كوارث عبر التاريخ
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
سنن الله سبحانه وتعالى لا تتبدل ولا تتغير، قال عز وجل: {فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا} [فاطر:43].
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله: سنة الله في الأولين التي لا تبدل ولا تغير أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد أن تحل به نقمته، وتسلب عنه نعمته.
فالمصائب والكوارث تنزل بالعباد إذا هم كفروا نعمة الله ولم يشكروه، قال الله عز وجل: (ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا قَريَةً كانَت آمِنَةً مُطمَئِنَّةً يَأتيها رِزقُها رَغَدًا مِن كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَت بِأَنعُمِ اللَّـهِ فَأَذاقَهَا اللَّـهُ لِباسَ الجوعِ وَالخَوفِ بِما كانوا يَصنَعونَ) [النحل:112] قال الحافظ ابن كثير في حوادث سنة (699هـ): اشتهر بالبلد أن التتر يريدون دخول دمشق فانزعج الناس لذلك وخافوا خوفًا شديدًا، وأرادوا الخروج منها والهرب على وجوههم، وأين الفرار و لات حين مناص، ولزم الناس منازلهم وكانت الطرقات لا يرى بها أحد إلا القليل، والجامع لا يصلي فيه أحد إلا اليسير، ويوم الجمعة لا يتكامل فيه الصف الأول وما بعده إلا بجهد جهيد، ومن خرج من منزله في ضرورة...يعود سريعاُ، ويظن أنه لا يعود إلى أهله، وأهل البلد قد أذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
إن من المهم قراءة التاريخ لاستخلاص العبر منه، فمعرفة الأسباب التي أدت إلى نزول الكوارث والمصائب في السابقين تجعل العاقل يبتعد عنها ويحذرها؛ لئلا تنزل به قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: اقرأ التاريخ يتبيَّن لك ما قدره الله على العباد، وأن سنة الله سبحانه وتعالى في السابقين ستكون في اللاحقين.
ومن أهم كتب التاريخ الموثوقة التي يستفاد منها: كتاب "البداية والنهاية" للحافظ ابن كثير رحمه الله، فهو زاخر بالعبر، وهذه بعض الكوارث التي حدثت عبر التاريخ، والتي ذكرها الحافظ ابن كثير مرتبة على السنين:
سنة (258هـ) وباء شديد، وزلزلة شديدة، ومات من الناس نحو من عشرين ألفًا.
سنة (280هـ) زلزلة ومات تحت الردم ألف وخمسون ألفًا
سنة (281هـ) جوع شديد، وجهد الناس حتى أكل بعضهم بعضًا
سنة (284هـ) ظهرت ظلمة شديدة وحمرة في الأفق حتى كان الرجل ينظر إلى وجه صاحبه فيراه أحمر اللون جدًا، فمكثوا كذلك من العصر إلى الليل.
سنة (288هـ) زلزلوا زلزالًا شديدًا ومات تحت الهدم مائة وخمسين ألفًا
سنة (288هـ) وباء شديد، حتى لم يبق أحد يقدر على دفن الموتى.
سنة (289هـ) تساقطت من السماء نجوم كثيرة.
سنة (319هـ) هاجت ريح محّمرة ثم اسودت حتى كأن الإنسان لا يبصر صاحبه بالنهار، وظن الناس أنها القيامة.
سنة (331هـ) غلت الأسعار، حتى أكل الناس الكلاب، ووقع البلاء في الناس.
سنة (333هـ) وقع غلاء شديد ببغداد حتى أكلوا الميتة والكلاب، وكان من الناس من يسرق الأولاد فيشويهم ويأكلهم، وكثر الوباء في الناس، وكان لا يدفن أحد أحدًا، بل يتركون في الطرقات فيأكل كثير منهم الكلاب.
سنة (344هـ) وقع داء مركب من دم وصفراء ووباء، ومات بسبب ذلك خلق كثير، بحيث كان كل يموت في كل يوم قريب من ألف نفس.
