logo

لماذا لا يقرأ الشباب؟!


بتاريخ : الخميس ، 7 ربيع الأول ، 1440 الموافق 15 نوفمبر 2018
بقلم : د. حمزة بن فايع الفتحي
لماذا لا يقرأ الشباب؟!

تكاد تُصاب بالصدمة والخجل من جراء إحصائيات القراءة في الوطن العربي، وأن أمة اقرأ تراجعت كثيرًا عن (منهج اقرأ) وأسارير المطالعة والاستنارة الثقافية، وبات همها في قيل وقال، وألعاب وانشغال، وقد أورث مثلُ ذلك التخلفَ الحضاري والفكري والاقتصادي، وتراجعت معدلات النمو والارتقاء، وأضحت المؤسسات العلمية عاجزة عن مواكبة الحياة ومنجزاتها الحديثة.

وتقرير التنمية البشرية عام (2011)، الصادر عن (مؤسسة الفكر العربي) يشير إلى أن العربي يقرأ بمعدل (6) دقائق سنويًا، بينما يقرأ الأوروبي بمعدل (200) ساعة سنويًا!

بحسب (تقرير التنمية البشرية) للعام (2003) الصادر عن اليونسكو، يقرأ المواطن العربي أقل من كتاب بكثير، فكل (80) شخصًا يقرءون كتابًا واحدًا في السنة، في المقابل، يقرأ المواطن الأوروبي نحو (35) كتابًا في السنة، والمواطن الإسرائيلي (40) كتابًا، للأسف الشديد.

بحسب تقرير اليونسكو المذكور، أنتجت الدول العربية (6500) كتاب عام 1991، بالمقارنة بـ (102000) كتاب في أمريكا الشمالية، و(42000) كتاب في أمريكا اللاتينية والكاريبي.

وبحسب (تقرير التنمية الثقافية) فإن عدد كتب الثقافة العامة، التي تنشر سنويًا في العالم العربي، لا تتجاوز الـ(5000) عنوان، أما في أميركا، على سبيل المثال، فيصدر سنويًا، حوالى (300) ألف كتاب.

مؤسسة الفكر العربي، في تقريرها لعام (2011)، أفادت أن الطفل العربي يقرأ نحو ربع صفحة خارج منهاجه الدراسي سنويًّا، في الوقت الذي يقرأ فيه الطفل الأمريكي (11) كتابًا، والطفل البريطاني (7)، ويقرأ أيضًا الطفل العربي بمعدّل (ست دقائق) سنويًّا، مقارنةً بالطفل الغربي الذي يقرأ بمعدل (12) ألف دقيقة.

 

ويؤلمك أن طبقة كالشباب طالهم ما طال بقية الفئات، وقد كانوا المرشحين بحمل ذاك العبء، وارتشاف ينابيع السعادة، وقد وعوا آثارها وحسن عاقبتها، ولعل من أسباب ذلك:

(١) الزهد العلمي: الذي ينظر للعلم والمعارف نظرة متواضعة أو دونية، وإذا جاءت عن إكبار اعتقدت أن العلم ليس لها، وإنما لآخرين، ولا يدرى متى ينبتون ويظهرون؟!

(٢) الانخداع بعدم الحاجة النفسية: وأن مشكلة الأمة لا تقتصر على فقدان العلوم الراقية، أو تزكية النفس بالمعرفة؛ بل لابتعادها عن نواح مادية غير العلم والمعرفة! ويكتفي أولئك بالركض وراء الملاذ، والإيغال الاستمتاعي!

(٣) تهوين المعارف الجديدة: والعيش للدنيا ومطعوماتها وملاذها، وعدم التفكير في النهوض الحضاري، وترسخ النظرة الدونية لديه تجاه القراءة والكتب وندوات المعرفة!

(٤) الرضا بالعقل التقليدي: وما قد يحمل من بلادة وسذاجة، والنظرة للحياة نظرة تخلفية سطحية، أشبه ما تكون بنظرة الشخصية العامية الأمية، والتي لا تعرف فلسفة الحياة ومقدمات الارتقاء بالنفس فيها، وترى الغرب أفضل وأكثر كفاءة، وقد تحملوا المئونة عنهم، فهم يخترعون ويطورون ونحن المستهلكون!

وهذا منطق بئيس، واستشراؤه ينذر بوأد الإبداع وهزيمة الأجيال.

(٥) الانشغال اليومي والمعيشي: وهذا تفرضه ظروف المرء، أو توجهات مخصوصة، همها تكريس التخلف وإشغال الناس باللقمة؛ لئلا تتفتح الهمة، ويشتعل الوعي والعزمة!

(٦) فقدان اللذة والشوق المعرفي: بحيث لا يجد في حدائق المعرفة رياحين السعادة، ولا بلاسم السرور، المنتهي لِلَذاذة الروح، وسكينة القلب {أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، وقد قال العلامة الجاحظ، وهو أحد أعلام اللغة والقراءة: «والكتاب هو الذي إن نظرت فيه، أطال إمتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانَك، وجوّد بيانك، وفخّم ألفاظك، وبجَح نفسك [أي أفرحها] وعمَر صدرك...».

 

وقال أبو اسحاق الألبيري رحمه الله:

فلو قد ذقتَ من حلواه طعمًا       لآثرت التعلم واجتهدتا

ولَم يشغلك عنه هوى مطاع       ولا دنيا بزخرفها فُتنتا

(٧) غلبة الملهيات: لأنها تشغل وتؤذي وتقصي، وتصنع في الأوطان النفسية البطالة، الفارهة الفارغة، والعديمة الهدف والقيم! وهذه تغذيها وسائل الإعلام الهدامة والمخترقة قيميًا وفكريًا، والتي تجعل من همها وهمتها إشغال الجيل وتلهيته بالتوافه والسخافات!

(٨) الولع الالكتروني: والقائم على اختصار المعلومات وابتسارها، والاهتمام بالترفيهيات والمضحكات والنكات، وإذا وصلت لحد القراءة اكتفى بالميسور المحسور!

ومع أن الولع الإلكتروني يمكن جعله فرصًا للتطوير المعرفي، إلا أنه اختزل في أدنى الفنون، وأضعف الممارسات!

وإزاء ذلك علينا الاستيقاظ من هذا الوهن، ودفع ذاك الضعف بإحياء عادة القراءة وسُنة الاطلاع، وجعلها عادة يومية، وثقافة طبيعية للفرد العربي والمسلم، لا سيما وهي من صميم ديننا وثقافتنا، وسبب للارتقاء، وأن يستشعر الفرد العادي أنها ليست نخبوية أو مختزلة في أسر معينة أو طبقات نخبوية، فيتنامى جدار العزل الثقافي، وتوأد القراءة!! وهذا ما نخشاه مع مرور الأزمنة والأيام، وعلى المدارس والجامعات وكافة الجهات التعليمية والثقافية مسئولية كبرى، لا فكاك لهم عنها، ويستطيعون باستثمار النوافذ الحديثة والمسارات التعليمية أن يحببوا القراءة للنشء، ويصنعوا برامج حافزة في هذا السياق، والله الموفق.

___________

موقع: صيد الفوائد