فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن خوات بن جبير قال: نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مر الظهران، قال: فخرجت من خبائي فإذا أنا بنسوة يتحدثن، فأعجبنني، فرجعت فاستخرجت عيبتي، فاستخرجت منها حلة
فلبستها وجئت فجلست معهن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبته، فقال: «أبا عبد الله ما يجلسك معهن؟»، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم هبته واختلطت، قلت: يا رسول الله جمل لي شرد، فأنا أبتغي له قيدًا فمضى واتبعته، فألقى إلي رداءه ودخل الأراك كأني أنظر إلى بياض متنه في خضرة الأراك، فقضى حاجته وتوضأ، فأقبل والماء يسيل من لحيته على صدره، أو قال: يقطر من لحيته على صدره، فقال: «أبا عبد الله ما فعل شراد جملك؟»، ثم ارتحلنا فجعل لا يلحقني في المسير، إلا قال: «السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟»، فلما رأيت ذلك تعجلت إلى المدينة، واجتنبت المسجد والمجالسة إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
فلما طال ذلك تحينت ساعة خلوة المسجد، فأتيت المسجد فقمت أصلي، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض حجره فجأة فصلى ركعتين خفيفتين وطولت رجاء أن يذهب ويدعني، فقال: طول أبا عبد الله ما شئت أن تطول فلست قائمًا حتى تنصرف, فقلت في نفسي: والله لأعتذرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبرئن صدره، فلما قال: «السلام عليك أبا عبد الله، ما فعل شراد ذلك الجمل؟»، فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد ذلك الجمل منذ أسلم، فقال: «رحمك الله»، ثلاثًا، ثم لم يعد لشيء مما كان .
هكذا يكون الأمر بالمعروف، وهكذا يكون النهي عن المنكر، فإن من الناس منفرين؛ يرى رجلًا يرتكب منكرًا فيتطوع لينهاه فيقرعه ويوبخه ويتوعده بالنار ويقنطه من رحمة الله ويغلق أمامه الأبواب ويصعب عليه التوبة.. حتى ينفر الرجل ويزداد ضلالًا وتأخذه العزة بالإثم.
إذ أن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصولًا وضوابطًا لابد من مراعاتها كي يؤتي الأمر والنهي ثمرتهما، وإلا لم يكن لهما ثمرة إلا تنفير الناس وفتنتهم وجماحهم.