إصلاح التفكير وثقافة التبرير
يخادع الإنسان نفسه أحيانًا، يريد أن يغطي على أخطائه أو فشله فيلجأ إلى سياسة التبرير، فهو يقول: إن هذه الأخطاء وهذا الفشل هو بسبب الآخرين، وأما أنا فقد قمت بما يجب علي، لقد بذلت جهدي ولكن مؤامرات الأعداء هي التي عرقلت الوصول إلى النتائج المطلوبة.
أهل السياسة يقولون: الاستعمار، الغرب هو الذي فرق شملنا وأضعف اقتصادنا، والبنك الدولي أضعف ميزانيتنا، وهو الذي يعرقل مشاريعنا التنموية.
والطالب الكسول يقول: لقد درست ولكن الأسئلة كانت صعبة لم نتوقعها.
والمزارع يقول: لقد ضعف إنتاج مزرعتي لأن الأعشاب الضارة تسربت إلينا من عند الجيران.
هذه الطريقة في التفكير وكأنها تريح بعض الناس من عناء التفكير والبحث الجاد عن المشاكل وحلولها، ومن عناء الأخذ بالأسباب كاملة؛ لأن المؤامرة بنظر صاحب هذا التفكير هي أكبر منا، وهي واقعة وموجودة، فما الفائدة؟ ولماذا التعب والمشقة؛ بل هو يريد أن يقطع عليك الطريق لأنه يخشى أن تشركه في التفكير السليم والعمل الجاد، لقد تضخم عنده هذا المنهج، وسيطرت عليه نظرية المؤامرة، وأصبح أسيرًا لها.
هذه الطريقة في التبرير هي طريقة إبليسية، حين عصى إبليس ربه ولم يسجد لآدم عليه السلام برر ذلك بأنها غواية من الله سبحانه وتعالى: {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف:16]، بينما نجد آدم عليه السلام اتخذ الطريق الصحيح، اعترف بخطئه فتاب الله عليه {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ} [البقرة:37].
عندما نفند هذه الطريقة في التفكير فهذا لا يعني أن ليس هناك تآمر وكيد من الأعداء، فقد تعرض العالم الإسلامي للاحتلال والتقسيم، وما تزال الحرب الثقافية والاقتصادية، وما تزال أمريكا تؤيد الحكومات الديكتاتورية، وتشجيع الضالين المضلين من أبناء جلدتنا، نحن في صراع مع الغرب منذ خمسمائة عام، عندما بدأ ما يسمى فترة الاستعمار من البرتغال وإسبانيا وبريطانيا وفرنسا ثم أمريكا وروسيا، وهذا الصراع من السنن الكونية ليميز الله الخبيث من الطيب، إنهم يخشون من أن يعيد الإسلام سيرته الأولى، ولكن هل هذا الغرب هو الذي أوجد أو حرَّض على هذه النقائص الموجودة عندنا، هل هو الذي قال لنا: اكذبوا، ولا تفوا بوعودكم، ولا تتقنوا أعمالكم، وغشوا في صناعتكم وزراعتكم؟ وإذا وجدنا أن بعض الشعوب تغربت والتحقت بثقافة الغرب فما ذاك إلا لوجود القابلية عندهم للتغرب، وإذا كان هذا الغرب أيام سطوته الاستعمارية استطاع أن يضع الحدود، ويمارس التقسيم بين الشعوب الشقيقة، ولكن هل يستطيع أن يمنعنا من التوحد أو التعاون لو أردنا ذلك بصدق وإخلاص؟ وإذا كانت الحضارة الغربية ملأت حياتنا بمنتوجاتها النافع والضار؛ فذلك لأننا سوق مفتوح دون تحفظ، ويستهوينا الاستيراد والاستهلاك.
إن هذا المنهج في التفكير الذي يفضل الاستراحة من عناء البحث ولا يعترف بأخطائه لا يليق بالمسلم، كما لا يليق به أن يتعود على هذا الكسل الفكري، ويعتمد طريق السهولة لحل المشاكل الصعبة التي تحتاج إلى الجهد الكبير والعمل الدءوب، لا يليق بالمسلم هذا الرضا الزائف عن نفسه مع أننا بحاجة إلى النقد الأمين لأحوالنا وطرائقنا، نحن بحاجة للرجوع إلى قوله تعالى: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}.
الإصلاح يبدأ من الداخل، فإذا كان قويًا متماسكًا فالغالب أن الخارج لا يستطيع التأثير عليه، وإذا استطاع فهو من قبيل الضرر فقط؛ كما قال تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} فهو أذًى وليس اقتلاعًا من الجذور، والشجرة القوية الصلبة الضاربة جذورها في الأرض قد تميل أغصانَها ريحٌ عاصفٌ ولكن لا تقتلعها، أما الشجرة المنخورة من داخلها فإنها تهوي من أول عاصفة.
لماذا نستريح لثلب الآخرين ونبتعد عن مواجهة أنفسنا، لماذا لا نعترف بأخطائنا قبل أن نرميها على أكتاف الآخرين، أخطاؤنا في التاريخ الحديث كثيرة وتجاربنا ومحاولاتنا كثيرة، لماذا لا يتم دراستها بعمق وحيادية بدل أن نستمر في اتهام الاستعمار وأعوان الاستعمار، أم نكتفي بقصيدة رثاء ونبكي على ما ضيعنا من فرص متاحة كما فعل الشاعر بعد كارثة الأندلس:
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يُغَر بطيب العيش إنسان.
إن امتلاك الشجاعة الكافية للاعتراف بالأخطاء، وتجنب إيجاد الأعذار الواهية حول الأشخاص أو الجماعات أو الدول سيؤدي بنا إلى سلوك الطريق الصحيح للإصلاح بإذن الله.
المصدر: موقع المسلم