن وأقوى في العلم والحجة.

وعندما يخرج النبيُّ صلى الله عليه وسلم في سفر يجعل على المدينة صحابي يختلف عن الذي قبله، ويرسل معاذَ بن جبل وأبا موسى الأشعري لتعليم أهل اليمن، ويجعل بلالًا مؤذنًا في المدينة وأبا محذورة مؤذنًا في مكة، مع وجود غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وهكذا.

 أيها القارئ.. إن الشيخوخة لم تعد هاجسًا مخيفًا في عمر الإنسان فحسب تعيقه عن الجد والنشاط! بل أصبحت في هذا الزمن هاجسًا مخيفًا لكل بلد يطمح للتقدم والتطور والرقي في مصاف الدول التنموية وتلبية رغبات شعوبها؛ بسبب قيادات إدارية متمسكةٍ بمنصبها الإداري.

 إن العمـل الاجتماعي أو التعليمي أو الدعوي أو الصحي أو الاقتصادي أو غيرها من نواحي الحياة، إن لم يكن قائمًا على مبدأ -تجديد الدماء- وتنوع القيادات في هذا العمل وإلا أصبح التفكير واحدًا، والمنهجية واحدة، والقرارات تأخذ طابعًا واحدًا، ويبقى هذا العمل دون إنتاج لعدة سنوات على حساب السرعة والتقدم والحصول على النتائج المأمولة في هذا العمل.

أيها المبارك.. إن الله سبحانه لم يجعل صفات القائد الكاملة في شخص واحد من البشر! إلا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وأما باقي البشر فقد قَسّم سبحانه القدرات بينهم، فهذا قائد عنده الاهتمام بالجانب الإداري، وهذا قائد عنده الإبداع في إدارة المال، وثالث عنده القدرة على استغلال وسائل التقنية في تطوير العمل، ورابع عنده الاهتمام بالجانب الإحصائي وتعدد الإنجازات، وخامس عنده الاهتمام بالجانب التحليلي، وسـادس عنده القـدرة على تكوين علاقـات مع كبار الشخصيات والتجـار... إلخ.

فعند تدوير العمل الإداري وتجديد القيادات بين الحين والآخر يجعـل هذه القطاعات الحكومية والخيرية تستفيد من كل القدرات التي خلقها الله في عباده -ممن يحمل صفات القيادة- وإلا تعطلت منافع هذه القطاعات وأصبح العمل يسير على منهجية قيادية واحدة.

 فكم نشاهد في الدوائر الحكومية أو الجمعيات الخيرية من القيادات التي قضت في رئاسة هذه الدائرة عدة سنوات -وتشكر على ذلك- ولكن دون زيادة في الإنتاج أو تطور في العمل! بل إنك لتعرف سير العمل في هذا القطاع الحكومي أو الخيري من خلال الصفات التي يحملها قائد هذا القطاع.

أيها القائد الإداري.. إن تدوير العمل الإداري وتنوع القيادات في كل مرة لا يعد قدحًا في هذا القائد الذي ترك منصبه، وإنما هي إيجابية له حيث فتح المجال لقيادات مغمورة بين الناس! بل يعطي كل قائد الفرصةَ في الإبداع والتطوير والتجديد في قيادته لهذا العمل؛ حتى يُسَطّر في التاريخ من القيادات الإنتاجية والإبداعية.

فعند تنوع القيادات الإدارية يجد المواطن الثمار المطلوبة، وعند بقائها دون تجديد يجد التأخر وعدم الرقي، فمثلًا:

في الجانب الاقتصادي الذي جعله الله –عزَّ وجلَّ- شريان الحياة تجد أن الاستفادة من بعض القيادات الإنتاجية وأصحاب الضمائر الحية يعطي الجانب الاقتصادي توسعًا أكبر في مجالات الاقتصاد وإتاحة الفرص الوظيفية للمواطنين.

 وفي وزارة الصحة يرى المواطنون كثرت المستشفيات والمراكز الصحية المتقدمة، وجودة الكوادر الطبية والفنية ومواكبة التطورات في الطب الحديث، عكس ما هو مشاهد من ضعف الكوادر في بعض المستشفيات.

 وفي وزارة النقل يجد المواطن في الطرق السريعة التي تربط بين المدن والقرى والهجر الراحة في جودة الإنتاج وسهولة السير عيها، بخلاف ما هو مشاهد من ضعف الإنتاج وكثرت التشققات فيها، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لو عثرت دابة في العراق لظننت أن الله سيسألني عنها: لـِمَ لـَمْ تُسو لها الطريق؟ وغير ذلك.

قبل أن أختم.. كلمات عظيمة خرجت من فم الحبيب صلى الله على الله عليه وسلم عندما قال: «إنها أمانةٌ، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها»؛ رواه مسلم.

 أسأل الله بمنه وكرمه أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يجعلنا وإياكم مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأن يجعلنا جميعًا مباركين أينما كنا، والله تعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

-----------

المصدر: موقع الألوكة.