logo

حكم النفقة على الأصول


بتاريخ : الأربعاء ، 8 رجب ، 1443 الموافق 09 فبراير 2022
حكم النفقة على الأصول

بسم الله الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه، ومن اتبع هداه، وبعد:

فإن من محاسن التشريع الإسلامي أن جعل على المسلم حقوقا تجاه من حوله ممن يخالطهم في المجتمع، وقدم الأولى منهم، وخص الأقربين بمزيد من المعروف والإحسان، فأوجب على الأغنياء النفقة لمن احتاج من أقربائهم، على تفصيل في مذاهب الفقهاء، نعرض له في هذا المقام إن شاء الله، سائلين المولى التوفيق والسداد.

وقد تعددت الآيات القرآنية المباركة، وكذلك الأحاديث النبوية في السنة المطهرة، في فضل النفقة والمنفقين، والأمر بها، فمن ذلك: قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [274]} [البقرة:274].

وقال جل وعلا: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء}.[آل عمران:133].

وقال تعالى: {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} [الليل:17-21].

وعن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة»[1].

والمراد بقوله (أهله): الزوجة والولد وغيرهما ممن هم في رعايته. وبقوله: (يحتسبها) أي: يريد بها وجه الله تعالى[2].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا"[3].

تعريف النفقة

النفقة لغة: مأخوذة من الإنفاق، وهو في الأصل بمعنى الإخراج والنفاد.

وشرعاً: كفاية من يَمُونه بالمعروف قوتاً، وكسوة، ومسكناً، ودواء، ونحو ذلك من حاجات وضرورات المعيشة.

والطعام يشمل: الخبز والأُدم والشرب. قيل: والدواء.

والكسوة: السترة والغطاء في الصيف والشتاء.

والسكنى تشمل: البيت ومتاعه ومرافقه من ثمن الماء ودهن المصباح وآلة التنظيف والخدمة ونحوها، بحسب العرف.

وقد عرف الفقهاء النفقة بتعريفات عدة, وهي في مجملها متقاربة، ولا تخرج عن التعريف الذي اخترناه، وصدرنا به.

فقد عرفها الحنفية بأنها: الإدرار على الشيء بما به يقوم بقاؤه[4].

وعرفها المالكية بأنها: ما به قوام معتاد حال الآدمي دون سرف[5].

قالوا: فخرج ما به قوام معتاد غير الآدمي كالتبن للبهائم, وخرج ما ليس بمعتاد في قوت الآدمي كالحلوى والفواكه, فليست بنفقة شرعية. وخرج ما كان سرفاً, وهو الزائد على العادة بين الناس في نفقة المستلذة[6].

واقتصر الشافعية على تعريف النفقة: بأنها مأخوذة من الإنفاق وهو الإخراج, ولا يستعمل إلا في الخير[7].

وعرفها الحنابلة بأنها: كفاية من يمونه طعاما وكسوة ومسكناً وتوابعها[8].

فأدخلوا الكسوة والسكنى في النفقة؛ لأن من وجبت لها النفقة وجبت لها الكسوة والسكنى باتفاق.

وهذا التعريف هو ما اخترناه هنا، وصدرنا به، مع زيادة الدواء، على خلاف قول الجمهور، ومع تفصيل في المسألة سيأتي بيانه.

أسباب وجوب النفقة، والمراد بالقرابة، وآثارها؟

أسباب وجوب النفقة ثلاثة: الزوجية، والقرابة الخاصة، والمِلْك[9].

والمراد بالقرابة: الصلة التي تربط بين شخصين أو أكثر ويرتب عليها الشارع أثراً، وهي تنشأ إما عن الولادة، وحينئذٍ تنشأ الصلة بين المولود ووالديه وبين أقارب كل منهما، وإما عن عقد الزواج الذي يخلق قرابة بين كل من الزوجين وأقاربهما.

وللقرابة آثار عظيمة فى القانون والشريعة الإسلامية أهما الولاية على النفس والمال والميراث والنفقة وحرمة الزواج[10].

القرابة الموجبة للنفقة:

المنفق عليهم من الأقارب لا يخرجون عن هؤلاء: الزوجة- الوالدان- الأجداد – الأبناء - الأحفاد - العصبات – الأرحام.

أما النفقة الزوجية، فسنفرد لما يتعلق بها مبحثا خاصا. وكذلك العصبات والأرحام.

وأما الآباء وآباؤهم، والأبناء وأولادهم، فهم محل حديثنا وبحثنا هنا. فنبدأ بالكلام عن الأصول (الآباء والأجداد)، ثم الفروع (الأبناء والأحفاد).

حكم الإنفاق على الأصول:

لا خلاف بين الفقهاء في أنه يجب على المرء أن ينفق على والديه، إذا تحققت شروط الوجوب، كما سيأتي.

والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع والمعقول؛ فمن الكتاب: قوله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} [الإسراء/23]. وقوله تعالى: {وصاحبهما في الدنيا معروفا}.

والنفقة من الإحسان، والإنفاق عليهما عند حاجتهما من المعروف، وليس من الإحسان ولا من المعروف أن يعيش الإنسان في نعم الله تعالى ويترك أبويه يموتان جوعا، مع نصوص الآيات ووجود الوصية الشرعية[11].

ومن السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم لمن جاء يشكو أباه الذي يريد أن يجتاح ماله: «أنت ومالك لوالدك، إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم، فكلوه هنيئاً»[12].

وقال صلى الله عليه وسلم: "أبداً بمن تعول، أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك، حق واجب ورحم موصولة"[13].

وأما الإجماع، فقد قال ابن قدامة نقلا عن ابن المنذر: (أجمع أهلُ العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما واجبة في مال الولد)[14].

وأما المعقول، فكما أن للأولاد حقوقاً واجبة لهم على والديهم؛ فلابد أن يكون للوالدين الذين لا مال لهم حقوقاً واجبة على أولادهم القادرين على الكسب في مقابل الوفاء والعرفان بالجميل. و الآية القرآنية، والتي هي بمثابة قاعدة في المعاملات كلها قاضية بذلك، وهي قوله تعالى: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان). {الرحمن:60}.

شروط وجوب الإنفاق على الأصول:

اشترط العلماء لوجوب الإنفاق على الأصول شروطا منها: أن يكون الأصل فقيرا أو عاجزا عن الكسب، فلا يجب على الفرع نفقة أصله إن كان أصله غنيا أو كان قادرا على الكسب، لأنها تجب على سبيل المواساة والبر، والقادر على الكسب كالموسر مستغن عن المواساة. وبهذا قال المالكية والحنابلة، والشافعية في قول.

قال ابن قدامة: ويشترط لوجوب الإنفاق ثلاثة شروط أحدها: أن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به عن إنفاق غيرهم فإن كانوا موسرين بمال أو كسب يستغنون به فلا نفقة لهم...[15].

بينما اشترط الحنفية، والشافعية في الأظهر لوجوب الإنفاق عليهم أن يكون بهم عجز، وليس مجرد عدم الكسب.

وهذه بعض النقولات عنهم:

قال الكاساني عند كلامه على شروط الإنفاق على الأقارب: (والثاني: عجزه عن الكسب بأن كان به زمانة أو قعد أو فلج أو عمى أو جنون أو كان مقطوع اليدين أو أشلهما أو مقطوع الرجلين أو مفقوء العينين أو غير ذلك من العوارض التي تمنع الإنسان من الاكتساب حتى لو كان صحيحا مكتسبا لا يقضى له بالنفقة على غيره)[16].

وقال أبو بكر الحصني الشافعي: (وإنما تجب نفقة الوالدين بشروط منها يسار الولد والموسر من فضل عن قوته وقوت عياله في يومه وليلته ما يصرفه إليهما فإن لم يفضل فلا شيء عليه لإعساره، ...، ومنها: أن لا يكونا مكتسبين فإن كانا مكتسبين لم تجب نفقتهما لأن الاكتساب بمنزلة المال العتيد، فلو كانا صحيحين إلا أنهما غير مكتسبين: فهل يكلفان الكسب فيه قولان: أصحهما: في التنبيه لا تجب للقدرة على الكسب، والثاني: أنها تجب .. فإن فقدت هذه الشروط وكانا فقيرين زمنين أو مجنونين أو بهما عجز من مرض أو عمى كما قاله البغوي وجبت نفقتهما لتحقق الحاجة)[17].

يقول د/ وهبة الزحيلي: (يشترط لوجوب الإنفاق على الأصول: أن يكون الأصل فقيراً، أوعاجزاً عن الكسب: فإن كان قادراً على الكسب فتجب أيضاً نفقته عند الحنفية، والشافعية في الأظهر؛ لأن الله تعالى أمر بالإحسان إلى الوالدين، وفي إلزام الآباء بالاكتساب مع غنى الأبناء ترك للإحسان إليهم وإيذاء لهم، وهو لايجوز، ويقبح بالإنسان أن يكلف قريبه الكسب مع اتساع ماله...

وقال المالكية والحنابلة: لا يلزم الفرع بنفقة الأصل إذا كان قادراً على الكسب، فيجبر على كسب يستغني به، ولا نفقة له؛ لأنها تجب على سبيل المواساة والبر والصلة، والكاسب كالموسر مستغن عن المواساة)[18].

ومن هذه الشروط أيضا: أن يكون الولد موسرا أن يكون الفرع موسراً بمال، أو قادراً على التكسب فيشترط في رأي الجمهور أن يكون مال الفرع أو مردود كسبه فاضلاً عن نفقة نفسه إما من ماله وإما من كسبه، فأما من لا يفضل عنه شيء، فليس عليه شيء، لحديث جابر المتقدم: «إذا كان أحدكم فقيراً فليبدأ بنفسه، فإن فضل فعلى عياله، فإن كان فضل فعلى قرابته» وفي لفظ: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول»، ولحديث أبي هريرة السابق في ترتيب النفقة على النفس، ثم على الزوج، ثم على الولد، ثم على الخادم[19].

هل يجب على الولد المعسر التكسب لينفق على والديه؟

في ذلك اختلاف بين الفقهاء، والصحيح أنه يلزمه ذلك.

قال النووي: (إذا لم يكن مال، لكنه كان ذا كسب يمكنه أن يكسب ما يفضل عنه، فهل يكلف الكسب لنفقة القريب؟ فيه أوجه: أحدهما: لا كما لا يكلف الكسب لقضاء الديون. والثاني، وهو الصحيح وبه قطع الأكثرون، لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب فكذا أصله وفرعه، ويخالف الدين، فإنه لا ينضبط والنفقة يسيرة. والثالث: يكلف للولد دون الوالد)[20].

وقال المالكية: لا يجب على الولد المعسر تكسب لينفق على والديه.

