حكم النفقة على الأقارب من غير الأصول والفروع
(نفقة الحواشي وذوي الأرحام)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه، ومن اتبع هداه، وبعد:
فإن من محاسن التشريع الإسلامي أن جعل على المسلم حقوقا تجاه من حوله ممن يخالطهم في المجتمع، وقدم الأولى منهم، وخص الأقربين بمزيد من المعروف والإحسان، فأوجب على الأغنياء النفقة لمن احتاج من أقربائهم، على تفصيل في مذاهب الفقهاء، نعرض له في هذا المقام إن شاء الله، سائلين المولى التوفيق والسداد.
وقد تعددت الآيات القرآنية المباركة، وكذلك الأحاديث النبوية في السنة المطهرة، في فضل النفقة والمنفقين، والأمر بها، فمن ذلك: قوله تعالى: يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم. [البقرة:215].
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [274]} [البقرة:274].
وقال جل وعلا: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين، الذين ينفقون في السراء والضراء}.[آل عمران:133].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا".
وعن أبي هريرة، يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم أنفق أنفق عليك".
وعن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار».
وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتا في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان، لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه".
المراد بالقرابة، وبيان أقسامها، والمراد بالحواشي والأرحام
القرابة في اللغة معناها: الدَّنو في النسب. وأقارب الرجل عشيرته الأدنَون.
وتشتمل القرابة على أصول وفروع وحواشي، فالأصول هم: الآباء والأجداد وإن علوا، والأمهات والجدات وإن علون. فالأصول: من تفرعتَ منهم من آباء وأمهات. والفروع: من تفرعوا منك من بنين وبنات، وهم: الأولاد وأولاد الأولاد وإن نزلوا ويشمل هذا الإناث من كلٍ.
والحواشي هم: الإخوة والأخوات وبنو الجميع وإن نزلوا، والأعمام والعمات وإن علوا، وبنو الجميع وإن نزلوا.
وهم: من تفرعوا من أصولك، فيدخل فيهم الإخوة، والأعمام، والأخوال.
وأما الأرحام فهم الأقارب من النسب من جهة الأب ومن جهة الأم؛ فأخت الأب التي هي عمة من الأرحام، وأخت الأم التي هي خالة من الأرحام، بخلاف زوجة الخال وزوجة العم فليستا من الأرحام، وكذلك زوجات الإخوة لسن من الأرحام.
قال الراغب الأصفهاني : ( الرحم: رحـم المرأة .. ومنه استعير الرحم للقـرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ).
وقد اختلف العلماء في حدّ الرحم التي يجب وصلها على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن حد الرحم هو : الرحِم المَحرَم. والقول الثاني: أنهم الرحم من ذوي الميراث. والقول الثالث: أنهم الأقارب من النسب سواء كانوا يرثون أم لا. والصحيح من أقوال أهل العلم هو القول الثالث، وهو: أن الرحم هم الأقارب من النسب – لا من الرضاع – من جهة الأب والأم.
أما أقارب الزوجة فليسوا أرحاماً للزوج, وأقارب الزوج ليسوا أرحاماً للزوجة.
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: من هم الأرحام وذوو القربى حيث يقول البعض إن أقارب الزوجة ليسوا من الأرحام ؟ فأجاب: الأرحام هم الأقارب من النسب من جهة أمك وأبيك ، وهم المعنيون بقول الله سبحانه وتعالى في سورة الأنفال والأحزاب : ( وأولوا الأرحام بعضهمِ أولى ببعض في كتاب الله ) الأنفال/75 ، والأحزاب/6 .
وأقربهم: الآباء والأمهات والأجداد والأولاد وأولادهم ما تناسلوا، ثم الأقرب فالأقرب من الإخوة وأولادهم، والأعمام والعمات وأولادهم، والأخوال والخالات وأولادهم، ... أما أقارب الزوجة فليسوا أرحاماً لزوجها إذا لم يكونوا من قرابته، ولكنهم أرحام لأولاده منها.
والقرابة تتعدد بحسب سببها، وبحسب جهتها، وبحسب قوتها أو ضعفها، وبحسب اعتبار الشرع لها أو إلغاء اعتبارها، ويمكننا أن نقسم أنواعها على النحو التالي:
1. قرابة النسب: ومصدرها الأصل المشترك، وكانوا يسمونها قرابة الدم ويقصدون ان الدم ينتقل من الآباء إلى الأبناء ويمكن ان نسميها الآن قرابة (الدى ان ايه) أو قرابة (الجينات) لأنها هي التي تنتقل فعلا من الآباء للأبناء.
وقرابة النسب نوعان: الأول: القرابة المباشرة، وهى قرابة الأصول للفروع، يعنى قرابة الآباء والأمهات والأجداد والجدات لأولادهم وأحفادهم ذكورا وإناث. والثاني: قرابة الحواشي، مثل قرابة العم والخال لأبناء وبنات أخيه أو أخته، وقرابة أولاد العم وأولاد الخال. كما أشرنا آنفا.
2. قرابة المصاهرة: وهى الناتجة عن الزواج، كقرابة أبي أو أخي أو أخت الزوج أو الزوجة.
3. قرابة الرضاع: ويعتد بها شرعا فى تحريم الزواج فقط، ولا يترتب أثر أخر.
4. قرابة التبنى: وهذه لا تعترف بها الشريعة الإسلامية.
5. القرابة الناشئة عن اتصال جنسى دون زواج، كقرابة الأب لابنه من الزنا، وقرابة الأخ لأخيه من الزنا، وهذه لا تعترف بها الشريعة الإسلامية، إلا قرابة الولد لأمه من الزنا فهي قرابة نسب معتبرة شرعا.
قوة القرابة
قد تكون القرابة من جهة الأب فقط، كالأخوة لأب، والعم أخو الأب لأب، أو من جهة الأم فقط، كالأخوة لأم أو الأعمام أخوة الأب لأم، أو من الجهتين معا كالأخ الشقيق والعم الشقيق. والقرابة من الجهتين أقوى من القرابة من جهة واحدة.
درجات القرابة: بالنسبة لقرابة النسب: تحتسب القرابة المباشرة بعدّ كل فرد فيها درجة عند الصعود إلى الأصل، دون احتساب الأصل درجة؛ فالابن قريب قرابة مباشرة من الدرجة الأولى بالنسبة لأبيه، والحفيد قريب من الدرجة الثانية بالنسبة لجده.
أما قرابة الحواشي فتعدّ الدرجات صعوداً من الفرع إلى الأصل المشترك، ثم نزولاً منه إلى الفرع الآخر، ويعدّ كل فرع درجة، دون احتساب الأصل المشترك درجة؛ فالعم قريب من الدرجة الثالثة؛ لأنك تبدأ بنفسك درجة أولى صعوداً إلى والدك، ثم درجة ثانية صعوداً إلى جدك، وهو الأصل المشترك، ثم درجة ثالثة نزولاً منه إلى عمك.
وأما بالنسبة لقرابة المصاهرة: تحسب درجة قرابة النسب بالنسبة للزوج، وتكون هى نفسها درجة قرابة المصاهرة بالنسبة لزوجه، فأخو الزوجة هو قريب لها من الدرجة الثانية نسبا، وقريب لزوجها من الدرجة الثانية مصاهرة.
درجات قرابة النسب
درجات قرابة النسب أربعة: الدرجة الأولى: الأب والأم، والابن والابنة. والدرجة الثانية: الجد والجدة، والحفيد والحفيدة، والأخ والأخت. والدرجة الثالثة: الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأولاد الأخ وأولاد الأخت ذكورا وإناثا. والدرجة الرابعة: أبناء الأعمام وأبناء الأخوال ذكورا وإناثا.
سبب وجوب أو مشروعية النفقة
يتفق الفقهاء المسلمون على أن القرابة هي مبدأ وجوب أو مشروعية النفقة على القريب الموسر، ولكنهم اختلفوا في تحديد القرابة الموجبة للإنفاق.
فيرى الشافعية أنها قرابة الولادة مطلقاً (أي تجب للأصول وإن علوا وللفروع وإن نزلوا).
أما المالكية فيرون أنها تجب بالولادة المباشرة (وتشمل الأبوين والأولاد الصلبين دون الأحفاد).
وأما الحنفية فقالوا بوجوب النفقة على كل ذي رحم محرم فقير تحل له الصدقة من أقاربه.
وأما الحنابلة فيقولون بالقرابة الموجبة لاستحقاق الإرث مطلقاً، أي تجب النفقة على جميع الأقارب الذي يرثون قريبهم المحتاج.
حكم النفقة على القريب غير المسلم
اختلف الفقهاء في اشتراط اتحاد الدين بين من تجب له النفقة وعليه على قولين:
الرأي الأول وهو رأي جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، حيث قالوا: إن اتحاد الدين ليس بشرط في قرابة الولادة لوجوب النفقة، فتجب النفقة للفروع على الأصول وللأصول على الفروع ولو مع اختلاف الدين.
الرأي الثاني: وهو رأي الحنابلة، حيث قالوا: لا تجب النفقة عند اختلاف الدين، وحجتهم أن اختلاف الدين مانع من الميراث، والشرط عندهم في وجوب النفقة هو أن يكون من تجب له النفقة وارثا للمنفق فلا نفقة مع اختلاف الدين.
يقول ابن ضويان: " ولا نفقة مع اختلاف الدين بقرابة، ولو من عمودي النسب لأنهما لا يتوارثان ".
ووافقهم الحنفية في غير نفقة الولادة (الأصول والفروع)، فيشترط عندهم في وجوب نفقة الحواشي اتحاد الدين.
قال ابن هبيرة: "واختلفوا هل يُجبر الوارث على نفقة من يرثه بفرض أو تعصيب؟ فقال أبو حنيفة: يُجبر على نفقة كل ذي رحم محرم بالرحم، فتدخل فيه الخالة والعمة، ويخرج منه ابن العم ومن يُنسب إليه بالرضاع. وقال مالك: لا تجب النفقة إلا للوالدين الأدنيين وأولاد الصلب. وقال الشافعي: تجب النفقة على الأب وإن علا، والابن وإن سفل، ولا يتعدى عمود النسب.
وقال أحمد: كل شخصين جرى بينهما الميراث بفرض أو تعصيب من الطرفين لزمه نفقة الآخر كالأبوين والأولاد والإخوة والأخوات والعمومة وبنيهم رواية واحدة؛ فإن كان الإرث جارياً بينهم من أحد الطرفين، وهم ذوو الأرحام كابن الأخ مع عمته، وابن العم مع بنت عمه، فروي عنه: تجب، وروي عنه: أنها لا تجب.
