العقاب البدني تحت المجهر
مقدمة:
أسهم العقاب البدني، في محاضن شتى وعقود متراكمة، للتعديل والحد من السلوكيات الخاطئة، وباتت هذه القناعة سائدة عند عدد من المباشرين للعملية التربوية، وقد خاض في هذه القناعة كثير من العقول والأقلام التربوية، بين المؤيد والمعارض والمحايد، وقد استمر هذا الجدل، ولا زال، لا سيما عقب قرارات وتنظيمات وزارات التربية والتعليم بمنع العقاب البدني وحتى النفسي، وسوف أتحدث هنا، بتجرد وشفافية، حول هذه القناعة، وتأصيلها شرعًا، ونظرية التربية حولها، ومن ثم نظائر هذا العقاب وعواقبه، وبدائله، والله أسأل لنا ولكم الهداية والسداد.
مسوغات ودوافع:
1- حديث الضرب على الصلاة لعشر سنين، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» [حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 401)].
وعلى اختلاف الحكم على هذا الحديث فنلاحظ أن البعض، من خلال هذا النص النبوي، اعتمدوا عليه كمنهج للعقاب البدني على أي وجه، وكيفما شاء، ولأي سلوك خاطئ، وهذا مخالف لحقيقة النص لأسباب، منها: الأمر المتعلق به هو الصلاة، وكون الصلاة هي عمود الإسلام، والصلاة الفريضة ركن قائم على الصغير والكبير، والذكر والأنثى، والحر والعبد، فليست كغيرها من المأمورات، وقد أورد المصطفى صلى الله عليه وسلم الوسائل التي تبذل حتى يُباح الضرب (التربوي بلا شك)، والوسائل تقوم على أمور، منها (التدرج، الاستمرارية، الصبر، المتابعة والتحفيز)، ولو عد الإنسان عدد الصلوات طيلة الثلاث سنوات التدريبية إذا افترضنا السنة فيها (360) يومًا لتكن المعادلة:
360 (يومًا في السنة) ×3 (عدد السنوات التدريبية) ×5 (عدد الصلوات في اليوم)= (5400) صلاة.
وبالتالي شُرع الضرب بعد هذا الكم الهائل من التعليم والتدريب والصبر في ذلك، على أن يكون حتى ضربًا ليس مبرحًا، ولا يُعبر عن غضب وانتقام، وفيه الإيلام غير المؤذي، ومن هذا المنطلق نجد أننا مكابرين إذا استمررنا نجور على أبنائنا الطلاب بالعقاب البدني تحت هذا النص.
2- حديث تعليق السوط، قال صلى الله عليه وسلم: «علقوا السوط حيث يراه أهل البيت» [حسن، السلسلة الصحيحة (3/ 431)]، ويعني التلويح بالعقوبة، وذلك من وسائل التأديب الراقية؛ ولذلك جاء بيان السبب من تعليق السوط أو العصا في البيت في رواية أخرى: «علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه لهم أدب» [حسن، السلسلة الصحيحة (3/ 432)].
ورؤية أداة العقاب معلقة يجعل أصحاب النوايا السيئة يرتدعون عن الأخطاء، ويكون زاجرًا لأصحاب السلوكيات المقيتة عن الزيغ، باعثًا لهم على التأدب والتخلق بالأخلاق الفاضلة، قال المناوي رحمه الله(1): «(علقوا السوط حيث يراه أهل البيت) فيرتدعون عن ملابسة الرذائل خوفًا لأن ينالهم منه نائل، قال ابن الأنباري: لم يرد به الضرب به لأنه لم يأمر بذلك أحد [وفي هذا نظر سوف آتي عليه لاحقًا]، وإنما أراد لا ترفع أدبك)».
والضرب ليس هو الأصل أبدًا، ولا يُلجأ إليه إلا عند استنفاد الوسائل الأخرى للتأديب، أو الحمل على الطاعات الواجبة، كما في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:34]، ومثل الحديث السالف: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر...».