قال الدسوقي (المالكي): (ولا يجب على الولد المعسر أن يتكسب بصنعة أو غيرها لينفق على أبويه ولو كان له صنعة وكذا عكسه)[21].

شرط التوارث:

ومن الشروط أيضا لوجوب الإنفاق: أن يكون المنفق وارثاً للمنفق عليه، وذلك في رأي الحنابلة.

وقال الحنفية: يشترط أن يكون المنفق قريباً مستحقاً للإرث من قريبه، وخالفهم الجمهور، من المالكية والشافعية فلم يشترطوا هذا الشرط ولا ذاك[22].

وسيأتي أقوال العلماء في تفسير قوله تعالى: (وعلى الوارث مثل ذلك)، والذي انبنى عليه اختلافهم في اعتبار هذا الشرط من عدمه.

كما سيأتي تفصيل مذاهبهم في أثر اختلاف الدين بين المنفق والمنفق عليه في استحقاق النفقة من عدمه. وتوضيح مذهب الحنفية. ولا شك أن هذه المسألة الأخيرة لها ارتباط مباشر في سابقتها، أعني في اشتراط التوارث لاستحقاق النفقة.

إذا كان الأب فقيرا، وعند الابن زكاة، وهو عاجز عن نفقة أبيه، فهل يجوز أن يصرفها لأبيه؟

الأصل أنه لا يجوز إعطاء الزكاة لمن تلزم نفقته المعطي لئلا يسقط بالمال الواحد حقان: النفقة والزكاة، ولكن يجوز دفع الزكاة للوالد في الحال التي لا تلزم فيها نفقته عند كثير من العلماء، فإذا كان الولد عاجزا عن النفقة على أبيه – مثلا - جاز له أن يصرف مال الزكاة إليه، لأن نفقته في هذه الحال لا تلزمه، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وكثير من المحققين[23]، وكذا يجوز للولد أن يدفع زكاته في قضاء دين والده لأن قضاء دين والده لا يلزمه[24].

قال ابن قدامة : (ولا يعطى من الصدقة المفروضة للوالدين, وإن علوا, ولا للولد, وإن سفل قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين, في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم, ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته, وتسقطها عنه, ويعود نفعها إليه, فكأنه دفعها إلى نفسه, فلم تجز..)[25].

ويقول ابن عثيمين: (وهو هنا لا يسقط واجبا، والزكاة إما ستذهب إلى الوالد أو إلى غيره، وليس من العقل فضلا عن الشرع أن يعطي الإنسان غريبا يتمتع بزكاة ماله ويدفع حاجته ويترك أباه يتضور من الجوع؛ ولأن من شرط وجوب النفقة غنى المنفق، وهنا المنفق غير غني، والقاعدة أنه لا يجوز إسقاط الواجب بالزكاة.

 كذلك إذا أعطى من تجب عليه نفقتهم لغير النفقة، ولكن لكونهم غزاة أو غارمين أو من العاملين عليها فيجوز)[26].

جاء في الموسوعة الفقهية: (وقيد المالكية والشافعية وابن تيمية من الحنابلة الإعطاء الممنوع بسهم الفقراء والمساكين, أما لو أعطى والده أو ولده من سهم العاملين أو المكاتبين أو الغارمين أو الغزاة فلا بأس. وقالوا أيضاً: إن كان لا يلزمه نفقته جاز إعطاؤه)[27].

هل نفقة الوالدين أولى أم قضاء الدين؟

كما سبق، فإن النفقة إنما تجب على الأولاد لوالديهم إذا كانوا موسرين، وأما إن كان الولد معسرا، وكسبه لا يزيد عن نفقته، بل عليه ديون يلزمه أداؤها، وأبوه مع ذلك زمن أو محتاج، فهنا هل يجب عليه شيء تجاه والده والحالة هذه أم تسقط عنه نفقته؟

جاء في فتاوى الشبكة الإسلامية: (هذا في حالة ما إذا كان الولد موسرا، وأما إن كان معسرا وكسبه لا يفضل عن نفقته، وأبوه زمن فعليه أن يضمه إلى نفسه، ويطعمه مما يطعم، ويلبسه مما يلبس. وكذا إذا كان له مال وعليه دين، فإن نفقة الأب المحتاج مقدمة على قضاء الدين، لأن الإنفاق لا يحتمل التأخير والتأجيل كالدين، قاله أبو يوسف، ولأنه حينئذ يكون في حكم المعسر فيجب إنظاره لميسرة، كما قال الله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة {البقرة:280} .

إلا أنه يجب أن تكون نفقته حينئذ منضبطة في حدود الضروري والحاجي، وأما الكماليات والتحسينيات فلا، إذ هي نافلة (ولا يتنفل من عليه القضاء) كما يقول أهل العلم)[28].

النفقة على الأبوين الكافرين. هل تجب؟

اختلف الفقهاء في النفقة للوالد أو الوالدة مع كفرهما، هل هي واجبة كالحكم في حال إسلامهما أو لا؟

اشترط الحنابلة دون غيرهم اتحاد الدين بين المنفق والمنفق عليه، سواء كان ذلك في نفقة عمودي النسب أو غيرهم، ووافقهم الحنفية في نفقة غير عمودي النسب.

واستدل الحنابلة: بأن النفقة مواساة على سبيل البر والصلة، فلم تجب مع اختلاف الدين، كنفقة غير عمودي النسب[29]، ولأنهما غير متوارثين فلم يجب لأحدهما على الآخر نفقة بالقرابة[30].

وربما يستدل لهم أيضا بقوله تعالى: {أن تولوهم} [الممتحنة: 9]؛ فالإنفاق عليهم لا شك أنه من الولاية[31].

جاء في الروض المربع: (ولا نفقة) بقرابة (مع اختلاف دين) ولو من عمودي نسبه لعدم التوارث إذا (إلا بالولاء) فتلزم النفقة المسلم لعتيقه الكافر وعكسه لإرثه منه[32].

ووافق الحنفية الحنابلة في غير قرابة الولاد من الرحم المحرم.

قال ابن نجيم الحنفي: (ولا يجبر المسلم على نفقة الكافر من قرابته، ولا الكافر على المسلم من قرابته إلا الزوجة والوالدين والولد)[33].

وقال الكاساني (حنفي): (وأما الذي يرجع إليهما جميعا فنوعان: أحدهما اتحاد الدين في غير قرابة الولاد من الرحم المحرم، فلا تجري النفقة بين المسلم والكافر في هذه القرابة، فأما في قرابة الولاد فاتحاد الدين فيهما ليس بشرط، فيجب على المسلم نفقة آبائه وأمهاته من أهل الذمة، ويجب على الذمي نفقة أولاده الصغار الذين أعطي لهم حكم الإسلام بإسلام أمهم، ونفقة أولاده الكبار المسلمين الذين هم من أهل استحقاق النفقة، على ما نذكره)[34].

ثم قال مبينا الفرق بين الحالتين: (ووجه الفرق من وجهين: أحدهما: أن وجوب هذه النفقة على طريق الصلة ولا تجب صلة رحم غير الوالدين عند اختلاف الدين وتجب صلة رحم الوالدين مع اختلاف الدين بدليل أنه يجوز للمسلم أن يبتدئ بقتل أخيه الحربي ولا يجوز له أن يبتدئ بقتل أبيه الحربي وقد قال سبحانه في الوالدين الكافرين {وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15] ولم يرد مثله في غير الوالدين.

والثاني: أن وجوب النفقة في قرابة الولاد بحق الولادة لما ذكرنا أن الولادة توجب الجزئية والبعضية بين الوالد والولد وذا لا يختلف باختلاف الدين؛ فلا يختلف الحكم المتعلق به والوجوب في غيرها من الرحم المحرم بحق الوراثة ولا وراثة عند اختلاف الدين فلا نفقة، ولو كان للمسلم ابنان أحدهما مسلم والآخر ذمي فنفقته عليهما على السواء لما ذكرنا أن نفقة الولادة لا تختلف باختلاف الدين)[35].

وذهب جمهور الفقهاء من المالكية في المشهور، والشافعية إلى أن اتحاد الدين ليس شرطا لوجوب نفقة الأصل على الفرع، فتجب النفقة عليه وإن اختلف دينهما، لأن الله تعالى قال في حق الأبوين الكافرين: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا}.

ووافقهم الحنفية، في قرابة الولاد، أي الآباء والأمهات، والأولاد، (عمودي النسب).

قال النووي: (نفقة القرابة تجب مع اتفاق الدين ومع اختلافه، فإن كان أحدهما مسلما والآخر كافرا لم يمنع ذلك من وجوب النفقة، لأنه حق يتعلق بالولادة فوجب مع اتفاق الدين واختلافه كالعتق بالملك)[36].

وفي مواهب الجليل في شرح مختصر خليل (مالكي): (وبالقرابة على الموسر نفقة الوالدين المعسرين): يريد سواء كانا مسلمين أو كافرين كان هو مسلما أو كافرا صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى سواء رضي الزوج أو أبى[37].

 قال د/ وهبة الزحيلي: (اتفق الفقهاء على وجوب النفقة للزوجة مع اختلاف الدين ما لم تكن ناشزة أو مرتدة، واختلفوا في شرط اتحاد الدين للإنفاق على القريب؛ فلم يشترط المالكية والشافعية اتفاق الدين في وجوب النفقة، بل ينفق المسلم على الكافر، والكافر على المسلم، لعموم الأدلة الموجبة للنفقة، وقياساً على نفقة الزوجة، ولوجود الموجب وهو البعضية، أي كون القريب بعضاً من قريبه.

وللحنابلة روايتان: إحداهما ـ تجب النفقة مع اختلاف الدين كالرأي المتقدم. والثانية وهي المعتمدة ـ لا تجب النفقة مع اختلاف الدين؛ لأنها مواساة على البر والصلة ولعدم الإرث، وتفارق نفقة الزوجات؛ لأنها عوض يجب مع الإعسار، فلم يمنعها اختلاف الدين كالصداق والأجرة.

ولم يشترط الحنفية اتحاد الدين في نفقة الأصول (وهم الآباء والأجداد وإن علوا) ونفقة الفروع (وهم الأولاد وأولاد الأولاد وإن نزلوا) ونفقة الزوجة، واشترطوا اتحاد الدين في غير هذه الفئات الثلاث، لعدم أهلية الإرث بين المسلم وغير المسلم)[38].

واختار مذ      هب الحنفية – من المعاصرين - الشيخ الشنقيطي (المختار)؛ فقال: (لو كان له والدان كافران هل ينفق عليهما أولا ينفق؟ الصحيح أنه يجب عليه أن ينفق على والديه الكافرين، وهو اختيار مذهب الشافعية وطائفة من أهل العلم رحمة الله عليهم؛ لأن النصوص التي وردت بالأمر بالإحسان إلى الوالدين وبرهما نزلت في الكفار: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان:15]، وليس من المعروف أن يكون غنياً ووالداه محتاجين فقيرين ولا ينفق عليهما، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسماء أن تحسن إلى أمها وأن تبرها) .