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: (يجب على الغني أن ينفق على والديه وأولاده المعسرين بالإجماع، ولا تجب عند المالكية النفقة على غير الوالدين والأولاد المباشرين، وكذلك تجب نفقة سائر الأصول والفروع مهما علوا أو نزلوا عند الجمهور، وأما الحواشي كالأخ والعم وأولادهما فإن الحنفية يشترطون لوجوب النفقة عليهم المحرمية، ويشترط الحنابلة التوارث، ويكتفي الشافعية بالقرابة).
ومما سبق يعلم ما يلي:
أولا: أن الذين ذهبوا إلى وجوب النفقة للحواشي وذوي الأرحام هم الحنفية والحنابلة، لكنهم اشترطوا اتحاد الدين، لأنه لا وراثة عند اختلاف الدين، وبالتالي لا نفقة أيضا عند اختلاف الدين.
ثانيا: أن الفقهاء قد اتفقوا على عدم وجوب النفقة على غير الأصول والفروع، عند اختلاف الدين؛ فلا تجب نفقة الأخ النصراني مثلا على أخيه المسلم، أو للأخ المسلم على أخيه اليهودي، وذلك لأن اختلاف الدين له تأثير في عدم وجوب النفقة.
ثالثا: أن للمذاهب آراء أربعة تتفاوت فيما بينها ضيقاً واتساعاً في تحديد مدى القرابة الموجبة للنفقة، فأضيقها مذهب المالكية، ثم الشافعية، ثم الحنفية، ثم الحنابلة.
أدلة الأئمة على ما ذهبوا إليه، وما اعترض عليهم فيه
أولا: مذهب الحنفية: تجب النفقة للقرابة المحرمة للزواج، أي لكل ذي رحم محرم، ولا تجب لقريب غير محرم من الإنسان. واستدلوا بأدلة:
الأول: قوله تعالى: {واعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئاً، وبالوالدين إحساناً، وبذي القربى} [النساء:36/ 4]. فأمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالدين ثم عطف عليه بقوله: وبذي القربى.
الثاني: قوله تعالى: {وآت ذا القربى حقه} [الإسراء:26/ 17].
الثالث: ما روي عن بَهْز بن حكيم عن أبيه عن جده، قال: قلت: يا رسول الله، من أبرُّ؟ قال: أمَّك، قال: قلت: ثم من؟ قال: أمَّك، قال: «قلت: يا رسول الله، ثم من؟ قال: أمَّك، قال: قلت: ثم من؟ قال: أباك، ثم الأقرب فالأقرب».
قالوا: فالعبارة الأخيرة دليل على وجوب نفقة الأقارب على الأقارب، سواء أكانوا وارثين أم لا؛ لأنها عامة.
لكن قيد الحنفية القرابة بالمحرمية في قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة:233/ 2] لوجهين:
الأول: عملاً بما جاء في قراءة ابن مسعود: (وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك).
الثاني: لأن صلة القرابة القريبة واجبة دون البعيدة. وعليه: فالنفقة واجبة للأصول والفروع والحواشي ذوي الأرحام.
والحاصل أن: حقيقة هذا القول أنهم يرون أنّ النفقة تجب بسببين: السبب الأول: الإرث، وهو المذكور في القرآن. السبب الثاني: الرحم وهو المذكور في السنة.
ثانيا: مذهب المالكية: أن النفقة الواجبة هي للأبوين والأبناء مباشرة فحسب دون غيرهم، فتجب النفقة للأب والأم، وللولد ذكراً أو أنثى، ولا تجب للجد والجدة، ولا لولد الولد.
استدلوا بأنّ رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: عندي دينار. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنفقه على نفسك. قال عندي آخر قال أنفقه على ولدك. قال عندي آخر. قال أنفقه على زوجك. قال عندي آخر قال أنفقه على خادمك. قال عندي آخر. قال أنت أبصر به". وفي لفظ تقديم الزوجة على الولد. قالوا: فلم يذكر الأقارب في الحديث.
ثالثا: مذهب الشافعية: أن القرابة التي تستحق بها النفقة قرابة الوالدين وإن علوا، وقرابة الأولاد وإن سفلوا.
واستدلوا بأن اسم الوالدين يقع على الأجداد والجدات مع الآباء، لقوله تعالى: {ملة أبيكم إبراهيم} [الحج:78/ 22].
قالوا: فسمى الله تعالى إبراهيم أباً وهو جد، ولأن الجد كالأب، والجدة كالأم في أحكام الولادة من رد الشهادة وإيجاب النفقة وغيرهما.
وكذلك قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38]، فسماهم آباء، وإنما هم أجداده.
ولأن بينهما قرابة توجب العتق ورد الشهادة، فأوجبت النفقة، كالأبوة.
وكذلك اسم الولد يقع على ولد الولد، لقوله عز وجل: {يا بني آدم} [الأعراف:31/ 7].
قالوا: ولا تجب نفقة من عدا الوالدين والمولودين من الأقارب كالإخوة والأعمام وغيرهما؛ لأن الشرع ورد بإيجاب نفقة الوالدين والمولودين، وأما من سواهم فلا يلحق بهم في الولادة وأحكام الولادة، فلم يلحق بهم في وجوب النفقة.
رابعا: مذهب الحنابلة: تجب النفقة لكل قريب وارث بالفرض أو التعصيب من الأصول والفروع والحواشي كالإخوة والأعمام وأبنائهم، وكذا من ذوي الأرحام إذا كانوا من عمود النسب كأب الأم، وابن البنت، سواء أكانوا وارثين أم محجوبين.
أما من كان من غير عمود النسب كالخالة والعمة، فلا نفقة له على قريبه؛ لأن قرابتهم ضعيفة، وإنما يأخذون المال عند عدم الوارث كسائر المسلمين.
فهم لم يشترطوا المحرمية كما اشترطها الحنفية، فيستحق ابن العم النفقة على ابن عمه؛ لأنه وارث، ولا يستحقها عند الحنفية؛ لأنه غير محرم.
ولا يشترط أن يكون الإرث من الطرفين، بل يشترط أن يكون الإرث من طرف واحد، وهو طرف المنفق إذا كان المنفق وارثا يجب عليه أن ينفق ولو كان المنفق عليه لا يرث من المنفق.
فالعمة مثلا يرثها المنفق لأنه يعتبر ابن أخ، بينما هي لا ترثه لأنّ العمة من الأرحام فلا ترث.
إذا في العمة الإرث من جهة واحدة وهي من جهة المنفِق، يعني أنّ المنفِق هو الوارث فيجب عليه أن ينفق.
واستدلوا على هذا بأدلة منها:
الدليل الأول: قوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة/233].
قالوا: فأوجب النفقة على المولود له، ثم عطف عليه قوله: وعلى الوارث مثل ذلك.
الدليل الثاني: أنّ صلة القرابة بينهما قوية بسبب الإرث، ما يعني أن علامة قوة القرابة أنه يرث؛ لأن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال المورث من سائر الناس، فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم، فإن لم يكن وارثاً لعدم القرابة، لم تجب عليه النفقة لذلك.
وعلى هذا القول: إذا كان الإنسان يرث الخال أو الخالة بالرحم فإنه لا يجب عليه أن ينفق عليه؛ لأنه ليس من العصبات ولا من الأقارب الذين يرثهم إرثا مباشرا وإنما الخال والخالة يورث إذا لم يوجد معصب ولا صاحب فرض.
أما بالنسبة لعمودي النسب فلا يشترط فيهم الإرث كما تقدم معنا، أي لا يشترط أن يكون المنفق وارثاً واستدلوا على هذا بأمرين:
الأول: أنّ الوالد والولد يدخل في مطلق اسم الوالد والولد فتجب نفقته.
الثاني: أنّ هذه قرابة توجب العتق فيستوي فيها إذا كان وارثا أو لم يكن وارثا.
يقول ابن جبرين رحمه الله: ( فالحاصل أن النفقة على ذوي القرابة إنما تجب إذا كان وارثاً، استدلوا بقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة:233] ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:233] (على الوارث مثل ذلك) أي: مثل ما على المولود له، الذي عليه النفقة.
الذي ترثه مثلاً بالفرض كالأخ من الأم، إذا افتقر وأنت من جملة الذين يرثونه، فإنك تنفق عليه، فإنه إذا مات لا ترث منه إلا السدس، ولكن أنت من جملة الورثة، فإن كان له أولاد ذكور أو إناث حجبوك، فلا يلزمك أن تنفق عليه؛ لأنك لست بوارث.
وكذلك مثلاً: الأم ترث ولدها، ولا ترث منه إلا السدس إذا كان له أولاد، أو له جمع من الإخوة، فإذا افتقر ولدها أنفقت عليه؛ وذلك لأنها ترثه لأنه من الفروع؛ ولأنها أحد الأبوين.
أما بالنسبة إلى الذين يرثون بفرض فكالأخت، فإنها إذا مات أخوها ترث منه النصف فرضاً، فإذا افتقر أخوها وهي غنية فعليها أن تنفق عليه؛ لأنها من جملة ورثته.
وإذا كانت لا ترث منه إلا شيئاً يسيراً، كأن كان له بنتان ترثان الثلثين، وله زوجة، وله أم، وله أخت شقيقة غنية، هو فقير، وبنتاه كذلك، وأمه فقيرة، وزوجته فقيرة، وأخته غنية، أخته ترث منه بالتعصيب، ولكن إنما ترث واحداً من أربعة وعشرين سهماً، في هذه الحال عليها أن تنفق عليه إذا افتقر، ولو كانت لا ترث منه إلا شيئاً يسيراً.
والخلاصة: أن كل من ترث منه بفرض أو تعصيب إذا افتقر من أقاربك كإخوة وأخوات وعم وأعمام وبني عم وبني أخ وبنات أخ ونحو ذلك، فإنك تنفق عليهم؛ لأنك من جملة الورثة.
أما إذا كنت ترثه بالرحم، فالميراث بالرحم فيه خلاف، فلذلك لا يلزمك الإنفاق عليه، كالخال وابن الأخت، فإذا افتقر ابن أختك وأنت خاله لم تلزمك النفقة عليه؛ لأن الميراث ليس متفقاً عليه، وكذلك إذا افتقر خالك أو خالتك أو ابن خالك لا يلزمك النفقة عليهم؛ لأنك لا ترثهم).
ومما سبق نستطيع أن نخلص إلى ما يلي:
أولا: تجب نفقة الوالدين على الأولاد، ونفقة الأولاد على الوالدين باتفاق.
ثانيا: تجب النفقة للأجداد والجدات والأحفاد عند الحنفية والشافعية والحنابلة، وقصرها المالكية على الوالد والولد فقط؛ لأن الجد ليس بأب حقيقي وكذلك ولد الولد.
