logo

البحث عن السراب


بتاريخ : السبت ، 1 رمضان ، 1435 الموافق 28 يونيو 2014
بقلم : مصطفى كريم
البحث عن السراب

هل بذلت جهدًا جبارًا ولكن لم تشعر بالسعادة؟!

هل حققت نجاحات عظيمة ولكن لا تشعر بارتياح؟!

 هل تسعى إلى إسعاد الآخرين حتى لو كان ذلك على حساب نفسك؟!

 هل رأيت الآخرين يمدحونك على نجاحك المبهر، ولكنك لا تجد مبررًا لمديحهم؟!

 

إن كان لديك واحد أو أكثر مما سبق عزيزي القارئ/القارئة، فأنت من الباحثين عن السراب، ذلك الماء الذي يخيل لك في نهاية الطريق، ولكن ما إن تصل إليه حتى لا تجد شيئًا، ومن أخطر أنواع السراب الذي قد يضيع على إنسان فرصة الاستمتاع بالحياة هو سراب البحث عن الكمال.

 

تضيع أحيانًا جهودنا ووقتنا الثمين في محاولة الظهور بمظهر الكمال في أداء الأعمال، حيث يكون لدينا إحساس دائم بضرورة فعل الأشياء على الوجه المطلوب بنسبة لا تقل عن 100%، ولو كانت 99% لا نرضى بذلك، هذه النزعة الكمالية تثقل كواهلنا، وتضايق الناس من حولنا، فما هي أسباب نزعة البحث عن الكمال؟ وما هي الأعراض التي تجعل تلك النزعة أمرًا سلبيًا؟

 

الكمال عيب أم ميزة؟!

 

وربما يتساءل البعض؛ بل يتعجب، ولهم الحق في ذلك، قائلين: وهل الكمال عيب؟ أليس الطموح في نجاح أعلى من النجاح الحالي بحثًا ضمنيًا عن الكمال؟! وهنا نقول لصديقنا أنك على حق، وهذا لا يعني ألا تضع لنفسك طموحًا لا حدود له، ولكن الأهم أن تسعى لتحقيق ذلك الطموح، وتحويله إلى صورة واقعية، من خلال وضعه موضع الفعل، والوصول إليه بشكل مرحلي.

 

فكما يقول هنري ديفيد ثورو: «إذا تقدم المرء بثقة نحو إدراك حلمه، وجاهد ليعيش الحياة التي رسمها لنفسه، فسوف يلقى نجاحًا غير متوقع بمقاييس عالمنا الحالي، ولو بنيت لنفسك قصورًا في الهواء، فلا يعني ذلك بالضرورة أن عملك سيضيع هباءً منثورًا؛ بل إن هذه القصور في مكانها الطبيعي، وما عليك إلا أن تسرع الآن فترفع قواعدها».

 

فكما يقول سام ديب وليل سلسمان: «لا شيء يعيب السعي وراء التفوق؛ بل الواقع أن هذا التوجه الفكري هو التوجه السليم، ولكن من الخطأ الجسيم أن تظن أنك والآخرون لا تشوبكم شائبة تحت كل الظروف، وإن وقعت في هذا فاعلم أنك ستصاب بالإحباط، ذلك أن الكمال الدائم لا وجود له، هل تستطيع أن تتقبل افتقارك للكمال؟!».

 

لماذا البحث عن الكمال؟!

 

لكي نتوصل إلى التخلي عن النزعة الكمالية ينبغي علينا أن نعلم أننا اجتماعيون بطبيعتنا، وأن هذه النزعة هي مسألة اجتماعية، فنحن اجتماعيون لأننا نستطيع إظهار جوانب هامة من شخصياتنا فقط من خلال العلاقة بالآخرين، نعم شخصيات فردية، ولكننا لا يمكن أن نكون أصحاء إذا انعزلنا عن الآخرين، والنفس الصحيحة هي النفس المندمجة في الجماعة، فإحساس الرضا الذاتي الناتج من مشاركة الآخرين في العمل هو ما يجعلنا نشعر بأن العمل كاملًا.

 

فإذا لم يسمع بهذا العمل الآخرون فذلك يشعرك بالوحدة وبالنقص، كذلك نحن اجتماعيون في أننا نتأثر بالآخرين، فنحن عبارة عن مجموع ديناميكي مؤلف من جميع من لامسوا حياتنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، سلبًا أم إيجابًا، من هنا تنشأ النزعة إلى الكمال.

 

فنحن نجتهد لنكون كاملين؛ لنفي بالمعايير التي وضعها لنا الآخرون، والآخرون هم كل من هؤلاء الذين يمكنوننا من إتمام حياتنا من خلال علاقاتنا بهم، وهؤلاء الذين يسكنون بداخلنا من خلال تأثيرهم علينا، وهؤلاء الذين نرتبط بهم، وفي النهاية فإن محاولة أن نكون كاملين هي محاولة اجتماعية لاشعورية لإرضاء أنفسنا، عن طريق إرضاء أولئك الآخرين.

