الجانب المشرق في حياتنا
من القصص الرمزية يحكى أن سَقَّاءً كان له جَرَّتان كبيرتان معلقتان على طرفي عصا يحملها على عاتقه، وكانت إحدى الجرتين فيها شرخ صغير، بينما الأخرى سليمة تعطي نصيبها من الماء كاملًا بعد نهاية مشوار طويل من النبع إلى البيت، أما الجرة المشروخة فدائمًا ما تصل في نصف عبوتها.
استمر هذا الحال يوميًا لمدة عامين، وكانت الجرة السليمة فخورة بإنجازاتها التي صُنعت من أجلها، أما الجرة المشروخة فكانت خَجِلة من عِلتها، وتعيسة لأنها تؤدي فقط نصف ما يجب أن تؤديه من مهمة.
وفي أحد الأيام خاطبت الجرة المعيبة السقاء عند النبع قائلة: «أنا خجلة من نفسي، وأود الاعتذار منك؛ لأني أعطي نصف حمولتي بسبب الشرخ الموجود في جنبي، الذي يسرب الماء طيلة الطريق إلى منزلك، والنتيجة أنك تقوم بكل العمل ولا تحصل على جهدك كاملًا».
شَعَر السقاء بالأسى حيال الجرة المشروخة، وقال لها في غمرة شفقته عليها: «عندما نعود إلى المنزل أرجو أن تلاحظي تلك الأزهار الجميلة على طول الممر»، وأثناء اجتيازهم الممر لاحظت الجرة المشروخة تلك الأزهار البرية على أحد جوانب الممر، وأثلج صدرها ذلك المنظر الخلاب، فابتدرها السقاء قائلًا: «هل لاحظت أن وجود الأزهار فقط في جانبك من الممر، وليس في جانب الجرة الأخرى؟ ذلك لأني كنت أعرف دائمًا عن صَدْعك، وقد زرعت بذور الأزهار في جهتك من الممر، وعند رجوعي يوميًا من النبع كُنتِ تسقينها من شرخك الصغير، ولمدة عامين كنت أقطف هذه الأزهار الجميلة لتزيين المائدة، ولو لم تَكوني كما كُنتِ لما كان هنالك جمال يُزيِّن هذا المنزل».
جُبِل البشر على النقص، فالكمال لله وحده؛ لذا فكم هو رائع أن نأخذ الجانب المشرق في كل شيء، وأن نقبل الآخرين على ما هم عليه بحب وود، مع محاولة التغيير الهادئة المتزنة، إن الحياة بطبيعتها تحتوي على الحلو والمر، النور والظلام، السعادة والشقاء، هكذا خلقها الله، وهكذا أرادها مليئة بالمتناقضات، التي علينا أن نختار منها ما نريد، فنحن متحكمون في حياتنا إلى حد بعيد، أما البكاء بسبب الظلم الواقع علينا وقسوة الظروف فليس من الواقع، ولا من الإرادة الإنسانية القوية في شيء.
ما يحدد حياتنا أولًا هو نظرتنا لها، فكل شيء حولنا له جانبه المضيء وجانبه المظلم، وحتى نحن هكذا، فليس هناك إنسان خير محض وإلا كان من الملائكة، ولا إنسان شر محض وإلا كان من الشياطين، فإذا وعينا هذه الحقيقة فسنبحث داخل كل مشكلة أو عائق يقابلنا عن الجانب المشرق، فهناك، مثلًا، من لا يسمي المشكلة (مشكلة)؛ بل (تحديًا)، وهو بذلك قد غيّر نظرته إليها، وبحث عن الجانب المضيء فيها، فكلمة (التحدي) ستوحي له بمواجهة هذا التحدي ومقابلته ومحاولة التغلب عليه، أما مسمى (مشكلة) فيعني لدى الكثيرين الإحباط والاكتئاب.