سنة(378هـ) حر شديد بحيث سقط كثير من الناس في الطرقات وماتوا من شدته
سنة (406هـ) وقع وباء شديد أعجز الحفارين والناس عن دفن موتاهم
سنة (423هـ) وقع...الجدري، بحيث لم تخل دار من مصاب به.
سنة (449هـ) وقع وباء وكان الفقراء وينبشون القبور ويشون الموتى ويأكلونهم، وليس للناس شغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات ودفنهم، فكان يحفر الحفير فيدفن فيه العشرون والثلاثون وكان الإنسان بينما هو جالس إذ انشق قلبه عن دم المهجة فيخرج منه إلى الفم قطرة فيموت الإنسان من وقته، ومات منه ألف ألف وخمسمائة ألف إنسان والناس يمرون فلا يرون إلا أسواقًا فارغة وطرقات خالية وأبوابًا مغلقة ووحشة وعدم أنس.
سنة (455) وقع بالناس موتان بالجدري والفجأة، كان يخرج كل يوم ألف جنازة
سنة (462هـ) غلاء شديد فأكلوا الجيف والميتات والكلاب.. وكان لا يجسر أحد أن يدفن ميتة نهارًا، وإنما يدفنه ليلًا خفية، لئلا ينبش فيؤكل.
سنة (477هـ) كثرت الأمراض بالحمى وأعقب ذلك موت الفجأة، ثم ماتت الوحوش في البراري، ثم تلاها موت البهائم، وهاجت ريح سوداء وسفت رملًا، ووقعت صواعق في البلاد حتى ظن بعض الناس أن القيامة قامت.
سنة (524) وقع مطر عظيم سقط بعضه نارًا تأجج فأحرقت دورًا وتهارب الناس
سنة (533) زلزلة عظيمة مات بسببها مائتا ألف وثلاثون ألفا، وصار مكانها ماء أسود عشرة فراسخ في مثلها.
سنة (569) سقط برد ثم أعقب ذلك سيل عظيم، وزيادة عظيمة في دجلة، لم يعهد مثلها أصلًا. فخرب أشياء كثيرة من العمران والقرى والمزارع، حتى القبور.
سنة (592) هبت ريح شديدة سوداء مدلهمة حتى احتاج الناس إلى السرج في النهار
سنة (593هـ) أتى عارض فيه ظلمات متكاثفة، وبروق خاطفة، ورياح عاصفة، فرجفت لها الجدران واصطفقت، ولا يحسب إلا أن جهنم قد سال منها وادي
سنة (597) اشتد الغلاء ثم أعقبه فناء عظيم وأكل من الصغار خلق كثير، وغلب القوي الضعيف فذبحه وأكله، وفيها كانت زلزلة عظيمة ومات أمم لا يحصون
وفيها وقع وباء شديد ببلاد عنيزة بين الحجاز واليمن، وكانوا عشرين قرية فبادت منها ثماني عشرة لم يبق فيها ديار ولا نافح نار، وبقيت أنعامهم وأموالهم لا قاني لها، ولا يستطيع أحد أن يسكن تلك القرى ولا يدخلها، بل كان من اقترب إلى شيء من هذه القرى هلك من ساعته. نعوذ بالله من بأس الله وعذابه وغضبه وعقابه. أما القريتان الباقيتان فإنهما لم يمت منهما أحد ولا عندهم شعور بما جرى على من حولهم، بل هم على حالهم لم يفقد منهم أحد، فسبحان الحكيم العليم.
