خطوات ثابتة نحو الثقة بالنفس
عزيزي القارئ، ماذا نعني بكلمة "الثقة"؟
ثقة المرء بنفسه تعني: أن يعرف المرء قدر نفسه، ويطمئن إلى قدراتها، ويدرك بوضوح أهدافها.
وهي في اللغة تعني:
"الثقة" مشتقة من الفعل الثلاثي وثق، وهي كلمة تدل على العقل والإحكام، وتعني كذلك الضبط والقوة والتمكن.
أعزائي، الثقة بالنفس هي إحساس الشخص بقيمة نفسه بين من حوله، فتترجم هذه الثقة كل حركة من حركاته وسكناته، ويتصرف الإنسان بشكل طبيعي دون قلق أو رهبة، وبعكس ذلك يؤدي انعدام الثقة إلى جعل الشخص يتصرف وكأنه مراقب ممن حوله؛ فتصبح تحركاته وتصرفاته؛ بل وآراءه، في بعض الأحيان، تتسم بالقلق وعدم الثبات، ويصبح القلق حليفه الأول في كل اجتماع أو اتخاذ قرار.
معظم الناس لا يثقون في أنفسهم كما ينبغي:
يقول الله عز وجل: {وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء:28]، ويقول أيضًا سبحانه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل:78].
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة» [رواه مسلم (2547)]، وهذه الحقيقة أكدها علماء النفس بعد سنوات طويلة، يقول عالم النفس الشهير "ألفريد أدلر": «إن البشر جميعًا خرجوا إلى الحياة ضعافًا عراة عاجزين، وقد ترك هذا أثرًا باقيًا في التصرف الإنساني، ويظل كل شيء حولنا أقوى منا زمنًا يطول أو يقصر, حتى إذا نضجنا ألفينا أنفسنا كذلك، تواجهنا قوى لا حول لنا أمامها ولا قوة، ويقفل علينا شرك الحياة العصرية المتشعبة كما يقفل الشَّرَك على الفأر، فهذه الظروف القاهرة التي نخلق ونعيش فيها تترك في الإنسان إحساسًا بالنقص باقي الأثر، ومن ثم تنشأ أهداف القوة والسيطرة التي توجه تصرفات البشر».
التربية النبوية على القوة والثقة بالنفس:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن (لو) تفتح عمل الشيطان» [رواه مسلم (2664)].
إنها تربية النبي صلى الله عليه وسلم للفرد المسلم على القوة النفسية، أو ما نطلق عليه "الثقة بالنفس"، في أسلوب إنشائي يقرر حقيقة ثابتة يلقيها النبي صلى الله عليه وسلم في نفس السامع بهذه الكلمات المنيرات؛ ليعرّفه بحقيقة نفسه، ويبث في نفسه القوة التي مصدرها الرئيس هو الله تعالى القوي المتين.
وأول ما يتبادر إلى الذهن من معاني القوة: قوة الإيمان، قال النووي في شرح مسلم: «المراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة».
وقال غيره: «إن المؤمن القوي في إيمانه، والقوي في بدنه وعمله، خيرٌ من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في بدنه وعمله؛ لأن المؤمن القوي ينتج ويعمل للمسلمين وينتفع المسلمون بقوته البدنية وبقوته الإيمانية، وبقوته العلمية ينتفعون من ذلك نفعًا عظيمًا».
فتش بداخلك عن جوانب التميز:
(رحم الله امرأً عرف قدر نفسه).
لطالما سمعنا هذه الحكمة، وغالبًا ما انصرفت أذهاننا إلى أن المراد منها هو الحمل على التواضع، وتذكر العيوب والأخطاء، لكن الصواب أن هذه المقولة تحتمل المعنيين بنفس القدر، تحتمل معرفة الإنسان لمميزاته وطاقاته واستغلالها، وتحتمل معرفة الإنسان لعيوبه وجوانب القصور لديه أيضًا، وإنما تُوجَّه لكل شخص بحسب حاله، وتبقى القاعدة التي لا غنى عنها في إظهار الثقة في النفس هي:
أن تثق بنفسك أولًا، وتسأل نفسك: هل أنت موهوب، متمكن، مستقل، مثابر...، فعليك أن تبحث عن جوانب التميز لديك، وتطور من مهاراتك وقدراتك.
لا تسمح لأحد بتحطيمك:
اعلم أن كل الناس يخطئون، وما من أحد معصوم من الخطأ، وعندما نقضي الوقت في القلق بشأن احتمال حدوث بعض الأخطاء فإننا نفقد بعض الثقة في النفس، إن لم نفقدها كلها، ومن ثَمَّ فإننا لا نقضي هذا الوقت في محاولة التحسن، وهو ما يعني أن القلق بشأن حدوث الأخطاء سيزيد حتمًا من فرص حدوثها، وأن فكرة الأداء وانتظار النجاح، مع تفادي الأخطاء أو ما يؤدي إليها، وعدم الالتفات الكثير لها إن حدثت فستجعلنا نسعى وراء أهدافنا بحرية، ونقضي الوقت في التفكير فيما يمكننا عمله وليس فيما لا يمكننا عمله. [محمد سعيد مرسي، مفاتيح التميز، ص88-89].