أما استعمال الضرب دون الحاجة فإنه اعتداء، وروى مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس أن زوجها طلقها، فأمرها رسول الله أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، وقال: «إذا حللت فآذنيني»، قالت: «فلما حللت ذكرت له أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جهم خطباني»، فقال رسول الله: «فأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد»، قالت: «فكرهته»، فقال: «انكحي أسامة»، «فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا، واغتبطت به».
فانظر إلى ما كان يكرهه النبي صلى الله عليه وسلم من صفات الرجل لا سيما صفة أبي الجهم، ورسول الله لا ينطق عن الهوى، أما من يرى عدم استخدام الضرب مطلقًا فرأيه خاطئ يخالف النصوص الشرعية، لا سيما في الحدود، وما أوصى به الشرع الحنيف لتأديب المرأة، وتعليم الولد الصلاة أصل في ذلك، ولكنها على الترتيب كما ورد.
3- الحدود المقامة على أصحابها، ومنها الجلد، وكلنا يعلم أن منها ما أنزله الوحي، ومنها ما يكون تعزيرًا، وكلها ليست في حق المربي أيًا كان، وإن التزم البعض في ذلك فلا يزيد على ثلاث، ولا يجرح، ولا يضرب في الوجه.
قال ابن خلدون: «وقد قال محمد بن أبي زيد في كتابه الذي ألفه في حكم المعلمين والمتعلمين: (لا ينبغي لمؤدب الصبيان أن يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلاثة أسواط شيئًا)»(2).
4- كثرت شكوى المعلمين في العقود الأخيرة من انخفاض مستوى ما يلقونه من تقدير واحترام، ومن ثم تدني مستوى مكانتهم في نفوس طلابهم، وبالتالي تنخفض هيبة المدرسة أو المحضن التعليمي، وحين نبحث، بحياديه، في صميم هذا نجد أن للمعلم دورًا بارزًا في ذلك؛ فأنت ترى المعلم حين يتسم ببعض الصفات هي، بلا شك، باعثة جمهور المتربين على التمرد، والفوضوية، ومن ذلك ما ذكره الدكتور عبد الكريم بكار(3): (تماسك شخصية المعلم ومدى سيطرته على انفعالاته)، ومن المعروف أن كثيرًا من هيبة المعلم تمسي موضع تساؤل نتيجة كثرة ضحكه وسرعة غضبه وتدني مستوى اهتماماته.
الموانع والتبعات:
1- روى الترمذي وغيره عن أنس رضي الله عنه أنه قال: «خدمت النبي صلى الله عليه وآله عشر سنين، فما ضربني، ولا سبني، ولا عبس في وجهي».
إن في هذه الحديث قمة البلاغة التربوية، والتي تنصت معها أسماع المربين النابغين، ولقد تجاوز المصطفى صلى الله عليه وسلم كل إشكاليات العقاب البدني والنفسي، حتى أصبح مع فتاه، الذي عاش معه عشر سنين، يضرب أروع النماذج في التعامل، وإن من أراد أن يكون كذلك ما عليه سوى أن يُقرر ابتداءً ثم يخلق جميع الفرص للسير مع هذا المنهج الرفيع، الذي لا يزيد المربي إلا قبولًا ورفعةً وسلامة من الإثم.
2- وجود البدائل التي تحول دون العقاب البدني، ومن ذلك ما يُسمى بـ(التعزيز السلبي)، والذي يقضي على السلوك السلبي من خلال فعل يؤمر به المتربي، أو يُمنع منه، ومن أمثلة ذلك:
• الحرمان الجزئي مما يستهويه المتربي ويُحبذه مما له علاقة بالسلوك، كمن تأخر مع زملائه ليلًا فُيمنع من مسامرتهم ليلة قادمة، أو من تأخر في إحضار عملٍ ما فإنه يؤخر من الخروج للفسحة الدراسية، أو غير ذلك.
