أبي أين لعبتي ؟
آباء وأمهات كثيرون ينظرون للعب الطفل باستهزاء، فحياة أبنائهم بالنسبة لهم هي توفير المسكن والمأكل والملبس، ويغضون الطرف عن اللعب والألعاب وقيمتها بالنسبة لأبنائهم؛ بل ويظنون أن شراء اللعب للأولاد
إسراف ليس له فائدة!
ربما ندرك غير رؤيتهم عندما ننظر لعين طفل محروم من هذه الألعاب بينما صديقه أمامه يمسك لعبة يلعب بها ..
أيضا عندما تخير طفلك الصغير بين شراء وجبة طعام شهي يحبه وبين شراء لعبة جديدة يتمناها، فتجد الطفل يختار اللعبة ويضحي في سبيل الوصول إليها بأكلة شهية يحبها وربما بأكثر من ذلك..
إن حاجة نفسية داخل الطفل تدعوه للتعلق باللعبة، والاستهانة بصوم النهار كله لأجل لعبته، وكذا سهر طوال الليل ينتظر شراءها.
فهمنا لتكوين الطفل نفسيا وجسديا ربما يوضح لنا الصورة، فالطفل داخله طاقات كثيرة فتراه يزيد حركته وتتضاعف في البيت بسبب تلك الطاقة الكامنة المخزونة لديه ليس عنده معرفة بكيفية تفريغها إلا بالحركة وكثرة نشاطه الزائد، وتشتكي الأمهات من هؤلاء الأطفال
وأيضا تجد بعض الآباء يخافون على أبنائهم من اصطحاب الأصدقاء في الصغر فيظل مقيدا له بالبيت فيبدأ الشعور بالانطواء.. وإذا سمح له باللعب داخل البيت كانت النتيجة سماع صوت التكسير والإفساد، فاليوم الزجاج تحطم، وأمس كانت المنضدة.. الخ
"والحقيقة أننا لو تفهمنا الوظائف الفعلية للعب عند الأطفال سنستطيع رؤية الموقف الذي يمر به الطفل أثناء لعبه بشكل أوضح:
فمثلا لو نظرنا إلى اللعب كوسيلة لتفاعل الطفل مع بيئته، سنجد أن الطفل من خلال اللعب يكرر، ويجرب، ويحاول، ويكتشف، ويغير أشكالا وأوضاعا مختلفات أثناء لعبه، وهذا يمَكنه من بناء تصور خيالي ذاتي في ذهنه مع إمكانية تحويله إلى واقع.
كذلك لو نظرنا إلى اللعب كوسيلة للوعي، فسنرى كيف يمزج الطفل بين الكائنات الحية وبين الجمادات، ويحاول بناء شبكة اتصال مع الأشياء من حوله.
ومن حيث كون اللعب وسيلة للتعليم نرى كيف تنمو أحاسيس الأطفال تجاه معاني الأشياء عن طريق عيونهم وجلودهم وعضلاتهم وحواسهم المختلفة وتغذى بها عقولهم وتتيح لهم رؤية جديدة ومتجددة لعناصر البيئة المحيطة
وظيفة أخرى فعالة للعب يجب أن نحسن رؤيتها، وهي إكساب أنماط السلوك المختلفة للطفل أثناء لعبه، فنستطيع أن نرى الطفل ( باحثاً ) عن بعض ما يخفى عليه، و(اجتماعيا ) مع الذين من حوله، و(مديراً ) للعناصر المحيطة به، و( أباً وأما أو ابنا أو جندياً أو غيره ) في بعض الأحيان.." (1)
وقد يحاول بعض الآباء تعويض أبنائهم عن شراء اللعب بمشاهدة برامج الأطفال بالتليفزيون أو جلوسه لفترات أمام الكمبيوتر معتبرا أن ذلك يرفهه ويفرج عنه كبته.
ولاشك أن استبدال اللعبة بمشاهدة التلفاز أو الجلوس أمام الكمبيوتر له مخاطر تربوية، وقد أشارت الدراسات إلى أن الطفل الذي يشاهد التليفزيون لفترات متواصلة يوميا يكون أكثر عرضه للاكتئاب ممن لا يتعرض لنفس الكمية من المشاهدة.
وقد يتأثر الطفل من ذلك الاكتئاب فيصاب ببعض الأمراض المتعلقة به؛ بل قد يغير مجرى حياة الطفل إلى الأبد فينتقل الاكتئاب وتأثيراته إلى مرحلة عمرية بعد الطفولة.
