logo

إدارة الخلافات وحلها(1)


بتاريخ : السبت ، 28 رجب ، 1439 الموافق 14 أبريل 2018
بقلم : عصام خضر
إدارة الخلافات وحلها(1)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فاجتماع الناس مع بعضهم البعض يولد بطبيعته توترات تؤدي في النهاية إلى الاختلاف والتنوع، فنحن مختلفون على مقدار ما نحن متفقون.

فالاتفاق يمنحنا إمكانات هائلة للتعاون والبناء المشترك، والاختلاف المحمود مصدر للثراء والتجديد والإبداع والنمو.

والاعتراف بالاختلاف، الذي ينتج عنه أحيانًا الصراع، يتطلب منا الاعتراف بأن المختلفين لا يرون الحقائق القائمة على ما هي عليه وإنما يرونها عبر نظارات وأغشية من ثقافتهم وفهمهم، وحين نختلف لا بد وأن نصل إلى حالة من التحديد المتدرج للنزاعات، وبلورة أسس فضها وتجاوزها.

هناك أسباب كبرى تشكل بيئة الخلاف والصراع، كما أن هناك أسبابًا جزئية تكون سببًا لوجود خلاف بين الناس.

فالقيم والمفاهيم والأفكار من أهم الأسباب الكبرى التي تؤدي للخلاف؛ حيث إنها تصوغ وجودنا الفكري على نحو مختلف، والناس على قدر اختلافهم يريدون أشياء مختلفة، ولهذا فإن الأشياء التي ترضي الجميع قليلة جدًا.

فاجتماع الناس مع بعضهم البعض يولد بطبيعته توترات، فبغض النظر عن المكان الذي يعمل فيه أحدنا فإنه سيواجه حتمًا شيئًا مشتركًا يجمعه بمن حوله، وسيكابد ما لا بد له من مكابدته، وهو الاصطدام، على مستويات مختلفة، مع الآخرين.

إن سوء الفهم وعدم تطابق المفاهيم والاحتياجات عوامل أساسية في جعل اجتماع الناس مصدرًا للتوتر والاختلاف.

كما أن عدم الإنصاف والعدل من قبل بعض المديرين، الذي يظهر في صورة إغداق المكافآت على من لا يستحقها، على حين يُحرم منها من يستحقها، يحدث شعورًا بالمرارة والظلم، وشعورًا بالتحامل على رئيسه وعلى أولئك الذين نالوا أكثر من غيرهم؛ مما يسبب حالة من التوتر والاختلاف والصراع.

كما أن روح العدوانية التي يحملها بعض الناس بين جوانبهم تدفع الواحد منهم للبحث دائمًا عمن يتشاجر معه؛ لأن هذه الروح تشعر بالنشوة والمتعة في جو يعلوه الخلاف والصراع.

نقص المرونة الفكرية والنفسية والإدارية كذلك، عند عدد غير قليل من الناس؛ يؤدي إلى ما لا نهاية من الإصرار والعناد في تعامله وعلاقاته.

وحين يعاني بعض الناس من انخفاض معنوياته فإنه يفسر أي نقد يوجه إليه على أنه هجوم شخصي عليه؛ مما يسبب له الأذى، ويجعله يتخذ مواقف حادة ممن ينصحه أو ينقده.

كما أن الاختلاف في الوسائل والأساليب التي علينا أن نعتمدها في إنجاز الأمور سبب مهم من أسباب الاختلاف.

ومن الأمور المهمة التي تكون سببًا كبيرًا وجوهريًا للخلاف والاختلاف التنافس من أجل السيطرة وتسلم زمام الأمور؛ الذي يؤدي بطبيعته إلى أسوأ أنواع الصراع، وأكثرها وحشية ودموية.

كما أن التوقعات التي لم تُحقَّق تجعل كثيرًا من العلاقات في مهب الريح، فالمدير الذي يستبعد من استخدمه في عمل لأنه لم يحصل على ما كان يتوقعه منه، أو أنه تساهل في إدارة القيام بما كُلف به؛ يسبب أيضًا كثيرًا من الخلاف في وجهات النظر والمواقف.