 

نزعة الكمال والقبول الاجتماعي:

 

إن القوة الاجتماعية التي تقود نزعاتنا الكمالية هي ما يجب أن نتحرر منها لنكون مقبولين؛ لأننا تدربنا على أن نكون لطفاء فإن هذه الحاجة تسيطر علينا في كل لحظة من وعينا؛ مما يجعلنا نعمل بطريقة تجعل الآخرين يحبوننا ولا يفرطون فينا، وبدلًا من أن نتعلم كيف نتقبل أنفسنا، فإننا تدربنا على أن نجعل أنفسنا مقبولين من المجتمع، وعندما نفشل في ذلك نعاني من الداخل، ويصبح المسيطر على تفكيرنا هو: لو استطعت فقط أن أرضي أولئك الذين أحبهم فسوف يتقبلونني، وسأكون سعيدًا؛ ولذا، يحذرنا لويز ماركيه دو فونتاين فيقول: «إن الرغبة في الوصول إلى الكمال هو أسوأ مرض أصاب العقل البشري».

 

احذر:

 

فإن محاولة البحث عن الكمال والوصول إليه يتميز بما يلي:

 

- محاولة عقيمة لفعل المستحيل.

- ينتج عنها قلق مفرط، وتحول توترنا إلى محنة.

- تجعلنا نشعر كأننا سنموت عند ارتكابنا لخطأ ما.

- تجعلنا نضيع الوقت، والجهد الثمينين.

- تجعلنا نستاء من أولئك الذين نحاول جاهدين لإرضائهم.

- قد تؤدي إلى عدد من الأمراض التي تهدد حياتنا.

- تؤدي بنا إلى الإفراط الذي لا يشبعنا أبدًا.

- تجعلنا نصبح لوامين لأنفسنا بطريقة مستبدة.

- تسمح للآخرين بإدارة شئوننا، وهذا فيه ظلم لهم ولنا.

وتصبح محاولة الوصول إلى الكمال خطأً فقط في الحالات التالية:

- عندما تستغرق في الحفاظ على صورتك السليمة أمام المجتمع.

- عندما لا تكون مستعدًا أو مؤهلًا للقيام بما يتوقعه الآخرون منك.

- عندما تملي عليك هذه النزعة الطريقة التي تؤدي بها كل الأشياء.

- عندما تدفعك نزعتك على الكمال إلى وضع معايير غير واقعية لنفسك.

- عندما تتكلف في أداء الأعمال من اللطافة، والوقت، والمال، والقلق بقدر أكبر مما تستحقه هذه الأعمال.

- عندما تتخلى عن تقدمك لإرضاء من لا يهتم بك.

- عندما تضيع وقتك الثمين في محاولة الوصول للكمال، بدلًا من قضائه في إنجاز الأولويات الحقيقية.

- عندما تجد أن الأمر يستدعي منك أن توفق بين قيمك ومثلك العليا.

- عندما لا ترضى نفسك أبدًا، ولا أولئك الذين يمثلون أهمية لك.

- عندما يكون سعيك الدءوب نحو الكمال سببًا في تدمير صحتك العاطفية والبدنية.

- عندما ينتهي بك الحال أن تبغض ما تفعله.

 

وماذا بعد الكلام؟

 

تستطيع أن تبدأ بقدرتك على اتخاذ القرار، وهذه القدرة هي من أثمن ثرواتك، قرر أن النزعة الدائمة نحو تحقيق الكمال تعتبر خطأ، فهو خطأ كبير أن تحيا أساسًا لإرضاء الآخرين.

 

وإليك بعض النصائح للحل:

 

1- ارسم خطًا عموديًا يقسم ورقة إلى نصفين، وفي العمود الأيسر اكتب "متع الكمال" وفي العمود الأيمن دون النقائص تحت عنوان "آلام الكمال"، أي الجانبين يحتوي على نقاط أقوى؟

 

2- راجع ورقة المتع / الآلام مجددًا، وأعد تقييم كل مدخل في جانب المتع للتأكد من أنها ليست وسيلة فحسب؛ لتفادي المخاطر، والحفاظ على السيطرة أو حماية غرورك.

 

3- اسأل غيرك، من الساعين وراء تحقيق الكمال، حول الألم والمتعة التي يشعرون بها في مثل هذا السلوك.

 

4- اسأل المقربين إليك عن المدى الذي يؤثر سعيك وراء الكمال فيهم، وفي علاقتك بهم، وفي نفسك شخصيًا.

 

5- قم بدراسة إنجازاتك، واستمتع بمدى التقدم الذي أحرزته بدلًا من أن تأسى حول مدى إخفاقك في تحقيق الكمال.

 

____________________

المصادر:

- نعم تستطيع، سام ديب وليل ساسمان.

- لا تكن لطيفًا أكثر من اللازم، ديوك روبنسون.

- إذا كان النجاح لعبة فهذه هي قوانينها، د. شيري سكوت.