logo

كرامة الاستقامة


بتاريخ : السبت ، 11 محرّم ، 1437 الموافق 24 أكتوبر 2015
بقلم : نبيل بن عبد المجيد النشمي
كرامة الاستقامة

حروف أمل، وكلمات ثبات، وجمل اطمئنان، أخص بها إخواني وأخواتي، الذين يمسّكون بالكتاب والسنة في زمن فتن تهجم من كل باب؛ بل من منافذ النسيم وشقوق القطرات، أشد على أيديهم: الثبات الثبات.

فقد أمر الله تعالى نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بأن يستقم على دينه وما أمره به، قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود:112]؛ أي: استقم على دين ربك والعمل به والدعاء إليه كما أمرت(1).

وقوله تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره، وقيل: له والمراد أمته.

والاستقامة: الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال(2).

وقد بشر الله المستقيمين على أمره والقائمين بدينه فقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:30] وقال: {إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الأحقاف:13] فالاستقامة على دين الله وطاعته كرامة وأي كرامة، «وإن الله لم يكرم عبده بكرامة أعظم من موافقته فيما يحبه ويرضاه، وهو طاعته وطاعة رسوله وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه»(3).

«وإنما غاية الكرامة لزوم الاستقامة، فلم يكرم الله عبدًا بمثل أن يعينه على ما يحبه ويرضاه، ويزيده مما يقربه اليه ويرفع به درجته»(4).

فلا غرابة أن يكون أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك»(5).

- فمن الكرامة أن تستمر في محافظتك على صلاة الجماعة والحرص عليها مع موجة تهاون فيمن حولك.

- ومن الكرامة أن تغدو لصلاة الفجر في المسجد جماعة يوميًا إلا لعذر.

- ومن الكرامة أن يبقى الأذان للصلاة يشدك؛ فتترك ما في يدك وتجيب نداء ربك، وإن انشغل الآخرون بنداءات أخر.

- ومن الكرامة أن تلزم وردك من القرآن، ولا تأخذك عنه وسائل التواصل وملهيات الأيام.

- ومن الكرامة أن تداوم على الأذكار والأوراد المشروعة وفي أوقاتها، وتجاهد نفسك في عدم تركها أو تناسيها.

- ومن الكرامة استمرارك في صوم النافلة، سرت عليه من الأسبوع أو الشهر، ولو امتلأت أذنك تثبطًا.

- ومن الكرامة أن تثبت على نافلة الليل وإن قَلّت أو ثقلت، ولا تنقطع عنها بقواطع الزمان التي كثرت.

- ومن الكرامة إن كنت من أهل ركعتي الضحى أن تقوم لها وبها، ولا تقبل أن يخطفك عنها خاطف.

- ومن الكرامة ألا يراوح صدرك همُّ دعوتك وأمتك، وإن قلّ ما في يدك وعجزت عن تحقيق هدفك.

- ومن الكرامة محافظتك على هيئتك الإسلامية، غير متجاوز ولا متهاون.

- ومن الكرامة أن تبقى لحيتك في وجهك دون تعرض لجرف أو شذب حاديها: "أعفوا، وفروا، أرخوا..." وأخواتها.

- ومن الكرامة، لكِ أُخيتي، أن يبقى جلبابك رمزك وسترك كما هو ساتر بغير زينة ولا تطوير ومعاصرة تذهب بمقصده.

- ومن الكرامة أن تبقين زوجة قائمة بحقوق زوجها طاعة لربها، غير مبالية بهمزات ولمزات يزفها الشيطان.

- ومن الكرامة ألا ينفك عن المرأة المستقيمة المؤمنة الحياءُ، ضاربة بدعوات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب خلف حياتها.

- ومن الكرامة العظيمة ألا يهتز تعظيم النصوص الشرعية في قلبك، وإن اهتزت ألباب بموجات تحرر مزعوم واستنارة سراب موهوم.

- ومن الكرامة بقاؤك متلمسًا، كعادتك، السنة النبوية، حريصًا على تطبيقها في مدخلك ومخرجك، ومضجعك وممشاك، وأخذك ومنعك وكل شأنك ما استطعت إلى ذلك سبيلًا.

- ومن الكرامة سمو أخلاقك ورقي تعاملك مع من عرفت ومن لم تعرف، اقتداءً بنبيك وقدوتك صلى الله عليه وسلم.

- ومن الكرامة، وأي كرامة، أن تبقى متمسكًا عاضًا بالنواجذ على عقيدتك الصافية ومنهجك السليم، عقيدة أهل السنة والجماعة، ولو كنت وحدك.

- ومن الكرامة ملازمتك تحري رضا الوالدين، والبر بهما، سعيًا لرضا الله الخالق سبحانه وتعالى.

- ومن الكرامة ألا يتوقف حرصك على حقوق الآخرين والقيام بواجبك نحوهم، وعلى رأسهم أهل بيتك.

- ومن الكرامة أن يعيش معك ويلازم فؤادك حتى وفاتك حبُّك لما يحب الله تعالى، وبغضك لما يبغض الله تعالى، وإن تغير الأشكال والأسماء.

- ومن الكرامة أن توالي أولياء الله وتعادي أعداءه، وإن تقلبت الأيام، وتغيرت النظريات، وهجمت الدعوات المعسولة بحرف الولاء والبراء عن مساره.

- ومن الكرامة أن تستمر في الدعاء بالثبات والاستقامة ما بقيت فيك حياة، وتطلبها بإلحاحٍ ممن بيده القلوب ومقلبها.

«فأعظم الكرامة لزوم الاستقامة»(6) كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وكما قال أبو علي الجوزجاني: «كن طالبًا للاستقامة لا طالبًا للكرامة، فإن نفسك منجبلة على طلب الكرامة وربك يطلب منك الاستقامة»(7).

اللهم يا مقلب القلوب، ثبت قلوبنا على دينك، وتوفنا وأنت راض عنا، وألحقنا بالصالحين.

وصلى الله وسلم على النبي الكريم وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

__________________

(1) تفسير البغوي، طبعة إحياء التراث (2/ 468).

(2) الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (9/ 107).

(3) أمراض القلوب وشفاؤها، لابن تيمية، ص49.

(4) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، لابن تيمية، ص187.

(5) الصحيحة، للألباني، رقم:2091.

(6) مدارج السالكين، لابن القيم (2/ 106).

(7) مجموع الفتاوى (11/ 320).

المصدر: موقع صيد الفوائد.