واختار مذهب الحنابلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله؛ فقال: (وهذه المسألة مختلف فيها بين أهل العلم؛ فمنهم من قال: إنه لا نفقة لانقطاع الموالاة والمناصرة، ولعدم التوارث أيضا، فإنه لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم. ومنهم من قال: إنها تجب لعموم قوله تعالى: {وآت ذا القربى حقه} [الإسراء: 26]، ولقوله في الوالدين المشركين: {وصاحبهما في الدنيا معروفا} [لقمان: 15].

والصحيح أنها لا تجب، ولكن تجب الصلة، والصلة شيء غير الإنفاق؛ لأن الصلة تحصل بما عده الناس صلة، ولو بالهدايا وما أشبهها، وأما الإنفاق فإنه يلتزم بجميع مؤونة المنفق عليه.

وقال بعض العلماء: إن اتفاق الدين شرط إلا في الأصول والفروع فإنه ليس بشرط، واستدلوا بالآية التي أشرنا إليها {وصاحبهما في الدنيا معروفا}، ولأن قوة الصلة بين الأصول والفروع أقوى من صلة الحواشي بعضهم مع بعض، ولكن الأقرب ما ذكره المؤلف أنه لا نفقة مع اختلاف الدين، وأما الصلة بحسب ما تقتضيه تلك القرابة فإنها واجبة)[39].

تنبيه هام:

من المهم أن ننبه هنا إلى أن هذا الحكم هو فيما إن كان الكفر أصليًا، أما المرتد: فلا تجب نفقته لكونه مهدر الدم.

جاء في حاشية الجمل: (ووجبت نفقة المرتد هنا دون نفقة القريب المرتد؛ لأن الموجب هنا الملك، وهو موجود وثم مواساة القريب، والمهدر ليس من أهل المواساة)[40].

وعليه؛ فلا يلزم الابن المسلم أن ينفق على أبيه الكافر المرتد, والعكس، إلا إن يكون في ذلك مصلحة - كتأليف قلبه, واستمالته للتوبة - فإن أنفق عليه كان حسنًا[41].

الترتيب في الإنفاق، وبمن يبدأ؟

قال الفقهاء: المنفق له حالتان:

الحالة الأولى: إن كان المنفق قليل المال فإنه يبدأ بالنفقات الواجبة؛ فيبدأ بنفسه، ثم من تجب نفقتهم عليه مع العسر واليسر، وهم: الزوجة، والبهائم، والمماليك، ثم من تجب نفقتهم ولو لم يرثهم المنفق من الأصول كالأب، والأم، والفروع كالأولاد، ثم نفقة الحواشي إن كان المنفق يرثهم بفرض أو تعصيب.

الحالة الثانية: إن كان المنفق غنياً، فإنه ينفق على الجميع حسب العرف.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة ما ترك غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول» تقول المرأة: إما أن تطعمني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني"[42].

هل تقدم نفقة الأم على نفقة الأب عند عدم الكفاية والسعة؟

قال ابن قدامة: (وإن اجتمع أبوان، ففيهما الوجوه الثلاثة؛ أحدها، التسوية؛ لما ذكرنا. والثاني، تقديم الأم؛ لأنها أحق بالبر[43]، ولها فضيلة الحمل والرضاع والتربية، وزيادة الشفقة، وهي أضعف وأعجز. والثالث، تقديم الأب، لفضيلته، وانفراده بالولاية على ولده، واستحقاق الأخذ من ماله، وإضافة النبي - صلى الله عليه وسلم - الولد وماله إليه بقوله: «أنت ومالك لأبيك.» والأول أولى)[44].

وجاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته: (وقال الحنابلة: تقدم الزوجة على الولد، ويقدَّم الأب على الأم لفضيلته، وانفراده بالولاية، واستحقاق الأخذ من ماله.

وقال ابن قدامة: الأولى التسوية بينهما. وقيل عند الشافعية: يقدم الأب، وقيل: الأم والأب سواء)[45].

إن اجتمع أب وابن، من يقدم في استحقاق النفقة عند المشاحة؟

وهذه أيضا مما تختلف فيه اجتهادات وأنظار الفقهاء، وقد ذكر ابن قدامة تلك الاحتمالات والاجتهادات؛ فقال: (وإن اجتمع أب وابن، فقال القاضي: إن كان الابن صغيرا، أو مجنونا، قدم لأن نفقته وجبت بالنص، مع أنه عاجز عن الكسب، والأب قد يقدر عليه، وإن كان الابن كبيرا، والأب زمن، فهو أحق؛ لأن حرمته آكد، وحاجته أشد. ويحتمل تقديم الابن؛ لأن نفقته وجبت بالنص. وإن كانا صحيحين فقيرين، ففيهما ثلاثة أوجه: أحدها، التسوية بينهما؛ لتساويهما في القرب، وتقابل مرتبتهما. والثاني، تقديم الابن؛ لوجوب نفقته بالنص. والثالث. تقديم الأب، لتأكد حرمته).

النفقة على الأجداد والجدات

وكما تجب النفقة على الوالدين، يجب الإنفاق كذلك على الأجداد والجدات، من جهة الأب ومن جهة الأم.

قال ابن عثيمين: (واعلم أن هذا الباب كباب تحريم النكاح، لا يفرق فيه بين جهة الأبوة وجهة الأمومة، فالأصول والفروع سواء كانوا من ذوي الأرحام، أو عصبة، أو أصحاب فروض، تجب النفقة لهم، لكن بشروط)[46].

وهذا هو مذهب جمهور العلماء: الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة والشافعي وأحمد[47]، خلافا للمالكية.

والراجح قول الجمهور، واستدلوا بما يلي:

أولا: أن الجد يسمي "أباً"، كما قال الله تعالى: (ملة أبيكم إبراهيم) الحج/78. وقال تعالى: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء) النساء/22، والأب هنا: يشمل الأب والجد من جهة الأب ومن جهة الأم.

وقال تعالى: (ولأبويه لكل واحد منهما السد مِمَّا تَرَكَ) النساء/11، وهذا يشمل الجد والجدة.

والجدة تسمى "أماً"، قال الله تعالى : (حرمت عليكم أمهاتكم) النساء/23، وهذا يشمل الأم والجدة باتفاق العلماء.

فإذا كان الجد يسمى "أباً"، والجدة تسمى "أمَّاً" دخلا في الأدلة الدالة على وجوب الإحسان إلى الوالدين والإنفاق عليهما[48].

جاء في تبيين الحقائق (حنفي): (وأما الأجداد والجدات فكالأبوين ولهذا يقومان مقام الأب والأم في الإرث وغيره، ولأنهم تسببوا لإحيائه فاستوجبوا عليه الإحياء كالأبوين)[49].

وقال النووي في المجموع (شافعي): (وتجب على الولد نفقه الاجداد والجدات وإن علوا من قبل الاب والام. وبهذا قال أحمد والثوري وأصحاب الرأى. وقال مالك: لا تجب النفقة عليهم ولا لهم، لان الجد ليس بأب حقيقي. دليلنا أن بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة فأوجبت النفقة كالأبوة)[50].

وقال في العدة (حنبلي): (وتجب نفقة الأجداد وأولاد الأولاد لأنهم آباء وأولاد، وقال سبحانه: {ملة أبيكم إبراهيم} [الحج: 78] وقال: {يا بني آدم} [الأعراف: 26])[51].

واحتج المالكية بأن الأدلة قد قامت على وجوب نفقة الأبوين المباشرين دون سائر الأصول، فيقتصر عليهما، ومن ثم لا نفقة على الولد لجد أو جدة[52]. وقولهم مرجوح بالأدلة التي استدل بها الجمهور.

تقديم نفقة الزوجة والأولاد على الوالدين، والسبب في ذلك

تقديم نفقة الزوجة والأولاد على الوالدين ثابت بالسنة النبوية؛ فعن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك "[53].

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أعطى الله أحدكم خيراً فليبدأ بنفسه وأهل بيته "[54].

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصدقوا» فقال رجل: يا رسول الله عندي دينار، قال: «تصدق به على نفسك»، قال: عندي آخر، قال: «تصدق به على زوجتك»، قال: عندي آخر، قال: «تصدق به على ولدك»، قال: عندي آخر، قال: «تصدق به على خادمك»، قال: عندي آخر، قال: «أنت أبصر»[55].

وعن ثوبان بن بجدد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قال صلى الله عليه وسلم: " أفضل دينار ينفقه الرجل: دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله "[56].

قال المناوي في فيض القدير: (ومقصود الحديث الحث على النفقة على العيال وأنها أعظم أجراً من جميع النفقات، كما صرحت به رواية مسلم: أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك)[57].

وقال المرداوي: (الصحيح من المذهب: وجوب نفقة أبويه وإن علوا، وأولاده وإن سفلوا بالمعروف، أو بعضها إن كان المنفق عليه قادرا على البعض، وكذلك يلزمه لهم الكسوة والسكنى، مع فقرهم، إذا فضل عن نفسه وامرأته )[58].

ولم يختلف العلماء في تقديم الزوجة على الوالدين في النفقة، وإنما اختلفوا في الزوجة والولد أيهما يقدم؟

قال ابن الهمام الحنفي: (نفقة الغير تجب على الغير بأسباب الزوجية والقرابة والملك، فبدأ بالزوجات إذ هي الأصل في ثبوت النفقة للولد لأنه فرعها، ثم بالسبب الأبعد).

وقال النووي: (إذا اجتمع على الشخص الواحد محتاجون ممن تلزمه نفقتهم، نظرَ: إن وفَّى ماله أو كسبه بنفقتهم فعليه نفقة الجميع قريبهم وبعيدهم، وإن لم يفضل عن كفاية نفسه إلا نفقة واحد، قدَّم نفقة الزوجة على نفقة الأقارب... لأن نفقتها آكد، فإنها لا تسقط بمضي الزمان، ولا بالإعسار)[59].

وقال ابن قدامة: (ومن لم يفضل عن قوته إلا نفقة شخص، وله امرأة، فالنفقة لها دون الأقارب)[60].

وقال البهوتي: (ويبدأ من لم يفضل عنه ما يكفي جميع من تجب نفقتهم بالإنفاق على نفسه، فإن فضل عنه نفقة واحد فأكثر بدأ بامرأته؛ لأنها واجبة على سبيل المعاوضة؛ فقدمت على المواساة )[61].

