إدارة المشروعات في المؤسسات الخيرية
المشروعات الخيرية تعد بمثابة عماد للمؤسسات الخيرية، فهي التي تحدث للمؤسسة تواجدًا داخل المجتمع، وبقدر فعالية المشروع الخيري وإشباعه لحاجات المجتمع الفعلية تكون أهمية المؤسسة، وديمومة المؤسسة الخيرية مرهون باستمرار برامجها ومشروعاتها الهادفة والناجحة.
وإدارة المشروعات الخيرية تحتاج إلى قواعد وأسس علمية على دربها تسير المؤسسة الخيرية، فالتخطيط المدروس والإدارة الفعالة للمشروعات الخيرية يساعد في تحقيق أهداف المؤسسة في أقصر مدة وبأقل جهد وأوفر نفقة وأثمر عائد، إذا ما قورن بالتحريك العفوي غير المدروس للمشروعات، والذي قد يحرم المؤسسة الخيرية من التحقيق الأمثل لأهداف المشروعات المتقاطعة مع أهدافها.
وبدورنا سنحاول من خلال هذه المقالة إلقاء الضوء على بعض النقاط المنهجية والتي قد تعين المؤسسات الخيرية في إدارتها لمشروعاتها الخيرية.
أولًا: ضرورة وجود جهة مختصة بإدارة المشروعات داخل المؤسسات الخيرية:
من أساسيات الإدارة الفنية للمشروعات داخل المؤسسات الخيرية أن تكون هناك لجنة أو إدارة خاصة لإدارة المشروعات داخل المؤسسات؛ وأن يتم اختيار أعضائها على أسس وقواعد علمية متكاملة، تجتمع فيها المعرفة بالأساليب الفنية للتخطيط والإدارة الحديثة بجانب الرسالة الخيرية التي يحملها العاملون في القطاع الخيري الإسلامي، ويتم الاهتمام التطويري بالمنتسبين لتلك الإدارة بصفة دورية منتظمة، على أن يكون لهذه الإدارة نوعًا من الاستقلالية بعيدًا عن المركزية المؤسسية المعيقة أحيانًا للتحركات العملية.
ثانيًا: المؤسسات الخيرية بين أزمة الأفكار واستحداث المشروعات:
من الأمور الملحوظة في العمل الخيري، معاناة المؤسسات الخيرية لما يمكن أن نطلق عليه "أزمة الأفكار الخيرية"، وهي أزمة عامة في شتى المجالات وليست مقتصرة على العمل الخيري فقط؛ وذلك لأن قوامها العقل الإبداعي التجديدي، وهو عملة نادرة في كل الأزمان؛ لذا، فمن الأهمية بمكان للمؤسسات الخيرية الباحثة عن التميز والتجديد أن تبحث عن العقل الإبداعي الخيري وتتبناه وترعاه؛ وأن تضمه لفريق العمل المعني بالمشروعات الخيرية فور الوصول إليه، فهذا العقل هو مهندس المشروعات الابتكاري وباقي الفريق هم التنفيذيون، وبدونه ستختزل المشروعات الخيرية ويبتر تشعبها.
وهذه الشخصية إن نجحت المؤسسة الخيرية في الوصول إليها؛ فينبغي حينها رعايتها رعاية خاصة، وذلك حتى لا ينشغل بأية أمور حياتية تفسد عليه شغله الإبداعي.
والوصول لمثل هذه الشخصية يستلزم مجهودًا مكثفًا من قبل المؤسسات الخيرية للبحث عنه، مع المراقبة الدقيقة لإنتاجيات المهتمين بالعمل الخيري، وكذلك تجمعات رعاية الموهوبين من جمعيات للموهوبين أو مسابقات للمبدعين، أو غير ذلك من تجمعات يسمح مناخها بظهور العقليات الإبداعية المتفردة.
ثالثًا: تكوين قاعدة بيانات للمشروعات الخيرية:
تكوين قاعدة بيانات للمشروعات الخيرية يجعل المؤسسة الخيرية واقفة على غالبية المشروعات التي أجريت على أرض الواقع، ومن ثم تتكون لديها رؤية شاملة للمشروعات، تسمح باختيار المناسب لها من بينها.
