فقه المساواة
ستبقى إشكالية المساواة من بين الإشكالات الفكرية التي تناقش في كل العصور بناء على تطور الحياة الفكرية والقانونية عند الإنسان. والقوانين الوضعية حتى الآن لا تزال في موقفها من المساواة متبدلة ومتغيرة، تخضع للأهواء والشهوات النفسية والمصالح الاجتماعية والسياسية، في حين نجد الإسلام منذ أن جاء إلى البشرية، والتاريخ شاهد على ذلك لم يتغير موقفه من المساواة، وبقي ثابتاً يراقب التغيرات التي عرفتها الحضارات والشعوب الإنسانية في شأن المساواة، وهذا الثبات دال على خلود هذه الشريعة التي لا تحابي أحداً، ولا يمتلك أحد أن يغيرها، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء: 82]، وهذا يترك لنا شريعة ربانية، لا تنتزعها الأهواء وتميل بها العواطف، تهدف إلى تنظيم حياة المكلفين وتوجيه تصرفاتهم، حتى لا تخرج عن سنن الشرع وهدي الفطرة.
وقد جاءت الشريعة الإسلامية بأصول شرعية، اعتبرت بمثابة قواعد عامة تتأسس عليها أحكام التشريع، ولا يمكن بأية حال أن يتجاهلها من يقدم على تحصيل قوانين الشريعة الإسلامية، لأنها المرايا التي ينظر بها إلى الوقائع بناء على استحضارها في الاجتهاد، ومن هذه الأصول ما يصطلح عليه بـ«فقه المساواة»، فهو فقه كبير ينطوي على مقاصد لا يحصلها إلا من أحسن فهمه وأحكم تنزيله، ومما يؤسف له أنه وقع في سوء فهم المساواة جملة من الناس، فعسر عليهم حرزها، فوقعوا في اللبس، فأخذوا بتنزيلها بغير علم في كل عموم أحكام الشريعة دون تقييد، أو قيدوها دون تسديد، فضاع فقه المساواة بين من عمم من غير تقييد، ومن قيد بغير تحقيق، وفي هذا المقام لا بد للطرفين معاً أن يسترشدا بحجة الشرع ومحجة الحق باتباع طريق تحقيق المناط واستحكام القواعد العامة، التي بها يلج من رغب في حسن فهم وتنزيل فقه المساواة على القضايا الجزئية التي ترتبط به، حتى يصيب به الإنسان محله الذي قصده الشرع بلا تكلف ولا توهم، فيسلم الإنسان من المحاذير التي توقعه في القول على الشرع بغير علم، وهو ما يحتاج إلى الاستزادة بفقه شرعي راسخ، يفهم فيه أبعاد المساواة، حتى لا نقع في مغالطات نظرية وتعسفات عملية، نخرج بها عن رسم الشريعة ونبتعد عن حكمها ومصالحها، فإنَّ من يزعم أن المساواة من الدين فإنما ذلك بسبب جهله بمقاصد الدين، فإنها وإن كان ظاهرها التوافق مع الشريعة لكنها حين تعرض على مصفاة مقاصد التشريع الإسلامي سنجد هجرها للقواعد مذهباً ظاهراً، وخروجهاً عن مسائله رأياً واضحاً. ولبيان ذلك وضبطه أحببت أن أتناول الموضوع، وأقف عند أبعاده في الشريعة ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وفق هذه المحاور:
المحور الأول: سؤال المساواة:
إشكال المساواة ينبغي أن يتسم بشيء من المرونة والنسبية، لأنه لو أمكن تحقيق المساواة بإطلاق في الحياة البشرية كلها، لكان ذلك معجزة في تاريخ البشرية، لكن هذا السؤال من حيث المنطق والواقع غير مقبول، ولا يتعجب إن قلنا إن من المساواة ألا تكون المساواة.
إن من ينادي اليوم بتحقيق المساواة في جميع مجالات الحياة، يعترض عليه اعتراض، وهو: هل أنت قادر على تنزيل المساواة بين جميع أفراد المجتمع فيتساوى الفقراء والأغنياء في حيازة الأموال، وتتساوى الطبيبة في المدينة، والفلاحة التي تكد في البادية، وتتحمل من المشاق أكثر من غيرها، ويتساوى الملوك والسوقة، وتوزع ثروة الأمة بالتساوي بين كل أفرادها؟ فإن كان هذا ممكناً، فلن يجد الإسلام حرجاً في أن يساوي بين الذكر والأنثى في الإرث وغيره، فكما أن المساواة الكلية غير ممكنة، فمن باب أولى ألا تكون المساواة الجزئية أمكن، وهي التي راعاها الشارع في الإرث، وقد قرر الفقهاء أن الأصغر يندرج في الأكبر.