آمِن، إذن، بوجود الجانب المشرق في كل شأن، فإذا آمنت بذلك فابحث عنه كلما واجهتك مشكلة أو عائق ما، فستجده، بالتأكيد، غيَّر نظرتك إلى الأفضل والأكثر تفاؤلًا، وستجد دائمًا من الحياة جوانب مشرقة تساند نظرتك تلك وتؤيدها وترسخها لديك.
الأمل خير مطية:
- كن مبتسمًا، واحرص أن تكون الابتسامة طبيعية غير متكلفة، وإذا لم تستطع فتَصَنَّع الابتسامة حتى تكون طبعًا راسخًا فيك، فالابتسامة لها أسرار كثيرة؛ إنها تكسبك الأجر والثواب عند الله، قال صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» [رواه الترمذي]، وتؤخر عنك شبح الشيخوخة المبكرة، وتقوي عضلات وجهك، وتعطي قلبك حيوية ونشاطًا.
- لا تحقر نفسك، فأنت مخلوق عظيم، قد أودع فيك المولى سبحانه وتعالى من القدرات والطاقات الشيء الكثير، فما عليك إلا أن تعزز نفسك بالعبارات أولًا، وبالأفعال ثانيًا، وتذكرك قول النبي عليه الصلاة والسلام: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» [رواه الطبراني].
- تسامح مع نفسك واغفر لها زلاتها، ولا تقف كثيرًا عند أخطاء ماضيك؛ لأنها ستحيل حاضرك جحيمًا، ومستقبلك حُطامًا، يكفيك منها وقفة اعتبار، تعطيك دفعة جديدة في طريق الكفاح، وإذا غفرت لنفسك ما أخطأت فمن الشهامة والكرم أن تغفر للآخرين أخطاءهم.
- لا تدع اليأس يستولي عليك، انظر إلى حيث تشرق الشمس كل فجر جديد لتتعلم الدرس الذي أراد الله للناس أن يتعلموه.
إن الغروب لا يَحُول دون شروق مرة أخرى في كل صبح جديد، وانظر إلى الجانب المشرق من حياتك، فهناك أعمال قد تكون عملتها في ظهر الغيب تستحق الوقوف لها والتصفيق، فنور النهار يجلي سواد الليل.
- عقلك، بفضل من الله سبحانه وتعالى، يعطيك في اليوم حوالي 600 فكرة جديدة، فاحرص على الاستفادة من هذه الطاقة العقلية بشكل مستمر، فإن طاقة العقل مثل طاقة الماء؛ إن استخدمته تحرك وتنشط وأنتج، وإن تركته فسد.
- كن إيجابيًا في الحياة، وانظر إليها بتفاؤل، واحذر من مجالسة المتشائمين الذي لا يرون من الحياة إلا اللون الأسود.
- لا يعني أن تكون إيجابيًا أن تسعى دائمًا لتحري الجانب المشرق من الحياة، وطرح أي سلبية تواجهها من النافذة، فالأشخاص الإيجابيون هم الأشخاص الذين ينظرون بواقعية إلى الحياة، وهؤلاء لا يخشون سلبياتهم أو سلبيات الآخرين؛ لذلك ليس هناك أي سبب يجعلك تختبئ من تلك الأفكار أو المشاعر أو السلوكيات مهما كانت سوءتها، حاول الاعتراف بسلبياتك وبسلبيات الآخرين؛ حتى يمكنك استثمارها لصالحك، خاصة وأن أي عواطف سلبية تمتلك إمكانية التحول إلى عواطف إيجابية؛ لذلك فإن جملة (لا أثق بنفسي) يمكن أن تتحول إلى (أثق بنفسي) وجملة (أنا فاشل) يمكن أن تتحول إلى (أنا إنسان ناجح) ويمكن أن تتحول جملة (لا أستطيع أن أتغير) إلى (أستطيع أن أتغير).
- أن يكرهك الناس وأنت تثق بنفسك وتحترمها أهون كثيرًا من أن يحبك الناس وأنت تكره نفسك ولا تثق بها، فكن واثق الخطوة، تنظر للوجه الإيجابي في كل شئون الحياة.
______________
منتدى: الإسلام اليوم