اعقلها وتوكل
التوكل على الله من أعظم المنازل والمقامات عند الله تعالى، وهو أمر مطلوب من المسلم في كل حال وزمان، قال الله تعالى: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23]، وقد أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالتوكل، فقال: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ} [النمل: 79]، ومن توكل على الله تعالى كفاه وهداه، قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}
[الطلاق: 3].
التوكل والأخذ بالأسباب هما مفهومان متكاملان في الحياة، التوكل يعني الاعتماد على الله والثقة في قدرته وحكمته، بينما الأخذ بالأسباب يعني بذل الجهد واتخاذ الخطوات العملية لتحقيق الأهداف.
بمعنى آخر، يجب على الإنسان أن يعمل بجد ويخطط بشكل جيد، وفي نفس الوقت يضع ثقته في الله، ويؤمن بأن النتائج في يده، هذا التوازن بين العمل والإيمان هو ما يجعل الحياة متكاملة ومثمرة.
التوكل على الله تعالى نهج المسلم في تعاملاته، وأسلوبه في الحياة، ذلك مع حسن التدبير والتخطيط، فالتوكل لا يمنعه من الأخذ بالأسباب، فالأخذ بالأسباب والاحتياط وترتيب الأمور؛ كل ذلك لا يعارض التوكل؛ بل قد يكون من لوازم التوكل ومن مقتضياته، ومع ذلك فإن المؤمن بالله ورسوله يعلم أن الأخذ بالأسباب وحده غير كفيل بالوصول للهدف، وكذلك التوكل على الله دون الأخذ بالأسباب تواكل وخور وضعف.
والتواكل هو الاعتماد الكامل على الآخرين أو على القدر دون بذل أي جهد شخصي، وهذا يعتبر عجزًا لأنه يعطل الإنسان عن تحقيق أهدافه وتطوير نفسه، بينما التوكل هو الاعتماد على الله مع بذل الجهد واتخاذ الأسباب، وهو ما يعزز من قدرة الإنسان على النجاح والتفوق.
عن أنس بن مالك، قال: قال رجل: يا رسول الله أعقلها وأتوكل، أو أطلقها وأتوكل؟ قال: «اعقلها وتوكل» (1)، يعني: خذ بالأسباب وتوكل على الله عز وجل، فلا يهمل الإنسان الأسباب أصلًا ولا يأتي بالأسباب معتمدًا عليها غافلًا عن الله عز وجل؛ لأن الأسباب إذا لم يجعلها الله نافعة لم يحصل من ورائها فائدة للإنسان (2).
والله تعالى لا مقيد لمشيئته سبحانه، والمشيئة التي تريد النتيجة هي ذاتها التي تيسر الأسباب، فلا تعارض بين تعليق النصر بالمشيئة ووجود الأسباب، والنواميس التي تصرف هذا الوجود كله صادرة عن المشيئة الطليقة، وقد أرادت هذه المشيئة أن تكون هناك سنن لا تتخلف، وأن تكون هناك نظم لها استقرار وثبات، والنصر والهزيمة أحوال تنشأ عن مؤثرات، وفق تلك السنن التي اقتضتها تلك المشيئة الطليقة.
والعقيدة الإسلامية واضحة ومنطقية في هذا المجال، فهي ترد الأمر كله إلى الله، ولكنها لا تعفي البشر من الأخذ بالأسباب الطبيعية التي من شأنها أن تظهر النتائج إلى عالم الشهادة والواقع، أما أن تتحقق تلك النتائج فعلًا أو لا تتحقق فليس داخلًا في التكليف، لأن مرد ذلك في النهاية إلى تدبير الله.
ولقد ترك الأعرابي ناقته طليقة على باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل يصلي قائلًا: توكلت على الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكل»، فالتوكل في العقيدة الإسلامية مقيد بالأخذ بالأسباب، ورد الأمر بعد ذلك إلى الله (3).
