logo

معايير التفكير الناقد


بتاريخ : الجمعة ، 1 رجب ، 1440 الموافق 08 مارس 2019
بقلم : د. موسى نجيب موسى معوض
معايير التفكير الناقد

يقصد بمعايير التفكير الناقد تلك المواصفات العامة المتفَق عليها لدى الباحثين في مجال التفكير، والتي تتخذ أساسًا في الحكم على نوعية التفكير الاستدلالي أو التقييمي، الذي يمارسه الفرد في معالجته للمشكلة أو الموضوع المطروح، وهي بمثابة موجهات لكلٍّ من المعلِّم والطالب، ينبغي ملاحظتها والالتزام بها في تقييم عملية التفكير بشكل عام، والتفكير الناقد بشكل خاص.

وحتى تصبح هذه المعايير جزءًا مكملًا لنشاطات التفكير في الموقف التعليمي، يجب على المعلِّم أن يُراقِب نفسه أولًا في تواصله مع الطلبة، وفي معالجته للمشكلات والأسئلة التوضيحية؛ حتى يكون سلوكه نموذجًا يُحتَذى به من قِبَل طلبته وهم يمارسون عملية التفكير، كما يجب على المعلِّم أن يتابع استجابات طلبته وحواراتهم بكل اهتمام، ويتوقف لمناقشتهم كلما دعت الحاجة إلى تأكيد أهمية واحد أو أكثر من هذه المعايير؛ حتى يتمثلوها كحاجة أساسية لسلامة تفكيرهم، ومن أبرز هذه المعايير ما أورده الباحثان (إيلدر) و(بول) (Elder & Paul, 1996)، ونعرضه فيما يلي:

الوضوح Clarity:

يعد الوضوح من أهم معايير التفكير الناقد، باعتباره المدخل الرئيس لباقي المعايير، فإذا لم تكن العبارة واضحة فلن نستطيع فهمَها، ولن نستطيع معرفة مقاصد المتكلم أو الطالب؛ وبالتالي لن يكون بمقدورنا الحكم عليها بأي شكل من الأشكال، وحتى يدرب المعلِّم طلبته على الالتزام بوضوح العبارات في استجاباتهم، ينصح بالإكثار من الأسئلة الاستيضاحية عندما لا تكون عبارات الطلبة واضحة، ومن بين الأسئلة الملائمة لذلك نذكر ما يلي:

• هل تستطيع أن تفحص هذه النقطة بصورة أوسع؟

• هل يمكن أن تعبر عن الفكرة بطريقة أخرى؟

• هل يمكن أن تعطيني مثالًا على ما تقول؟

• ماذا تقصد بقولك «...»؟

الصحة Accuracy:

يقصد بمعيار الصحة أن تكون العبارة صحيحة وموثقة، وقد تكون العبارة واضحة ولكنها ليست صحيحة، كأن نقول: «معظم النساء في الأردن يعمَّرن»، دون أن يستند هذا القول إلى إحصاءات رسمية أو معلومات موثقة، ومن الأسئلة التي يمكن أن يثيرها المعلم لاستقصاء درجة صحة العبارة:

• هل ذلك صحيح بالفعل؟

• كيف يمكن أن نفحص ذلك؟

• من أين جئت بهذه المعلومة؟

• كيف يمكن التأكد من صحة ذلك؟

الدقة Precision:

يقصد بالدقة التفكير بصورة عامة لاستيفاء الموضوع حقه من المعالجة، والتعبير عنه بلا زيادة أو نقصان، ويُعرف هذا المعيار في فنون البلاغة العربية بـ(المساواة)، ومعناها أن تكون الألفاظ على قدر المعنى أو الفكرة بالضبط، وعليه فإن معيار المساواة لا يتحقق في عبارة إذا كانت تتضمن حشوًا للكلام أو بترًا له، وتوصف العبارة في حالة الحشو بـ(الإطناب)، بينما توصف في حالة البتر بـ‍ (الإيجاز)، وتفتقر في الحالتين للضبط والإحكام.

