الدور الفعال في تشجيع ورعاية المُبدعين والمبتكرين
لا شك أن كل مبدع لا يكون منقطعًا بأي حال عن بيئته ووطنه وعصره؛ لأنه يستمد عناصر إبداعه من المناخ السائد في كلاهما، ولا سبيل للإبداع إلا في مناخ إبداعي يتيح له التنمية والرعاية، ويجب أن تتوفر رؤية مستقبلية للمجتمع يسعى إلى تحقيقها؛ لأن المبدعين هم قادة المستقبل في شتى المجالات، فبجهودهم تقدمت الأمم، وازدهرت الحضارات عبر القرون، وأعني بالمناخ الإبداعي، في معناه الواسع، الوسط المباشر، والتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية.
وبالتالي يجب أن يكون هناك تكامل في الدور الفعال لتشجيع ورعاية المبدعين والمبتكرين من كافة الأطراف، وفيما يلي عدد من النقاط البسيطة التي تبين لنا بعض الحقائق عن الإبداع، وأنه يتواجد بداخل كل منا، ولكن للأسف ننسى بعض الأحيان، ولا نجد المحفزات الذاتية الداخلية والرعاية من كافة الأطراف في المجتمع، التي تشجعنا في تنمية الملكات الإبداعية لنا:
- لقد أودع الله قدرة الإبداع في الإنسان بصفة عامة، فكل فرد يولد ولديه استعداد للإبداع، ويساهم والداه ومدرسته وبيئته بتنمية وتطوير إبداعه، أو بإضعافه وقتله، فالإبداع فطري - مكتسب، بمعنى أنه موجود لدى كل واحد منّا، أمّا آلياته فيمكن تحصيلها من هنا وهناك.
- لكي يتفجر الإبداع وينمو ويتطور فإنه يحتاج إلى التشجيع والمكافأة، كما يحتاج إلى المؤثرات البيئية، والمحفزات الاجتماعية، وإلى جو إبداعي حافل من المبدعين والمبتكرين.
- قد لا يكون للإبداع سن معينة، لكن بعض الدراسات أظهرت أن أكثر النوابغ من الجنسين كانت بدايات نبوغهم في سن الشباب، وربما الطفولة.
- الإبداع ليس له جنس معين، فهو ليس مقصورًا على الشبان دون الفتيات، ولا على الرجال دون النساء، فكم من الفتيات مَن هنّ أكثر إبداعًا من العديد من الشبان، والعكس صحيح، فالمسألة ليست مسألة جنس ذكوري أو أنثوي، وإنما هو حصيلة عوامل متعددة.
- قيمة الإبداع أنه مسئول عن قيام الحضارات الزاهرة، والمدنيات الراقية، ولولاه لظلت الحياة البدائية تراوح مكانها، وإذا غاب الإبداع من حياتنا فإن الأمم تمر بعصور مظلمة، يسود فيها التخلف والانحطاط.
- إن الإبداع مسئول عن الارتقاء بأذواق الناس، وأفكارهم، وأساليب عملهم وتعاملهم، ويرفع وتيرة التنافس الشريف بين الجادين من الشبان والفتيات والرجال والنساء لإنتاج المزيد من الأفكار الإبداعية التي تثري حياتنا الإنسانية.
- ليس للإبداع تخصص معين، فهو يشمل مناحي الحياة كلها وبدون استثناء.
- للإبداع دوره المهم في جعل المبدعين بصحة نفسية رائعة، ويُسهم في تنمية الصفات القيادية لديهم، هذا فضلًا عن لذة الاكتشاف، وسعادة الإبداع والابتكار في إدهاش الآخرين، واكتشاف قدرات الذات ومواهبها.
- لنا في إبداع الخالق، في أرضه وسمائه وما ضمّته الأرض وحوته السماء، منجم إبداعي لا ينفد، وإلهامات لا يستغني عنها مبدع مهما أوتي من ملكات ومواهب.
- الإبداع يبدأ طفلًا صغيرًا ثمّ ينمو وينضج ويزدهر، وهو عادة ما يبدأ بالمحاكاة والتقليد، ثم يختار له طريقًا آخر يشقه بنفسه، ولا يتأتى ذلك إلا بعد معاناة وتعب وصبر ومواصلة.
- الإبداع لا يعني خلوّ العمل المبدع من الأخطاء أو النقائص، والمبدع حريص دائمًا على تتبع النقد لأعماله، والأخذ بالصالح والعملي منها، وإنه يقبل النصيحة الصادرة عن أهل الخبرة والإبداع.
- معرفة طرق الإبداع وصفات المبدعين تمنحك الفرصة لكي تكون أنت بدورك مبدعًا، فهي قابلة للاكتساب والتنمية، كما أنها ليست حكرًا على المبدعين المشهورين بإبداعاتهم، ولا النابغين من أصحاب المهارات المعروفة.
- الإبداع مسئولية المبدع، وليس ترفًا أو لهوًا عابثًا، فكل موهبة وطاقة وقدرة آتاك الله إياها أنت مسئول عنها فيما تقدمه من خدمات ومساعدات وإنجازات يتنعم بها الآخرون، وبذلك تكون قد شكرت الله على ما آتاك من نعمه، ومَن لم يضع موهبته وإبداعه في إطارهما الصحيح فإنه يُعدّ كافرًا بنعمة الله وفضله: {قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40]، وقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17].