اجعل لك قدوة عظيمة في الثقة بالنفس:
وهذا الأمر في غاية الأهمية؛ لأن الأشخاص الذين يعانون من فقدان الثقة بأنفسهم هم يفقدون في الحقيقة المثال والقدوة الحسنة التي يجب أن يقتدوا بها حق الاقتداء...، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أسوة حسنة وأمثلة عظيمة، وفي سير الصالحين والناجحين من بعدهم كذلك، وفي الأشخاص الناجحين من حولنا كذلك، مع التركيز على جوانب الإيمان بالأهداف والقدرات، ومن ثم العمل الحثيث على تحقيقها.
وإليك هذه الخطوات العملية لبناء الثقة:
لأن زيادة الثقة بالنفس تعني حياة أفضل وتفكيرًا أفضل واتخاذ قرارات أكثر صوابًا؛ مما يعطى شعورًا بالسعادة والرضا، والعكس صحيح؛ فإن انعدام الثقة بالنفس يترتب عليه اتخاذ قرارات متداخلة، ومعاناة الفرد لحالة من الخوف من مواجهة الآخرين، والتردد، والشعور غالبًا بالحزن؛ لذلك كان من المهم أن يحاول المرء تدعيم ثقته بنفسه، فإليك، عزيزي القارئ، هذه الخطوات التالية التي سوف تساعدك كثيرًا في هذا الأمر:
الاعتناء بمظهرك الخارجي:
إن الظهور بمظهر أنيق أمام الناس يعطيك دفعة قوية، وثقة أكبر، وقدرة على التعامل بشكل أحسن، فالناس يحبون الشخص ذا المظهر الجيد والمرتب، ويرتبط المظهر الجيد والهندام الحسن في أذهانهم بقوة الشخص الذي يرتديه.
عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر»، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنةً، قال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمط الناس» [رواه مسلم (131)].
المشي بمعدل أسرع:
المشي بسرعة يعطي شعورًا بأن الإنسان مهم، ووراءه الكثير من الأعمال التي يجب أن ينجزها، حتى لو لم يكن هناك أعمال، ولكن المشي بمعدل 25% أسرع يعطي الشعور بالثقة، وذلك عكس الشخص الذي يمشي ببطء، ويظهر عليه علامات التعب والإرهاق.
الاهتمام بوضعية الجسد:
إذا كنت تتحدث مع أحد فيجب أن تجعل ظهرك مستقيمًا، ورأسك مرتفعًا، وعينك في مواجهة عين الشخص الذي تحاوره، فذلك يعطي ثقة أكبر بالنفس، على عكس الشخص الذي يجلس منحنى الظهر، منخفض الرأس، وينظر في أعلى وأسفل حتى لا تتقابل عينه مع عين المحاور.
الامتنان:
الكثير منا يحلم بتحقيق أشياء لا يقدر عليها، وعندها يسأل الإنسان نفسه: لماذا لم أحصل على هذا الشيء، ويبدأ بتوجيه اللوم إلى نفسه، وقد يشعر بالدونية والهزيمة، ولكن في هذا الوقت تذكر نعم الله عليك، وتذكر مواقف النجاح والتقدم التي مررت بها في السابق، واستحضر الشعور بالامتنان والرضا الذي كنت تشعر به وقتها، ومن ثم تحث نفسك على العمل أكثر لتحقيق ما تريد.
الجلوس في الصف الأول:
في بعض المحاضرات أو اللقاءات العامة يذهب البعض للجلوس في الصفوف الأخيرة؛ حتى لا يوجه أحد له السؤال أو طلب التعليق، ويكتفي بالمشاهدة، وهذه واحدة من مظاهر ضعف الثقة بالنفس، وهي مجرد مشاعر سلبية يجب التخلص منها، والجلوس في المقدمة، والدخول في النقاش.
تقدير الآخرين:
مهما كانت مشاعرك تجاه نفسك فيجب عليك تقدير ما يقوم به الآخرين، والثناء عليهم؛ فهذا يجعلك شخصًا محبوبًا ومرغوبًا في صداقته، وهذا يعطيك زيادة في الثقة بالنفس.
التحدث بصوت أعلى ونبرات واضحة:
يتحدث البعض بصوت منخفض وغير واضح عند الجلوس في الاجتماعات أو في النقاشات العائلية؛ خشية أن يرى أحد خطأً في ما نقول، وهذا خطأ، فأغلب الناس يتقبلون كلامنا، فهو أمر عادى، وتعد هذه الخطوة واحدة من أهم الخطوات لزيادة الثقة بالنفس.
ممارسة الرياضة:
من أهم فوائد ممارسة الرياضة لا تمنحك جسمًا رياضيًا وشكلًا أفضل وشعورًا بالجاذبية في أعين الآخرين فقط، ولكن أيضًا تمنحك الصحة، والظهور بمظهر مشرق طيلة الوقت، وتزيد من ثقتك بنفسك.
وأخيرًا..
لا تنغلق وتعش حياتك وحيدًا؛ بل دع الآخرين يدخلون حياتك، ويشاركونك لحظاتك، فالشعور بالوحدة شعور سيء، ودائمًا ما يعطي مشاعر أخرى سلبية؛ مثل الخوف والقلق وانعدام الثقة بالنفس.
______________
المراجع:
- مفاتيح التميز، محمد سعيد مرسي.
- حتى لا تكون كلًا، د. على القرني.
المصدر: موقع: مفكرة الإسلام.