ومن العبارات التي تتحقق فيها الدقة أو المساواة:

قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل:90]، إن هذه الآية الكريمة لا تحتمل زيادة اللفظ، ولا إسقاط لفظ؛ لأن الزيادة لا تضيف فائدة، أما الإسقاط فمن شأنه الإخلال بالمعنى (عتيق، 1992).

ويستطيع المعلم أن يوجِّه الطلبة لهذا المعيار عن طريق السؤالين الآتيين:

• هل يمكن أن تكون أكثر تحديدًا؟ (في حالة الإطناب).

• هل يمكن أن تعطي تفصيلات أكثر؟ (في حالة الإيجاز الشديد).

الربط Relevance:

يعني الربطُ مدى العَلاقة بين السؤال أو المداخلة أو الحجة أو العبارة بموضوع النقاش أو المشكلة المطروحة، ويمكن للمعلم أو الطالب أن يحكم على مدى الارتباط أو العلاقة بين المشكلة، موضوع الاهتمام، وبين ما يُثار حولها من أفكار أو أسئلة، عن طريق ملاحظة المؤشرات الآتية:

• هل تعطي هذه الأفكار أو الأسئلة تفصيلات أو إيضاحات للمشكلة؟

• هل تتضمن هذه الأفكار أو الأسئلة أدلة مؤيدة أو داحضة للموقف؟

وحتى يتسنَّى التمييز بين العناصر المرتبطة بالمشكلة والعناصر غير المرتبطة بها، لا بد من تحديد طبيعة المشكلة أو الموضوع بكل دقة ووضوح.

العمق Depth:

تفتقر المعالجة الفكرية للمشكلة أو الموضوع، في كثير من الأحوال، إلى العمق المطلوب، الذي يتناسب مع تعقيدات المشكلة أو تشعب الموضوع.

وعلى سبيل المثال، فإن مشكلة التدخين مشكلة معقدة؛ نتيجة ارتباطاتها ومضاعفاتها التي تتجاوز الفرد إلى المجتمع، فإذا استخدمنا عبارة (التدخين ضار بالصحة) لِحَث المراهقين أو الشباب على عدم التدخين أو تركه، ثم توقَّفنا عند هذا الحد، فإن تفكيرنا ينقصه العمق المطلوب لمعالجة المشكلة، بالرغم من أن العبارة واضحة ودقيقة ومحكمة ومرتبطة بالموضوع.

الاتساع Breadth:

يوصف التفكير الناقد بالاتساع أو الشمولية عندما تؤخذ جميع جوانب المشكلة أو الموضوع بالاعتبار، ولتقييم مدى توافر هذا المعيار، يمكن إثارة عدة أسئلة من نوع:

• هل هناك حاجة لأخذ وجهة نظر أخرى بالاعتبار؟

• هل هناك جهة أو جهات لا ينطبق عليها هذا الوضع؟

• هل هناك طريقة أخرى لمعالجة المشكلة أو السؤال؟

المنطق Logic:

من الصفات المهمة للتفكير الناقد أو الاستدلال أن يكون منطقيًا، وعندما يقال بأن فلانًا يفكر تفكيرًا منطقيًا، فإن صفة (المنطق) هي المعيار الذي استند إليه الحكم على نوعية التفكير، ويقصد بـ (التفكير المنطقي) تنظيم الأفكار وتسلسلها وترابطها بطريقة تؤدي إلى معنى واضح، أو نتيجة مترتبة على حجج معقولة، ويمكن إثارة الأسئلة الآتية للحكم على منطقية التفكير:

• هل ذلك معقول؟

• هل يوجد تناقض بين الأفكار أو العبارات؟

• هل المبررات أو المقدمات تؤدي إلى هذه النتيجة بالضرورة؟

موقع: الألوكة