قوة الفكر الإسلامي تقديم أصوله كما أنزلت
من عناصر قوة أي فكر تقديمه كما هو منذ البداية، وطرحه على حقيقته دون تدليس ولا تلبيس، والفكر الإسلامي المستوعب لحركة الزمن وتغيير الظروف أولى من غيره أن يُطرح على حقيقته كما جاءت أصوله في الوحيين: كتاب الله، وسنه رسوله، لا أن يُطرح مبتوراً أو ناقصاً أو مشوَّهاً أو مفسَّراً تفسيرات خاضعة لعوامل تغير الزمان والمكان والإنسان!.
ومن هنا فإن الفكر الإسلامي لا يقدم بتقدم الزّمن، ولا يعتريه العجز في يوم ما عن تقديم الحلول، ولا تقعد به التطورات الّتي يشهدها العالم عن أداء دوره المصيري الّذي لا يمكن لأي فكر آخر أن ينهض به.
ومثل هذا الفكر بحاجة إلى أناس أوفياء مخلصين لرسالته، مؤمنين بعقيدته، وخاصة قضية الولاء والبراء، وعلى جانب كبير من التديّن والتعبّد، وعلى مستوى رفيع من الوضوح في الفكر السياسي المعاصر كي يقدموا الإسلام كما هو، ويطرحوه على حقيقته بعيداً كل البعد عن التأثيرات الخارجية الّتي ربّما لا يروق لأهل الطغيان طرحه في صيغته النقية الصريحة "تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها"!.
قد لا يحلو للكثيرين عرض أصول الفكر الإسلامي بشكلها الواضح الصريح الّذي لا لبس فيها ولا غموض، لأنّ في ذلك خطراً على وجودهم كأناس متطفلين على الفكر الإسلامي، عاشوا عليه لا له، أو متسلقين على أكتاف المسلمين، وغير معنيين بالحفاظ على أصالة أصوله والدّفاع عن ثوابته المقدسة.
لا يخفى إن ترك هؤلاء يشوهون أصول الفكر الإسلامي الصحيح، ويشكلون عقول الأمة وفق أجندة متنوعة، مع الارتباك في الأوضاع العامة للأمة الإسلامية، لا يمكن للجيل الإسلامي أن يتفاعل مع الفكر الإسلامي الصحيح، وأن تكون له عناصر المقاومة والمناعة أمام الضغوط الهائلة من الخارج والداخل!. فليس له سبيل ضمن هذا الجوّ المضطرب المتناقض المشحون بالشبهات إلا أن يفقد قابليته على الصمود، ويقع فريسة سهلة للأفكار والطروحات الغربية المناوئة، خاصة وهي تقدّم له ضمن أسلوب مدروس مدعم بإمكانيات هائلة!.
فلابدّ إذاً في هذه الحالة من جهود مخلصة متضافرة لطرح الإسلام بصورته المشرقة الوضاءة، ولابدّ من تمزيق الضباب الّذي يلف الكثير من الأفكار الإسلامية بفعل ما أشرنا إليه من عوامل لم تكن وليدة اليوم، بل وليدة تراكمات فكرية وتاريخية بعيدة.
ولابدّ للنخبة الواعية المفكرة والقيادات الإسلامية أن تتعامل بهذا الوضوح والصراحة في كافة أشكال التعامل ـ بما فيه السياسي ـ وعلى أساس المبادئ والأصول الإسلامية، لكي تتعمق الأفكار الإسلامية في الأمة، وتتضح معالمها من خلال التطبيق العملي، ولكي يتولّد عندها شعور بأنّ الإسلام ليس مجرد أفكار نظرية مطروحة بل يمتلك القدرة على تسجيل المواقف واتّخاذ القرارات، وتحديد طريقة التعامل مع الأحداث، وهذا ما يدفع بالتالي إلى تعاظم ثقة المسلمين بإسلامهم وأفكاره وحلوله ورؤاه، ويزيد من تمسّكهم به وإصرارهم عليه، ممّا يعني ارتفاع مستوى المقاومة لدى الإنسان المسلم، وصعوبة سريان السموم الفكرية إليه.