• الهجر التربوي، والذي نأخذ آدابه من فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم مع الثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، فكان السبب عظيمًا، ولم تزد المدة عن خمسين يومًا، ولم يتعرضوا لأذى، وكان هجرًا مؤلمًا حتى لم يكد يُعرف في المصطفى عليه الصلاة والسلام أَردَّ السلام أم لا؟ ولذا يتحرز المربي كثيرًا في استخدام هذا العقاب، والأولى تركه ما لم تقم الأسباب والمقتضيات لاستخدامه.
3- كره الطالب للمحضن التعليمي، واشتعال نار الحقد والكره، وبناء حاجز بين الطالب وتحصيل الفائدة من المربي.
4- اضطراب الشخصية لدى المتربي، ويجعله خائفًا وجلًا حتى ولو لم يُذنب.
5- خنوع النفس وسهولة التبعية جراء التهديد، سواءً في مرحلته الحالية أو في مستقبله، وهو ما نراه في بعض من هُتك عرضه، فقد رجعت بعض الأسباب لأنه كان ضعيفًا في الشخصية، ينهزم مباشرة حين يهدد.
6- ضعف البنية الجسدية، وقد يتسبب في بقاء بعض الآثار البدنية، والتي ربما تسبب تشوهًا في الأعضاء؛ بل إتلافها.
7- تعلق المربي بهذا العمل، وإهمال الإبداع في القضاء على المشكلات، وإدارة المواقف والأزمات.
يقول الدكتور بكار معلقًا على ممارسة العقاب البدني(4): «إن ضرب المعلم للطالب ينافي جوهر العلاقة التي ينبغي أن تقوم بينهما، وهي علاقة حب واحترام وتقدير وامتزاج روحي، وإن الأصل أن يمتلك المعلم القدرة المهنية التي تمكنه من تقويم اعوجاج الطلاب، وحملهم على القيام بواجباتهم دون اللجوء إلى الضرب أو التهديد بعقوبة جسدية قاسية. وعلينا أن نعتبر كثرة لجوء المعلم إلى هذه الأمور دليلًا على نقص في كفاءته المهنية، ونقص في قدرته على إدارته للمشكلات والمعضلات؛ بل دليلًا على ضعف عام في شخصيته. وعلينا أن نحكم مرة أخرى على المعلم الذي يعجز عن تصحيح مسار طلابه من غير اللجوء إلى الضرب أو الضغط النفسي بأنه قد قطع الطريق على إمكانية قيام علاقة حميمة بينه وبين كثير من طلابه، وأنه بسبب ذلك فقد الكثير من فاعلية أدائه التعليمي».
المرادفات والتطبيقات المشابهة:
سنورد بعضًا من الوسائل والطرق التي تعود على الطالب بما يعود به العقاب البدني، وهو ما يُسمى بـ(العقاب النفسي)، وربما أثره لا يزول كما يزول البدني أو أشد:
1- التهكم والسخرية، والاستهزاء بالذات، وربما بالذوق، وليعلم كل منا أن تسفيه الذات وتهميشها هو القنبلة الناسفة لإيجابية الشخص.
2- التشهير، والتوبيخ العلني، ومن آثاره عدم بث روح الرجعة عن الخطأ والرجوع عن السلوك السيء؛ بل يُضيف عزمًا وقوة أشد في المضي فيما هو عليه؛ إذ لسان حاله يقول: ماذا أستفيد من تعديل سلوكي، وقد عرف الجميع ذلك.
3- المقارنة بينه وبين أقرانه وإخوته، هذا يجعل الحسد والبغضاء والأنانية واستنقاص الأصدقاء والمضي في الخطأ خلقًا دائمًا في نفس الطالب، أيًا كان، إلا ما رحم الله.
4- الرسائل السلبية، أيًا كانت، والتي توحي بعضها إلى جلد الذات، واحتقار الإنجاز، وضعف الإرادة في التغيير، وطغيان السلبية.