ثالثا: النسبة لبقية الأرحام غير الأصول والفروع، فلا تجب لهم نفقة ولا تلزمهم إلا عند الحنفية والحنابلة، غير أن الحنفية أوجبوها لذي الرحم المحرم دون غيره، وتوسع الحنابلة في ذلك فأوجبوها لكل وارث، وفي غير الوارث روايتان، هذا إن كانوا من غير ذوي الأرحام الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب، فإن كان منهم فلا تجب له نفقة، ولا تلزمه إلا عند أبي الخطاب من الحنابلة عند عدم العصبة وأصحاب الفروض.
الأقوال في المراد بقوله تعالى: ( وعلى الوارث مثل ذلك )، وارتباط ذلك بحكم نفقة الأقارب
من الأدلة المحورية التي يدور حولها كلام الفقهاء في هذه المسألة هذه الآية من سورة البقرة، وقد اختلفوا على أقوال عدة في المراد منها، من هو الوارث، وما المراد بالمثلية، وما الحكم الذي يستنبط من ذلك؟. وكله له ارتباط وثيق بموضوع بحثنا في حكم نفقة الأقارب، ولذلك كان لابد لنا من تحقيق القول في معناها والمراد بها، للخلوص إلى ما تطمئن به النفس في الترجيح والاختيار.
فأما قوله سبحانه: (وعلى الوارث مثل ذلك) فمعطوف على قوله: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) وما بينهما معترض للتعليل أو التفسير لما قبله من كون ذلك بالمعروف، وإن أفاد حكما جديدا.
قال ابن جرير الطبري: (واختلف أهل التأويل في "الوارث" الذي عنى الله - تعالى- بقوله: "وعلى الوارث مثل ذلك"، وأي وارث هو: ووارث من هو؟ فقال بعضهم: هو وارث الصبي. وقالوا: معنى الآية: وعلى وارث الصبي، إذا كان أبوه ميتا، مثل الذي كان على أبيه في حياته.
ثم اختلف قائلو هذه المقالة في وارث المولود، الذي ألزمه الله تعالى مثل الذي وصف؛ فقال بعضهم: هم وارث الصبي من قبل أبيه من عصبته، كائنا من كان، أخا كان، أو عما، أو ابن عم، أو ابن أخ. وقال آخرون منهم: بل ذلك على وارث المولود من كان، من الرجال والنساء... وقال آخرون منهم: هو من ورثته، من كان منهم ذا رحم محرم للمولود، فأما من كان ذا رحم منه وليس بمحرم، كابن العم والمولى ومن أشبههما، فليس من عناه الله بقوله: "وعلى الوارث مثل ذلك". والذين قالوا هذه المقالة: أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد.
وقالت فرقة أخرى: بل الذي عنى الله - تعالى ذكره - بقوله: " وعلى الوارث مثل ذلك " المولود نفسه... والمعنى على ما تأوله هؤلاء: وعلى الوارث المولود، مثل ما كان على المولود له. وقال آخرون: بل هو الباقي من والدي المولود، بعد وفاة الآخر منهما).
وقال ابن كثير: (وقوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} قيل: في عدم الضرار لقريبه قاله مجاهد، والشعبي، والضحاك.
وقيل: عليه مثل ما على والد الطفل من الإنفاق على والدة الطفل، والقيام بحقوقها وعدم الإضرار بها، وهو قول الجمهور.
وقد استقصى ذلك ابن جرير في تفسيره. وقد استدل بذلك من ذهب من الحنفية والحنبلية إلى وجوب نفقة الأقارب بعضهم على بعض، وهو مروي عن عمر بن الخطاب، وجمهور السلف، ويرشح ذلك بحديث الحسن، عن سمرة مرفوعا: من ملك ذا رحم محرم عتق عليه).
وقال ابن عطية: (وقال مالك وجميع أصحابه والشعبي والزهري والضحاك وجماعة من العلماء: المراد بقوله: "مثل ذلك": أن لا تضار. وأما الرزق والكسوة فلا يجب شيء منه. وحكى ابن القاسم عن مالك مثل ما قدمنا عنه في تفسير هذه الآية ودعوى النسخ).
وقال الشوكاني: (واختلف أهل العلم في معنى قوله: وعلى الوارث مثل ذلك فقيل: هو وارث الصبي: أي إذا مات المولود له؛ فقيل: هو وارث الصبي: أي إذا مات المولود له على وارث هذا الصبي المولود إرضاعه كما كان يلزم أباه ذلك، على خلاف بينهم، هل يكون الوجوب على من يأخذ نصيبا من الميراث، أو على الذكور فقط، أو على كل ذي رحم له وإن لم يكن وارثا منه.
وقيل: المراد بالوارث: وارث الأب، تجب عليه نفقة المرضعة وكسوتها بالمعروف، ... وقيل: المراد بالوارث المذكور في الآية هو الصبي نفسه: أي عليه من ماله إرضاع نفسه إذا مات أبوه وورث من ماله. وقيل: هو الباقي من والدي المولود بعد موت الآخر منهما، فإذا مات الأب كان على الأم كفاية الطفل إذا لم يكن له مال).
فانتهت الأقوال في المراد بالوارث إلى أربعة أقوال مشهورة: وارث المولود له، ووارث الصبي، والصبي نفسه، ومن بقي من أبويه.
سبب الاختلاف
قال الرازي: (أما قوله تعالى: "وعلى الوارث مثل ذلك"، فاعلم أنه لما تقدم ذكر الولد وذكر الوالد وذكر الوالدات احتمل في الوارث أن يكون مضافا إلى واحد من هؤلاء، والعلماء لم يدعوا وجها يمكن القول به إلا وقال به بعضهم).
وقال الحافظ ابن حجر: (وسبب الاختلاف: حمل المثلية في قوله: "مِثْلُ ذَلِكَ" على جميع ما تقدم أو على بعضه، والذي تقدم الإرضاع والإنفاق والكسوة وعدم الإضرار).
وقال الشوكاني: (ووجه الاختلاف في تفسير الوارث ما تقدم من ذكر الوالدات والمولود له والوالد، فاحتمل أن يضاف الوارث إلى كل منهم).
وقال رشيد رضا: (وقد اختلفوا في الوارث هل هو وارث المولود له; أي: الأب، لأن الكلام فيه، أو وارث الولد لأنه وليه تجب عليه نفقته؟ واختلف القائلون بأن المراد وارث الأب هل هو عام أو خاص بعصبته، أو بالولد نفسه؟ أي إن نفقة إرضاعه تكون من ماله إن كان له مال وإلا فهي على عصبته. وقال بعضهم: إن المراد بالوارث وارث الصبي من الوالدين، أي وإذا مات أحد الوالدين فيجب على الآخر ما كان يجب عليه من إرضاعه والنفقة عليه. وكل يحتمله اللفظ، ولعل الحكمة في هذا التعبير أن يتناول كل ما يصح تناوله إياه).
مناقشة هذه الأقوال والموازنة بينها
يمكن أن نخلص من هذه الأقوال المذكورة إلى اتجاهين رئيسين في حكم الإنفاق على الأقارب، وهما:
الاتجاه الأول: عدم تقييد النفقة بالإرث، وعدم وجوبها على القريب لقريبه، وإنما هي على سبيل الاستحباب لا الوجوب، للأدلة الأخرى الواردة في الكتاب والسنة. وأن المراد بالآية أن على الوارث ترك المضارة، كما كان على الأب. وهذا الاتجاه يتضمن قول مالك والشافعي، ومرده إلى أن الأصل عود الضمير إلى أقرب مذكور، وهو في الآية: ترك المضارة.
قال ابن العربي: (قالت طائفة: لا يرجع إلى الجميع بل إلى الأخير، وهذا هو الأصل، فمن ادعى أنه يرجع إلى الجميع فعليه الدليل؛ لأن الإشارة بالإفراد، وأقرب مذكور هو عدم الإضرار، فرجح الحمل عليه).
مناقشة أصحاب هذا الاتجاه
اعترض عليه بأمور منها:
أولا: أن هذا المعنى قد أفاده قوله: لا تضار والدة بولدها، فيكون تحصيلا للحاصل، وهو ما ينزه عنه القرآن الذي عرف بالغاية في البلاغة والفصاحة والتبيين.
قال الشوكاني: (ولا يخفى عليك ضعف ما ذهبت إليه هذه الطائفة، فإن ما خصصوا به معنى قوله: "وعلى الوارث مثل ذلك" من ذلك المعنى: أي عدم الإضرار بالمرضعة، قد أفاده قوله: لا تضار والدة بولدها لصدق ذلك على كل مضارة ترد عليها من المولود له أو غيره).
ثانيا: قولهم بعود الضمير إلى آخر مذكور، لأن هذا هو الأصل، فمن ادعى أنه يرجع فيه العطف إلى جميع ما تقدم فعليه الدليل، وأنه لو أراد الجميع لقال مثل هؤلاء. نوقش بأن اسم الإشارة يصلح للمتعدد كما يصلح للواحد بتأويل المذكور أو نحوه.
ثالثا: هذا التفسير الذي حملوا عليه معنى الآية خلاف الظاهر، ويضعفه أن وجوب ترك المضارة غير مختص بالوارث.
رابعا: كلمة "ذلك" في الجملة الكريمة، هي بحسب الوضع اللغوي للبعيد، وهو وجوب النفقة، دون القريب، وهو وجوب ترك المضارة.
جاء في التفسير المظهري: (وقيل ليس المراد النفقة بل معناه وعلى الوارث ترك المضارة. قال البغوي به قال الزهري والشعبي. قلت هذا ليس بسديد لان وجوب ترك المضارة غير مختص بالوارث وانما ذكر في الوالدين لدفع توهم المضارة الناشئ مما سبق، وأيضا كلمة ذلك بحسب الوضع للبعيد وهو وجوب النفقة دون القريب أعنى المضارة).
الاتجاه الثاني: تقييد النفقة بالإرث، وبالاشتراك في الرحم، فتكون واجبة على القريب الغني لقريبه الفقير المستحق لها، بشرط أن يكون هذا المنفق ممن يرث المنفق عليه إذا مات، ويكون بينهما رحم محرم.
وهذا الاتجاه يتضمن قول أبي حنيفة وأحمد وغيرهما، على خلاف بينهم: هل يكون الوجوب على من يأخذ نصيبا من الميراث؟ أو على الذكور فقط؟ أو على كل ذي رحم له وإن لم يكن وارثا منه؟
ومرده إلى التعبير بلفظ الوارث، وأن الظاهر من السياق عطف قوله: (وعلى الوارث مثل ذلك) على قوله: (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن)، مع قراءة ابن مسعود : وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك.
قالوا: فهذه الجملة (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ) سيقت لبيان من ينفق على الولد إن لم يكن له أب، أو كان له أب عاجز عن الإنفاق عليه؛ فإن الإنفاق في هذه الحال يكون على الوارث الذي يرث الولد إذا مات؛ لأن الغُنم بالغُرم، فما دام يرثه عند الوفاة إن كان له مال، فإنه ينفق عليه إذا كان محتاجًا عاجزًا.