قال الصنعاني: فهذه الكلمة الشريفة مرشدة إلى أن التوكل لا يتم إلا باتخاذ الأسباب التي جعلها الله وصلة إلى مسبباتها، لأن ترك السبب ليس من شأن المتوكلين، بل المتوكل من اتخذ السبب ثم توكل، كتوكل الزراع في سقي الأرض وإلقاء البذور، وأما تارك السبب فلا يسمى متوكلًا؛ بل متكلًا عاجزًا مُفَرِّطًا.
وقال ابن تيمية: ومما ينبغي أن يُعْلَم: ما قاله طائفة من العلماء، قالوا: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد.. والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع (4).
قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، أي ومن يكل أمره إلى الله ويفوض إليه الخلاص منه- كفاه ما أهمه في دنياه ودينه، والمراد بذلك أن العبد يأخذ في الأسباب التي جعلها الله من سننه في هذه الحياة، ويؤديها على أمثل الطرق، ثم يكل أمره إلى الله فيما لا يعلمه من أسباب لا يستطيع الوصول إلى علمها، وليس المراد أن يلقى الأمور على عواهنها، ويترك السعي والعمل ويفوض الأمر إلى الله، فما بهذا أمر الدين بدليل قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ} (5).
فينبغي للمسلم أن يأخذ بالأسباب التي شرعها الله تبارك وتعالى، ويدع الأمور بعد ذلك إلى الله، ويعتقد أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله تبارك وتعالى له، لكن الأخذ بالأسباب أمر مشروع بل واجب أمر به الله، وفعله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وفعله الخلفاء من بعده، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يرتب الجيوش ويرسل الجواسيس على أهل الكفر ليأتوه بالأخبار، ويذهب هو عليه الصلاة والسلام بنفسه يتحسس أهل الفساد وأهل الشر، كما في قصة ابن صياد الذي ذاع خبره في مدينة رسول الله عليه الصلاة والسلام، واشتهر بين الناس أنه المسيح الدجال، فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه وهو يتقي جذوع الشجر، حتى وصل إلى ابن صياد وهو نائم؛ حتى سمع النبي صلى الله عليه وسلم همهماته وهو نائم، فقالت أم ابن صياد: يا صافي! هذا محمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو تركته بيِّن»، فأخذ منها بعض الفقهاء مشروعية التجسس على أهل الريب والفساد، كالمروجين مثلًا للمخدرات أو المروجين للأشرطة التي تبث الدعارة والفسق والفجور، فهؤلاء هم الذين ينبغي أن يتجسس عليهم؛ حتى يعلم حالهم وحتى يفشو أمرهم، لا على العابدين التائبين الراكعين الساجدين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر (6).
وعمر بن الخطاب يتقاسم الأيام مع جاره الأنصاري في المزرعة لطلب العلم وللعمل، ويقول: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبًا ولا فضة، إنما يرزق الله الناس بعضهم من بعض (7).
يرى المحققون أن التوكل على الله يدخل فيه الأخذ بالأسباب، لكن متى تذم الأسباب؟ إذا كانت غير شرعية، إذا كانت محرمة؛ كمن أعد للغش في الاختبارات، ويقول: هذا أخذ بالأسباب، واتفاقات مع زملائه في الحرام، ويقول: أخذ بالأسباب، فمن شرط الأخذ بالأسباب إذن أن تكون شرعية، ثم لا يعتمد عليها، لا يتكل عليها، وإنما يبذلها، ويقوم بها متوكلًا على الله، ولو شاء الله أن يتعطل السبب تعطل، ولم ينفع، ولم يعمل.
التوكل على الله له فوائد عديدة، منها:
الطمأنينة النفسية: التوكل يمنح الإنسان شعورًا بالراحة والسكينة لأنه يعلم أن الله هو المدبر لكل شيء، كما يمنحه الإحساس بالطمأنينة والأمان في جميع أمور حياته، فلا يشعر بالخوف أبدًا سواء من الآخرين أم من الأشياء الأخرى.
الثقة بالنفس: عندما يتوكل الإنسان على الله، يزداد ثقته بنفسه لأنه يعلم أن الله معه ويسانده.