إشارات:
1- علينا دائمًا أن نحكم على الخطأ من جهة عقلية وعلمية، وهنا بعض المحددات:
• يوجد العمر الزمني، والعمر الذكائي أو الذهني، وهناك البالغ والطفل، وهناك الذكي والأبله أو الغبي، وكل أولئك له طريقته وأسلوبه، وأنت معه لا بد لك من اختيار الطريقة والأسلوب الأنفع، فمنهم من يحتاج التكرار والتأكيد، ومنهم من لا يؤاخذ في الأصل، ومنهم من يكون خطؤه مقبولًا في مرحلته التي يمر بها؛ كحب التملك عند الأطفال، وإظهار الذات عند البالغين، وهكذا.
• فرق بين الخطأ المكرر والخطأ الأول، وبين المكرر غير المقصود وبين الأول المقصود، وهناك أيضًا جوانب في الاعتبار؛ كالنسيان، والجوانب النفسية عند المخطئ(5).
• مراعاة الحالة الاجتماعية، فربما كان المسئول عن بيته، وربما هو المدلل الوحيد، وربما يكون يتيمًا، وربما كان يعاني من مرض مزمن، كمن منع أحدهم من الذهاب لدورة المياه لتكراره المستمر عليها، وقد انصدم كثيرًا حين علم أنه مصاب بمرض السكر.
• الخطأ المتعدي والخطأ الفردي، والخطأ المشاهد وغير المشاهد.
2- إن وجود محفزات ووسائل ترغيبية لدى المربي تزيد على وسائل المنع تخلق فرصًا كثيرة ليُحقق نصيبًا هائلًا من العمل، وأذكر تجربة لي سابقة حين جعلت في قاعة الدرس جزءًا لألعاب الذكاء والمرح، وخصصت فترات لها أثناء الحصة الدراسية لمن يُحقق إنجازًا أو يأتي بالعمل المكلف به في الوقت المحدد وقد استفدت منها فائدة جمة في جوانب عدة، منها خَلْق روح التنافس، وإقصاء جانب العقاب والتهديد، فكانت الدائرة تحيط بالترغيب والتحفيز؛ بل وأسهمت كثيرًا في اكتشاف مواهب وقدرات صاعدة من الطلاب، قد حُكِم على بعضهم بالغباء وعدم القدرة على مواصلة الدراسة.
3- محاولة التدرب على كظم الغيظ، وضبط النفس، لاسيما في المواقف الحرجة، يقول الدكتور محمد الثويني(6): «فالمربي بالذات يدرب نفسه على التعايش مع المواقف لتكون ردود فعله متلائمة مع ما يقتضيه الموقف، ففي كل الأمور هناك تدريب لكن ليس هناك تدريب على الانفعالات؛ لذا من الممكن أن نجد شخصًا مؤهلًا لأن يخطط لدولة بينما يقف عاجزًا أمام انفعالاته، فلا يستطيع أن يتحكم بها، فنحن لا نستطيع أن نتحكم بانفعالاتنا السريعة، ولكن بإمكاننا أن نوجهها عن طريق الوقاية والخبرة والتدريب، فقد تجد أن 10% من انفعالات المربي المبدع تكون انفعالات سريعة، و10% تكون انفعالات متمالكة، و80% من انفعالاته متزنة، ويكون ذلك عكس عامة الناس التي تكون 90% من انفعالاتهم سريعة».
4- إضافة جو الدعابة والمرح تسهم كثيرًا في إزالة الأجواء المشحونة والملتهبة، يقول الدكتور بكار(7): «هناك دراسات وتجارب عديدة، مر بها بعض المدرسين، تدل على إن إضفاء جو الدعابة والمرح والطرفة على الجو التعليمي يعود بآثار إيجابية جدًّا على أمزجة الطلاب، وعلى قابليتهم للتعلم، وحبهم للمدرسة والدراسة، وتفريج الكروب العصبية والنفسية، وزوال الفوارق الاجتماعية، بالإضافة إلى مساهمتها في تثبيت المعلومات، وتحبيب الطلاب في المواظبة».