والذي يظهر للباحث أن الأكثرية على أن نفقة الزوجة تقدم على نفقة الأولاد، كما نقلنا آنفا. بل قال الشوكاني: (وقد انعقد الإجماع على وجوب نفقة الزوجة، ثم إذا فضل عن ذلك شيء فعلى ذوي قرابته)[62].

وهذا القول اختاره ونص عليه من المعاصرين الشيخ ابن عثيمين رحمه الله، فقال: (الصواب أنه يبدأ بنفسه، ثم بالزوجة، ثم بالولد، ثم بالوالدين ، ثم بقية الأقارب)[63].

لكن ذهب بعضهم إلى أن نفقة الولد مقدمة على نفقة الزوجة، وهو ما ذكره الخطابي الشافعي، فقال:

(هذا الترتيب إذا تأملته علمت أنه صلى الله عليه وسلم قدم الأولى فالأولى والأقرب وهو أنه أمره بأن يبدأ بنفسه، ثم بولده لأن ولده كبعضه فإذا ضيعه هلك ولم يجد من ينوب عنه في الإنفاق عليه. ثم ثلث بالزوجة وآخرها عن درجة الولد لأنه إذا لم يجد ما ينفق عليها فرق بينهما وكان لها من يمونها من زوج أو ذي رحم تجب نفقتها عليه، ... لأن الولد مقدم الحق على الزوجة ونفقة الأولاد إنما تجب بحق البعضية النسبية ونفقة الزوجة إنما تجب بحق المتعة العوضية وقد يجوز أن ينقطع ما بين الزوجين بالطلاق والنسب لا ينقطع أبدا)[64].

الحكمة في تقديم نفقة الزوجة والأولاد على الوالدين، وتقديم نفقة الأبوين على غيرهما من الأقارب

وما ذكره الفقهاء في هذا الشأن واتفقوا عليه هو ما دلت عليه قواعد الشَّريعة العامَّة؛ بيان ذلك أنَّ الحقوق إذا وردت على محلِّ وجب استيفاؤهما جميعًا؛ فإن تعذَّر ذلك فإمَّا أن تسقط جميعًا وهذا ظلمٌ لوجوب تمكين أصحاب الحقوق من حقوقهم، أو يقدَّم أحدها، ولا بدَّ للتَّقديم من مرجِّحٍ.

وهذه المرجِّحات ثلاثةٌ: السَّبق، والقوَّةُ، والقرعة. أمَّا في نفقة تعارض نفقة الزَّوجة مع الوالدين فلا مدخلَ للتَّرجيح بالسَّبقِ؛ لأنَّ سبب النَّفقة مختلفٌ.

أمَّا القرعة فليس هذا موضوعها؛ لأنَّ موضع استعمال القرعة عند التساوي وعدم إمكان التعيين أو الترجيح.

فلم لم يبقَ إلَّا سببٌ واحدٌ للتَّرجيح بين الحقِّين وهو القوَّة، وأكثر العلماء في ذكر هذا الضَّابط فمن ذلك قولهم: (إنَّ الحقَّين إذا وجبا قُدِّمَ أقواهما)، و(إذا ازدحم حقَّان على المال إن أقواهما مقدَّم على الآخر)، و(الحقوق متى اجتمعت في المعيَّن وتفاوتت في القوَّة يبدأ بالأقوى فالأقوى)، وغير ذلك من أقوالهم.

وبيان ذلك: أنَّ نفقةَ الزَّوجة بسبب العقد فهي من حقوق العباد، وحقوق العباد مبنيَّة على المشاحَّة والضِّيق. ونفقة الوالدين تجب على سبيل المواساة والبر وهي من حقوق الله، وحقوق الله مبنيَّة على المسامحة. والقاعدة أنَّ حقَّ العبدِ مقدَّمٌ عند التَّعارض، ومن أقوال العلماء في ذلك: (إذا اجتمع الحقان قدم حق العبد)، وجاء في قواعد المقَّريِّ: (إن مذهب مالك تقديم حق الآدميين)، وقولهم: (حق الآدمي مرجح على حقوق الله تعالى). ومن أوجه التَّرجيح كذلك أنَّ نفقة الزوجة عوض يجب مع الإعسار، أمَّا نفقة الوالدين فلا تجبُ إلَّا على الغنيِّ[65].

وكذلك الحال في تقديم نفقة الأبوين على غيرهما من الأقارب، فقد راعى الله تعالى الترتيب في الإنفاق، فقدم الوالدين، وذلك لأنهما كالمخرج له من العدم إلى الوجود في عالم الأسباب، ثم ربياه في الحال الذي كان في غاية الضعف، فكان إنعامهما على الابن أعظم من إنعام غيرهما عليه، ولذلك قال تعالى: {وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إياه وبالوالدين} [الإسراء: 23].

قالوا: وفيه إشارة إلى أنه ليس بعد رعاية حق الله تعالى شيء أوجب من رعاية حق الوالدين، لأن الله تعالى هو الذي أخرج الإنسان من العدم إلى الوجود في الحقيقة، والوالدان هما اللذان أخرجاه إلى عالم الوجود في عالم الأسباب الظاهرة، فثبت أن حقهما أعظم من حق غيرهما فلهذا أوجب تقديمهما على غيرهما في رعاية الحقوق.

وخلاصة ما سبق أن الواجب على الزوج أن يبدأ بكفاية زوجته وأولاده من النفقة الواجبة عليه بالمعروف، فإن بقي معه بعد ذلك شيء من المال فالواجب عليه أن ينفقه على والديه المحتاجين[66].

الحكمة في تقديم الأقربين على غيرهما

ذكر الله تعالى بعد الوالدين الأقربين، ووجه ذلك أن الإنسان لا يمكنه أن يقوم بمصالح جميع الفقراء، بل لابد وأن يرجح البعض على البعض، والترجيح لابد له من مرجح، والقرابة تصلح أن تكون سببًا للترجيح من وجوه:

أحدها: أن القرابة مظنة المخالطة، والمخالطة سبب لاطلاع كل واحد منهم على حال الآخر، فإذا كان أحدهما غنيًا والآخر فقيرًا كان اطلاع الفقير على الغني أتم، واطلاع الغني على الفقير أتم، وذلك من أقوى الحوامل على الإنفاق.

وثانيها: أنه لو لم يراع جانب الفقير، احتاج الفقير للرجوع إلى غيره وذلك عار وسيئة في حقه فالأولى أن يتكفل بمصالحهم دفعًا للضرر عن النفس.

وثالثها: أن قريب الإنسان جار مجرى الجزء منه والإنفاق على النفس أولى من الإنفاق على الغير، فلهذا السبب كان الإنفاق على القريب أولى من الإنفاق على البعيد[67].

إذا تعددت الفروع، فمن تجب عليه نفقة الأصول؟ وكيف توزع النفقة عليهم؟

اختلف الفقهاء فيمن تجب عليه نفقة الأصول إن تعددت الفروع. وجاء اختلافهم على النحو التالي:

أولا: عند الحنفية:

إن اتحدت درجة القرابة كابنين أو بنتين، كانت النفقة بينهم بالتساوي، للتساوي في القرب والجزئية دون النظر إلى الميراث، حتى إنه لو كان له أخ شقيق وبنت بنت، كانت نفقته على بنت البنت، وإن كان ميراثه لأخيه.

وإن اختلفت درجة القرابة، كما لو كان له بنت وابن ابن وجبت النفقة على الأقرب، فتكون على البنت خاصة وإن كان الميراث بينهما لقرب البنت.

وإذا استويا في القرب يجب على من له نوع رحجان، وإذا لم يكن لأحدهما رجحان فحينئذ تجب النفقة بقدر الميراث[68].

قال ابن برهان: (الأصل في نفقة الوالدين والمولودين أنه يعتبر القرب والجزئية ولا يعتبر الميراث. وإذا استويا في القرب يجب على من له نوع رحجان، وإذا لم يكن لأحدهما رجحان فحينئذ تجب النفقة بقدر الميراث.

بيان هذا الأصل: إذا كان للفقير والد وابنُ ابنٍ موسرين فالنفقة على الوالد لأنه أقرب. وإذا كان له بنت وابنُ ابنٍ فالنفقة على البنت خاصة وإن كان الميراث بينهما لأن البنت أقرب.

وإن كان له بنت بنت أو ابن بنت وله أخ لأب وأم فالنفقة على ولد الابنة ذكراً كان أو أنثى، وإن كان الميراث للأخ لا لولد الابنة، فعلم أن العبرة لقرب القرابة والجزئية وإن سفل، ولد الولد وبنت الولد أو ولد ابن فهم سواء في النفقة عليهم دون الأخ لما قلنا.

ولو كان له والد وولد وهما موسران فالنفقة على ولده وإن استويا في القرب الابن يرجح باعتبار تأويل الثالث له في مال ولده، ولو كان جد وابن ابن فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما، على الجد السدس والباقي على ابن الابن)[69].

ثانيا: عند المالكية:

النفقة تجب على الحر الموسر كبيرا كان أو صغيرا، ذكرا كان أو أنثى، واحدا أو متعددا، مسلما أو كافرا، صحيحا أو مريضا للوالدين أي الأم والأب المباشرين، والمشهور أن النفقة توزع على الأولاد الموسرين بقدر يسار كل منهم[70].

قال النفراوي: (إذا كان الولد متعددا ووجب عليه نفقة أبويه أو أحدهما فإنها توزع على الأولاد حسب اليسار على أرجح الأقوال)[71].

 وفي منح الجليل: (نفقة الوالدين المعسرين واجبة على أولادهما الموسرين، واختلف هل توزع تلك النفقة على عدد رءوس الأولاد من غير فرق بين ذكر وأنثى ولا قدر يسار، أو توزع على حسب ميراثهم فيضعف الذكر على الأنثى، أو توزع على قدر يسارهم الغني بحسب حاله والفقير بالنسبة لغيره بحسب حاله كان ذلك الغني ذكرا أو أنثى؟ أقوال ثلاثة والمذهب هو القول الثالث)[72].

ثالثا: عند الشافعية:

من استوى فرعاه في قرب وإرث أو عدمهما أنفقا عليه، وإن اختلفا في الذكورة وعدمها كابنين أو بنتين، أو ابن وبنت، وإن تفاوتا في قدر اليسار، أو أيسر أحدهما بالمال والآخر بالكسب، لأن علة إيجاب النفقة تشملهما، فإن غاب أحدهما أخذ قسطه من ماله فإن لم يكن له مال اقترض عليه الحاكم إن أمكن، وإلا أمر الحاكم الحاضر بالإنفاق بقصد الرجوع على الغائب أو ماله إذا وجده.

وإن اختلفا في القرب، فالأصح أقربهما تجب النفقة عليه، وارثا كان أو غيره، ذكرا كان أو أنثى، لأن القرب أولى بالاعتبار.