سنة (643هـ) غلت الأسعار.. ومات الناس في الطرقات، وعجزوا عن التغسيل والتكفين والإقبار، فكانوا يلقون موتاهم في الآبار، حتى أنتنت المدينة وضجر الناس
سنة (652هـ) ظهرت نار في أرض عدن في بعض جبالها بحيث إنه يطير شررها إلى البحر في الليل، ويصعد منها دخان عظيم في أثناء النهار، فما شكوا أنها النار التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تظهر في آخر الزمان
سنة (725هـ) زادت دجلة حتى غرقت ما حول بغداد، وانحصر الناس بها ستة أيام لم تفتح أبوابها، وبقيت مثل السفينة في وسط البحر، وغرق كثير من الفلاحين سنة (749هـ) وقع البلاء، وموتان فيهم كثير، حتى قيل إن أهل قبرص مات أكثرهم أو يقارب ذلك، وكثر الموت في الناس بأمراض الطواعين، وإذا وقع في أهل بيت لا يكاد يخرج منه حتى يموت أكثرهم، وفي شهر رجب.. حصلت ريح شديدة، أثارت غبارًا شديدًا، اصفر الجو منه، ثم اسود حتى أظلمت الدنيا.
وهذه الكوارث وقعت في: فلسطين والشام والعراق ومصر والحجاز وبخارى واصبهان واذريبجان والهند، وكان للناس في بعضها مواقف محمودة حيث تابوا وتضرعوا إلى الله جل جلاله عند نزول العذاب بهم.
ففي سنة (284هـ) خرج الناس إلى الصحراء، يدعون الله ويتضرعون حتى كشف عنهم.
وفي سنة (449هـ) تاب الناس، وتصدقوا بأكثر أموالهم، وأراقوا الخمور وكسروا آلات اللهو، ولزموا المساجد للعبادة، وقراءة القرآن.
وفي سنة (569هـ) خرج الناس إلى الصحراء، وكثير الضجيج والابتهال إلى الله، حتى فرج الله عز وجل.
وفي سنة (593هـ) فرَّ الناس نساء ورجالًا وأطفالًا، ونفروا من دورهم خفافًا وثقالًا، لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلًا، فاعتصموا بالمساجد الجامعة، وأذعنوا للنازلة بأعناق خاضعة، وبوجوه عانية، ونفوس عن الأهل والمال سالية، ينظرون من طرف خفي، ويتوقعون أي خطب جلي، قد انقطعت من الحياة علقهم، وعميت عن النجاة طرقهم، ووقعت الفكرة فيما هم عليه قادمون، وقاموا على صلاتهم، وودوا لو كانوا من الذين عليها دائمون، إلى أن أذن بالركود، وأسعف الهاجدون بالهجود، فأصبح كل مسلم على رفيقه يهنه بسلامه طريقه، ويرى أنه بعث بعد الصيحة والصرخة، وأن الله قد رد له الكرة وأحياه بعد أن كاد أن يأخذه على غره
وفي سنة (652هـ) تاب الناس وأقلعوا عما كانوا عليه من المظالم والفساد، وشرعوا في أفعال الخير والصدقات.
وفي سنة (725هـ) ودع أهل البلد بعضهم بعضًا، ولجأوا إلى الله تعالى، وحملوا المصاحف على رؤوسهم في شدة الشوق في أنفسهم، وكان وقتًا عجيبًا، ثم لطف الله بهم فغيض الماء وتناقص.
وفي سنة (749هـ) دعا الناس برفع الوباء.. وشرع الخطيب في القنوت بسائر الصلوات والدعاء برفع الوباء.. وحصل للناس خضوع وخشوع وتضرع وإنابة.
وما حدث من أولئك هو المأمول حدوثه من المسلمين في عصرنا عند نزول الكوارث والمصائب: فالتوبة إلى الله، والدعاء والتضرع إلى الله، والإكثار من الصدقات والطاعات، وتجنب المعاصي والآثام، من أهم أسباب دفع البلاء ورفعه، وربنا رحيم غفور يرحم عباده متى ما صدقوا في توبتهم وإنابتهم إليه، نسأل الله الكريم أن يرفع عنَّا وعن جميع المسلمين كل بلاء ووباء.
المصدر: موقع مداد.