التوازن في الحياة: التوكل يساعد الإنسان على تحقيق التوازن بين بذل الجهد والاعتماد على الله، مما يجعله أكثر قدرة على مواجهة التحديات.
النجاح والتوفيق: التوكل يعزز من فرص النجاح والتوفيق لأن الإنسان يعمل بجد ويعتمد على الله في نفس الوقت.
التخلص من القلق والخوف: التوكل يساعد الإنسان على التخلص من القلق والخوف من المستقبل لأنه يعلم أن الله هو المدبر لكل شيء.
يمنح البهجة والسرور لصاحبه، لأنه يرى الحياة بمنظورٍ آخر، فلا يعبأ بما تخبئه له الأيام لأنه متوكلٌ على الله تعالى.
يُكمل إيمان العبد، ويجعله راضيًا بالقضاء خيره وشرّه، ولا يحمل همّ حياته ورزقه أو همّ أي شيءٍ آخر.
يُعطي القوة والشجاعة لصاحبه، كما يزيد في القدرة على الإقدام والمضي في تحقيق الأهداف.
يمنح الشعور بالتفاؤل ويقضي على التشاؤم ويزيد في رزق العبد.
يقهر الشيطان ولا يجعل له سبيلًا للوصول إلى يقين العبد المتوكل على الله تعالى.
ومن فوائد التوكل: أن ما قصرت به الأسباب تكمله قدرة الله تعالى، وهذه فائدة جد مهمة، ماذا كان يملك موسى عليه السلام لما أخذ بني إسرائيل معه هربًا من فرعون، ما كان يملك سلاحًا، ولا جيشًا، وقد قام فرعون وراءه مع جيشه مدججًا، وقد أخذ موسى بما أمكن من الأسباب: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ} [الدخان: 23]، لما لحقه فرعون ومن معه، وقال من استعجل: هلكنا، {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)} [الشعراء: 61- 62]، وهكذا أنقذ الله بقدرته موسى ومن معه.
إذا كان الأخذ بالأسباب وإعداد العُدة أمر ضروري وواجب شرعي وهو من هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنه ينبغي أن يُعْلَم أنه لا يتحتم أن يترتب على إعداد العُدَّة والأخذ بالأسباب دائمًا حصول النتيجة المرجوة، وذلك لأن النتيجة تتعلق بأمر الله عز وجل ومشيئته وحكمته، ومن ثم فرغم إعداد النبي صلى الله عليه وسلم للهجرة وتخطيطه الدقيق لها، فقد وقعت حادثتان مشهورتان أثناء الهجرة، كان يمكن أن يترتب عليهما إحباط الخطة والهجرة.
الحادثة الأولى: كانت في وصول المشركين للغار الذي بداخله النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا! فقال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما» (8).
وأما الحادثة الثانية: كانت حين أدرك سراقة بن مالك للإمساك بهما أو القضاء عليهما لأخذ مكافأة من قريش، فساخت قوائم فرسه في الأرض حتى أيقن بالهلاك هو وفرسه، فعاد مرة أخرى وامتطى فرسه وانطلق فسقط مرة ثانية، ويصف أبو بكر رضي الله عنه ما حدث مع سراقة فيقول: فارتحلنا بعد ما مالت الشمس وأتبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أُتينا يا رسول الله، فقال: لا تحزن إن الله معنا، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فارتطمت به فرسه إلى بطنها، فقال: إني أراكما قد دعوتما عليَّ، فادعوَا لي، فالله لكما أن أرَّد عنكما الطلب، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا، فجعل لا يلقى أحدًا إلا قال: كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلا رده، قال: ووفَّى لنا (9).
قال أنس: فكان سراقة أول النهار جاهدًا (مبالغًا في البحث والأذى) على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخرَ النهار مَسْلَحةً له (حارسًا له بسلاحه) (10).
