ردات فعلنا تجاه إفريقيا الوسطى بين الفاعلية والتخدير
السؤال الذي لا نقف عنده كثيرًا كمسلمين، كقادة رأي، كتيارات وقوى، كنشطاء، كباحثين هو: هل أثبتت ردات أفعالنا حيال أي جريمة أو إقصاء أو تغريب أو تغييب يستهدفنا نجاعة تشجعنا على تكرارها؟!
وإذا كنا لا نعي عادة ردات فعلنا الاعتيادية، تعالوا نستعرضها سريعًا:
- بيانات استنكارية من جهات علمائية وجهوية مستقلة، قد تبزها غيرها من بيانات شيوخ رسميين، موالين لنظم فاسدة حول العالم الإسلامي.
- بيانات لمنظمات إسلامية رسمية وحقوقية كذلك لإدانة مثل هذه الجرائم.
- تصريحات وبيانات من بعض وزارات الخارجية في شأن تلك المجازر، إن جسدت حالة إعلامية لا يمكن تجاهلها، ولم تكن لها أثمانها المصلحية.
- حملات دعائية على مواقع التواصل، وحالة تباري واضحة في استعراض أفظع الصور وأشنعها وأقواها تأثيرًا.
- مقالات، وملفات، وتقارير، وبرامج للعاملين في الحقل الإعلامي الإسلامي، بتنوعاته، للتعريف بالقضية وإبرازها إعلاميًا.
- تطوع بعض أهل الخير، أو إجراء عملية غسيل مواقف من بعض الجهات العلمانية النافذة؛ لمد يد العون للاجئين والمنكوبين.
هذه الردات لا ينبغي وضعها دومًا في خانة الشك أو النقد، كونها عمل المقلين المخلصين، أو حتى عمليات غسيل مواقف للمنافقين وغيرهم لا تعنينا حين نراجع حساباتنا كمسلمين أو كمعنيين بتلك القضايا، لكن ما يتوجب العودة إليه في كفة المخلصين هو العودة للتساؤل ذاته: وهل أغنت مثل هذه الأفعال، أو بالأحرى ردات الأفعال، عن تكرارها، أم ظلت في حيز تقليل المآسي ومحاولة تحديدها أكثر؟
بل دعونا نكن أكثر جرأة ونسأل: هل تسهم بعض ردات أفعالنا في تخديرنا، وإشعارنا بأننا قد "استفرغنا المجهود"، وقمنا بالمستطاع وما يتوجب علينا حقًا فعله؟
ونتجرأ أكثر لنقول: وهل ينتظر منا أعداؤنا غير هذه المواقف؛ بل ويستعذبها أحيانًا، ولربما طلب من بعض أدواته أن يفعلوها صراحة بالقول: «سنذبح هؤلاء...، لا مانع لدينا في أن تصدروا بيانًا استنكاريًا»، أو «ما المانع في أن تساهموا في إجلاء بعض المهجرين قسريًا ضمانًا لعدم عودتهم، أو لكيلا نرغم على مساعدتهم بأموال لا نريد تكلفها»؟!
سأكون صادمًا بالقول: نعم.
إن حالة العجز التي حذرنا منها الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: «واستعن بالله ولا تعجز»، تتجسد فينا بشكل واضح في مثل هذه المآسي والفظائع.
لقد اعتدنا حقيقة أن نلجأ إلى المعتاد من ردات الأفعال، مع أن كل تاريخنا يحمل مفاجآت، وابتكارات، وإبداعات، حرص النبي صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون، والأمويون، والعباسيون، والعثمانيون على اتخاذها في إدارة معظم صراعاتهم واشتباكاتهم، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية أو الاجتماعية أو العسكرية مع أعدائهم؛ فَلِمَ تَبَلَّدْنا إلى هذا الحد؟!
والحق أن معظم المعارك، التي يتحقق فيها نصر لطرف ما، رهينة، في كثير من الأحيان، بفرض ميدان المعركة، والاستعداد لها، ومنع حصول الانتكاسات قبل وقوعها، لا سيما لو كان هذا الطرف هو الأضعف أو شديد الضعف؛ مثل حالتنا نحن، أما انتظار هجوم العدو فهو فعل الأقوياء في غالب الأحيان، وهم من يملكون قلاعًا يتمترسون خلفها، انتظارًا ليأس واضطراب المهاجمين؛ فأين قلاعنا في إفريقيا الوسطى أو غيرها؟!
أبرز أسباب هزيمتنا في كل ساحة ومعركة أننا لا ننضج عملية بناء تراكمي لمشروع واعد لنهضة الأمة في كافة مجالاتها؛ فإذا ما عدنا للمشكلة التي بين أيدينا، إفريقيا الوسطى؛ فإن أبسط ما يقال: إن الهزيمة كانت لابد حتمية؛ لأننا أولًا لا نعرف في معظمنا حجم المسلمين هناك، وخضعنا لأوجه التضليل حول ضآلتهم (هم الآن يتحدثون عن احتمال تهجير مليون مسلم أو مئات الآلاف من هناك، من بين أربعة ملايين ونصف المليون، فكيف كانوا أقلية مجهرية في إفريقيا الوسطى إذن؟!)، ولم نمد يد العون التوعوي لهم، ولم نرفع من قدرتهم على مناهضة ما هو قادم، ولا إعلام لدينا حقيقيًا ليكبح جماح المجازر، ولا فكرة عالمية جامعة تحول دون استنساخ ما قد كان كائنًا في عهود الظلام الإعلامي والسياسي السابقة، ولا فكرة إقليمية جامعة لمسلمي المنطقة، ولا مساهمة في إيجاد هيئات إسلامية قوية إقليمية، ولا أوراق ضغط يجري ترتيبها للضغط على القوى العظمى حال اجترائها على اجتراح تلك المذابح ومثيلاتها، ولا جهات يناط بها التأسيس لاستراتيجية عظمى من مراكز بحثية وغيرها... الخ.
إن كل مأساة هي عَرَض لمرض لا يجري علاجه على نحو دقيق وتراكمي بنّاء، وما دامت الجراثيم والقيح موجودة فستظهر دومًا الثآليل، وستنفجر الجراح في كل الجسد، هذا هو التحدي الحقيقي، وأما الطريقة الاعتيادية فقد أنتجت فشلًا تحت فشل، وتراجعًا خلف تراجع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: موقع المسلم