وقاعدة البيانات تلك تستلزم باحث محترف متخصص في العمل الخيري، لديه قدرة على التعامل مع المراجع والمصادر البحثية الموثقة لتجارب ومشروعات المؤسسات الخيرية الإسلامية، وكذا القدرة على المسح الشامل لمشروعات المؤسسات الخيرية من خلال مواقعها على شبكة الإنترنت، أو التقارير السنوية للمؤسسات الخيرية والموجودة بالمؤسسات الخيرية أو الجهات الحكومية المنوط بها الإشراف على تلك المؤسسات، وذلك في حالة وجود صعوبة في الوصول للتقارير؛ ليتم بعد ذلك تصنيف وتبويب وجدولة المشروعات بصورة تيسر استيعاب المشروعات.
وحبذا لو ذكر الباحث المكلف ملاحظات المشروعات من إيجابيات وسلبيات صاحبت التطبيقات العملية لها، ووثقتها الأدبيات الراصدة أو تقارير المؤسسات.
رابعًا: المسابقات كآلية للحصول على المشروعات الخيرية المبتكرة:
تُعد المسابقات وسيلة فعالة في استشراف إبداعات وابتكارات العالم الإسلامي، والحصول على أفكار إبداعية لمشروعات خيرية من قبل المسلمين.
وهذه المسابقات يتم طرحها في وسائل الإعلام المختلفة، وتكون مصحوبة بجوائز مالية تحفيزية تشجع الجماهير على طرح إبداعاتها.
وكما أن وسيلة المسابقات تعين كثيرًا في توفير قاعدة ممتدة من المشروعات الخيرية، فإنها كذلك قد تكشف عن مجموعة من المبدعين المنتجين، والذين قد يفيدون المؤسسة الخيرية بصفة دائمة.
خامسًا: استطلاع رأي مجتمع المستفيدين من خدمات المؤسسة في المشروعات التي يحتاجونها:
وفي ذلك مشاركة للمجتمع المحيط بالمؤسسة في صنع السياسات داخل المؤسسة؛ مما يعزز مبدأ الشورى وينمي الإحساس بالمسئولية لدى أبناء المنطقة، وكذا تكون المشروعات المقترحة نابعة من الاحتياجات الفعلية لمجتمع المؤسسة.
وفي ذلك ترتيب لأولويات المشروعات من خلال رؤى عينة عشوائية من المستفيدين من خدمات المؤسسة الخيرية.
سادسًا: التخطيط وعمل دراسة جدوى المشروع الخيري:
يتم التخطيط وعمل دراسة جدوى شاملة للمشروع الخيري، ويراعى في ذلك الاجتهاد في تحديد الكلفة الفعلية الإجمالية بمشروع ميزانية مقترح شامل نفقات المشروع وأجور القائمين عليه، وهامش احتياطي للمستجدات.
وكذلك طرائق التنفيذ ومدته والفريق اللازم للتنفيذ من حيث العدد والكفاءة، والمعوقات المحتملة وآليات تجنبها.
سابعًاً: الضوابط الشرعية والفقهية للمشروع الخيري:
الفلك الذي تتحرك فيه المؤسسات الخيرية الإسلامية هو فلك شرعي؛ يخضع لضوابط وأحكام الدين الإسلامي، لذا فإن أي مشروع جديد ينبغي أن يخضع للدراسة الشرعية قبل تطبيقه؛ وذلك لإقراره وتبيان الأحكام الفقهية المصاحبة لتنفيذه في أرض الواقع، وذلك حتى لا تقع المؤسسة في أخطاء شرعية ظنًا منها أنها على الدرب الصحيح والواقع غير ذلك؛ فيحدث ما لا يحمد عقباه من فشل ومحق للبركة ومخالفة لأوامر الله وإتيان لنواهيه.
ثامنًا: استطلاع آراء الخبراء في المشروع الخيري:
ونعني بالخبراء هنا الجهات البحثية والأكاديمية المهتمة بدراسة العمل الخيري الإسلامي، وكذلك بعض القائمين على المؤسسات الخيرية، وذلك حتى يرشدوا المشروع لأفضل تطبيق، ويثروا خطة المشروع بخبراتهم ورؤاهم المنهجية.