لقد أعد النبي صلى الله عليه وسلم للهجرة ما أمكن مع صاحبه والراحلتين والزاد، والذي أخذ مكانه في الفراش، والذي كان يدلهم على الطريق، والذي كان يأتي بالغنم ليخفي آثارهما، ويرعى في ذلك المكان، مع ذلك وصل الكفار إليهما، ولو نظر أحدهم تحت قدميه لأبصرهما، ولكن الله بلطفه وقدرته عمَّى على المشركين، فإذا نقصت الأسباب -قصرت الأسباب-، فقدرة الله تتمم ذلك.
لا تعطيل للأسباب، ولا اعتماد عليها من دون الله، ولا استعانة بها على المعاصي، ولا أن تكون هي في ذاتها محرمة، بل تُبذل الأسباب الشرعية مع التوكل على خالق الأسباب.
أسباب التواكل:
التواكل يمكن أن ينشأ من عدة أسباب، منها:
الاعتماد الزائد على الآخرين: بعض الأشخاص قد يعتمدون بشكل مفرط على دعم الآخرين، مما يجعلهم يتجنبون بذل الجهد الشخصي.
الخوف من الفشل: الخوف من عدم النجاح يمكن أن يدفع البعض إلى تجنب المحاولة من الأساس، والاعتماد على الحظ أو الآخرين.
الكسل: عدم الرغبة في بذل الجهد والعمل، يمكن أن يكون سببًا رئيسيًا للتواكل.
نقص الثقة بالنفس: الشعور بعدم القدرة على تحقيق الأهداف يمكن أن يجعل الشخص يعتمد على الآخرين بدلًا من الاعتماد على نفسه.
التربية والتنشئة: بعض الأشخاص قد ينشئون في بيئة تشجع على الاعتماد على الآخرين بدلًا من تشجيع الاستقلالية والعمل الجاد.
صور التواكل:
التواكل يمكن أن يظهر في عدة صور، منها:
الاعتماد الكامل على الآخرين: مثل الاعتماد على الأهل أو الأصدقاء في تلبية جميع الاحتياجات دون محاولة الاعتماد على النفس.
التقاعس عن العمل: عدم البحث عن وظيفة أو عدم بذل الجهد في العمل الحالي بحجة أن الرزق مكتوب.
التسويف: تأجيل المهام والأعمال بحجة أن هناك وقتًا كافيًا لاحقًا، دون الأخذ بالأسباب والعمل الجاد.
الاعتماد على الحظ: الاعتماد على الحظ أو الصدفة لتحقيق الأهداف دون وضع خطط أو بذل جهد.
التواكل في التعليم: الاعتماد على الغش أو مساعدة الآخرين في الامتحانات بدلًا من الدراسة والاجتهاد.
التواكل يمكن أن يكون عائقًا كبيرًا أمام تحقيق الأهداف والتقدم في الحياة، من المهم العمل على تعزيز الثقة بالنفس، وتطوير مهارات الاعتماد على الذات، وتشجيع العمل الجاد والمثابرة.
اتخذ قرارك:
تجد نفسك أحيانًا وقد وصلت لمرحلة من الانهاك والتعب، لا لعمل بدني فيزيائي؛ ولكن بسبب تفكير متواصل في أمر ما، تريد أن تتخذ قرارًا بشأنه، فتجد نفسك في حيرة من أمرك.
ما هو التردد؟
إنه يعني بكل وضوح، أن همسًا أو صوتًا خافتًا يأتيك من أعماقك يدعوك إلى عدم خوض ما أنت بصدده، ويدعوك ذاك الصوت الهامس الخافت كذلك، إلى التوقف والتفكير مرات ومرات، ويبدأ يقرأ عليك أوهامًا وتوهمات، ويدعوك إلى تخيل صور سلبية بائسة متشائمة..
من الطبيعي أن تتريث وتتمهل وتقف طويلًا قبل اتخاذ قرارك في أي أمر من أمور حياتك، إن أنت استمعت إلى ذاك الصوت أو الهمس الخفي، أو تعمقت أكثر في الأمر بأن تصل إلى حد التصديق.