فإن استوى قربهما فبالإرث تعتبر النفقة في الأصح لقوته.

وإن تساوى الفرعان في أصل الإرث دون غيره كابن وبنت، فهل يستويان في قدر الإنفاق أم يوزع الإنفاق عليهما بحسب الإرث؟ وجهان: وجه التوزيع: إشعار زيادة الإرث بزيادة قوة القرب، ووجه الاستواء في قدر الإنفاق اشتراكهما في الإرث[73].

رابعا: عند الحنابلة:

ذهب الحنابلة إلى أنه إن اتحدت درجة القرابة كابن وبنت فالنفقة بينهما أثلاثا كالميراث لقوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك. فإنه رتب النفقة على الإرث، فيجب أن تترتب في المقدار عليه[74].

قال ابن قدامة: (وإن اجتمع ابن وبنت، فالنفقة بينهما أثلاثا، كالميراث. وقال أبو حنيفة: النفقة عليهما سواء؛ لأنهما سواء في القرب. وإن كان أم وابن، فعلى الأم السدس والباقي على الابن. وإن كانت بنت وابن ابن، فالنفقة بينهما نصفان. وقال أبو حنيفة: النفقة على البنت؛ لأنها أقرب.

وقال الشافعي في هذه المسائل الثلاث: النفقة على الابن؛ لأنه العصبة. وإن كانت له أم وبنت، فالنفقة بينهما أرباعا؛ لأنهما يرثانه كذلك. وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: النفقة على البنت؛ لأنها تكون عصبة مع أخيها. وإن كانت له بنت وابن بنت فالنفقة على البنت. وقال أصحاب الشافعي، في أحد الوجهين: النفقة على ابن البنت؛ لأنه ذكر.

ولنا، قول الله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233]. فرتب النفقة على الإرث، فيجب أن تترتب في المقدار عليه، وإيجابها على ابن البنت يخالف النص والمعنى، فإنه ليس بعصبة ولا وارث، فلا معنى لإيجابها عليه دون البنت الوارثة) [75].

اجتماع الأصول والفروع[76]:

واختلف الفقهاء أيضا فيما إذا كان للمستحق للنفقة أصول وفروع، وبيان مذاهبهم فيما يلي:

أولا: مذهب الحنفية:

إذا اجتمع الأصول والفروع لمستحق النفقة، كما لو كان له أب وابن: فإن نفقته على الابن لا على الأب - وإن استويا في القرب والوراثة - لترجح الابن بإيجاب النفقة عليه، لكونه من كسب الأب، كما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: " إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم "[77].

ولأن مال الابن مضاف إلى الأب في قوله عليه الصلاة والسلام: " أنت ومالك لوالدك "[78].

قالوا: ولا يشارك الولد في نفقة والده أحد من الأب أو الأم أو الجد.

فإذا لم يوجد الابن وتفاوتوا في درجة القرابة كما لو كان لمستحق النفقة أب وابن ابن وجبت النفقة على الأقرب، فتكون النفقة على الأب، لأنه أقرب درجة.

وإن تساووا في درجة القرابة وجبت النفقة على حسب أنصبائهم في الميراث، فلو كان له جد وابن ابن فالنفقة عليهما على قدر ميراثهما، السدس على الجد، والباقي على ابن الابن كالميراث[79].

ثانيا: مذهب الشافعية:

لو اجتمع لمستحق النفقة أصل وفرع، فالأصح عندهم: أنها تجب على الفرع وإن بعد كأب وابن ابن، لأن عصوبته أقوى، وهو أولى بالقيام بشأن أبيه لعظم حرمته.

والثاني: أنها على الأصل استصحابا لما كان في وجوبها عليه له في الصغر.

والثالث: أنها تجب عليهما، لاشتراكهما في العلة، وهي البعضية[80].

ثالثا: مذهب الحنابلة:

إذا اجتمع لمستحق النفقة أب وابن من أهل الإنفاق كانت النفقة على الأب وحده، ولا تجب على من سواه، لقوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن}، وقوله: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف "[81].

قالوا: فهذه النصوص جعلت النفقة على الأب دون غيره، فوجب اتباع النص، وترك ما عداه.

فإذا لم يوجد الأب أجبر وارثه على نفقته بقدر ميراثه منه، فمن كان له جد لأم وابن ابن كانت النفقة على ابن الابن لأنه الوارث، ولا شيء على الجد لأم لعدم إرثه، ومن كان له أم وابن، وجب على أمه سدس نفقته، ووجب على الابن الباقي، لأن ميراثهما كذلك.

وإذا اجتمع أصل وفرع وارثان، وكان أقربهما معسرا والأبعد موسرا، وجبت النفقة على الموسر الأبعد، لأن المعسر كالمعدوم، فمثلا من كان له أم فقيرة وجدة موسرة كانت النفقة على الجدة فقط[82].

مقدار نفقة الوالدين[83]، وما يدخل فيها، وما لايدخل

اتفق الفقهاء على أن الواجب في نفقة الأقارب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة والسكنى، لأنها وجبت للحاجة فتقدر بما تندفع به الحاجة؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف "[84]، فقدر نفقتها ونفقة ولدها بالكفاية.

قالوا: وإن احتاج المنفق عليه إلى خادم، فعلى المنفق إخدامه، لأن ذلك من تمام كفايته.

وقال الشيخ ابن جبرين رحمه الله: " وإذا افتقر الوالدان، وعند البنت مال زائد عن حاجتها فيلزمها أن تنفق على والديها قدر حاجتهما دون أن تنقص من حاجاتها "[85].

وجاء في موسوعة الفقه الإسلامي: (إنفاق الولد على والده وإنفاق الوالد على ولده يكون على قدر الكفاية، وسد الحاجة، لا على قدر الميراث، وكل ما سوى الأصول والفروع تكون النفقة على قدر الميراث من القريب)[86].

ويتحصل مما سبق أن مقدار النفقة يكون بحسب قدرة المنفق وحاجة المنفق عليه[87].

هل من حق الأب أن يأخذ من أموال ولده ما يشاء؟ كأن يأخذ لشراء سيارة مثلا هي في حقه من الكماليات؟

ليس معنى ماسبق من كون الابن وماله لأبيه أن يأخذ الأب مال ابنه ليشترى به ما كل يريده، بل المراد من الحديث أن له أن يأخذ ما يكفيه لسد ضروراته وحاجته فقط، وبشرط ألا يأخذ ما تعلقت به حاجته، كمال لازم للزواج ونحو ذلك.

فقد ذكر ابن القيم أن اللام في حديث جابر[88] ليست للملك بل للإباحة؛ فقال: (واللام في الحديث ليست للملك قطعا.. ومن يقول هي للإباحة أسعد بالحديث وإلا تعطلت فائدته ودلالته)[89].

ومما يدل على أنها ليست للملك أن الابن يرثه أولاده وزوجته وأمه، فلو كان ماله ملكاً لوالده: لم يأخذ المال غير الأب.

قال الشافعي: (لأنه لم يثبت فإن الله لما فرض للأب ميراثه من ابنه فجعله كوارث غيره وقد يكون أنقص حظا من كثير من الورثة دل ذلك على أن ابنه مالك للمال دونه)[90].

أيضا ليست هذه الإباحة على إطلاقها، بل هي بشروط أربعة، بينها أهل العلم.

قال الشيخ ابن عثيمين: هذا الحديث ليس بضعيف لشواهده، ومعنى ذلك: أن الإنسان إذا كان له مال: فإنَّ لأبيه أن يتبسَّط بهذا المال، وأن يأخذ من هذا المال ما يشاء لكن بشرط بل بشروط: الشرط الأول: ألا يكون في أخذه ضرر على الابن ، فإن كان في أخذه ضرر كما لو أخذ غطاءه الذي يتغطى به من البرد، أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه : فإن ذلك لا يجوز للأب.

الشرط الثاني: أن لا تتعلق به حاجة للابن ، فلو كان عند الابن أمَة يتسراها : فإنه لا يجوز للأب أن يأخذها لتعلق حاجة الابن بها ، وكذلك لو كان للابن سيارة يحتاجها في ذهابه وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها : فليس له أن يأخذها بأي حال .

الشرط الثالث: أن لا يأخذ المال مِن أحد أبنائه ليعطيه لابنٍ آخر ؛ لأن ذلك إلقاء للعداوة بين الأبناء، ولأن فيه تفصيلاً لبعض الأبناء على بعض إذا لم يكن الثاني محتاجاً ، فإن كان محتاجاً : فإن إعطاء الأبناء لحاجة دون إخوته الذين لا يحتاجون: ليس فيه تفضيل بل هو واجب عليه.

وعلى كل حال: هذا الحديث حجة أخذ به العلماء واحتجوا به، ولكنه مشروط بما ذكرنا، فإن الأب ليس له أن يأخذ من مال ولده ليعطي ولداً آخر)[91].

وهناك شرط رابع مهم، وهو أن تكون عند الأب حاجة للمال الذي يأخذه من ولده، وقد جاء مصرَّحاً بهذا الشرط في بعض الأحاديث؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن أولادكم هبة الله لكم { يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور} فهم وأموالهم لكم إذا احتجتم إليها"[92].

قال الشيخ الألباني: (وفي الحديث فائدة فقهيَّة هامَّة، وهي أنه يبيِّن أن الحديث المشهور " أنت ومالك لأبيك " ليس على إطلاقه بحيث أن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء، كلا ، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه)[93].

وعلى ما سبق، فإذا كان الوالد قد كفي هذا بسعة في الرزق فلا يجب على الابن نفقته، ولا يجوز له أن يأخذ شيئا من مال ابنه بغير طيب نفس منك، على الصحيح من أقوال أهل العلم. وإذا كان فقيرا أعطاه الابن ما يكفي حاجته، ولا يجوز للأب أن يأخذ ما وراء ذلك، مع بقاء استحباب العطاء والتوسعة حتى مع غناه تطييبا لخاطره ومبالغة في إكرامه وبره[94].

إذا لم يجد القريب نقدا هل يلزمه بيع أصوله لينفق على قريبه؟ وهل ينفق من رأس المال؟

لا يجب على المنفق إذا لم يجد نقدا أن يبيع الملك، سواء كان هذا الملك بيتا أو أرض أو مزرعة أو سيارة، فإنه لا يلزم ببيع هذه الأعيان لأنه أمره بالبيع فيه ضرر وفيه مشقة، وكذلك لا يلزمه بيع الآلة للسبب نفسه، بل ينفق مما يجد، ولا يُلزم ببيع ملكه وآلته التي يعمل بها ولا بالإنفاق من رأس مال، لينفق على أقاربه[95].