5- إننا لا ننفي مساهمة العقاب البدني في علاج بعض الحالات السلوكية، ولكن حين يُقنن ويكون موجهًا لسلوك يحتاج العقاب بالفعل، وقد بذل المربي ما في وسعه الذهني والزمني في البحث حول الحلول والأفكار لتعديل هذا السلوك أو تهذيبه، ولكن ما نشاهده اليوم من ممارسات لهذا العلاج تجعلنا لا نؤمن بفعاليته أبدًا، وقد رأينا ما يندى الجبين له من مشاهد تفت الفؤاد، وأذكر أني في أحد المدارس (المرحلة المتوسطة) رأيت جل المعلمين، إن لم يكونوا كلهم، يحملون في أيديهم العصي، ولا أكاد أجد معلمًا إلا وهو آخذ برفع عقيرته ليسكت هذا، ويجلس هذا، ومن ثم يستمع بداية الحصة الدراسية للأسماء التي يمليها عليه (عريف الفصل) جراء الحركة التي أحدثوها في الخمس الدقائق، وهي بطبيعة الحال من حقوقهم المرتهنة، فيُنزل بهم العقاب الشديد والأليم، وربما كان لخطئه هو؛ فلربما كان متأخرًا عن الحصة أو غيرها.
فأقول لا يشعر أحد أني أُنكر شرعية العقاب البدني، وفعاليته، ولكني هنا أدعو إلى ممارسة الترغيب والثواب، وتصحيح الخطأ بالوسائل المتاحة حتى يُباح لنا أمام الله عز وجل العقاب فيما بعد.
وأخيرًا، أقول: إن من يهمه أمر التغيير والتأثير والرقي بالطالب والمتربي سيهمه أمر الثواب والعقاب، وهذا عنصر في مادة التربية لا ينفصل أبدًا، وهو بالتالي سيكون على درجة عالية من الاهتمام والشعور بالطالب، والبحث عن الدوافع المعينة له في سير حياته، ومن ثم يحرص كل الحرص على اجتناب كل ما يضر هذا المتربي، وما قد يعرقل عجلة حياته بأسباب نفسية أو صحية.
قد لا يروق مثل هذا الموضوع للبعض، جهلًا أو مكابرة، كما رأينا بعض ردود الفعل في بعض اجتماعاتنا ومنتدياتنا، والبعض الآخر يعتبرها خطوة جريئة وصعبة في نفس الوقت حين يقرر عدم استخدام العصا في التأديب، ويسره ما قد يجده من الطلاب من بكاء وعويل واستجداء لهذا المعلم المحترم ريثما يتنازل عن حقه الخاص، الذي ربما كان هو السبب الأول في خوضه تجربة العقاب البدني.
دعوة لمربي الأجيال إلى التناغم والتفاهم مع المتربي النجيب، وخلق التصور الإيجابي المحمود تجاه كل متربٍ، سواء ظهر السوء منه أو عدمه، وحينها سوف يبدو في ناظرنا أخًا وابنًا نصبر على خطئه، ونساعده في تصحيحه، بعيدًا وبعيدًا ثم بعيدًا عن العقاب البدني.
_________________
(1) فيض القدير (4/ 325)، للإمام عبد الرءوف المناوي.
(2) نقلًا من كتاب «نحو تربية إسلامية راشدة»، ص96، د. محمد موسى الشريف.
(3) بناء الأجيال، ص 148، للدكتور عبد الكريم بكار.
(4) بناء الأجيال، ص174-175.
(5) للاستزادة انظر: (الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس)، لمحمد صالح المنجد.
(6) باختصار من «الأسرار التسعة في تربية الأبناء»، ص72-74، للدكتور محمد فهد الثويني.
(7) بناء الأجيال، ص173-174، بتصرف.