التردد يختلف عن التخطيط والتفكير الشامل قبل اتخاذ أي قرار، المقصود من التردد ها هنا، هو عدم الإقدام على الخطوة الأخيرة، من بعد اتخاذ كافة الإجراءات والتخطيط اللازم والتفكير المناسب.
عدم إنهاء الموضوع والتوقف عند الخطوة الأخيرة أو الدرج الأخير من سلم صناعة القرار، إنما هو الخسارة الأكيدة.
قد يتبادر للذهن سؤال لماذا؟ لأنك أهدرت وقتًا وجهدًا وأنت في مراحل التهيئة والترتيب اللازمين لاتخاذ القرار، وبدلًا من أن تكلل كل تلك المراحل بالإقدام على الخطوة الأخيرة، لكي ترى النتائج، بغض النظر عن ماهيتها، تكون قد أضعت على نفسك فرصًا، ربما ثمينة وغالية، وقد لا تتكرر مستقبلًا.
توكل خالد بن الوليد:
سيف الله المسلول خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يتردد في اتخاذ قرار الانسحاب من معركة مؤتة بعد أن رأى بوادر الهزيمة قادمة لجيش المسلمين يومذاك، بل ربما فناء الجيش بأكمله وهو يواجه جيشًا يفوق عددًا وعدة بأضعاف الأضعاف.
اتخذ قراره دون أي تردد أو تذبذب، فالموقف لا يتحمل أي تردد، والقائد الحقيقي وقت الأزمات لا يتردد أو هكذا يجب أن يكون عليه القادة، ولو أن خالدًا يومها اتخذ قرار مواصلة القتال، لكان مسؤولًا عن إبادة الجيش عن بكرة أبيه، وإهدار دماء خير البشر في ذاك الزمان.
اتخذ خالد قراره الحاسم، فكانت النتيجة أن أنقذ الكثيرين من المسلمين، وهذه الخطوة الأهم، ومن ثم بدأ التفكير في مواصلة تحقيق الهدف بعد ترتيب الصفوف، وهذا ما حصل فعلًا بعد عودة الجيش إلى المدينة لترتيب وتجميع نفسه والإعداد لجولة أخرى، ولو افترضنا أن قرار خالد كان خاطئًا، ما امتدحه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وامتدح جيشه وسماهم بالكرّار بعد أن أطلق بعض المسلمين ممن لم يملكوا بعد النظر على الجيش بالفـرّار.
عمليات التغيير ليست من تلك النوعية من العمليات التي تتحمل التردد والبطء، ولو كان كل البارزين على مدار التاريخ من القادة والحكام وعظام الرجال من المترددين، لما برز أحد في هذا التاريخ ولما حدثت تغييرات دراماتيكية حاسمة تغير معها التاريخ.
خلاصة الكلام أن تكون حاسمًا حازمًا وأنت ترغب في إحداث تغيير ما، سواء على الصعيد الشخصي أم أصعدة أوسع وأكبر.. لا تتردد في قرارات التغيير، فهناك الكثيرين حولك تنحصر مهامهم في تلك اللحظات الحاسمة في دفعك إلى التباطؤ والتوقف، وأهم كل أولئك، هي نفسك التي بين جنبيك..
ضع في ذهنك حديث الصادق المصدوق عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم: «اعقلها وتوكل» أي: خذ بكل الأسباب الميسرة والمشروعة ثم توكل على الله واتخذ قرارك ونفذ الأمر، وستجد التوفيق والنجاح أمامك وحليفك بإذن الله تعالى (11).
-------------
(1) أخرجه الترمذي (2517).
(2) شرح الأربعين النووية - العباد (36/ 4).
(3) في ظلال القرآن (5/ 2758).
(4) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 232).
(5) تفسير المراغي (28/ 141).
(6) سلسلة التفسير لمصطفى العدوي (13/ 12).
(7) موسوعة الألباني في العقيدة (9/ 595).
(8) أخرجه البخاري (4663)، ومسلم (2381).
(9) أخرجه البخاري (3615).
(10) شرح القسطلاني (6/ 223).
(11) اعقلها وتوكل/ إسلام أون لاين.