logo

الأم الناجحة وفنون الإدارة


بتاريخ : السبت ، 29 جمادى الآخر ، 1439 الموافق 17 مارس 2018
الأم الناجحة وفنون الإدارة

تكوين العادات:

الأم هي أعظم مدير في العالم، فبالإضافة للمهام الجزئية الكثيرة التي تقوم بها فإن لديها صورةً كليةً عن مسار الأمور في البيت، وفي حياة أفراده.

الأم التي لا تتمتع بمهارات إدارية تبذل الكثير من الجهد الضائع؛ لأن جهدها يتبدد في كل اتجاه، وتضطر للقيام بالكثير من الأمور بنفسها، وتظل توجه وربما تصرخ وتغضب دون طائل.

في هذه المقالات سنستعرض مهارات إدارية هامة لكل أم؛ حتى تكون مربية ناجحة، وتحظى أيضًا بسلام نفسي، ووقت خاص لنفسها.

أهمية العادات:

الأم المديرة تفكر باستراتيجية عملية، وهي (تكوين العادات)، وهي تعني ببساطة أن تبذل جهدًا ووقتًا لتعويد أبنائها على أنماط حياة معينة، وسلوكيات تصبح، مع الوقت، جزءًا من شخصياتهم، ويفعلونها بسلاسة ودون أي عناء.

العادة هي قوة السلوك الإنساني، عاداتنا تتحكم فينا، هي أقوى حتى من أفكارنا، عندما نتعود على شيء ما فإننا نؤديه بلا تفكير، انظر إلى شخص اعتاد على قيادة السيارة ستجده يفعل ذلك بسهولة، ويتحدث ويأكل أثناء قيامه بذلك دون خوف، بخلاف الذي يقود لأول مرة سيكون متوترًا وشديد التركيز؛ لأن العادة تنقل السلوك من عقلنا الواعي للعقل اللاواعي.

وإذا لم نتحكم في عاداتنا ستتحكم هي فينا، لا بد أن الأبناء سيتعودون على أمور ما، فإذا لم يجتهد الأبوان لتكوين العادة الصحيحة ستتكون عادات فوضوية.

عندما يُعوِّد الأبوان أبناءهما على سلوكيات النظافة فإنهما لن يضطرا لأن يظلا يطالبانهم طوال عمرهم بها، سيفعلونها بتلقائية، ستبذل جهدًا، لوقت ما، في تكوين عادة غسل اليدين قبل الأكل مثلًا، أو تفريش الأسنان قبل النوم، ولن تحتاج بعد تكون العادة لأن توجه إليها مجددًا.

كيف تتكون العادة؟

العادة ليست أن أعطي توجيهًا، أو أعاقب مرة أو مرتين، أو بين حين وآخر، حتى تكوّن الأم عادة لدى أبنائها تحتاج لأمور أوجزها كالتالي:

1ـ أن تكون قدوة:

نحن نتشرب الأفعال أسرع من الأقوال، فإذا أردتِّهم أن يعتادوا الطعام الصحي فلا تأكلي أنتِ المقليات والسكريات، اعتادي على الطعام الصحي أولًا.

إذا أردتهم لُطَفاء مهذبين في الكلام فلا يمكن أن تخاطبيهم بعنف وإهانة.

إذا أردتهم محافظين على الصلاة فلا يمكن أن تكوني مفرطة فيها {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}.

2ـ تهيئة البيئة:

توفير الأسباب من أهم شروط تكوين العادات، وكما قال الشاعر:

ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له       إياك إياك أن تبتل بالماء

فمن غير المعقول ولا المجدي أن نطالب الطفل بالنوم مبكرًا والبيت كله مستيقظ، وأصوات اللعب والمرح والتلفاز تملأ أرجاءه.

3ـ التوجيه المباشر:

القدوة والجو المناسب لا يغنيان عن التوجيه المباشر، لا بد أن يفهم الطفل بوضوح المطلوب منه، أن يعرف الصواب والخطأ، وحدود الأمر وكيفية تنفيذه.