إن الإبداع في جوهره هو محصلة التفاعل بين العوامل الشخصية في الفرد والمناخ الاجتماعي، ونستطيع أن نفرق بين نوعين من المجتمعات:
1- المجتمع المعوق للإبداع: هو المجتمع الذي تكون فيه الضغوط المختلفة من التسلط بحيث تدفع أفراده إلى التبعية والمجاراة طلبًا للسلامة والأمان، ويلجأ إلى إخماد كل اتجاه إلى النقد أو التقييم أو إعادة النظر فيما هو سائد من العادات والقيم، ثم هو المجتمع الذي تنعدم لدى أفراده القابلية للتغيير، وتضعف قدراتهم على تقبل أشكال التجديد والإبداع.
2- المجتمع الذي يسمح بإطلاق الطاقات المبدعة: هو المجتمع الذي يتيح لأفراده فرص اكتساب الخبرة وحرية الاختيار والتعبير، وهو الذي يزيد من وعي أفراده بأن الإبداع يعني التقييم الدائم لما هو موجود، والنقد لما هو قائم، لكنه ليس النقد لذات النقد، وإنما النقد الذي يستهدف الارتقاء نحو الأفضل، والذي يحقق المزيد من حرية الفكر والتعبير، والإبداع لا يتحقق، ولا يمكن اكتسابه وتنمية مهاراته، إلا إذا توافرت له البيئة المناسبة والاستعدادات الخاصة عند الفرد، وتحقيق المناخ النفسي الملائم لنمو الإبداع.
إن في رعاية الطفل ومساعدته على الإبداع وتذوق الأشياء الجميلة دعوة إلى تنمية الإبداع، وإن إيقاظ إحساس الطفل لتذوق الجمال في شتى مظاهر الحياة هو إحدى مسئوليات التربية في سن مبكرة من الحياة، ويراعى في ذلك:
- لا يقيد الكبار الصغار بوجهات نظرهم في تقدير الجمال الكامن فيما يعرض لهم، وألَّا يعارضوهم في آرائهم، وترك الحرية لهم في تذوق الجمال دون قسر.
- يراعى فيما يقدم للطفل من أعمال فنية وأدبية ما يتناسب مع درجة نمو الطفل من الناحيتين النفسية والعقلية، وأن يكون فيما يقدم ما يذكي الخيال.
- تنمية القدرة على التعجب عند الطفل، كخطوة أولى، تتيح للطفل فرص تذوق الجمال من خلال إدراك الموضوع الجميل والشعور به، وهو ما يُمَكِّن من أن يصبح الطفل قادرًا على الانفعال بضروب الثراء الكامن في الوجود، وأرهف إحساسًا بصنوف الجمال والانسجام في الحياة.
- منح الطفل فرصة أن يرى ويسمع روائع الأعمال الإبداعية؛ لأن الاحتكاك المباشر بمثل هذه الأعمال، دون اللجوء إلى التفاصيل الدقيقة أولًا، يساعد على تدريب الذوق ونموه.
- إتاحة الفرص للطفل لإصدار الأحكام على الأعمال التي يتصل بها، فليس ثمة تعارض بين التفهم والتذوق وبين التفكير والوجدان؛ بل لا بد من تشجيع حماسة الأطفال للنواحي الجمالية، وتعبئة الطاقات النفسية؛ لما فيها من الدهشة العقلية والتفكير النقدي من أجل تذوق الجمال على النحو الأكمل.
- اختيار الأعمال والنصوص التي تعرض على الأطفال منذ السنة الأولى، على أن يضع المربي في اهتمامه أنه لا يوجد جمال بحت في أي من ضروب الفن والأدب؛ بل إنه في كل فن شكل وظيفي يقوم بأداء وظائف معينة من أجل أهداف معينة، على ألا يكون فيما يقدم إثارة للغرائز؛ بل أن يكون الهدف الأهم المساعدة في نمو شخصية متكاملة متوازنة.
تأتي الإبداعات جاهزة للمتذوق، لكنه يمارس عملية غريبة وجريئة عندما يستغرقه العمل الفني، فلا غرابة أن يأخذ طريقة المُبدع في صوغ ما أبدع دور المقاومة الشديدة إزاء أية مجموعة من القواعد الثابتة.
عزيزي القارئ الكريم، لكي تبدأ في الطريق الصحيح أرجوك أن تقف للحظات أمام هذه الأسئلة، وترى نفسك: هل بالفعل تستطيع الإجابة الصادقة أم ستضحك على نفسك بالإيحاءات السلبية أنك تستطيع أن تفعل ذلك كله.
- كيف تستطيع أن تغير حياتك؟ وتَذَكَّر إن لم يكن لديك مخطط لحياتك فقد يخطط لك أحد غيرك؟
- هل تتوافر لديك محفزات ذاتية من خلالها تصبح مبدعًا ومبتكرًا؟
- هل تعرف كيف تشعر بالسعادة في أوقات الإحباط والعجز؟
- ما الذي يبعث لديك الشعور بالفخر في حياتك الحالية؟
- من تحب؟ ومن الذي يحبك الآن؟
- ما مصدر سعادتك اليوم؟ وهل تختلف معاني السعادة لديك؟
- هل لديك أهداف مستقبلية تسعى لتحقيقها؟ فإذا طلبتُ منك الآن قياس مدى تحقيقها هل تعرف أم...؟
- هل تتوافر لديك قيم ومبادئ في الحياة تعيش من أجلها، أم تسير مثل الآخرين؛ بمعنى الرضا بأي شيء يأتي جيد؟
- هل أمورك مختلطة أم مثالية؟
- إذا طُلِب منك الآن وضع مخطط لتشكيل أو تغيير حياتك هل تستطيع؟
فهذه دعوة لنا جميعًا من أجل تشجيع ورعاية المبدعين والمبتكرين، والله الموفق لما فيه الخير.
______________
المصدر: موقع دنيا الوطن