logo

هل نحن بحاجة للتثقيف الجنسي


بتاريخ : الثلاثاء ، 3 جمادى الأول ، 1438 الموافق 31 يناير 2017
بقلم : د. محمد بن عبدالله الدويش
هل نحن بحاجة للتثقيف الجنسي

من حكمة الله عز وجل في خلقه أن خُلِقت الغرائز في النفوس، وزُيِّنت الشهوات للناس، كما قال تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:14].

وأخبر صلى الله عليه وسلم أن فتنة الشهوات من أشد ما يخشاه على أمته فقال: «ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء» [أخرجه البخاري (5096)، ومسلم (2740)].

ولعظم هذه الفتنة وعد صلى الله عليه وسلم؛ بل ضمن الجنة لمن اتصف بالعفة فقال: «من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة» [أخرجه البخاري (6474)].

ومع تطور وسائل الإعلام والاتصال، وانفتاح المجتمعات الإسلامية على المجتمعات الأخرى، زادت وسائل الإثارة والإغراء، ووظِفت التقنيات الحديثة في استثارة الغرائز وتأجيجها، إما بدافع الربح المادي، أو الإثارة، أو نشر الفاحشة بين الناس.

ومن هنا يأتي السؤال كثيرًا: هل نحن بحاجة إلى تثقيف جنسي؟ أو ما يسمى بالتربية الجنسية؟

والإجابة بنعم أو لا على مثل هذه الأسئلة اختزال للموضوع، وإجمال في مقام يقتضي التفصيل.

وبناءً عليه يمكن أن نقول: إن الخطوة الأولى تتصل بتحديد مفهوم التثقيف الجنسي أو التربية الجنسية.

أما المفهوم الغربي، والذي يسود في جزء ليس بالقليل من وسائل الإعلام، فهو يعني الحديث عن قضايا الجنس وتفصيلاتها أمام الشباب والمراهقين، ذكورًا وإناثًا، ويهدف إلى ترشيد الممارسة الجنسية وفق المفهوم الغربي، والحماية من الأمراض، ولا شك أن هذا مرفوض؛ بل هو من إشاعة الفاحشة، وتأجيج الغرائز.

ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمكن للأسرة أو المؤسسات التعليمية تجاهل قضايا الجنس، وترك الشباب والفتيات يستمدون ثقافتهم ومعلوماتهم من وسائل الإعلام، أو الإنترنت، أو الأصدقاء والزملاء؟

وأحسب أن المربين يتفقون على عدم إهمال هذا الشأن، وعلى ضرورة معالجته بالطرق الشرعية، وإنما الاعتراض قد يرد على المصطلح.

والخلاف في المصطلح أمر واسع؛ فلا مشاحة في الاصطلاح، إنما العبرة بتحديد المفهوم تحديدًا واضحًا.

وشيوع الدلالة السلبية للمفهوم لا تقتضي رفضه مطلقًا؛ فمفهوم الحرية وحقوق الإنسان على سبيل المثال مما تختلف في تفسيره الديانات والثقافات، وشيوع المفهوم الغربي لا يعني رفض المصطلح مطلقًا؛ بل إعادة تعريف المفهوم بما يتفق مع المنهج الشرعي.

وبناءً عليه فالمؤسسات التربوية؛ بدءًا بالأسرة، فالمدرسة، فالمؤسسات الدعوية، ينبغي أن تُعنى بالتثقيف الجنسي وفق المنهج الشرعي، ومن محدداته ما يلي:

• التعريف بالغريزة، والحكمة منها، ووظائفها، والمنهج الشرعي في التعامل معها.

• تزويد المتربين بالعلم الشرعي الكافي حول البلوغ، وأحكام العبادات المتصلة بقضايا الإنزال والمعاشرة؛ كالطهارة، والصيام، ونحو ذلك.

• تعريف المتزوجين بمسائل الحلال والحرام، المتصلة بالاستمتاع بين الزوجين.

• تنمية التقوى والإرادة والعزيمة، التي تعين على مواجهة المثيرات والمغريات.

• تأسيس قيم العفة وإعلاء شأنها، وأنها انتصار للذات، وتحقيق للرجولة.

• تقديم الحلول والاستشارات، في التعامل مع المواقف المتصلة بالغريزة، ومساعدة من وقعت منه هفوة أو زلة فلاحقته تبعاتها وآثارها.

• نقد النموذج الغربي في الثقافة الجنسية، من خلال دوافعه، وأدواته، وصلته بالفلسفة الغربية ونظرتها للإنسان.

ومن المهم في أسلوب المعالجة وتناول القضايا الجنسية أن يراعى الاحتشام والأدب الشرعي، والبعد عن الدخول في التفصيلات والألفاظ التي تخدش الحياء، وتثير أكثر مما تهذب.

وليس من الضرورة؛ بل ليس من اللائق، وضع مقرر خاص بالثقافة الجنسية، إنما يتم تناول ذلك بما يحقق الأهداف التربوية، وتنمية العفة عبر سائر المقررات والبرامج التربوية.