4ـ التكرار:

المربي الناجح وأي معلم يحتاج للتَكرار، والصبر على إعادة التوجيه، لا نتعلم المشي من أول مرة نقف فيها، انظر كم يحاول الطفل مرارًا حتى يكتسب مهارة المشي وتصبح عادة تلقائية، يقوم ويقع، يخطو خطوتين ويتعثر، يمشي ثم يعود للحبو؛ حتى تتأصل وتثبت العادة لديه.

التكرار يحتاج إلى صبر وطول نفس وتفهم للطبيعة الإنسانية في التعلم بالتدريج، العادة يجب أن تتكون في وقت مناسب، لا يكتسبها الإنسان بين عشية وضحاها؛ لذا فإن العصبية والصراخ والغضب تأتي بنتائج عكسية، وتُشعِر الطفل أن الأمر عسير، وأنه أقل من العادة المطلوبة؛ مما يصعب اكتسابها أو يجعله مستحيلًا، قد يطيعك لبعض الوقت، ولكنه لن يكتسب العادة إلا إذا شعر بتناغم معها، لا بصراع؛ لذا فإن الهدوء مطلوب جدًا.

5ـ الحزم:

الهدوء لا يعني التراخي والتراجع، لا يمكن للطفل أن يكتسب العادة إذا كان الاهتمام بها متقطعًا، في مرحلة التكوين يجب أن يشعر الطفل بأنه لا تهاون في الأمر، موعد النوم مثلًا لا مجال للتذبذب فيه، الاستثناءات يجب أن تكون قليلة جدًا ومحدودة.

الحزم لا يعني الغضب على الإطلاق، وإنما الصرامة الهادئة، الإصرار على الأمر برفق، إنها المعادلة الرائعة الأهم في التربية.

6ـ الإقناع:

التربية بالإقناع قد تكون مجهدة، لكن نتائجها أروع، تخرج إنسانًا واعيًا ذا عقلية ناقدة بصيرة.

وأنت تكوّن العادة تحدث عنها بإيجابية، ووضح أهميتها دون إطالة إلا إذا احتاج الأمر.

كلمات بسيطة؛ مثل: هيا نغسل أسناننا قبل أن ننام حتى نحميها من التسوس.

هيا لننام مبكرًا حتى نرتاح ونستيقظ نشطين.

لنذكر اسم الله قبل الأكل حتى يبارك لنا فيه، ولا يشاركنا الشيطان.

7ـ الثواب والعقاب:

التعزيز المعنوي للصواب هام، يأتي في المرتبة الأولى، أن يشعر الطفل بالرضا، بابتسامة، بكلمة شكر وتأييد على السلوك الحسن؛ مما يرسل لعقله إشارات تقوي أهمية العادة.

يليه المكافأة المادية بعد فترة من اكتساب العادة، لكن دون وعد بها مسبق أو اشتراط.

ثم يأتي العقاب ويبدأ من النظرة الآسفة، والكلمة اللائمة دون إهانة، ثم أنواع العقاب المتدرجة والمناسبة لعمر الطفل.

ومن المهم التأكيد على أن العقاب يجب ألا يأتي قبل فترة طويلة من تأسيس العادة وغرسها، وأن يكون بقدره ودون إهانة.

انتبه جدًا وأنت تعاقب ألا تربط السلوك الخاطئ بشخصية الطفل؛ كأن تقول له: هكذا أنت تكره النظافة! فهذا أسوأ ما يمكن فعله لإبعاد طفلك عن العادة الصحيحة.

وختامًا، فإن تكوين العادة قد يستغرق وقتًا، ولكنه الأيسر على المدى البعيد، لن تكون مع طفلك طوال عمرك تذكِّره بالصواب والعادة الصحيحة، ولكن العادة التي كونتها داخله ستصبح جزءًا منه طوال حياته.

قد يكتسب الإنسان، على مدار حياته، عادات كثيرة، ولكن عادات الطفولة هي الأقوى على الإطلاق، أسرع اكتسابًا، وأعمق، فهي الفرصة الذهبية لتنشئة إنسان سوي ومهذب وناجح.

تكوين العادة أيضًا يجعلك، كمربٍ، مرتاحًا، لن تضطر أن تنبه على الأمور وتحترق أعصابك وتتحسر دومًا.