 

كيف نقلل إذن من الخلافات مع الآخرين؟

نستطيع في كثير من الأحيان أن نجعل الخلاف منتجًا ومحدودًا، وذلك من خلال عدد من الإجراءات، منها على سبيل المثال لا الحصر:

(1) على الواحد منا أن يخطط لاستغلال موارده مهما كانت محدودة، على الوجه الأكمل، وبذلك يتمكن من التقليل من الآمال التي يعقدها على الآخرين إلى أدنى حد؛ حيث يقل عتبه على الآخرين، كما تقل خيبة أمله فيهم، ويستأنس في هذا بما ورد في الصحيح عن عوف بن مالك الأشجعي قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال: (ألا تبايعون رسول الله)، وكنا حديث عهد ببيعة، فقلنا: (قد بايعناك يا رسول الله)، ثم قال: (ألا تبايعون رسول الله)، فقلنا: (قد بايعناك يا رسول الله)، ثم قال: (ألا تبايعون رسول الله)، قال: (فبسطنا أيدينا وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلام نبايعك)، قال: (على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا [وأَسَرَّ كلمة خفية](2)، ولا تسألوا الناس شيئًا)، فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدًا يناوله إياه»(3).

(2) على المرء ألا يسرف في إعطاء الوعود للآخرين، فيتوقعون أشياء لا يستطيع الوفاء بها؛ مما يترتب عليه خيبة أمل، ثم الغضب ممن سبب لهم ذلك؛ بل عليه أن يحرص على الوضوح التام، وليتذكر أن الوعد الذي يقطعه على نفسه، يرتب عليه مسئولية شرعية، وأن من علامات النفاق أنه إذا وعد أخلف(4).

(3) كثير من الخلافات تنشأ بسبب سوء الفهم، وقديمًا قالوا: «أساء فهمًا فأساء إجابة»(5)؛ ومن ثم فعلينا أن نحسن مهارات الاستماع لدينا، كما نحسن مهارات الحديث؛ حتى لا نسيء فهم الآخرين، ولا نتسبب في سوء فهمهم لنا.

(4) لا تدع نفسك فريسة للآخرين فيثيروا غضبك متى ما أرادوا، وعليك أن تدرك أن التماسك والسيطرة على الانفعالات من أهم الأسباب التي تتيح الفرصة للتفاهم وحل المشكلات، ولا يعني هذا أن المرء لا يغضب مطلقًا، ولكن يعني ألا يصبح معروفًا بسرعة الانفعالات والتأثر لأتفه الأسباب.

(5) لنبحث دائمًا عن الحلول بدلًا من أن يكون دأبنا إلقاء اللوم على الآخرين، فلوم الآخرين، لا سيما إذا كثر، يدل على أن هناك أخطاءً في العلاقات على مستوى المبدأ والنظام.

(6) على الواحد منا أن يخفف من إصدار الأوامر والأحكام، وألا يعمد إلى التهديد أو يكثر من النصائح إلا في أضيق نطاق، فإن ذلك يثير دائمًا توترات، ويفتح الأبواب للحزازات.

(7) لنحاول أن نقضي بعض الوقت في محاولة فهم الأسباب الكامنة وراء سلوك الناس وتصرفاتهم، فمعرفة الدوافع للأسباب قد تمكنا من معرفة الدوافع لأنشطة الأشخاص الذين نتعامل معهم.

نستطيع الجزم بأنه ليست هناك مشكلة ليس لها حلول؛ ومن ثم فعلينا تعلم إدارة فقه الخلاف وكيفية حلها، وأن يكون لدينا من الخبرة ما يساعدنا للوصول إلى أفضل الحلول الممكنة، ومما يساعدنا على حل خلافاتنا:

- أن نعتقد أن ما يبديه كل فريق من حجج يناصر بها مواقفه لا يعدو أن يكون رؤى واجتهادات قابلة للكثير من النقاش والتفسير، فخلافاتنا تكون بسبب تعاملنا مع الأمور على أساس كونها إما حق محض أو باطل محض، وبهذا التصور لن نصل إلى حلول جيدة؛ بل لا بد من البحث عن طريق ثالث نسير فيه معًا نحو التعاون والائتلاف.