وقالوا: وفى التعبير بكلمة (الْوَارِثِ) بدل كلمة قريب، إشارة إلى أن الوراثة هي السبب في وجوب تقديم الرزق والكسوة، لَا مجرد القرابة، أو القرابة المحرمية؛ وعلى ذلك يكون الوجوب تابعا لمقدار الميراث، ولدرجة التوريث؛ لأن الميراث هو السبب في الوجوب، فيكون الوجوب مشتقًا من درجته ومقداره وقوته.
وقال الكاساني الحنفي: (وإنا نقول: المراد من الوارث الأقارب الذي له رحم محرم لا مطلق الوارث، عرفنا ذلك بقراءة عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك).
واحتج أبو حنيفة أيضا بقوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75]، ونحوه من الآيات في الأمر بصلة الرحم، والحث عليها.
ومن خص وجوب النفقة بالعصبات، اعتبر ذلك قياسا على تحمل الدية،؛ فقال: إن المطالبين بالحقوق المالية هم العصبة فكما أن أصحاب الفروض لا يحملون من الدية شيئا فكذلك لا يحملون من الإنفاق شيئا وكذلك ذوي الأرحام.
قال الشيخ ابن عثيمين: (قوله: "وعلى الوارث مثل ذلك" من الوارث؟ بفرض أو تعصيب أو رحم نعم؟ هذا أيضا موضع خلاف، فإذا نظرنا إلى ظاهر الآية فإنه شامل لكل من يرث، بفرض أو تعصيب أو رحم، وخصه بعض العلماء بالوارث بالتعصيب قياسا على تحمل الدية، فقال: إن المطالبين بالحقوق المالية هم العصبة فكما أن أصحاب الفروض لا يحملون من الدية شيئا فكذلك لا يحملون من الإنفاق شيئا وكذلك ذوي الأرحام).اهـ.
ثم هل المراد بالإرث هنا الحيازة الحقيقية، أي من يأخذ من الميراث فعلا، أو المعتبر أهلية الحرز، ولو لم يرث ؟
قال العلماء: المعتبر أهلية الإرث لا إحرازه؛ إذ هو لا يعلم إلا بعد الموت.
مناقشة أصحاب هذا الاتجاه
اعترض عليه بما يلي:
أولا: احتج بعض أصحاب هذا الاتجاه بأن المراد بالوارث في الآية الكريمة: وارث الصبي نفسه، وهو خلاف الظاهر، فالظاهر أن المراد به وارث المولود له.
قال الشوكاني: (لا دليل يدل على وجوب هذا الإنفاق وما استدلوا به من قوله تعالي: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] ، فوضع للدليل في غير موضعه، فان الآية واردة في غير هذا المعنى؛ لأن الله سبحانه قال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] ، ثم قال: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233] ، أي وارث المولود له، وفي الآية احتمالات، كما أوضحنا ذلك في تفسيرنا، وهذا المعنى هو الظاهر منها ولا يصح الاحتجاج بمحتمل مسأو فكيف بمحتمل مرجوح؟!).
ثانيا: احتج بعض أصحاب هذا الاتجاه بأن المراد بقوله: " مثل ذلك ": أي من النفقة والكسوة. وهذا يرده تفسير ابن عباس، وهو ترجمان القرآن؛ فقد قال ابن عباس: أراد به أن لا تضار والدة بولدها.
وأجيب عنه بأنه قد خالفه غيره من كبار الصحابة، كعمر، فلا يكون في قول أحدهم حجة على الآخر.
ثالثا: تقييد ما ذكروه من وجوب إنفاق الأقارب المذكورين بالإرث بالنسب لا وجه له بل صلة الارحام ثابتة ومشروعيتها عامة والاقرب احق بها من الابعد.
رابعا: النفقة لو كانت على الوارث للزم الأب ثلثا النفقة والأم ثلثها وليس كذلك. ولو استرضع المولود غير الأم كان على الأب ثلثا الرضاع وعلى الأم ثلثه. ولا قائل بذلك.
قال أبو بكر الحصني (الشافعي): (وقال أبو ثور يلزم الوارث النفقة لقوله تعالى {وعلى الوارث مثل ذلك}، وأجيب عن ذلك بأن النفقة لو كانت على الوارث للزم الأب ثلثا النفقة والأم ثلثها وليس كذلك).
وقال الروياني (الشافعي): (في فرض النفقة على الوارث والأم حية دلالة على أن النفقة ليست على الميراث، لأنها لو كانت على الميراث كان على الأب ثلثاها وسقط عنه ثلثها لأنه حظ الأم، ولو استرضع المولود غير الأم كان على الأب ثلثا الرضاع وعلى الأم ثلثه).
كما تعقب هذا الاتجاه بقوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ﴾ [الطلاق: 6]، فإنه يقال حينئذ: (لما وجب على الأب الإنفاق على من يُرضع ولده ليُغذَّى ويُربَّى، فكذلك يجب عليه إذا فُطم فيغذيه بالطعام كما كان يغذيه بالرضاع ما دام صغيراً، ولو وجب مثل ذلك على الوارث لوجب إذا مات عن الحامل أنه يلزم العصبة بالإنفاق عليها لأجل ما في بطنها، وكذا يلزم الحنفية إلزام كل ذي رحم محرم).
خامسا: قياس النفقة على الميراث قياس فاسد فإن الميراث مبناه على النصرة، والموالاة بخلاف النفقة فإنها صلة ومواساة من حقوق القرابة، وقد جعل الله للقرابة حقا - وإن كانت كافرة - فالكفر لا يسقط حقوقها في الدنيا، قال الله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم} [النساء: 36] .
سادسا: ونوقش هذا الاتجاه أيضا بما قال البخاري: "باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك كلا أو ضياعاً فإلي)، وذكر حديث أبي هريرة بلفظ: (من توفي من المؤمنين فترك ديناً فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته". قال الحافظ: وأراد المصنف بإدخاله في أبواب النفقات الإشارة إلى أن من مات وله أولاد ولم يترك لهم شيئاً، فإن نفقتهم تجب في بيت مال المسلمين).
مناقشة مذهب الحنفية:
نوقش بما يلي:
أولا: أن مبنى هذا القول على قراءة ابن مسعود المذكورة آنفا، وهي قراءة غير ثابتة، فلا يصح الاستدلال بها.
ثانيا: مؤدى هذا القول وجوب النفقة على كل قريب لقريبه المحتاج، وهذا لا دليل عليه بخصوصه، وفيه تحكم.
قال ابن عطية: (وحكى الطبري عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن أنهم قالوا: الوارث الذي يلزمه إرضاع المولود هو وليه ووارثه إذا كان ذا رحم محرم منه، فإن كان ابن عم وغيره وليس بذي رحم محرم فلا يلزمه شيء.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا القول تحكم).
وقال الرازي تعقيبا على القول بأن الوارث من كان ذا رحم محرم دون غيرهم من ابن العم والمولى: قال: (وهو مذهب أبي حنيفة ... واعلم أن ظاهر الكلام يقتضي أن لا فضل بين وارث ووارث، لأنه تعالى أطلق اللفظ فغير ذي الرحم بمنزلة ذي الرحم، كما أن البعيد كالقريب، والنساء كالرجال، ولولا أن الأم خرجت من ذلك من حيث مر ذكرها بإيجاب الحق لها، لصح أيضا دخولها تحت الكلام، لأنها قد تكون وارث كغيرها).
ثالثا: الأدلة من الكتاب والسنة تدل على مشروعية الإحسان إلي القرابة الدين هم غير الآباء الأبناء، ممن هم داخلون فيما ورد في صلة الارحام، هي من باب الاستحباب لا الوجوب، وأما كون ذلك حتما لازما فلا دليل على ذلك يتعين الاخذ به، إذ لا دليل على الوجوب، والأصل عدمه؛ فصلة الأرحام ثابتة، ومشروعيتها عامة، والأقرب أحق بها من الأبعد، ولكنها لا تترتب ولا تتوقف على الإرث.
قال الشوكاني: (وأما نفقة سائر القرابة فقد عرفناك أنه لا دليل يدل على وجوبها، بل هي من باب صلة الأرحام...، ينبغي أن يسلك في هذه الصلة المسلك الذي أرشد إليه الشارع في الأحاديث المتقدمة بقوله: "الأقرب فالأقرب" وبقوله: "ثم أدناك أدناك").
رابعا: الآية التي احتج بها أبو حنيفة، من سورة الأنفال إنما هي محمولة على الميراث، ولهذا قال الله تعالى: " في كتاب الله ".
خامسا: يلزم على قول الحنفية بتقييد الوارث بذي الرحم: أن النفقة تجب على الخال لابن أخته، ولا تجب على العم لابن أخيه، وهو تفصيل لا دلالة عليه من الكتاب ولا السنة ولا القياس.
قال ابن أبي العز الحنفي في التنبيه على مشكلات الهداية: (قوله: وفي قراءة ابن مسعود -رضي الله عنه-: "وعلى الوارث ذي الرحم المحرم مثل ذلك" تقييد وجوب النفقة بالمحرمية، وهو مشكل لوجوه : أحدها: عدم ثبوت قراءة ابن مسعود.
الثاني: أن سائر أدلة نفقات الأقارب مطلقة كما في قوله تعالى: {وآت ذا القربى حقه}، وقوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى}. وكقوله صلى الله عليه وسلم: "وابدأ بمن تعول: أمك، وأباك، وأختك، وأخاك، ثم أدناك" ...الخ.
الثالث: ما ورد في ذلك من الآثار، منها: ما ذكر ابن أبي شيبة بسنده عن سعيد بن المسيب قال: "جاء ولي يتيم إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أنفق عليه، ثم قال: لو لم أجد إلا أقصى عشيرته لفرضت عليهم"، ولا يعرف له مخالف من الصحابة.
الرابع: تفسير جمهور السلف للآية، كقتادة، ومجاهد، والضحاك، وغيرهم.
الخامس: شمول ما ذكر من المعنى في الإنفاق على المحارم لبقية الورثة، وهو أنه ليس من المعروف- بل من أعظم "الإساءة" أن يعيش في نعم الله ويترك قريبه يموت جوعًا وعريًا، وهو قادر على سد خلته و"الغرم بالغنم" فكما أنه يرثه إذا مات، ويخلفه في ماله إذا كان له مال. فكذلك يقوم بمؤنته إذا احتاج ولم يكن له مال، وهو قادر على مواساته.