المحور الثاني: مبدأ المساواة في الشريعة الإسلامية:
المساواة من أعظم مبادئ الإسلام الخالدة، التي ركز عليها الإسلام في الدعوة إليها وضبطها، ووضع لها قوانين تفهم على ضوئها، حتى لا يساء فهمها، وتوضع في موضعها الأنسب، وهي في عمقها جزء من دين الإسلام، الذي هو نظام الحياة، الذي ترجع إليه كل المبادئ العامة، وتفهم على ضوئه كل الأحكام الشرعية، وفي هذا السياق لا يليق بنا أن ندعو إلى مساواة فوق شريعة الإسلام، أو أن ندعو إلى مساواة بلا إسلام، لأن الإسلام شريعة ربانية تشمل أحكامها جميع مجالات الحياة، والسؤال العميق لأصحاب المساواة هو: هل أنتم مستعدون لتقبلوا تعاليم الإسلام في جميع مجالات الحياة بما في ذلك المجال الحقوقي والسياسي؟ سيكون الإسلام حينئذ قد أمكنكم من أي مساواة تريدونها.
المحور الثالث: أقسام المساواة:
تقسم المساواة بالنظر إليها من حيث الإمكان العقلي، والاستحالة العقلية، تنزيلاً لحقيقتها في أحوال الخلق إلى قسمين:
ـ المساواة الممكنة: وقد ذكرها القرآن الكريم في مواطن يمكن تحققها، مثل ما كان في قدرة الإنسان ولا يترتب عليه أي مشقة، قال تعالى: {حَتَّى إذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا} [الكهف: 96]، فهنا ذو القرنين سوى بينهما حين رفع السد، وهو عدل بينهما، فهذا جائز في الإمكان البشري، كالدولة حين تسوي في الأعطية بين أطراف تعمل في المجال نفسه سواء كانوا رجالاً أو نساء، أو توزع الهبات بالعدل على المدن والقرى.
ـ المساواة المستحيلة: وهي التي اختص بها الله تعالى ولا يستطيع الإنسان أن يحققها، ولو أعطي ما في الأرض جميعاً، قال تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِّلسَّائِلِينَ} [فصلت: 10].
وقد نبه الشرع في آيات كثيرة على استحالة أن تتساوى الطاعة والمعصية والحسنة والسيئة قال تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْـحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ} [فصلت: 34].
كما يمكن تقسيم المساواة التي راعاها الشارع في أحكامه الشرعية إلى قسمين:
ـ المساواة الجزئية: وهي التي قصد حصولها الشرع في جزئيات المسائل، مثل تساوي الناس في الآدمية والفطرة والخلق، مثل حق التعليم، وقد حث النبي عليه الصلاة والسلام على تربية الناس عليها وفق قانون العدل جاء عن أبي هريرة أن رسول الله عليه الصلاة والسلام قال: «لا يمشي أحدكم في النعل الواحدة»[1].
ـ المساواة الكلية: وهي مساواة على سبيل الكل، لا تظهر للإنسان منذ الوهلة الأولى، لأنها باب لا يلجه إلا الحذاق من الفقهاء، فهي تحتاج إلى اطلاع واسع في فلسفة الشريعة والإحاطة الشاملة بمواردها ومصادرها، فمثلاً قضية الإرث عند التأمل فيها على سبيل عموم الشريعة نجد أن الإسلام حقق فيها المساواة بين الذكر والأنثى، لأنه كما أعطى للرجل ضعف الأنثى فقد أثقل كاهله بواجبات النفقة والرعاية للأسرة، وأسقطها على المرأة، ومنحها حق حضانة الأبناء، فهنا أعطى للذكر المال، وللأنثى الأبناء وتحققت المساواة الإلهية بقوله تعالى: {الْـمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46].