- تحديد نقاط الخلاف بين المتخاصمين عند مناقشة أي خلاف: إن مما يساعد على الوصول إلى حلول للخلافات القائمة بين المتخاصمين تحديد نقاط الخلاف، فإن كثيرًا من النزاعات التي تثور بين المتخاصمين عبارة عن تحسسات نفسية، لا ترتكز على معطيات فكرية محددة.

- تهيئة الجو النفسي يساعد أيضًا على حل الخلافات، وذلك من خلال التقليل من شأن الخلاف، مهما كان ذلك ممكنًا، وذلك بإيجاد بعض المشاعر الإيجابية كخطوة مبدئية.

- من المهم جدًا طرح العديد من الأسئلة التوضيحية، البعيدة عن روح المواجهة، وعلينا الاستماع لإجاباتها، كما ينبغي ألا نتهم الطرف الآخر بأنه لا يجيب على الأسئلة؛ بل نوجه له المزيد من الأسئلة حتى تضح الصورة.

- على الواحد منا أن يحافظ على هدوئه، ويعطي الوقت الكافي لخصمه لسرد ما لديه، والتنفيس عما يجده من كرب وضيق في نفسه.

- علينا أن نتجنب أثناء مناقشة المشكلة الحديث عن الدوافع والمشاعر؛ لأنه من السهل إنكارها، كما علينا أن نتجنب الحديث عن المسائل الشخصية.

- من المستحسن أثناء البحث عن حل أن نتجاوز الماضي إلى الحاضر، فبدلًا من أن تُذَكِّر خصمك بأخطائه السابقة، أو أنك لم تثق به يومًا من الأيام، اعمد إلى قول: كلامك هذا يجعلني أشك فيك.

كما أنه من الأفضل أن نبحث عوضًا عن البحث عن أسباب حدوث خطأ من الأخطاء في كيفية إيجاد الاحتياطات لعدم تكرُّره في المستقبل.

- لا بد لأحدنا أن يعترف بدوره في حدوث الخلاف والمشكلة القائمة، حتى ولو كان هذا الدور صغيرًا؛ لأن هذا يدفع الطرف الآخر إلى سلوك المسلك نفسه، وحين تحدث هذه الاعترافات المتبادلة بالخطأ وقبول اللوم، فإن المأمول أن ينتهي الخلاف من فوره.

- مهم جدًا أن تلفت نظر الخصم إلى هدف سام مشترك، نحن جميعًا مطالبون ببلوغه؛ مما يفرض علينا تجاوز الخلافات الصغيرة للسعي لتحقيق الهدف الأسمى.

- إذا لم نتمكن من الوصول إلى حل مناسب لإذابة الخلاف فمن المناسب تأخير المواجهة؛ لعل الزمن يكون جزءًا من الحل، مع عدم التأجيل المتكرر؛ لأنه قد يؤدي إلى تأزم المشكلة،؛ ولذا فتأجيل حل المشكلة ليس لطمسها، وإنما للاستفادة من فرصة جديدة لحلها.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

_______________

(1) يمكن الرجوع والاستفادة من كتاب «عصرنا والعيش في الزمان الصعب»، أ. د. عبد الكريم بكار.

(2) قال في المنهل (9/ 280): «والحكمة في إسرار النهي عن السؤال أن يختص به بعضهم دون بعض؛ لأن من الناس مَن لا بد له من السؤال لحاجته، ومنهم الغني عنه بماله، أو بالتعفف».

(3) صحيح مسلم (2/ 721).

(4) جزء من حديث رواه النسائي (5021)، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه الشيخ الألباني.

(5) أي ساء فهمه للكلام فساء جوابه عليه.