تاسعًا: تجريب المشروع الخيري وقياس حاجة المجتمع المحلي الفعلية له ودرجة أولويته:
قد يكون هناك مشروعًا خيريًا متكامل في مضامينه، ناجح في بقعة من البقاع، مناسبًا لشريحة من الناس، لكن المجتمع المحلي الذي تعمل المؤسسة الخيرية في نطاقه ليس بحاجة لهذا المشروع؛ أو أنه في مرتبة متأخرة على سلم أولويات هذا المجتمع؛ كأن يكون المشروع مرتبط بتجميل الحي وغرز الأزهار فيه مثلًا؛ مع كونه حي فقير لا يجد الملبس أو الطعام أو المأوى ويعاني من الأمراض والأوجاع، وبالتالي لا يناسبه التجميل مع الجوع رغم أهمية التجميل.
وهنا يتم تجريب المشروع في نطاق ضيق من محيط المؤسسة، وعلى شريحة بسيطة؛ مع قياس مردود هذا التجريب، ليستفاد من ذلك عند التطبيق النهائي للمشروع.
وهذا العنصر لا يتعارض مع عنصر استطلاع آراء مجتمع المستفيدين المذكور آنفًا، فاستطلاع الرأي شمولي لسلم الأولويات كاملًا، أما التجريب فهو جزئي بتجريب مشروع بعينه.
عاشرًا: تكوين فريق العمل المنفذ للمشروع:
من الأهمية بمكان أن يخصص للمشروع فريق عمل على كفاءة عالية في تنفيذ المشروعات، وهو فريق ذو جناحين، الأول: وظيفي من العاملين بالمؤسسة أو المتعاونين؛ والثاني: تطوعي من أهل المنطقة التي سيطبق بها المشروع، ويراعى أن يهتم بهذا الفريق، بكلا جناحيه، في النواحي المادية وتيسير مهام عملهم، وكذا التقدير المعنوي والأدبي، وذلك لأنهم قوام المشروع الذي تسعى المؤسسة لتطبيقه؛ وكلما زاد الاهتمام بهم كلما ارتفعت روحهم المعنوية تجاه المشروع الذي ينفذونه.
حادي عشر: مرونة المشروع:
بمعنى أن يكون المشروع الخيري متسمًا بالمرونة، أي أن تكون دائرته مفتوحة قابلة لحذف بعض أركانه، أو إدخال أية تعديلات أو زيادات عليه أثناء تطبيقه.
ثاني عشر: الإعلام والمشروع الخيري:
يلعب الإعلام دورًا جوهريًا في نجاح المشروع الخيري، لذا فإنه كلما كان الإعلام عن المشروع المزمع تطبيقه من قبل المؤسسة من خلال وسائل الإعلام المتعددة، كلما كان ذلك أفعل للمؤسسة في تطبيقها للمشروع وتحقيقه لأهدافه.
ووسائل الإعلام التي يمكن استخدامها تختلف تبعًا لقدرات المؤسسات المالية، وحجم المشروع، ومستوى تغطيته الجغرافية.
ثالث عشر: تسجيل خطوات المشروع:
المؤسسات الخيرية التي تحرص على تسجيل وتوثيق كافة خطوات المشروع الخيري، تستفيد من ذلك في ضبط المشروع وتقويمه، وكذا توثيق الخبرات، الأمر الذي يفيدها مستقبلًا؛ كما يفيد أيضًا المؤسسات الأخرى التي تسعي لتطبيق مثل هذا المشروع.
رابع عشر: تقويم المشروع وقياس عوائده:
وهي آخر مرحلة في التعامل مع المشروع الخيري، وفيه يتم قياس نجاحات وإخفاقات المشروع، وكذا جوانب القوة والضعف في التنفيذ؛ ليتم بذلك معرفة مدى تحقيق المؤسسة لأهدافها من هذا المشروع.
ومن أفضل وسائل قياس مردود المشروع: رؤية مجتمع المستفيدين لنتائج المشروع الخيري وحجم استفادتهم منه.
هذه بعض النقاط التي يمكن أن تساهم في إدارة المشروعات الخيرية داخل المؤسسات الخيرية، مع التشديد على أن تطبيق المشروعات يتأثر باختلاف الزمان والمكان والمستفيدين وإمكانيات المؤسسات الخيرية المنفذة للمشروع.
المصدر: المركز الدولي للأبحاث والدراسات «مداد».