المحور الرابع: مقاصد المساواة:
ينطوي فقه المساواة في الإسلام على أساس مصلحي، يقتضي أن لا يقع التساوي في كل شيء، لأن حصولها بإطلاق سيتعارض مع سنن الله في التاريخ والكون، والمساواة التامة بين البشر في كل شيء لا يترتب عليها حفظ المصالح الاجتماعية مثل التواصل بين الناس، بل إنه يجعل حياة المكلف يعتريها القنوط واليأس، وهناك مصالح إنسانية لن تتحقق بوقوع المساواة بإطلاق، فلو حصلت المساواة سيكلف ذلك خسارة اجتماعية اقتصادية، فيلجأ العامل إلى ترك الخروج للعمل، ما دام أن رب العمل يتساوى معه، ولن يجتهد الكسول ما دام أن المجتهد يتساوى معه، وهو ما يعطل مصالح كثيرة في العالم البشري، وقد تعامل الإسلام مع المساواة بنوع من الوسطية وحسن التصور، فلم يلغها بالمرة ولم يثبتها بالمرة، فهو ألغاها في مواطن، لاسيما إذا حصل فيها مخالفة قدر الله الكوني والشرعي، وأثبتها في مواطن متى حصل للناس فيها مصالح في الدين والدنيا، أو أراد الله تعالى أن يبين فيها قدرته العظيمة، فتكون المساواة التي ترد بمعنى التساوي والتماثل، هي التي تقع في قدرة الله، وأما في العالم البشري فهي غير ممكنة إطلاقاً قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّـسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة: ٤].
وبذلك تجاوز التصور القرآني النظريات المعاصرة التي تنادي بالمساواة بإطلاق دون مراعاة الفروق العامة للإنسان، والاختلاف التام بين الناس في التصورات الفكرية، فيكون بذلك التشريع الإسلامي الأصلح للتطبيق من الناحية العملية، متجاوزاً بذلك التصورات الحديثة التي أصبحت تنادي بما هو غير ممكن، حتى خالفوا الفطرة البشرية والاختلاف بين الناس الذي قصد الشارع حصوله ليتحقق التكامل بين الناس.
المحور الخامس: موانع المساواة:
من ينادي بالمساواة بإطلاق ويغفل عن هذه الموانع وتأثيرها في حصولها ستعتري استقراءه اعتراضات، تمثل في عمقها موانع تمنع تنزيل المساواة في التصور، وهي:
الموانع الشرعية: وهي التي منعها الشرع، وفق الاعتبارات الشرعية، مثل قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْـجَنَّةِ} [الحشر: 20].
الموانع العرفية: وهي التي تمنعها العادات الحسنة، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، مثل الألبسة المتعلقة بالنساء، لا يمكن أن يتساوى فيها الرجال مع النساء، وهو ما قصده النبي عليه الصلاة والسلام، كما جاء عن أبي هريرة قال: «لعن رسول الله # الرجل يلبس لبسة المرأة، والمرأة تلبس لبسة الرجل»[2].
الموانع العقلية: وتتمثل في كون الخلق يحصل التباين في مداركهم في استخدام الطاقة العقلية، وهو ما يتولد عنه الاختلاف في النظريات والمناهج، قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 79].
الموانع الخلقية: اختار الله تعالى الرجل بخواص خلقية لا توجد في المرأة، واختار في المرأة خواص لا توجد في الرجل، فالمانع الخلقي مؤثر في تساوي الرجل والمرأة في كثير من الأحكام الشرعية، ومن يريد أن يحقق المساواة في الأرض، ويرفعها شعاراً ودثاراً، ينبغي أن يعيد أولاً خلق الإنسان بلسانين وأنفين كما خلق الله تعالى الإنسان برجلين ويدين، فإن أمكن فدعوته للمساواة على الرأس والعين، وإن عجز على ذلك، فليعد إلى رشده ويستقم في حدود ما خلق، وليعلم أن مساواته هي عين الفساد، وأن مساواة الله تعالى هي عين الصلاح والتعديل والعدل والاستقامة.
الموانع النفسية: يختلف الناس في استعدادهم لتلقي الأمر والنهي، وقد راعى الخالق هذا الأمر فشرع تكاليف متنوعة، تراعي أحوال الناس، وهو السر في وجود أحكام متنوعة، ليست على وزن واحد، تناسب الاختلاف الحاصل بينهم، فلو لم يكن ذلك لشرع الله تكاليف معينة يساوي فيها بين الخلق، وهو ما لم يحصل في التصور القرآني الذي أتاح الإمكان النفسي لجميع الناس لعبادة الله، قال تعالى: {عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20].
الموانع الكسبية: يختلف الناس في كسبهم للأعمال الحسنة أو القبيحة، فلا يمكن أن يقع التساوي بينهم في هذا السبيل، وهو ما قرره القرآن الكريم في قوله تعالى: {إنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [الليل: ٤].
قال الطاهر بن عاشور: «وموانع المساواة هي العوارض التي إذا تحققت تقتضي إلغاء حكم المساواة لظهور مصلحة راجحة في ذلك الإلغاء، أو لظهور مفسدة عند إجراء المساواة في أحوال تلك المعروضات غير عائد بالصلاح في بابه، ويكون الصلاح في ضد ذلك، أو يكون إجراء المساواة عندها أي عند تلك العوارض فساداً راجحاً أو خالصاً»[3].