السادس: ثبوت الفرق بين وجوب الصلة بالإنفاق، وبين الصلة بالإعتاق بالملك وحرمة النكاح، وهو أن الحاجة إلى النفقة والكسوة أعظم من زوال الرق وحرمة المناكحة، فلا يلزم من قصور الإعتاق وحرمة المناكحة على المحرمية قصور الإنفاق عليهم مع استوائهم مع بقية الأقارب في الحاجة الكبرى؛ فإن الحاجة إلى سبب الحياة الحقيقية فوق الحاجة إلى سبب الحياة الحكمية بزوال الرق وثبوت الحرية والإكرام بحرمة الاستفراش.
السابع: أن الأمر بصلة الرحم غير مختص بالمحرم، فإن قيل: المراد بذلك البر والصلة دون الوجوب، وهذا السؤال يرد على الاستدلال من الآيات والأحاديث المتقدمة. وجوابه: أن الأمر يقتضي الوجوب، وقد سماه الله حقًا وأضافه إلى القريب بقوله: {وآت ذا القربى حقه}، وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه حق وأنه واجب.
فإن قيل: المراد بحقه ترك قطيعته. فالجواب: أي قطيعة فوق أن يتركه يموت جوعًا وعطشًا ويتأذى غاية الأذى بالحر والبرد، وهو يتقلب في نعم الله، ويفضل عنه منها ما يقدر على مواساة قريبه به، وهو لا يصله بشيء من ذلك.
وإذا لم تكن هذه الصلة هي المأمور بها فهي السلام عليه إذا لقيه، وعيادته إذا مرض، وتشميته إذا عطس، وإجابته إذا دعاه فقط؟! وهذا حق يجب لكل مسلم، ولابد من تمييز ذي الرحم على سائر المسلمين بأمر زائد على ما يجب للمسلم على المسلم.
الثامن: بناء على هذا القول فإن المعسر إذا كان له خال، وابن عم تكون نفقته على الخال، وميراثه يحرزه ابن عمه. وهذا بعيد كل البعد عن قواعد الشريعة ومقاصدها).
الترجيح:
بعد هذه المناقشات، يتبين أن كل واحد من الاتجاهين لا يسلم من الانتقادات والاعتراضات التي لها محل كبير من النظر، يتوقف معه الباحث، ويصعب عنده الترجيح والاختيار بين الاتجاهين، ومع ذلك فيمكن الخلوص إلى النتيجة التالية:
أولا: الذي يبدو لي رجحانه من هذه الأقوال، وهو والظاهر من سياق الآيات، أن المراد بالوارث أنه وارث المولود له، وذلك لعطفه عليه، ولأن المولود له وهو الأب هو المحدث عنه في جملة المعطوف عليه، وأن المراد بقوله: "مثل ذلك": أي مثل ما على والد الطفل من الإنفاق على والدة الطفل، والقيام بحقوقها وعدم الإضرار بها، وهو ما نسبه ابن كثير إلى الجمهور. فالمعنى: أنه إذا مات المولود له وجب على وارثه ما وجب عليه من رزق الوالدات، وكسوتهن بالمعروف، وتجنب الضرار.
قال الرازي: (وهو منقول عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن المراد وارث الأب، وذلك لأن قوله: وعلى الوارث مثل ذلك معطوف على قوله: وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف وما بينهما اعتراض لبيان المعروف، والمعنى أن المولود له إن مات فعلى وارثه مثل ما وجب عليه من الرزق والكسوة، يعني إن مات المولود له لزم وارثه أن يقوم مقامه في أن يرزقها ويكسوها بالشرط المذكور، وهو رعاية المعروف وتجنب الضرار).
وقد اختار الشوكاني هذا القول، فقال: ({وَعَلَى الْوَارِثِ مثْلُ ذَلِكَ}: أي وارث المولود له، وفي الآية احتمالات كما أوضحنا ذلك في تفسيرنا، وهذا المعنى هو الظاهر منها).
وأما القول بأن المراد بالوارث: وارث المولود فهو وإن كان محتملا، لكن ما اخترنا ترجيحه أظهر وأقرب.
وأما القول بأنه المولود نفسه، فيشكل عليه أن يقال: ما وجه العدول عن التعبير بالولد إلى التعبير بالوارث؟ نعم قد أجيب عنه بأنه للإيماء إلى أن الأب إنما وجبت عليه نفقة الرضيع لعدم مال للرضيع، فلهذا لما اكتسب مالا وجب عليه في ماله لأن غالب أحوال الصغار ألا تكون لهم أموال مكتسبة سوى الميراث، لكن هذا تأويل بعيد؛ لأن الآية حينئذ تكون قد تركت حكم من لا مال له.
أيضا يرد على هذا القول أن الوارث لفظ يشمل الولد وغيره فلا يخص به وارث دون آخر إلا بحجة، ولو كان الولد هو المراد لقيل: وعلى المولود.
وأما القول بأن المراد بالوارث المعنى المجازي، وهو الذي يبقى بعد انعدام غيره كما في قوله تعالى: ونحن الوارثون [الحجر: 23]، يعني به أم الرضيع، فتكون النفقة على الأم، فيشكل عليه ما قال التفتازاني: «وهذا قلق في هذا المقام؛ إذ ليس لقولنا: فالنفقة على الأب وعلى من بقي من الأب والأم معنى يعتد به»، يعني أن إرادة الباقي تشمل صورة ما إذا كان الباقي الأب ولا معنى لعطفه على نفسه بهذا الاعتبار.
كذلك يشكل عليه حديث أم سلمة في سؤالها للنبي: هل لها أجر في الإنفاق على أولادها من أبي سلمة ولم يكن لهم مال؟ فأخبرها أن لها أجراً.
قال الحافظ: ( فدل على أن نفقة بنيها لا تجب عليها، إذ لو وجبت عليها لبين لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك). وكذا أورد قصة هند بنت عُتبة، فإنه أذن لها في أخذ نفقة بنيها من مال الأب، فدل على أنها تجب عليه دونها، فأراد البخاري أنه لم يلزم الأمهات نفقة الأولاد في حياة الآباء، فالحكم بذلك مستمر بعد الآباء، ويقويه قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ﴾ [البقرة: 233]، أي: رزق الأمهات وكسوتهن من أجل الرضاع للأبناء، فكيف يجب لهن في أول الآية وتجب عليهن نفقة الأبناء في آخرها؟).
ثانيا: يترجح أيضا أن المراد بقوله: "مثل ذلك": الرزق والكسوة، ولا يمتنع أن يراد به مع ذلك ترك المضارة، وهو اختيار غير واحد من المفسرين، أعني شمول اللفظ لما ذكر من القولين جميعا.
جاء في تفسير الماتريدي: (اختلف في تأويل قوله: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ). قَالَ بَعْضُهُمْ: هو معطوف على قوله: (لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا) ومعناه: ألا يضار الوارث أيضًا باليتيم. وقال آخرون: هو معطوف على الكل: على النفقة، والكسوة، والمضارة. وقال غيرهم: هو راجع إلى النفقة والكسوة دون المضارة. وهو قولنا؛ لوجهين:
أحدهما: أن نسق الكلام إنما هو على قوله: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فنسقه على حرف (على) أولى من نسقه على حرف (لا)، ليصح، إذ، لو حمل على قوله: (لَا تُضَارَّ) ولكان ما يوازيه من الكلام، إنما هو: الوارث مثل ذلك. والثاني: أنه لو حمل على إضرار من الوارث بالولد في الميراث لقال: وعلى المورث بحق الميراث، فلا ضرر يقع فيه، بل يقع الإنفاق؛ فثبت أن حمله عليه أحق).
وقال الطاهر بن عاشور: " والإشارة بقوله ذلك إلى الحكم المتقدم وهو الرزق والكسوة بقرينة دخول على عليه الدالة على أنه عديل لقوله: وعلى المولود له رزقهن وجوز أن يكون ذلك إشارة إلى النهي عن الإضرار المستفاد من قوله: لا تضار والدة بولدها كما سيأتي، وهو بعيد عن الاستعمال لأنه لما كان الفاعل محذوفا وحكم الفعل في سياق النهي كما هو في سياق النفي علم أن جميع الإضرار منهي عنه أيا ما كان فاعله، على أن الإضرار منهي عنه فلا يحسن التعبير عنه بلفظ على الذي هو من صيغ الإلزام والإيجاب، على أن ظاهر المثل إنما ينصرف لمماثلة الذوات وهي النفقة والكسوة لا لمماثلة الحكم وهو التحريم".
ثالثا: يترجح كذلك أن الاتجاه الثاني أقوى في الجملة من الاتجاه الأول، من أن هنالك نفقة واجبة على الأقارب تجاه أقاربهم المحتاجين الذين لو ماتوا لورثهم الأقارب الواجب عليهم تلك النفقة.
ثم إن ما ذهب إليه الحنابلة أقرب للصواب، لكونه ظاهرا من سياق الآية، وهو أيضا أقل انتقادا مما ذهب إليه الحنفية، ويبقى معرفة هل قوله سبحانه: "وعلى الوارث مثل ذلك" يشمل الوارث بفرض أو تعصيب؟ أو يختص بالوارث بالتعصيب؟
بكل قد قال طائفة، واختار شمولية اللفظ للوارث بالفرض والتعصيب من المعاصرين: الشيخان: ابن باز وابن عثيمين، استنادا إلى أن ظاهر الآية شامل لكل من يرث، بفرض أو تعصيب أو رحم. وبذلك أفتت اللجنة الدائمة. فجاء فيها:
(المذهب أن الإنسان تلزمه نفقة كل قريب له؛ وذلك بثلاثة شروط: أحدها: أن يكون فقيرا لا مال له ولا كسب يستغني به عن إنفاق غيره عليه.
الثاني: أن يكون ما ينفقه المنفق فاضلا عن نفقة نفسه ونفقة من هو أولى بالإنفاق عليه من ذلك الشخص المنفق عليه، كزوجه ووالده وولده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر بن عبد الله: «إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه فإن كان فضل فعلى عياله فإن كان فضل فعلى قرابته».
الثالث: أن يكون المنفق وارثا بالفعل؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ}، وذلك أن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس، فتعين أن يختص بوجوب نفقته علي دون غيره.
ولا يؤثر على وجوب النفقة كون المنفق عليه ليس وارثا للمنفق، وبهذا قال الحسن ومجاهد والنخعي وقتادة والحسن بن صالح وابن أبي ليلى وأبو ثور.
فإن كان للفقير أكثر من وارث يستطيع النفقة فإن نفقته على ورثته بقدر إرثهم ما لم يكن أحد الورثة أبا، فإن كان فيهم أب وجبت النفقة عليه وحده لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ}، وقوله لهند زوجة أبي سفيان: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف».