قال ابن عثيمين في التعليق على قول الماتن في زاد المستقنع (حنبلي): "إذا فضل عن قوت نفسه وزوجته ورقيقه يومه وليلته وكسوة وسكنى ...، لا من رأس مال وثمن ملك، وآلة صنعة": (قوله: «لا من رأس مال»: المراد برأس المال هنا رأس المال الذي يحتاج إليه في التكسب لمعاشه، كرجل عنده عشرة آلاف ريال يكتسب بها ببيع وشراء، لكن نماؤها وربحها الذي يحصله يكفيه لقوته، وزوجته، ورقيقه يومه وليلته فقط، فهل لقريبه أن يطالبه بأن ينفق عليه من هذه عشرة الآلاف؟ الجواب: ليس له ذلك؛ لأنه سيقول: إذا أعطيته من رأس مالي نقص ربحي، وإذا نقص ربحي نقصت كفايتي فيحصل ضرر، والضرر لا يزال بالضرر.

قوله: «وثمن ملك»: الملك يشمل الملك الذي يسكنه، فلو قال له قريبه: أنت عندك بيت، بعه وأنفق علي واستأجر لنفسك، فنقول: لا يلزمه؛ لأنه محتاج إلى هذا الملك، وكذلك لو كان شخص ليس عنده رأس مال لكن عنده ملك يدر عليه، إما مزرعة، وإما بيت يؤجره فيكفي قوته وقوت زوجته ورقيقه، فهل نقول: بع الملك وأنفق على القريب؟ لا.

أو رجل عنده سيارة فخمة فقال له قريبه: بعها واشتر سيارة قديمة، فهل نلزمه بذلك؟ لا، لاسيما إذا كان هذا الرجل ممن جرت عادته بركوب مثل هذه السيارة الفخمة. والحاصل أن كل ما يحتاجه الإنسان لنفسه فلا يلزم ببيعه.

قوله: «وآلة صنعة» كرجل صانع، عنده مكينة يشتغل فيها، نجارة أو حدادة، أو ما أشبه ذلك، فقال له قريبه: بعها وأنفق علي، فهل يبيعها؟ لا؛ لأن هذا يضره، والدليل على هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»، وقوله: صلى الله عليه وسلم: «ابدأ بنفسك»، وهذا من حاجات نفسه)[96].

وقال حمد الحمد: (ومقتضى تعليلهم أنه لو لم يكن يتضرر بذلك كأن يكون له رأس مال، ورأس? المال فائض عن القدر المناسب كأن تكون هذه التجارة يكفيها عشرة آلاف وقد وضع فيها عشرين ألفا حينئذ يأخذ من رأس المال لأنه لا يتضرر)[97].

هل من النفقة الواجبة على الأبناء تزويج أبيهم (أو أمهم)، وهل ينفقون على زوجة أبيهم؟

واختلفوا في بعض صور الإنفاق: هل هي من الواجب أو من المستحب؟ ومن ذلك: تزويج الأبناء أبيهم.

وجمهور أهل العلم على وجوب إعفاف الآباء على الأبناء إن احتاج الآباء لذلك.

جاء في درر الحكام، وهو من كتب الحنفية: (وقال في الجوهرة: وإن احتاج الأب إلى زوجة والابن موسر وجب عليه أن يزوجه أو يشتري له جارية)[98].

وقال القرطبي: (فواجب على الرجل الغنيّ أن ينفق على أبويه المحتاجين ما يصلحهما في قدر حالهما من حاله، من طعام وكُسوة وغير ذلك. قال مالك: ليس عليه أن يزوّج أباه، وعليه أن ينفق على امرأة أبيه؛ كانت أُمُّه أو أجنبية، وإنما قال مالك: ليس عليه أن يزوّج أباه لأنه رآه يستغني عن التزويج غالبًا، ولو احتاج حاجة ماسة لوجب أن يزوّجه، لولا ذلك لم يوجب عليه أن ينفق عليهما)[99].

وقال الدردير (مالكي): (ويجب على الولد الموسر إعفافه أي الأب بزوجة واحدة لا أكثر، إن أعفته الواحدة)[100].

وقال الدسوقي (مالكي): (فإن لم تعفه الواحدة زيد عليها من يحصل به العفاف)[101].

وقال الجلال المحلي في شرحه على المنهاج (شافعي): يلزم الولد ذكرا كان أو أنثى إعفاف الأب والأجداد من جهة الأب أو الأم على المشهور؛ لأنه من وجوه حاجاتهم المهمة كالنفقة والكسوة، والثاني: لا)[102].

وقال الرحيباني في مطالب أولي النهي (حنبلي): (ويجب إعفاف من تجب له النفقة من عمودي نسبه وغيرهم)[103].

والحاصل أنه إذا كان الأب محتاجاً للزواج لإعفاف نفسه، فالواجب على الأبناء الموسرين، أو على الموسر منهم تزويجه؛ وأن إعفاف الأب واجب على أولاده: ذكورهم وإناثهم حسب يسارهم.

وإن لم يكن محتاجا فلا يلزم النفقة عليه، وإنما الواجب صلته والإحسان إليه، وليُعلم أن مساعدة الوالد في أمر الزواج والتوسعة عليه في الإنفاق على زوجته الجديدة لا يتعارض مع حب الابن لوالدته، خاصة إذا كانت متوفاة، وليس من عقوقها في شيء.

والأم كذلك؛ فإن احتاجت للتزويج زوجها من يلزمها نفقتها.

قال ابن قدامة: (وأما الأم فإن إعفافها إنما هو تزويجها إذا طلبت ذلك، وخطبها كفؤها، ونحن نقول بوجوب ذلك عليه، وهم يوافقوننا في ذلك. إذا ثبت هذا، فإنه يجب إعفاف من لزمت نفقته من الآباء والأجداد، فإن اجتمع جدان، ولم يمكن إلا إعفاف أحدهما، قدم الأقرب، إلا أن يكون أحدهما من جهة الأب والآخر من جهة الأم، فيقدم الذي من جهة الأب، وإن بعد؛ لأنه عصبة والشرع قد اعتبر جهته في التوريث والتعصيب، فكذلك في الإنفاق والاستحقاق)[104].

فإن تزوجت من موسر فنفقتها واجبة عليه ولا يجب على أولادها – أو غيرهم- الإنفاق عليها حينئذ، وإن تزوجت من رجل فقير واحتاجت لزم أبناؤها الموسرون نفقتها، ولا تسقط نفقتها عليهم، كما نص عليه أهل العلم.

قال خليل (مالكي): (ولا يسقطها تزويجها بفقير، ومثلها البنت لو تزوجت بفقير تستمر نفقتها على أبيها، ولو قدر زوج الأم أو البنت على بعض النفقة لزم الولد والأب إكمالها)[105].

ويتعاضد هذا الحكم مع كون الابن تجب عليه نفقة زوجة الأب الفقير، كما سبق ذكره في كلام القرطبي والرحيباني.

هل من النفقة الواجبة على الأبناء نفقة الحج، أو الحج عنه بعد موته من مالهم إذا لم يكن له مال؟

قال القرطبي: (واجب على الرجل الغنيّ أن ينفق على أبويه المحتاجين ما يصلحهما في قدر حالهما من حاله، من طعام وكُسوة وغير ذلك... فأما ما يتعلق بالعبادات من الأموال فليس عليه أن يعطيه ما يحج به أو يغزو؛ وعليه أن يخرج عنه صدقة الفطر؛ لأنها مستحقة بالنفقة والإسلام)[106].

وأما حجهم عنه بعد موته من مالهم إذا لم يكن له مال، فلا يلزمهم هذا لكنه من باب البر به، والإحسان إليه.

وذلك أنه لا يجب على الولد أن يحج عن أبيه المتوفى، ولا عن أمه المتوفاة، لا بنفسه ولا بأن يدفع من ماله لمن يحج عنهما، ولكن يستحب ذلك وهو من البِّر بهما بعد موتهما؛ لحديث المرأة التي سألت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن أمي ماتت ولم تحج أفاحج عنها؟ قالت: "نعم حجي عنها"[107].

فدل الحديث على أن الوارث لو تبرع على مورثه بمثل هذه القُربة أجزأ عن الميت، وإذا كان هذا الميت توفي بعد تمكنه من الحج ولم يحج، وترك مالاً فإنه يجب على الورثة أن يخرجوا من ماله (التركة) ما يحج به عنه كما هو مذهب أحمد والشافعي وقال مالك وأبو حنيفة: يسقط الحج عنه بالموت، فإن أوصى به فهو من الثلث.

هل من النفقة الواجبة على الأبناء نفقة الكفن؟

 يجب أن يكفن المسلم من ماله إن كان له مال، ويقدم ذلك على سائر الحقوق؛ لأنها نفقة تتعلق بذاته ونفسه، فتقدم على غيرها.

قال الكاساني الحنفي: (ويكفن من جميع ماله قبل الدين والوصية والميراث, لأن هذا من أصول حوائج الميت؛ فصار كنفقته في حال حياته)[108].

وإذا لم يكن للميت مال وجب تكفينه على من تلزمه نفقته، كالأب والابن والزوج, فإن لم يكن وجبت من بيت المال, فإن لم يكن وجب ذلك على عامة المسلمين[109].

وقال أبو الوليد القرطبي:(اختلف في وجوب كفن الابن الصغير، أو الزمن الذي لا مال له على الأب؛ وفي وجوب كفن الأب المعدم على الابن، فقيل: إن ذلك عليهما كالنفقة؛ لأنه من توابع الحياة ....

وقيل: إن ذلك لا يجب عليهما، إذ ليست النفقة في ذلك ثابتة؛ لأن نفقة الأب تحدث، ونفقة الابن تزول، وقيل: إنه يجب على الأب كفن ابنه الصغير، ولا يجب على الابن كفن أبيه)[110].

حكم دفع الأولاد النفقة الواجبة لدار المسنين ليتولوا بدلا منهم رعاية والديهم

يختلف الحكم هنا باختلاف الأحوال والظروف؛ فإن كان ذلك مع القدرة على توفير الرعاية لهم من جهة الأولاد فإنه لا يجوز، وهو مناف للبر الواجب لهما، ومضاد للفطرة السليمة.

وأما إذا كان ذلك للضرورة، أو للعجز عن تولي رعايتهما لسبب مادي أو عجز حسي، أو لظروف أخرى، أو وافق الأب أو الأم على الإقامة في دار المسنين، لكون ذلك أفضل لهما، وكان هذا بمحض إرادتهما لا بسبب إهماله وتضييعه من قبل أبنائهما، فحينئذ يجوز، ويكون هذا استثناء من الأصل، فالأصل هو عدم الجواز.