والتعامل الصريح لا سيّما على صعيد القضايا المصيرية ليس أمراً مزاجياً بل لا مجال في هذه القضايا إلاّ للوضوح والصراحة والتركيز، لأنّ اللّعب على الشعارات يجر الخطوات إلى مزالق قد تنتهي بالقضية الكبرى إلى الوحول السياسية في عملية ابتزاز أو اختناق أو تمييع، لتبقى الواقعية السياسية في إطار التفكير الإسلامي الملتزم، فلا تسمح للآخرين أن يفرضوا عليها القفز فوق الإطار والتحرك ضمن إطارات أخرى لأن معنى ذلك أن يفقد العمل الإسلامي نفسه عندما يفقد القاعدة الّتي ينطلق منها والإطار الّذي يتحرك فيه والهدف الّذي يتّجه نحوه!.
كما أنّ الصراحة في التعامل مع الأمة بأصول الفكر الإسلامي كما أراد الله لها لا تترك آثارها الإيجابية على المجتمع الإسلامي والتيار الإسلامي بشكل خاص بل ستقنع الآخرين الّذين ربّما لا يلتقون مع هذا التيار في كثير من الرؤى والتصورات، بل وحتّى التيارات المضادة، أن ليس في الفكر الإسلامي شيء مخفي، وأنّه لا يكتم قضايا يُخاف منها، بل هو فكر صريح واضح لا يريد بالنّاس إلاّ خيراً، ولا يهدف إلا لإسعاد الأمم والنهوض بها، وإنقاذها من كافة ألوان الظلم والامتهان وصنوف الحيرة والتسكّع في أزقة الأفكار السقيمة!.
عندما يتحول الفكر الإسلامي إلى قناعة كاملة تملأ على الإنسان روحه وعقله يجد المسلم نفسه مقصراً أمام الأمانة التي حمله الله إياها (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا).
عندما يتحول المبدأ من مجرد أفكار تراود الذهن ومفاهيم -قد يَعمل بها أو لا يُعمل- إلى حالة معايشة دائمة، وتفاعل مستمر فلا بدّ في مثل هذه الأحوال أن يترك ذلك المبدأ تأثيره على معتنقه، ويحوله إلى شخصية رسالية عقائدية تحمل الأهداف والتطلعات الإسلامية الكبرى، وتصر على تحقيق تلك الأهداف مهما كانت عقبات الطريق وعثراته، وتواجه التيارات والخطوط الفكرية المضادة بكل بسالة وجرأة وإقدام، فلا يُسمح لها أبداً أن تكون شخصية ضعيفة تتخذ أسلوب التهاون والمساومة والتراجع عن بعض الثوابت الفكرية والعقائدية، ولا يجوز لها أن تكون خائفة مذعورة مترددة في أداء دورها الرسالي.
وما أروع الآية القرآنية الكريمة وهي تصوّر الموقف الإسلامي الرسالي من حشد القوى المعادية للإسلام: (الّذين قال لهم النّاسُ إنّ النّاسَ قد جمعوا لكُم فاخشوهُم فزادهُم إيماناً وقالوا حسبُنا اللهُ ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من اللهِ وفضل لم يَمسسهُم سُوء واتَّبعوا رِضوانَ اللهِ واللهُ ذُو فضل عظيم).
وبعد.. نحن بحاجة في خضم الصراع الحضاري الثقافي الراهن إلى الكلمة النافذة والموقف الملتزم الّذي يعيد للإسلام هيبته وشموخه، الموقف الّذي يثلج صدور المسلمين، ويرتفع بمعنوياتهم الّتي من الممكن أن تتأثر بفعل شراسة الهجمة الضارية وضغوطها، ولابدّ أيضاً أن يرافق قوة الموقف الإسلامي الوعي والاتزان، والبعد كل البعد عن اتخاذ الخطوات الطائشة والحركة المتأثرة بالمواقف المنفعلة لأن ما نريده هو ألا نتحول إلى أناس يقعون صرعى عدم وضوح الرؤية، وعدم التخطيط الّذي يربط البداية بالنهاية لأنّ صرعة الاسترسال لا تُقال كما يقال في المثال!.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: موقع مداد