والقول الثاني هو قول عمر رضي الله عنه ، كما ذكره ابن أبي شيبة بسنده عن سعيد بن المسيب قال: "جاءوا بيتيم إلى عمر، فقال: «أنفق عليه»، قال: «فلو لم أجد إلا أقصى عشيرته لفرضت عليهم»".
وخلاصة ما سبق فيما يتعلق بمعنى الآية وحكم نفقة الأقارب: أن المراد بالآية: وعلى وارث الأب مثل ذلك من النفقة والكسوة وترك الضرار للمرضع. وهو ما اخترناه. وقيل: على وارث الصبي الذي لو مات ورثه، فدل هذا القول على وجوب النفقة على أقارب الصبي عند عدم الوالد. وهذا أصل في وجوب نفقة الأقارب، وهو مذهب أبي حنيفة، وأحمد، إلا أن الحنفية أوجبوا النفقة لكل ذي رحم محرم كالعمة والخال، ولا تجب لغير ذي الرحم المحرم كابن العم وبنت العم، وأوجبها الحنابلة لكل قريب وارث بفرض أو تعصيب كالأخ والعم وابن العم، ولا تجب لذوي الأرحام كبنت العم والخال والخالة والعمة ونحوهم ممن لا يرث بفرض ولا تعصيب، لأن قرابتهم ضعيفة.
ورأى مالك والشافعي أن النفقة لا تجب إلا على الوالدين، فنفقة الولد على أبيه، فإن مات ففي مال الصبي إن كان له مال، وإلا فعلى الأم. ويراد بقوله تعالى: "مِثْلُ ذلِكَ" عندهما: ترك الإضرار فقط، أو يراد من الوارث: الولد نفسه. ولا يخلو قولهما من إشكالات كما بينا. والآية تؤيد الرأي الأول.
وقد يقال بتخصيص الوارث بالعصبات. وهو ما نميل إليه.
وقال أبو بكر الجزائري: ({وعلى الوارث}: الوارث هو الرضيع نفسه إن كان له مال، وإلا فعلى من يكفله من عصبته).
هل تثبت نفقة الأقارب دينا في ذمة من وجبت عليه لمن ثبتت له؟
اختلف الفقهاء في ثبوت نفقة الأقارب دينا في ذمة من وجبت عليه لمن ثبتت له، ووجوبها في تركته إذا مات قبل أدائها لمستحقها، وذلك على قولين:
أحدهما: للحنفية والشافعية والحنابلة، وهو أن نفقة الأقارب تسقط بموت من وجبت عليه قبل أدائها لمستحقها، لأنها صلة، والصلات تبطل بالموت قبل التسليم، إلا إذا فرضها القاضي وأمر باستدانتها عليه، ففعل المستحق، فعندئذ تصير دينا في ذمة من لزمته، ولا تسقط بموته قبل الأداء، بل تؤخذ من تركته كسائر ديون العباد، حيث إنها تأكدت بفرض الحاكم وأمره بالاستدانة.
الثاني: للمالكية، وهو أن متجمد نفقة الأقارب يسقط بموت من لزمته قبل أدائها إلا إذا حكم بها حاكم، أو أنفق شخص على من وجبت له غير قاصد التبرع عليها بها، وكان من وجبت عليه موسرا، فعندئذ تصير دينا في ذمته، ولا تسقط بموته قبل الأداء، بل تؤخذ من تركته كسائر الديون الثابتة للآدميين.
حكم دفع الزكاة للأقارب
دفع الزكاة للأقارب فيه تفصيل: فإذا كان القريب من الفروع، كالأولاد وأولاد البنين، وأولاد البنات والبنات أنفسهن، لا يعطون من الزكاة، ولكن ينفق عليهم والدهم من ماله، وهكذا الآباء والأجداد والأمهات والذرية، فليسوا من أهل الزكاة، ولا يعطون من الزكاة؛ لأنهم شيء واحد: الأولاد بضعة منه، وهو بضعة من أبيه وأمه، فالواجب أن ينفق عليهم من صلب ماله، لا من الزكاة إذا كانوا فقراء.
أما بقية الأقارب كالإخوة والأعمام وبني العم وبني الخال وبني الخالة وأشباههم، فيعطون الزكاة إذا كانوا فقراء أو غارمين عليهم ديون لا يستطيعون أداءها؛ لقوله سبحانه: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ). وتعتبر صدقة وصلة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (أما الزكاة فإن كان مما يجب على الإنسان أن يدفعه فإنه لا يصح أن يدفع إليهم الزكاة، مثل لو كانت الزكاة لدفع حاجتهما من نفقة، وهو ممن تجب عليه النفقة، وماله يتحمل، فإنه لا يجوز له أن يعطيهما من الزكاة، أما إذا كان ممن لا يجب عليه، كما لو قضى ديناً عن أبيه أو عن ابنه أو زوجته، أو قضت ديناً على زوجها فإن ذلك لا بأس به إذا كان المدين حياً، أما إذا كان المدين ميتاً فلا يقضي عنه إلا تبرعاً، أو من التركة، ولا يقضي عنه من الزكاة).
رواه البخاري (1442)، مسلم (1010).
رواه مسلم (993).
رواه البخاري (5353)، مسلم (2982).
رواه مسلم (2984).
انظر: مختصر الفقه الإسلامي (ص: 904)، فتاوى الشبكة الإسلامية، فتوى رقم: (15896).
التوقيف على مهمات التعاريف (ص: 176).
انظر: فتاوى إسلامية ( 4 / 195 )، فتاوى الإسلام سؤال وجواب – فتوى رقم (75057) بعنوان: من هم الأرحام الواجب صلتهم؟
أنواع ودرجات القرابة - د. هشام عبد الحميد - مدير مركز الدعم القانونى للأطباء (نت).
المرجع السابق.
وهو الرأي الذي أخذ به قانون الأحوال الشخصية في المادة (62) بقوله: (تجب نفقة كل فقير عاجز عن الكسب على من يرثه من أقاربه الموسرين بقدر إرثه منه). انظر: نفقة الفروع والأصول والأقارب - المؤلف: محسن حسن كشكول – عباس السعدي.
منار السبيل (2/ 306).
الموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 255)، انظر أيضا: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7349).
انظر: الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7349)، وما بعده.
الهداية في شرح بداية المبتدي (2/ 293)، العناية شرح الهداية (4/ 419)، البحر الرائق (4/ 228).
حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (2/ 135)، شرح ابن ناجي التنوخي على متن الرسالة (2/ 108)، الإشراف على نكت مسائل الخلاف (2/ 808).
المجموع شرح المهذب (18/ 294)، البيان في مذهب الإمام الشافعي (11/ 245).
المبدع في شرح المقنع (7/ 166)، مطالب أولي النهى (5/ 643)، الروض المربع (ص: 624).
شرح أخصر المختصرات (73/ 6).
الموسوعة الفقهية الكويتية (3/ 89)، جاء في شرح زاد المستقنع للشنقيطي (338/ 9): وجوب النفقة على عمودي النسب من ذوي الأرحام: قوله: [لا برحم سوى عمودي النسب] أي لا يجب عليه أن ينفق على القريب من ذوي الأرحام، وذوو الأرحام كبنت البنت، وبنت ابن البنت من جهة الفروع، وكذلك أيضاً من جهة الحواشي؛ كبنت الخال، أو الخال نفسه، وبنت الخالة، أو الخالة نفسها، لا يجب عليه أن ينفق عليها في الأصل؛ لأنها من جهة ذوي الأرحام، وهؤلاء ليسوا من الوارثين، والله عز وجل خص النفقة الواجبة اللازمة بالوارث. وذوو الأرحام لهم إرث كما ذكرنا، لكن من قال بتوريثهم فهذا عندما ينزل منزلة من أدلى به، لكنه ليس في الأصل من الوارثين، وإنما قيل بتوريثه لقوله تعالى: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال:75]، ولحديث: (الخال وارث من لا وارث له). وفيه كلام عند العلماء رحمهم الله.
قوله: (سوى عمودي نسبه): فعمودي النسب من جهة الأب، والأم، والأجداد، والجدات لا يسقطون إذا كانوا من ذوي الأرحام.
أما الجدة الساقطة، والجد الساقط، أو كما يقولون: الجدة الفاسدة، والجد الفاسد، فهؤلاء يجب عليه أن ينفق عليهم، وكونهم ساقطون في الإرث لا يسقط حقهم في النفقة؛ لأن في عمودي النسب موجباً للإنفاق أكثر من القرابة والورثة، فليس الأنفاق عليهم بسبب الإرث -أي: عمودي النسب- إنما هو بسبب نعمة الوجود؛ لأن الله عز وجل جعل وجود الابن بفضل الله ثم بفضل والديه، ولذلك قال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان:14].اهـ.
انظر: تفسير الرازي (6/463)، البحر المحيط (2/505)، تفسير البيضاوي (1/145،144)، تفسير أبي السعود (1/231)، فتح القدير (1/282)، التفسير المظهري (1/324). وقال الطاهر ابن عاشور: " وقوله: وعلى الوارث مثل ذلك معطوف على قوله: وعلى المولود له رزقهن وليس معطوفا على جملة لا تضار والدة لأن جملة لا تضار معترضة، فإنها جاءت على الأسلوب الذي جاءت عليه جملة لا تكلف نفس إلا وسعها التي هي معترضة بين الأحكام لا محالة لوقوعها موقع الاستئناف من قوله بالمعروف، ولما جاءت جملة لا تضار بدون عطف علمنا أنها استئناف ثان مما قبله ثم وقع الرجوع إلى بيان الأحكام بطريق العطف، ولو كان المراد العطف على المستأنفات المعترضات لجيء بالجملة الثالثة بطريق الاستئناف ". التحرير والتنوير (2/ 434).
قال الطاهر بن عاشور: (الجمهور: المراد وارث الطفل أي من لو مات الطفل لورثه هو، روي عن عمر بن الخطاب وقتادة والسدي والحسن ومجاهد وعطاء وإسحاق وابن أبي ليلى وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل فيتقرر بالآية أن النفقة واجبة على قرابة الرضيع، وهم بالضرورة قرابة أبيه، أي إذا مات أبوه ولم يترك مالا: تجب نفقة الرضيع على الأقارب. على حسب قربهم في الإرث ويجري ذلك على الخلاف في توريث ذي الرحم المحرم فهؤلاء يرون حقا على القرابة إنفاق العاجز في مالهم كما أنهم يرثونه إذا ترك مالا فهو من المواساة الواجبة مثل الدية). التحرير والتنوير (2/ 435، 436).
تفسير الطبري (5/ 54: 66) بتصرف يسير، واختصار.
تفسير ابن كثير (1/ 635).
قال أبو حيان: " وروى ابن القاسم عن مالك إن الآية تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث، ثم نسخ ذلك بالإجماع من الأمة أن لا يضار الوارث ". وعلق على ذلك فقال: "وأنى يكون بالإجماع وقد رأيت أقوال العلماء في وجوب ذلك؟" انظر: البحر المحيط في التفسير (2/ 506).