ولذلك نص الفقهاء على أنه لا يجوز أن يلزم الأولاد أيا من الأب أو الأم، أو أحدهما بالانضمام الى عائلة الابن أو البنت مثلا للإنفاق عليهما مباشرة، وأن من حقهما – أي الوالدان - أن يستقلا بالمعيشة، ويطلبا النفقة، ويستأثرا بها.

بل نصوا على أنه يجب على الولد خدمة أبيه وأمه، وأن لهما أن يستخدما أولادهما إذا أرادا ذلك أو احتاجا لهما.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية  في الاختيارات: (وقوله عليه السلام: «أنت ومالك لأبيك». يقتضي إباحة نفسه كإباحة ماله وهو نظير قول موسى عليه السلام: {لا أملك إلا نفسي وأخي}، وهو يقتضي جواز استخدامه، وأنه يجب على الولد خدمة أبيه، ويقويه جواز منعه من الجهاد والسفر ونحو ذلك فيما يفوت انتفاعه به، لكن هذا يشترك فيه الأبوان، فيحتمل أن يقال: خص الأب بالمال وأما منفعة البدن فيشتركان فيها، وقياس المذهب جواز أن يؤجر ولده لنفسه مع فائدة الولد مثل أن يتعلم صنعة أو حاجة الأب وإلا فلا)[111].

ومن تأمل في قوله سبحانه: [إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما] يعلم أن من البر أن يكون الأب أو الأم عند ولدهما في بيته، لا في دار المسنين.

وهذا ما انتبه إليه علماء المسلمين، ونبهو عليه؛ فقال البيضاوي في تفسيره: (ومعنى عندك أن يكونا في كنفك وكفالتك)[112]

وفي فتاوى الشبكة الإسلامية، في جواب عن تلك القضية، وتحت عنوان: حكم وضع الابن أباه في دار المسنين، جاءت الفتوى، وفيها:

(... وعليه؛ فإن لم تستطع أن تأتي بأبيك لتسكنه معك في الشقة لكونها ملكا لأمك، ولم يكن هناك إخوة لك يستطيعون رعايته في مكانه، فانتقل أنت للإقامة معه إن كان له مكان يقيم فيه، ... فإن تعسر هذا عليك فيمكنك حينئذ أن تستأجر له من يقوم على رعايته وهو مكانه في بيته فهذا أولى من دار المسنين، لأنه لا يخفى عليك أن أحدا لا يحب أن يضعه أبناؤه في دار للمسنين، ... ولكن إذا وافق أبوك على الإقامة في دار المسنين، وكان هذا بمحض إرادته لا بسبب إهماله وتضييعه من قبل أبنائه، فلا بأس حينئذ بذلك مع دوام المتابعة والرعاية المادية والمعنوية له)[113].

إذا قصر الأب في النفقة على أولاده حال صغرهم، هل يجيز لهم ذلك معاملته بالمثل حال كبره واحتياجه لهم؟

لا يجوز لهم ذلك؛ فإن حق الأب في البر والإحسان والنفقة إن احتاج إليها ثابت لا يسقط بحال من الأحوال سواء قام بالحق الواجب عليه اتجاه أبنائه أو ضيعه لسبب أو غيره.

وذلك لأن بر الوالد والقيام بحقه واجب لكونه أبا، لا في مقابلة إحسانه أو تربيته أو غير ذلك مما هو واجب عليه، قال الله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهمآ أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما {الإسراء:23}[114].

 


[1] رواه البخاري (55).

[2] انظر: صحيح البخاري (1/ 20)، بتعليق مصطفى البغا.

[3] رواه البخاري (1442)، مسلم (1010).

[4] العناية شرح الهداية (4/ 378).

[5] شرح مختصر خليل للخرشي (4/ 183)، الفواكه الدواني (2/ 68).

[6] حاشية الصاوي (2/ 729).

[7] مغني المحتاج (5/ 151)، نهاية المحتاج (7/ 187).

[8] الروض المربع (ص: 618)، شرح منتهى الإرادات (3/ 225).

[9] درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 412)، الفواكه الدواني (2/ 68)، كفاية الأخيار (ص: 441)، شرح زاد المستقنع للخليل (4/ 454).

[10] قد يراد بالقرابة: قرابة النسب، يعني ذي الرحم أي المحرمية، بالنسب كالتي ذكرها الفقهاء في كتاب النكاح مانعة عن الرجوع في الهبة الصحيحة، حتى لو اختلفا دينا ودارا، فقالوا: إن من وهب شيئا لأصوله كأبيه أو لأبي أبيه وكذا لأبي هذا وأمه أو لأمه وأم أبيه ولأبي أمه، وفروعه كابنه أوابنته أو لأولادهما أو لأولاد أولادهما أو لأخيه أو لأخته أو لأولادهما يعني لابن أخيه أو ابن أخته أو لأخ وأخت أبيه وأمه أي لأعمامه وعماته ولأخواله وخالاته هبة صحيحة فليس له الرجوع بعد ذلك. وقد يراد بها ما هو أعم من ذلك، كما سيأتي. انظر: درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (2/ 462).

[11] المجموع شرح المهذب (18/ 291)،

[12] رواه أحمد (6678)، وأبو داود (3530)، وابن ماجه (2290)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1487)، ومشكاة المصابيح (3354)، وانظر الإرواء (3/ 325). قال السيوطي معقبا: وهذا يدل على أن النفقة واجبة على الموسر ولو صغيرا. وقال الشوكاني: دل ذلك على أن الرجل مشارك لولده في ماله. انظر: فتاوى الشبكة الإسلامية - رقم الفتوى: (61265).

[13] رواه أحمد (6678)، وقال محقق المسند: الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، عُبيد الله بن الأخنس: سبق توثيقه 2000. والحديث رواه أبو داود (3530)، من طريق حبيب المعلم، وابن ماجه 2: 24.

[14] المغني (8/ 212).

[15] المغني لابن قدامة (8/ 213).

[16] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (4/ 35).

[17] كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار (ص: 438). وقال د/ مصطفى الخن: (شروط وجوب نفقة الأصول على الفروع: أولاً: أن يكون الفرع موسراً بما يزيد عن الضروري من نفقته، ونفقة زوجته، يومه وليلته، فلو كان الذي عنده من النفقة لا يكفي لأكثر من حاجته، وحاجة زوجته، مدة يوم وليلة، لم يكلّف الإنفاق على أبيه وأُمه، لأن نفقة الفقير لا تجب على فقير مثله، فإن أيسر بجزء من نفقتهما الضرورية تقدم بها إليهما، فإن ضاقت عنهما قدّم أمه على أبيه، ذلك لأن ما لا يدرك كله لا ينبغي أن يترك كله.

ثانياً: أن يكون الأصل فقيراً، والمراد بالفقر هنا: أن لا يكتسب ما يسدّ حاجته الضرورية، سواء كان قادراً على الكسب، أم لا. بخلاف ما مرّ الزمانة، أو الجنون، أي مع صفة العجز. والفرق بينهما: أن الأصل لا يقبح منه تكليف الفرع القادر على الاكتساب.

ولكن الفرع يقبح منه أن يكلف أصله ـ الذي طالما اكتسب وجدّ من أجله ـ بالاكتساب، ولا سيما مع كبر السن.

ثالثاً: أن لا تكون الأم مكفيّة بنفقة زوجها فعلاً، أو حكماً).

[18] الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7422).

[19] المرجع السابق.

[20] روضة الطالبين وعمدة المفتين (9/ 84). وقال أبو بكر الحصني الشافعي: (وإنما تجب نفقة الوالدين بشروط منها يسار الولد ...،

ولو كان الولد لا مال له إلا أنه يقدر على الاكتساب ويحصل ما يفضل عن كفايته فهل يكلف الكسب في خلاف؟ قيل: لا كما لا يكلف الكسب لقضاء الديون. والصحيح أنه يكلف، وبه قطع الجمهور لأنه يلزمه إحياء نفسه بالكسب). كفاية الأخيار (ص: 438).

[21] الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (2/ 522).

[22] انظر: المرجع السابق.

[23] قال شيخ الإسلام: (دفع الزكاة إلى الوالد لا يجوز عند الأئمة المتبوعين في المشهور عنهم؛ إلا إذا أخذها لكونه غارما لإصلاح ذات البين أو للجهاد ونحوه مما فيه مصلحة للمسلمين. وأما إذا كان غارما في مصلحة نفسه ففيه الخلاف، وجوازه قوي متجه، ويدفعها إلى أبنائه إن كان عاجزا عن نفقتهم في قول بعضهم). المستدرك على مجموع الفتاوى (3/ 164). وذكر أحمد رضي الله عنه عن سفيان بن عيينة قال: (كان العلماء رحمهم الله يقولون: لا يحابي بها قريبا ولا يدفع بها مذلة ولا مذمة، ولا يقي بها ماله )– المرجع السابق (3/ 165). وقال ابن باز رحمه الله: (الديون لا يلزم القريب أن يقضيها عن قريبه، فيكون قضاؤها من زكاته أمراً مجزياً حتى ولو كان ابنك أو أباك وعليه دين لأحد ولا يستطيع وفاءه، فإنه يجوز لك أن تقضيه من زكاتك، أي يجوز أن تقضي دين أبيك من زكاتك، ويجوز أن تقضي دين ولدك من زكاتك بشرط أن لا يكون سبب هذا الدين تحصيل نفقة واجبة عليك). مجموع الفتاوى (14/311).

[24] انظر: فتاوى الشبكة الاسلامية - رقم الفتوى: (127960مجموع الفتاوى لابن عثيمين (18/419).

[25] المغني (2/269) بتصرف يسير .

[26] انظر: الشرح الممتع على زاد المستقنع (6/ 250).

[27] الموسوعة الفقهية الكويتية (23/ 326).

[28] فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 17041).

[29] عمودا النسب هما أصول المرء وفروعه. قال في الموسوعة الفقهية: ويقال للأصول والفروع عمودا النسب.

[30] قال الزركشي في شرح الخرقي: (ولا بد من شرط رابع - أي لوجوب النفقة - وهو أن يتحد دينهما، فإن اختلف فلا نفقة لأحدهما على صاحبه؛ لأن النفقة مواساة على سبيل البر والصلة، ولا صلة مع اختلاف الدين، ولأنهما غير متوارثين، فلم تجب لأحدهما نفقة على الآخر، كما لو كان أحدهما رقيقًا)، ثم قال: (ولا نزاع في اشتراط هذا الشرط في غير عمودي النسب، وفي عمودي النسب روايتان، نص عليهما في الأب الكافر، هل تجب عليه نفقة ولده المسلم، وخرجهما القاضي في العكس، وأبو محمد ينصر عدم الوجوب مطلقًا، عكس ظاهر كلام الخرقي، فإن ظاهره الوجوب في عمودي النسب؛ لأنه لم يشترط ذلك، وعدم الوجوب في غيرهم، كما هو متفق عليه).