ـ موانع تقتضيها السياسة الشرعية التي تقترن بفقه تقدير المصالح: فلا يمكن بأية حال أن تفوض أمور المسلمين لغيرهم في الدولة الإسلامية، إلا على أسس تقتضيها المصلحة الشرعية والمدنية فالأصل في هذا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْـمُؤْمِنِينَ} [النساء: 144]، ولهذا لا يستطيع أحد من الغربيين وإن اختلطت المساواة بلحمه وعظمه، أن يبقى على أصل المساواة، دون أن يخالفها، فيولي المسلمين الأمور العليا للحكم، فهذا غير ممكن، فإن أمكن فإن ذلك يخضع لشروط المصالح السياسية، التي تجعل الإنسان مسلماً بلسانه متبعاً لبلده بقلبه وعقله وفكره ووجدانه.
المحور السادس: العدل والمساواة:
إن المتأمل في القرآن الكريم سيجده كتاباً يشرع القوانين الواقعية التي تجسد العلم الرباني المطلق بتحركات الإنسان في التاريخ والمجتمع، ولا يمكن بأية حال أن تكون سوى نسبية، وقد وجه الشارع الحكيم هذه التحركات البشرية، توجيهاً ربانياً تربوياً، لا يستطيع أن يستوعب فلسفته، إلا من ألغى الهوى، وأثبت العلم وهو شهيد، فأنبأ في تشريعاته أنه لا مساواة بدون عدل، باعتبار أن المساواة لا يمكنها أن تتحقق عملياً إلا بمقياس الإمكان الشرعي وهو العدل، كما أنها بحاجة في تنزيلها إلى الاستقامة والاعتدال.
ويتراءى للناظر أن دعوة الإسلام إلى العدل من أجل ضبط المساواة، وتوجيهها، حتى تستقيم على أركانه، وتندرج في قانونه.
والأدلة على أن المساواة في الإسلام تقوم على ساق العدل:
الأول: أن المساواة تنفى في القرآن الكريم، بينما العدل لا تراه في القرآن الكريم إلا مؤكداً ومثبتاً.
- مثاله في المساواة: ورودها منفية في القرآن الكريم: قال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [النحل: 76].
- مثاله في العدل: قال تعالى: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ } [الشورى: 15].
الثاني: أن الأوامر الشرعية في القرآن الكريم كلها لا يدخلها الاحتمال، وهي واضحة في الدعوة إلى العدل باسمه ورسمه، بخلاف المساواة فلم يأتِ فيها أي أمر صريح باسمها في الشرع، وهو ما يدل على أن تنزيلها يخضع في منطقه لضوابط واجتهاد شرعي وعلمي يقوم به أهل العلم في المجتمع، حتى تتحقق مساواة عادلة بين أفراد المجتمع، تقبلها نصوص الشرع، وقواعد العقل وأصل الفطرة.
وهكذا يظهر أن المساواة في الإسلام لا تتحقق إلا بميزان القسط، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: ٨].
خاتمة
نستنتج مما سبق أن فقه المساواة ينبني على معرفة أمور، منها:
ـ أن المساواة من أهم مقاصد الشريعة، ولا مساواة إلا تحت ظلالها فالشريعة هي الحاكمة على المساواة.
ـ أن المساواة في الشريعة الإسلامية خاضعة لضوابط، ومسددة وفق سنن العدل القرآني.
ـ إن الجهل بفقه الشريعة أورث القصور والنقص، في الوقوف على كثير من المسائل التي ظهر فيها لبعض الناس خروجها عن المساواة الجزئية، ولكن عند التأمل فيها نجد أن الإسلام راعى فيها المساواة الكلية العامة مثل قضية الإرث.
وعليه فإن المساواة تعيش زمن العبث، وتحتاج إلى ضبط الشرع، حتى لا يخرج الإنسان عن جادته، وينحرف عن الفطرة فيساوي بين زوجته وأخته في كل شيء، أو يساوي بين الرجل والمرأة فيجعل المرأة رجلاً والرجل امرأة، وبذلك يخرج الإنسان عن أعظم سنة ربانية قصدها الخالق في حصول التمايز بين الناس الذي تترتب عليه مصالح يتكامل بها الناس، ويخدم بعضهم بعضاً.
[1] أخرجه أبو دواد، كتاب اللباس، باب في النعال، رقم الحديث 4136.
[2] أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب في لباس المرأة، رقم الحديث 4097.
[3] مقاصد الشريعة الإسلامية ص331.
المصدر: مجلة البيان