logo

لصوص رمضان


بتاريخ : الثلاثاء ، 22 رمضان ، 1442 الموافق 04 مايو 2021
لصوص رمضان

محترفون يسرقون روحانية الشهر، وفرص الأجر ويفتحون أبوابًا للوزر!!

"يهل شهر رمضان المبارك على أمة الإسلام في كل مكان، وتهل معه نفحات الأجر والمثوبة لمن يلتمس فرص الخير ممن تعتمل في صدورهم بذرة الخير استجابة لداعي الله حيث يقبل باغي الخير، ويقصر باغي الشر. هذا الشهر العظيم الذي كان يبشر بمجيئه رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: "إذا كان أول ليلة من رمضان فتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وغلقت أبواب جهنم فلم يفتح منها باب، وصفدت الشياطين، وينادي منادٍ يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كله ليلة". رواه الترمذي

وفيما يتأهب الكون لولوج هذا العالم الروحاني الرحب في مدارات الرحمة والبركة والمغفرة والأمن والأمان يتأهب ما تبقي من شياطين الإنس في التحضيرات السنوية الهائلة من عام إلى عام لصرف القلوب إلى فضاءات البث المباشر في الفضاء الذي أدركه ما كسبته أيدي الناس من الفساد الذي ظهر في البر والبحر!

وما يكاد يقترب رجب وأخوه شعبان حتى تنفرد وسائل الإعلام في مهمات التبشير بالأعمال الإعلامية الجديدة، تلك التي توصف بأنها أعمال رمضانية، وهو وصف لا علاقة له بعبادة رمضان وطاعة الله فيه! بل على اكتساب حصص الأسود والذئاب من اهتمامات الساحة الشعبية، حيث يتولى قطاع ممن تشربت قلوبهم فتن الليل والنهار من سائر عامة الناس الذين اختلط في حياتهم اليومية ما في هذه الحياة حق وباطل! وتتوسع وسائل الاعلام في إفراد المساحات من وقت البرامج المبثوثة، وصفحات الوسائل المقروءة لعرض تفاصيل مهازل اللهو تحت مسميات " الفوازير " و " المسلسلات " و " المسابقات " وبرامج " النجوم " و " الكاميرات الساخرة " وبرامج " المنوعات " وما يطلبه المتفرغون لاستقبال ومتابعة غثاء المتفرغين لإشغال الناس وإحالة حياتهم إلى حياة اللهو والهزل وهدر الوقت، بل هدر العمر! واكتساب النجومية والشهرة والمال والمكانة بأرصدة الغثاء المتجدد فيما تتردى أحوال الأمة من عام إلى آخر وتتخلف، وتضعف وتؤكل وقد انتقصت من أطرافها، وتمكن منها أعداؤها وساموها سوء العذاب يقتلون رجالها وأبناءها، ويستحيون نساءها، ويستبيحون الممتلكات والأعراض، ويحيلون بلاد المسلمين إلى خرائب، ومقابر فردية وجماعية وأعزة أهلها أذلة وما تبقى منهم إلى مشردين ولاجئين!

شهر رمضان عاشت فيه الأمة انتصاراتها حيث أمر في رمضان بالجهاد، وكانت غزوة بدر الكبرى (يوم الفرقان)، وكان فتح مكة (الفتح الأعظم)! كما وقعت فيه موقعة بلاط الشهداء ومعركة عين جالوت.

شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن العظيم محفوظًا بحفظ الله له. هذا الشهر الذي فضله الله على سائر الشهور وأمسى في زماننا محطة للهو واللعب ومعاقرة الشهوات والإسراف فيما أحل الله وحرم إلا بين من رحم الله وعصم من أهل دين الإسلام الذي أبى الله إلا أن يتمه ولو كره الكافرون، هذا الدين الذي بشر بظهوره القرآن على الدين كله.

لم يعد قطاع واسع من المسلمين يسمع عند حلول رمضان إلا ما يبشر باحتدام المنافسة بين القنوات الإعلامية التلفزيونية الفضائية وغير الفضائية، والقنوات الأخرى الإذاعية وغيرها لاستقطاب المشاهدين والمستمعين والمتابعين، وما يبشر باقتراب البرامج المنتظرة من برامج دروات الرياضة الرمضانية لإشغال شباب الأمة وصرف قلوبهم حتى في أرجى فرص العام للعودة إلى الله والسمو بقلوبهم ونفوسهم وبصائرهم وأرواحهم! والتبشير بمواعيد المباريات الرياضية الساخنة ومسابقات الكؤوس المحلية والخارجية، والتبشير بمهرجانات التسوق الرمضانية لترسيخ العادات الاستهلاكية في أسمى مناسبات المسلم السنوية لإفساد روحانية لياليه ومغانمها!

يقول عليه الصلاة والسلام: "جاءكم شهر رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة ويحط الخطايا ويستجيب الدعاء، ينظر الله إلى تنافسكم فيه فيباهي بكم ملائكته، فاروا الله من أنفسكم خيرًا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله"( رواه الطبراني ).

 

فكيف ينقذ المسلمون شهرهم من عدوان المعتدين، ويخلصونه من أدران هذا الغثاء والمصاب الجلل؟، وكيف يحررون فيه أنفسهم من ربقة هذه العبودية المادية ليصفوا دينهم لله؟

قال صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، وقال "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". متفق عليه

قال ذلك عليه الصلاة والسلام حيث بين مجال السباق الرمضاني في مسارات الصيام والقيام، وقيام ليلة القدر، والثمن مغفرة تجعله في حل مما أذنب فيما سبق من حياته ‍‍ ‍!! فأي سباق هذا؟ وأي جوائز رمضانية عامة لا يحرم منها أحد ممن وفق للعمل وأخلص؟ سباق لا فائز فيه وحيد بجائزته الأولى! ولا هموم معها ولا غموم! ولا ضيق بعدها ولا شقاء وضياع فكم من حسير فقد برحيل الشهر نعمة إصلاح العلاقة مع الله في أعظم مواسم التوبة والعفو والمغفرة! أولئك الذين ذهبت أوقاتهم نهبًا بين لصوص رمضان المحترفين المجندين للتضليل والتضييع، المتخصصين في أعمال السطو الموسمية، المبدعين في تمرير أيام الشهر على جناح الغفلة، المتمكنين من استلاب الناس وسرقة روحانية الشهر الكريم، وفرص الأجر بين قراءة القرآن والاعتكاف وسائر العبادات فروضها ونوافلها، المجتهدين في فتح أبواب الوزر ليلج الضعفاء السائرون المستدرجون لولوجها بالشهوات.

لم يعد رمضان موسمًا روحانيًا خالصًا يتطهر فيه المسلمون مما علق بنفوسهم في سعيهم طيلة العام، بل صار مضمارًا لسباق الشهوات! وصار لذلك بحق ميدانًا للمجاهدة للنجاة وسط أمواج من الفتن المتلاطمة! فمن يسعه - في غمرة هذه العوائق وما تكالبت به فتن الزمان لصد المسلمين - الظفر بجائزة الجهاد الرمضاني حين يهل هلال العيد إيذانًا برحيل الشهر الجليل؟

________________

المصدر: مجلة الأسرة عدد رقم 66