[31] قاله ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع (13/ 512).

[32] حاشية الروض المربع (7/ 135).

[33] البحر الرائق (4/ 226).

[34] بدائع الصنائع (4/36، 37).

[35] المرجع السابق.

[36] المجموع شرح المهذب (18/ 297).

[37] مواهب الجليل (4 / 209). وفي الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: (قوله: على الموسر نفقة الوالدين) أي مما فضل عنه، وعن زوجاته ولو أربعا لا عن نفقة خادمه ودابته؛ إذ نفقة الأبوين مقدمة على نفقتهما ما لم يحتج لهما، وإلا قدمت نفقتهما على نفقة الأبوين (قوله: ولو كافرين) أي هذا إذا كانا مسلمين، والولد مسلم، أو كافرين والولد كافر بل، ولو كانا كافرين والولد مسلم (قوله: أو بالعكس) أي بأن كان الأبوان مسلمين والولد كافرا. حاشية الدسوقي (2 / 522، 523).

 وفي المدونة: (قلت: أرأيت إن أسلم الأبوان وفي حجرهما جواري أولاد لهما قد حضن، فاخترن الكفر على الإسلام أيجبر الأب على نفقتهن أم لا؟ قال: نعم. قلت: ويجبر الكافر على نفقة المسلم، والمسلم على نفقة الكافر؟ قال: إذا كانوا آباء وأولادا فإنا نجبرهم. قلت: أتحفظه عن مالك؟ قال: بلغني عن مالك - ولم أسمعه منه - أنه سئل عن الأب الكافر إذا كان محتاجا أو الأم ولها بنون مسلمون هل يلزم الولد نفقة الأبوين وهما كافران؟ قال: نعم). المدونة (2/ 265).

[38] الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7354).

[39] الشرح الممتع (13/ 512، 513). بينما أفتى بمذهب المالكية والشافعية: دار الإفتاء المصرية، كما في فتاوى دار الإفتاء المصرية (2/ 299) بعنوان: (اختلاف الدين غير مانع من وجوب النفقة)، وكذلك: الشبكة الإسلامية، كما في فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 17072) بعنوان: (نفقة الأولاد على أبيهم واجبة وإن كان كافرا).

[40] حاشية الجمل على شرح المنهج (4/ 523)، الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي (4/ 176).

[41] انظر: فتاوى اسلام ويب - رقم الفتوى: (226303).

[42] رواه البخاري (5355)، وقوله: (ما ترك غنى): أي: ما لم يجحف بالمعطي، وكان سهلا عليه، وترك لديه سعة. (كيس): أي: من قوله. وفي رواية: (كيس) أي عقله وفطنته. انظر: تعليق مصطفى البغا - صحيح البخاري (7/ 63).

[43] لما صح من الحديث أنه جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أمك» قال: ثم من؟ قال: «ثم أبوك». رواه البخاري (5971) ومسلم (2548).

[44] المغني لابن قدامة (8/ 222).

[45] الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7369).

[46] الشرح الممتع (13/498-499).

[47] كما ستأتي في النقولات التي تبين مذاهبهم.

[48] انظر : "المغني" (11/372) .

[49] تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (3/ 63).

[50] المجموع شرح المهذب (18/297،296).

[51] العدة شرح العمدة (ص: 481).

[52] انظر: حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 135)، المعونة على مذهب عالم المدينة (ص: 939).

[53] رواه مسلم (997).

[54] رواه مسلم (1822).

[55] رواه أبو داود (1691)، والنسائي، واللفظ له ، وحسنه الألباني في الإرواء (895). وننبه إلى أن تسمية النبي صلى الله عليه وسلم النفقة على الأهل صدقة لا يعني أنها مستحبة فقط. قَالَ الْمُهَلَّب: " النفقة على الأهل واجبة بالإجماع وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه وقد عرفوا ما في الصدقة من الأجر فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم ترغيبا لهم في تقديم الصدقة الواجبة قبل صدقة التطوع " . فتح الباري لابن حجر (9/ 498).

[56] رواه مسلم (994).

[57] فيض القدير

[58] الإنصاف (9/ 392).

[59] روضة الطالبين (9/ 93) .

[60] المغني لابن قدامة (8/ 221).

[61] كشاف القناع عن متن الإقناع (5/ 483).

[62] نيل الأوطار (6 /381).

[63] انظر: فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام (5/194).

[64] معالم السنن (2/ 81،82).

[65] قال ابن رجب: (تستعمل القرعة في تمييز المستحق ابتداءً لمبهم غير معين عند تساوي أهل الاستحقاق، وتستعمل أيضا في تمييز المستحق المعين في نفس الأمر عند اشتباهه والعجز عن الاطلاع عليه، وتستعمل في الحقوق الاختصاص والولايات ونحوه).

وذكر ابن القيم ضابط ما تجري فيه القرعة بقوله: (إن الموضع الذي تلحق فيه التهمة شرعت فيه القرعة نفيا لها ومالا تلحق فيه لا فائدة فيها). انظر: موقع الألوكة – تحت عنوان: حكم نفقة الوالدين والزَّوجة، والعمل عند التعارض.

[66] انظر: فتاوى الإسلام سؤال وجواب، فتوى رقم (129344) بعنوان: نفقة الزوجة مقدَّمة على نفقة الوالدين. وفي فتاوى الإسلام ويب: (إن نفقة الزوجة والأولاد المحتاجين مقدمة على نفقة الوالدين. وجاء في كتاب الفقه الإسلامي وأدلته: إذا تعدد مستحقو النفقة ولم يكن لهم إلا قريب واحد، فإن استطاع أن ينفق عليهم جميعاً وجب عليه الإنفاق، وإن لم يستطع بدأ بنفسه، ثم بولده الصغير أو الأنثى، أو العاجز، ثم بزوجته. وقال الحنابلة: تقدم الزوجة على الولد).

[67] الحاوي في تفسير القرآن – موقع نداء الإيمان.

[68] انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 499)، رد المحتار (3/ 623).

[69] المحيط البرهاني في الفقه النعماني (3/ 580).

[70] مواهب الجليل 4 / 209، شرح مختصر خليل للخرشي (4/214).

[71] الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (2/ 69).

[72] منح الجليل شرح مختصر خليل (4/ 416).

[73] مغني المحتاج (5/ 189،190)، حاشيتا قليوبي وعميرة (4/ 87). منهج الطلاب (ص: 144).

[74] المغني لابن قدامة (8/ 219)، الشرح الكبير على متن المقنع (9/ 282).

[75] المرجع السابق.

[76] انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (41/ 82).

[77] سبق تخريجه.

[78] سبق تخريجه.

[79] انظر: بدائع الصنائع (4 / 32،33).

[80] مغني المحتاج (35 / 190)، روضة الطالبين (9/ 93).

[81] رواه البخاري (5364)، مسلم (1714).

[82] المغني لابن قدامة (8/ 216).

[83] وكذلك غيرهما من الأقارب.

[84] سبق تخريجه.

[85]T  فتاوى الإسلام سؤال وجواب – رقم الفتوى (12214)، بعنوان: هل للوالدين حق في مال البنت المتزوجة.

[86] موسوعة الفقه الإسلامي (4/ 160).

[87] انظر: بدائع الصنائع (4 / 38)، البناية شرح الهداية (5/ 711)، حاشية الدسوقي (2 / 523)، عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة (2/ 607)، المجموع شرح المهذب (18/ 307)، الوسيط في المذهب (6/ 232)، الشرح الكبير على المقنع (24/ 290)، الجامع لعلوم الإمام أحمد (11/ 579).

[88] والذي فيه: " أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ". وقد سبق تخريجه.

[89] إعلام الموقعين ( 1 / 116 ).

[90] الرسالة ( ص 467 ).

[91] فتاوى إسلامية ( 4 / 108 ، 109 ).

[92] رواه الحاكم ( 2 / 284 ) والبيهقي ( 7 / 480 )، وصححه الشيخ الألباني – انظر: السلسلة الصحيحة ( 2564 ).

[93] السلسلة الصحيحة ( 2564 ).

[94] انظر: موقع الإسلام سؤال وجواب (7/ 1328)، فتوى بعنوان: (هل يجوز للوالد بيع ما يملكه ولده)، فتاوى الشبكة الإسلامية (8/ 1147).

[95] شرح زاد المستقنع للخليل (6/ 49).

[96] الشرح الممتع على زاد المستقنع (13/ 506).

[97] شرح زاد المستقنع للحمد (25/ 63). وانظر: كفاية الأخيار (ص: 438).

[98] درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 418).

[99] تفسير القرطبي (3/ 37).

[100] الشرح الكبير وحاشية الدسوقي (2/ 523)، حاشية الصاوي (2/ 752).

[101] المرجع السابق.

[102] حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 270).

[103] مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (5/ 648)، شرح منتهى الإرادات (3/ 241)، وقال ابن قدامة: (ويلزم الرجل إعفاف أبيه، إذا احتاج إلى النكاح. وهذا ظاهر مذهب الشافعي. ولهم في إعفاف الأب الصحيح وجه آخر، أنه لا يجب. وقال أبو حنيفة: لا يلزم الرجل إعفاف أبيه، سواء وجبت نفقته أو لم تجب؛ لأن ذلك من أعظم الملاذ، فلم تجب للأب، كالحلواء، ولأنه أحد الأبوين، فلم يجب له ذلك كالأم. ولنا، أن ذلك مما تدعو حاجته إليه، ويستضر بفقده، فلزم ابنه له، كالنفقة، ولا يشبه الحلواء؛ لأنه لا يستضر بفقدها، وإنما يشبه الطعام والأدم...).

[104] المغني (8/ 216).

[105] الفواكه الدواني (2/ 69).

[106] تفسير القرطبي (3/ 37).

[107] رواه مسلم (1149). وكذلك في حديث ابن عباس: " أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله إن أبى أدركته فريضة الله فى الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوى على الراحلة , فأحج عنه. قال: حجى عنه " متفق عليه. انظر: إرواء الغليل (4/ 170) ح (992).

[108] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 308).

[109] انظر: موقع الإسلام سؤال وجواب (5/ 4772)، الحاشية العثيمينية على زاد المستقنع (ص: 167، فقه العبادات على المذهب الشافعي (1/ 483).

[110] البيان والتحصيل (2/ 252)، باختصار وتصرف يسير.

[111] بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار (2/ 150).

[112] تفسير البيضاوي (3/ 252).

[113] فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 19).

[114] فتاوى الشبكة الإسلامية (13/ 17048).