logo

حقيبة إدارة الذات وفن إدارة الآخرين


بتاريخ : السبت ، 25 ربيع الآخر ، 1444 الموافق 19 نوفمبر 2022
حقيبة إدارة الذات وفن إدارة الآخرين

إدارة الذات

الحياة مواقف الناجح من يديرها: يواجه المرء في حياته مواقف كثيرة ترد إليه في وقت واحد أو تأتي كلها في زمن قصير، وعليه أن يتعامل مع تلك المواقف جميعها بطريقة مناسبة.

وهناك أشخاص بارعون في التعامل مع تلك المواقف وكأنهم متفرغون لكل واحد منها، وهناك من يرتبك وتتداخل في ذهنه المهام وتشتبك ولا يستطيع أن يتعامل مع أي منها. والسؤال الذي نحاول مناقشته هنا، ما علاقة الإدارة بالشخصية؟

 وقبل ذلك، لابد من الإشارة إلى أن إدارة الآخرين وإدارة القضايا تتطلب مهارة تتعلق بقدرة الشخص على إدارة نفسه من خلال قدرته على السيطرة على مشاعره وأفكاره وتوجيهها –وفق إمكانياته الذاتية- نحو هدف أو أهداف محددة.

والملاحظ أن الشخص الذي لا يستطيع التحكم بمشاعره لن يستطيع السيطرة على مسار أفكاره.

ومن ثم، فإن رؤيته للعالم الناتجة عن هذا التفاعل النفسي والعقلي ستكون مشتتة، وأي قرار ينتج عن هذه الرؤية غير المتزنة سيكون في مسار غير مناسب.

وهذا النوع من الشخصيات الانفعالية لا يستطيع أصحابها أن يقوموا بإدارة أي شيء على الوجه المناسب؛ بل إن الارتباك يكاد يكون ملازمًا لشخصياتهم من خلال الفوضى التي تحيط بالشخص في مكتبه أو منزله أو سيارته. هذا النوع غير قادر على إدارة أسرته؛ فالخلافات هي الأساس في حياته كلها، بل إنه لا يحسن اختياراته في العمل وفي التعامل مع الآخرين.

 وفي الثقافة الشعبية يوصف هذا الشخص بأنه لا يستطيع أن يرعى عددًا محدودًا من الماعز، فيقال في مجال التقليل من قيمة الشخص الفاشل في تدبير الأمور بأنه «ما ينسرَّح بثلاث صخال».

 والقصة الشعبية تحكي: أن رجلًا قدم على جماعة من العرب، فأكرموه وكان ذا مظهر حسن، وطلب أن يعمل لديهم وهو رجل متحمس وجاد، فقالوا: لدينا أغنام، هل ترعاها؟ فوافق.

ومن الغد أخذها وما إن ابتعد عن البيوت حتى تفرقت عليه ولم يستطع جمعها، وعاد في المساء وقد ضاع نصفها. ففزع القوم وراحوا يبحثون عن أغنامهم حتى جلبوها من أماكن متفرقة.

وحينما عادوا أخذوا يناقشونه فيما حصل، فكان مرتبكًا وهو يروي كيف أنه راح يطرد ماعزًا إتجهت نحو الشرق لكي يعيدها فما كان من أخرى إلا أن شردت صوب الغرب، فراح في إقتفاء الثانية وترك الأولى، فإذا بثالثة تهرب شمالا، فراح يتبعها وترك البقية.

 وهكذا بدأت الأغنام تشرد وتتفرق وهو مجتهد في مطاردة واحدة لا يلبث أن يتركها ويلاحق الأخرى، حتى أنهك وتعب ولم يستطع عمل شيء إلا بالعودة إلى البيوت مع غروب الشمس ومعه قطيع منهن يعرف طريقه دون حاجة للراعي.

وحينما انتهى من الشرح وهو في قمة الحماس، بدأ بعض الرجال في توبيخه، فقال كبيرهم: «إتركوه، هذا ما ينسرّح بثلاث صخال»؛ في إشارة إلى أن كل واحدة سوف تجعله يذهب في اتجاه مختلف فيضيع وتضيع الماشية.

 النموذج السابق، يمثل الشخصية المشتتة التي تهتم ببعض التفاصيل على حساب العمل الكلي، فقد أشغل نفسه في مطاردة ماعز ابتعدت قليلًا عن القطيع ثم أدخل نفسه في مطاردة غيرها، فأنهك نفسه ونسي المجموع الكلي، فانتهى به الأمر إلى تضييع عدد كبير من الماشية في سبيل الحفاظ على واحدة منها. لا أحد يشك في نيته السليمة ولا في حماسته القوية، ولكنه يفعل ذلك دون تدبير.

 هناك توازن داخلي لدى الشخصية يجعل صاحبها قادرًا على استيعاب المتغيرات من حوله والسيطرة على الزمن الداخلي الذي تتحرك من خلاله ذاته؛ فلا يسمح لعواطفه أن تتوتر أو تصبح خارج سيطرته لأن ذلك سوف يجلب له التشويش.

نلاحظ هذا حينما يقوم شخص بدعوة عدد من الناس في وليمة أو مناسبة، فهناك من يكون مرتاحًا ويتعامل مع أي ظرف طارئ بهدوء ويشعر الجميع بالتقدير والاحترام، في حين هناك من يُصاب بالارتباك والقلق وينسى القيام ببعض الواجبات في الترحيب أو التكريم ويخرج الناس من عنده وفي نفوسهم بعض الكدر، والسبب أنه لم يكن قادرًا على إدارة ذاته.

بعضهم حينما يرتبك يشتم وقد يضرب ويتصرف بشكل هستيري يخرجه عن طور العقل والإتزان، ويجلب له مشكلات ما كان لها أن تحصل لو عالج الأمر برويّة وهدوء.