كما اثبتت الدراسات أيضا أن مشاهدة الأطفال للتليفزيون لفترات متواصلة بين سن عام وثلاثة أعوام يزيد خطر إصابتهم بمشكلات في قدرتهم على الانتباه والتركيز عند سن السابعة..
كما وجدوا أن كل ساعة يقضيها الطفل قبل سن المدرسة في مشاهدة التليفزيون تزيد خطر إصابته بمشكلات في الانتباه بنسبة 10% تقريبًا.
وفي حين تجد الأم عندما تجد الأبناء ساكنين أمام التليفزيون فهي تسعد وتشعر بالراحة، لكنها للأسف راحة مؤقتة قد تعود عليهم بأشياء لا يحمد عقباها.
وقد اوضحت دراسة أجريت على ما يزيد على ألف طفل أن مشاهدة التليفزيون لمدة ثلاث ساعات يوميا جعلت الأطفال عرضة للإصابة بالاضطراب بمقدار 30 يزيد عن الثلث غير الإصابة بالبدانة من قلة الحركة.
لذلك كان البديل لجلوس الأطفال أمام التليفزيون لفترات طويلة هي توفير الألعاب سواء بالمنزل أو اصطحابهم لأماكن الألعاب الخاصة بالجري لتنشيط لدورة الدموية، وتفريغ طاقتهم المخزونة.
فلماذا لا نصطحب أبناءنا ولو كل أسبوع إلى مكان مليء بالألعاب ويكون ذلك اليوم مخصصا لذلك، باصطحاب أصدقاء من نفس سنهم، ونختار لهم الألعاب الجماعية وليس الفردية ليعتادوا التعاون والاندماج والتفاعل وتفريغ الطاقة في ظل عمل جماعي.
حقيقة لو تعلمون ما قيمة هذا اليوم للابن،... لتكرر أكثر من مرة في ذلك الأسبوع.
وللألعاب بالنسبة للابن سواء أكان صغيراَ أو كبيراَ فوائد اجتماعية تفاعلية بدلاَ من أن يكون انطوائيتا، فلكل طفل ألعاب على قدر سنه، ولها فوائد عقلية كألعاب الفك والتركيب لتدريب ذهنه، وتنشيط ذاكرته، وآخرون لهم ألعابهم الخاصة ذات فوائد عضلية تساعد علي نمو العضلات فيسعدون بقوة أجسامهم، وصدقت المقولة "إن العقل السليم الجسم السليم"
إن ذلك الحرمان من الألعاب قد يظل في ذاكرة الطفل حتى بعدما يكبر، وقد نجد آباء قد حرموا في صغرهم كثيرا من الألعاب، فكانت النتيجة احساسهم بذلك الحرمان حتى بعدما كبروا وغمر الشيب رؤوسهم مازالوا يتذكرون ذلك، فتجدهم عوضوا ذلك الحرمان عندهم بإشباع ابنائهم من الألعاب المتعددة المختلفة مهما كان ثمنها، وهنا نقطة نظام، فالهدف نبيل لكن كثرة الألعاب بلا فائدة أيضا ليست ذات أثر إيجابي دائم، ليكن اختيارنا معتدلا ولنسعى نحو استفادة الطفل من كل لعبة ومن مضمونها ولا يكون هدفنا إغراق الابن في بحر اللعب!
من جانب آخر قد يكون هناك من الآباء من لا يستطيعون شراء الألعاب لضيق ذات اليد ولكن نقول لهم أن هناك ألعابا صغيرة ورخيصة الثمن لكن لها أثر كبير في نفوس الأطفال فلا مانع حتى تقديم هذه اللعبة للطفل كهدية في نجاحه أو في مناسبة عيد.
وكما أننا عرفنا قيمة تلك الألعاب لأطفالنا فلا ننسى أطفالنا الأيتام فقيمة اللعبة للطفل اليتيم لهي من أجمل الأعمال الصالحة.
إن اللعبة تمثل في بيت كل منا أثرا له قدره، وكما يحتاج المنزل لبعض المهمات (كالأجهزة الكهربائية) لا يمكن الاستغناء عنها، فإن لعبة الطفل تعتبر من كماليات بناء شخصيته وتقويتها وجعلها شخصية سوية معتدلة خالية من الشوائب والأمراض النفسية التي يصعب أن يكون لها علاج.
__________________________________________
(1) لعب الأطفال.. الوجه الآخر، خالد روشه، مقال منشور.
موقع المسلم