فتح القدير للشوكاني (1/ 282).
تفسير الرازي (6/ 462).
فتح الباري (9/ 515).
فتح القدير للشوكاني (1/ 282).
تفسير المنار (2/ 328).
نقله عنه الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 515).
فتح القدير للشوكاني (1/ 282).
المرجع السابق.
التفسير المظهري (1/ 325).
ونسب ابن القيم هذا الاتجاه للجمهور، فقال: (وقال ابن جريج: قلت لعطاء: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] [البقرة: 233 -] قال: على ورثة اليتيم أن ينفقوا عليه كما يرثونه. قلت له: أيحبس وارث المولود إن لم يكن للمولود مال؟ قال: أفيدعه يموت؟ وقال الحسن: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] قال: على الرجل الذي يرث أن ينفق عليه حتى يستغني. وبهذا فسر الآية جمهور السلف منهم قتادة ومجاهد والضحاك وزيد بن أسلم وشريح القاضي وقبيصة بن ذؤيب وعبد الله بن عتبة بن مسعود وإبراهيم النخعي والشعبي وأصحاب ابن مسعود، ومن بعدهم: سفيان الثوري وعبد الرزاق وأبو حنيفة وأصحابه، ومن بعدهم: أحمد وإسحاق وداود وأصحابهم). انظر: زاد المعاد في هدي خير العباد (5/ 485، 486).
زهرة التفاسير (2/ 810).
المرجع السابق، وقال المظهري: " ويعتبر قدر الميراث لان اضافة الحكم الى المشتق يدل على علية مأخذ الاشتقاق فيكون النفقة على الام والجد أثلاثا- ونفقة الأخ الزمن المعسر على الأخوات المتفرقات الموسرات أخماسا على قدر الميراث". التفسير المظهري (1/ 325).
بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (4/ 31). وفي التفسير المظهري: (ووجه التقييد قراءة ابن مسعود: "وعلى الوارث ذى الرّحم المحرم مثل ذلك"، فقد ذهب أبو حنيفة على أصل أن قراءة ابن مسعود يجوز به تخصيص الكتاب والزيادة عليه).
قال البغوي: (اختلفوا في أي وارث هو من ورثته، فقال بعضهم: هو عصبة الصبي من الرجال، مثل الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وبه قال إبراهيم والحسن ومجاهد وعطاء، وهو مذهب سفيان، قالوا: إذا لم يكن للصبي مال ينفق عليه أجبرت عصبته الذين يرثونه على أن يسترضعوه). تفسير البغوي (1/ 313).
تفسير سورة البقرة لابن عثيمين، موقع أهل الحديث والأثر.
انظر: التفسير المظهري (1/ 325).
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (ص: 466).
قال الشافعي رحمه الله: (فإن قال قائل: فإنا قد روينا من حديثكم أن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - أجبر عصبة غلام على رضاعه الرجال دون النساء قلنا أفتأخذ بهذا؟ قال: نعم. قلت: أفتخص العصبة وهم الأعمام وبنو الأعمام والقرابة من قبل الأب؟ قال: لا، إلا أن يكونوا ذوي رحم محرم. قلنا: فالحجة عليك في هذا كالحجة عليك فيما احتججت به من القرآن، وقد خالفت هذا قد يكون له بنو عم فيكونون له عصبة وورثة ولا تجعل عليهم النفقة وهم العصبة الورثة وإن لم تجد له ذا رحم تركته ضائعا. (قال الشافعي): فقال لي قائل: قد خالفتم هذا أيضا. قلنا: أما الأثر عن عمر فنحن أعلم به منك ليس تعرفه ولو كان ثابتا لم يخالفه ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فكان يقول: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] على الوارث أن {لا تضار والدة بولدها} [البقرة: 233] وابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أعلم بمعنى كتاب الله عز وجل منا). الأم للشافعي (5/ 113).
المرجع السابق.
كفاية الأخيار (ص: 439). وقال الروياني الشافعي: (وقال أبو ثور: يجب لكل موروث ولا تجب نفقة من ليس بمورث، وبه قال أحمد لأن الله تعالى علق بمعنى الميراث، فقال: وعلى الوارث مثل ذلك. وهذا غلط لأنها لو كانت على الميراث للزمت على الأم مع وجوب الأب قدر ما يستحق من ميراثه، وأجمعنا على خلافه ومعنى الآية ما ذكرنا أو يحمله على الأولاد بدليل ما ذكرنا). بحر المذهب للروياني (11/ 491).
ومرد ههذا الكلام للشافعي رحمه الله، فقد قال في كتاب الأم (5/ 113): (والآية محتملة على ما قال ابن عباس وذلك أن في فرضها على الوارث والأم حية دلالة على أن النفقة ليست على الميراث لأنها لو كانت على الميراث كان على الأب ثلثاها وسقط عنه ثلثها لأنه حظ الأم ولو استرضع المولود غير الأم كان على الأب ثلثا الرضاع وعلى الأم ثلثه).اهـ.
فتح الباري (9/ 515).
أحكام أهل الذمة (2/ 793). قال ابن القيم: (وكل من ذكر في هذه الآية فحقه واجب وإن كان كافرا، فما بال ذي القربى وحده يخرج من جملة من وصى الله بالإحسان إليه؟ ورأس الإحسان الذي لا يجوز إخراجه من الآية هو الإنفاق عليه عند ضرورته، وحاجته، وإلا فكيف يوصى بالإحسان إليه في الحالة التي لا يحتاج إلى الإحسان، ولا يجب له الإحسان أحوج ما كان إليه؟ والله - سبحانه وتعالى - حرم قطيعة الرحم، وإن كانت كافرة، وترك رحمه يموت جوعا، وعطشا، وهو من أغنى الناس، وأقدرهم على دفع ضرورته أعظم قطيعة).
القراءة ليست من القراءات المتواترة العشرة، وليست مما صح سندها، كما سيأتي في كلام ابن أبي العز الحنفي.
تفسير ابن عطية (1/ 312).
تفسير الرازي (6/ 463).
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (ص: 466). وقال الشوكاني في "الدرر البهية": "باب النفقة تجب على الزوج للزوجة والمطلقة رجعياً لا بائناً ولا في عدة الوفاة فلا نفقة ولا سُكنى إلا أن تكونا حاملين، وتجب على الوالد الموسر لولده المعسر والعكس، وعلى السيد لمن يملكه، ولا تجب على القريب لقريبه إلا من باب صلة الرحم ومن وجبت نفقته وجبت كسوته وسكناه".اهـ.
بحر المذهب للروياني (11/ 491).
فتح الباري (9/ 515).
التنبيه على مشكلات الهداية (3/ 1475).
انظر: البحر المحيط لأبي حيان (2/ 505).
تفسير الرازي (6/ 462)، وقد ادعى أبو مسلم الأصفهاني أن هذا القول ضعيف، لأنا إذا حملنا اللفظ على وارث الوالد، والولد أيضا وارثه، أدى إلى وجوب نفقته على غيره، حال ماله مال ينفق منه وإن هذا غير جائز. لكن يمكن أن يجاب عنه بأن الصبي إذا ورث من أبيه مالا فإنه يحتاج إلى من يقوم بتعهده وينفق ذلك المال عليه بالمعروف، ويدفع الضرار عنه، وهذه الأشياء يمكن إيجابها على وارث الأب. انظر: تفسير الرازي (6/ 462). واختار السعدي وتبعه ابن عثيمين أن المراد بقوله: "على الوارث": الوارث للرضيع. وهذا القول قال به كثيرون.
السيل الجرار (ص: 467)، وكذلك الطاهر بن عاشور، فقال: (فالظاهر أن المراد وارث الأب وتكون "ال" عوضا عن المضاف إليه، كما هو الشأن في دخول ال على اسم غير معهود ولا مقصود جنسه وكان ذلك الاسم مذكورا بعد اسم يصلح لأن يضاف إليه، كما قال تعالى: " لئن لم ينته لنسفعا بالناصية " [العلق: 15]، وكما قال: " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى " [النازعات:40- 41] أي نهى نفسه فإن الجنة هي مأواه، وقول إحدى نساء حديث أم زرع: «زوجي المس مس أرنب والريح ريح زرنب» وما سماه الله تعالى وارثا إلا لأنه وارث بالفعل لا من يصلح لأن يكون وارثا على تقدير موت غيره لأن اسم الفاعل إنما يطلق على الحال ما لم تقم قرينة على خلافه فما قال: وعلى الوارث إلا لأن الكلام على الحق تعليق بهذا الشخص في تركة الميت وإلا لقال: وعلى الأقارب أو الأولياء مثل ذلك على أنه يكون كلاما تأكيدا حينئذ لأن تحريم الإضرار المذكور قبله لم يذكر له متعلق خاص فإن فاعل تضار محذوف. والنهي دال على منع كل إضرار يحصل للوالدة فما فائدة إعادة تحريم ذلك على الوارث كما قدمناه آنفا) التحرير والتنوير (2/ 435).
جاء في التفسير القرآني للقرآن (1/ 278) لعبد الكريم يونس الخطيب: (وقوله تعالى: «وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» أي وعلى وارث الأب أن يتكفّل فى مال مورّثه ما يكفى حاجة الأم من مسكن وملبس وطعام، بالقدر الذي يتحمله ما ورث المولود من والده، فإن يكن المتوفى لم يترك شيئا، أو ترك ما لا يكفل حاجة الأم، كان على وارثه القيام بهذا من مالهم، حسب درجتهم فى القرابة، وحسب يسرهم وعسرهم). اهـ.
انظر: التحرير والتنوير (2/ 435).
انظر: فتح الباري (9/ 515).
التحرير والتنوير (2/ 436).