 إن نجاح المرء في إدارة الآخرين تعود إلى رؤيته للعالم، فإن كان من النوع الذي يجعل من الصغائر أمورًا كبيرة تهمّه وتشل حركته، فمن الطبيعي أن يكون كما يقول المثل الشعبي: «يغرق بشبر ماء». وإن كان من النوع الذي يتعامل مع الأمور حسب ما تحتاجه دون تهويل أو تهوين، فإنه سينجح في تقدير الاختيارات المناسبة والتي في الغالب تكون أقرب إلى الصواب.

وقد قال أبو الطيب المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ      وتأتي على قدر الكـرام المكارمُ

وتعظم في عين الصغير صغارها       وتصغر في عين العظيم العظائم

إدارة الذات: هي الآلية، المهارات، والإستراتيجيات التي يستخدمها الشخص من أجل العمل بفعالية لتحقيق أهدافه. وتشمل وضع الأهداف، اتخاذ القرارات، ترتيب الأولويات، الجدولة، التخطيط، تقييم الذات، وتطوير الذات. والقدرة على التحكم في النوازع والعواطف والعادات والطريقة العقلية التي يفكر بها، ومن ثم تغييرها للوجهة الصحيحة.

وإدارة الذات عملية تستمر خلال جميع مراحل العمر، والاستخدام الصحيح لها، يساعد الشخص على تحقيق معظم طموحاته بأقل جهد ووقت ممكن. والشخص الذي يستطيع أن يحسن إدارة نفسه هو ذلك الشخص الذي استفاد من مواهبه وطاقاته ووقته ليحقق أهدافه العالية مع استمراره على حياة متوازنة.

كما إنه قد يتساوى موهبتين أو قد تفوق إحداهما الأخرى إلا أن إدارة الذات تبقى هي الفيصل في نجاح شخص ما على الآخر، من هذا المنطلق تكمن أهمية إدارة الذات لدى كل إنسان فينا، فكم ذكرنا من مواهب شعرية ورياضية وأدبية، ولأن لديها الضعف في إدارة ذاتها فإنها توارت وغابت عن ميدان المنافسة والتحدي.

إن إدارة الذات هي أمر محوري وإستراتيجي في نجاح الأفراد، كما أن إدارة الذات تختلف إختلافًا جوهريًا عن إدارة المؤسسة أو البيت أو الأولاد أو حتى الشركات الكبرى, وذلك أن إدارة المؤسسة أو أي إدارة أخرى هي إدارة مع الطرف الآخر.

أما إدارة الذات فهي إدارة مع النفس فإن لم تكن صادقًا مع نفسك وتتعرف على خفاياها وأسرارها وخصائصها ونقاط قوتها وضعفها، وكما ذكرنا تضع لك خارطة طريق ممنهجة توصلك للهدف فسوف يكون مآلك الفشل والعكس وارد وصريح، وكم من أناس يملكون من القدرات القليلة ونجحوا في حياتهم والسر في ذلك هو إدارتهم لذاتهم وكذلك العكس هو المحقق.

يقول علماء تطوير الذات: أن الذات هي مجموعة الخصائص والسمات الشخصية الكامنة في الإنسان، وكذلك مجموعة المعارف والتجارب التي إستفادها الإنسان من حياته وتّعلمها.

وللنفس البشرية جوانب رئيسية تتسم بها كل نفس، وهي:

- جانب الرؤية: وهي مدى قدرة النفس البشرية على تحقيق أهدافها، ورسم الطريق وتحديد البوصلة إلى الوصول لتلك الأهداف.

- جانب الاحتراف: وهو متعلق بموضوع المهارات والآليات والمعرفة المتخصصة.

- وجانب العلاقات الإنسانية: وهي مدى قدرة الفرد على التكيف مع البيئة الإنسانية، ومعرفة شخصيته وميوله وطباعه.

إن النجاح في إدارة ذاتك سيفتح لك آفاقاً جديدة عن نفسك وقدراتك وستكون أقدر على قيادة زمام نفسك نحو ما تريد من غير أن تحزن على ماضيك، ومن غير أن تقلق على مستقبلك، وستكون حينها قادرًا على إدارة مسؤولياتك في الحياة بكل جدارة، فلا تتأخر وابدأ الآن بتطوير قدراتك في إدارة ذاتك، ولا تجعل أفكارك وقناعاتك والأصوات المحبطة التي حولك تثنيك عن ذلك.

 ولعل أفضل مهارة تجنيها عند نجاحك في إدارة ذاتك هو قدرتك على السيطرة والتحكم في مشاعرك وأفكارك وتوجيهها نحو ما تصبو إليه، لأن الشخص الذي لا يستطيع التحكم بمشاعره لن يستطيع التحكم بمسار أفكاره، ونتيجة لهذا التفاعل النفسي والعقلي ستكون أفكاره مشتتة وقراراته غير مناسبة.

 لذا فالنجاح في هذا الجزء من إدارة الذات والمتعلق بإدارة مشاعرك وأفكارك سيجعلك قادرًا على رفض أي أفكار أو مشاعر سلبية تنتابك وتعيقك عن رحلة النجاح، وستلاحظ بوضوح قدرتك على التحكم بردود أفعالك وستكون كذلك متمكناً من تبني الأفكار والمشاعر الإيجابية التي تدفعك للعطاء والإنجاز.

 فإذا كنت تسعى للحصول على الاستفادة القصوى من حياتك وعملك وتدير شؤون حياتك بنجاح، وأنك تفعل الأعمال التي تود القيام بها، عليك أن تفهم ذاتك وكيف تفضل أن تؤدي أعمالك.

المصدر: موقع رؤية