فتح الباري (9/ 515). قال الحافظ: " وتعقب: بأنه لا يلزم من السقوط عنها في حياة الأب السقوط عنها بعد فقده ولا فقد القيام بمصالح الولد بفقده، فيحتمل أن يكون مراد البخاري من الحديث الأول، وهو حديث أم سلمة في إنفاقها على أولادها الجزء الأول من الترجمة، وهو أن وارث الأب كالأب يلزمه نفقة المولود بعد موت الأب، ومن الحديث الثاني الجزء الثاني، وهو أنه ليس على المرأة شيء عند وجوب الأب، وليس فيه تعرض لما بعد الأب" .اهـ. فتح الباري (9/ 515). وذكر ابن حجر أيضا ما ألمح به الإمام البخاري لما بوب فقال: " باب {وعلى الوارث مثل ذلك}، وهل على المرأة منه شيء؟ {وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم} إلى قوله - {صراط مستقيم} . قال الحافظ ابن حجر: (وقال زيد بن ثابت إذا خلف أما وعما فعلى كل منهما إرضاع الولد بقدر ما يرث، وبه قال الثوري. قال ابن بطال: وإلى هذا القول أشار البخاري بقوله: وعلى وهل على المرأة منه شيء ثم أشار إلى رده بقوله تعالى: " وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم "، فنزل المرأة من الوارث منزلة الا بكم من المتكلم... وقال ابن المنير: إنما قصد البخاري الرد على من زعم أن الأم يجب عليها نفقة ولدها وإرضاعه بعد أبيه لدخولها في الوارث، فبين أن الأم كانت كلا على الأب واجبة النفقة عليه، ومن هو كل بالأصالة لا يقدر على شيء غالباً، كيف يتوجه عليه أن ينفق على غيره؟! وحديث أم سلمة صريح في أن إنفاقها على أولادها كان على سبيل الفضل والتطوع، فدل على أن لا وجوب عليها. وأما قصة هند فظاهرة في سقوط النفقة عنها في حياة الأب، فيستصحب هذا الأصل بعد وفاة الأب". اهـ.
جاء في التفسير الوسيط لطنطاوي (1/ 530): "وقوله: وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ معطوف على قوله وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ. إلخ وما بينهما تعليل أو تفسير معترض. أى: وعلى وارث الأب أو وارث الصبى- أى من سيرثه بعد موته- عليه مثل ما على الأب من النفقة وترك الإضرار. فهذه الجملة الكريمة سيقت لبيان من تجب عليه نفقة الصبى إذا فقد أباه، أو كان أبوه موجودا ولكنه عاجز عن الإنفاق عليه".اهـ. وجاء في التفسير الواضح (1/ 151): " وعلى الوارث الذي يرث الأب مثل ذلك من النفقة والكسوة، وقيل: تؤخذ النفقة من مال الصبى فهو الوارث لأبيه، فإذا لم يكن له مال تؤخذ ممن يرث الطفل لو مات، وعلى كل فاللفظ يحتمل هذا".اهـ.
تفسير الماتريدي: تأويلات أهل السنة (2/ 182).
التحرير والتنوير (2/ 434). وفي تفسير القرآن الكريم - للمقدم (17/ 6): (مثل ذلك) يعني: مثل الذي على الأب للوالدة من النفقة والكسوة.اهـ. وفي تفسير غريب القرآن - الكواري (2/ 233): {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} المُشَارُ إِلَيْهِ الرِّزْق والكِسْوَة، يعني أن على وارث المولود له مثل ما على أَبِيهِ مِنَ النَّفَقَةِ والْكِسْوَةِ.اهـ.
قال ابن عثيمين: " الراجح أنه شامل لكل من يرث فرض أو تعصيب إلا ما خصه الدليل، فما خصه الدليل وجب أن يخصص بمقتضى ذلك الدليل، وإنما استثنينا لئلا يرد علينا ما ذهب إليه بعض الناس من وجوب إنفاق الزوجة على زوجها إذا كان فقيرا، فإن بعض أهل العلم أخذ من عموم الآية وجوب إنفاق الزوجة على زوجها إذا كان فقيرا، قال: لأن الزوجة وارث، ولكن هذا مدفوع بالدليل الخاص، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع في خطبته قال: " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " بدون تفصيل.
رواه الترمذي، من حديث جابر، وصححه الألباني في إرواء الغليل (7/ 231)، ح رقم (2165). وفي سنن النسائي (7/ 304):
عن جابر، أن رجلا من الأنصار يقال له: أبو مذكور أعتق غلاما له عن دبر يقال له: يعقوب لم يكن له مال غيره، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «من يشتريه؟»، فاشتراه نعيم بن عبد الله بثمان مائة درهم، فدفعها إليه وقال: «إذا كان أحدكم فقيرا فليبدأ بنفسه، فإن كان فضلا فعلى عياله، فإن كان فضلا فعلى قرابته، أو على ذي رحمه، فإن كان فضلا فها هنا وها هنا».اهـ.
فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (21/ 182، 183).
مصنف ابن أبي شيبة (4/ 183)، قال الألباني: " لم أقف عليه ". تخريج مشكلة الفقر (ص: 34). وفي إرواء الغليل (7/ 231)، ح
(2164) أورد رحمه الله هذا الأثر: " قضى عمر رضى الله عنه على بنى عم منفوس بنفقته "، ثم قال:" أخرجه ابن أبى شيبة فى المصنف (7/136/1): أخبرنا عبد الله بن إدريس عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب أوقف بنى عم منفوس كلالة برضاع على ابن عم له ". وهذا إسناد رجاله ثقات, لولا عنعنة ابن جريج , والخلاف فى سماع سعيد من عمر.اهـ. وسبق قول البغوي في تفسيره: (وهو قول عمر بن الخطاب، وبه قال ابراهيم والحسن ومجاهد وعطاء وسفيان. كما سبق قول ابن أبي العز تعليقا على هذا الأثر: (ولا يعرف له مخالف من الصحابة).
قال المظهري: (وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ عطف على قوله وعلى المولود له وما بينهما تفسير للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه. واختلفوا في تفسير الوارث فقال مالك والشافعي المراد بالوارث هو الصبى نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى يكون اجر رضاعه ونفقته من ماله فان لم يكن له مال فعلى الام ولا يجبر على نفقة الصبى الا الوالدان.
وقيل المراد به الباقي من والدي المولود بعد وفاة الاخر، عليه مثل ما كان على الأب من اجرة الرضاع والنفقة والكسوة وهذا القول ايضا يوافق مذهب الشافعي ومالك.
ويرد على القول الاول أن انفاق الصبى من ماله مقدم على إيجاب نفقته على غيره أبا كان او غيره ولا يجب على الأب الا إذا فرض انه ليس للصبى مال فلا يحسن أن يقال على الصبى نفقته مثل ما كان له على أبيه بل الأمر بالعكس وكيف يقال ذلك بعد ما فرض انه ليس له مال- وعلى القول الثاني أنه ان كان الباقي الأب فقط او الأبوين جميعا فالحكم قد سبق انه عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ فلا حاجة الى التكرار بل هذه الآية تقتضى في صورة بقائهما ان يكون النفقة عليهما، وهو ينافى ما سبق وان كان الباقي الام فقط فالمعنى على الام رزق الام وحينئذ يلزم ان تكون هى مستحقة ومستحقة عليها.
وقال أحمد وإسحاق وقتادة وابن ابى ليلى المراد بالوارث وارث الصبى من الرجال والنساء يجبر على نفقته كل وارث على قدر ميراثه عصبة كان او غيره سواء كان الصبى وارثا منه اولا كما إذا كانت صبية أنثى يرث منها ابن عمها وابن أخيها دون هى منه، وفي رواية عن احمد لا يجبر الا من كان ممن يجرى التوارث بينهما.
وبالرواية الاولى لأحمد قال ابو حنيفة وهو الظاهر المتبادر من الآية لا غبار عليه غير ان أبا حنيفة قيد الوارث بذي رحم محرم فخرج بهذا القيد المعتق وابن العم ونحو ذلك) التفسير المظهري (1/ 324).
قال د/ وهبة الزحيلي: (... فهذه الآيات والأحاديث تدل على وجوب الإنفاق على القريب العاجز. وللعلماء آراء ثلاثة:
الأول ـ مذهب الحنفية: أن النفقة تجب لكل ذي رحم محرم كالعم والأخ وابن الأخ والعمة والخالة والخال، ولا تجب لغير ذي رحم محرم كابن العم وبنت العم، ولا لمحرم غير ذي رحم كالأخ رضاعاً.
الثاني ـ مذهب الحنابلة: أن النفقة تجب لكل قريب وارث، بفرض أو تعصيب كالأخ الشقيق أو لأب أو لأم، والعم، وابن العم، ولا تجب لذوي الأرحام كبنت العم والخال والخالة والعمة ونحوهم ممن لا يرث بفرض ولا تعصيب؛ لأن قرابتهم ضعيفة، وإنما يأخذون مال المتوفى القريب عند عدم الوارث، فهم كسائر المسلمين.
ورأى ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من بعض الحنابلة: أن النفقة تجب لكل قريب من غير الأصول والفروع (غير عمودي النسب) إذا كان وارثاً، فتجب النفقة لذوي الأرحام كالعمة والخالة والخال، لقوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة:233/ 2] فقد جعل النفقة على المولود له لمن يستحق الإرث من الأقرباء.
الثالث ـ مذهب المالكية والشافعية: ألا تجب نفقة من عدا الوالدين والمولودين من الأقارب كالإخوة والأعمام وغيرهم؛ لأن الشرع ورد بإيجاب نفقة الوالدين والمولودين، وأما من سواهم فلا يلحق بهم في الولادة وأحكامها، فلم يلحق بهم في وجوب النفقة). الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي (10/ 7425: 7427). وفي إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/ 252)، قال ابن القيم رحمه الله: (ودخل في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} وجوب نفقة الطفل وكسوته ونفقة مرضعته على كل وارث قريب أو بعيد).
أيسر التفاسير للجزائري (1/ 221). وفي المستدرك على مجموع الفتاوى (2/ 147): " وهذا مثل دعوى من يدعي أن الواجب النفقة بين الإيلاد أو بين الرحم المحرمة، أو مطلق الإرث بفرض أو تعصيب؛ ويقول: إذا اجتمع الجد والجدة كانت النفقة عليهما؛ فإنه لما ثبت بالنص والإجماع أنه إذا اجتمع الأبوان كانت النفقة على الأب علم أن العصبة في ذلك يقدم على غيره إذا كان وارثا بفرض وهذا إحدى الروايتين عن أحمد، وعلم أن قوله: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [233/2] هو الوارث المطلق، وهو العاصب إن كان موجودا؛ لأن عمر جبر بني عم منغوس على نفقته. وهذه الآية صريحة في إلحاق نفقة الصغير على الوارث العاصب، وقال بها جمهور السلف، وليس فيما خالفها حجة أصلا؛ ولكن ادعى بعضهم أنها منسوخة، ونقل ذلك عن مالك. وبعضهم قال: عليه أن لا يضار فتركها بدون نسخ أو تأويل هو من نوع تحريف الكلم عن مواضعه لغير معارض لها أصلا مما يعلم بطلانه كل من تدبر ذلك".اهـ.
الموسوعة الفقهية الكويتية (39/ 287).
انظر: فتاوى نور على الدرب: حكم إعطاء زكاة المال للأخت، وانظر: فتوى بعنوان: ما حكم دفع الزكاة للأقارب؟ على موقع الإمام ابن باز.
شرح رياض الصالحين (3/ 195)، انظر: المسلم وحقوق الآخرين – المكتبة الشاملة.