خطوات في تقويم الآباء قبل تقويم الأبناء
كثيرًا ما نُلقي باللوم على أبنائنا عند ارتكابهم بعض السلوكيات، أو نشتكي منهم من أمْرٍ ما، أو نصفهم بالخلل في بعض الأمور، وننسى أن الوالدين هما المنبع الأساس، الذي إذا كان عذبًا كان الارتواء سليمًا، والنبت حسنًا، وإن كان المنبع معكرًا انبعثت منه آثاره السيئة، نعم إذا أردنا أن ننشئ أبناءً أصحاء، يتمتعون بالنفسية السوية، وقدر عال من الاتزان النفسي والتكيف، مع إبعادهم عن الصراعات الداخلية التي تمزق الذات، ونسعى بهم لتحقيق سلام اجتماعي مع الآخرين، دون الاصطدام بالقوانين واللوائح الاجتماعية، فعلينا أن نبدأ بالوالدين، فهم الأساس لتقديم الأساليب الصحيحة، التي من خلالها تنعكس على أبنائهم المفاهيم أمنًا داخليًا وسلامًا خارجيًا؛ لذلك على الوالدين الانتباه إلى عدة أمور:
1- لا بد أن يعلم الآباء أن الأولاد يرصدون حركاتهم رصدًا أشبه بلاقط الذبذبات، فعليهم أولًا أن يتمثلوا العدل في التعامل مع جميع الأبناء بميزان واحد، ذلك العدل الذي يجعل الجميع يشعرون بالأمان، والذي يورثهم الحب بين بعضهم البعض، فالظلم يزرع الكره بينهم، والعدل لا يكون بالاهتمام فقط في منحهم المال متساويًا؛ بل في توزيع الحنان أيضًا والعطف والرحمة والشفقة، ولنا عبرة في قصة يعقوب عليه السلام {إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا} [يوسف:8].
2- حقيقة القدوة الحسنة للوالدين حقيقة خفية، كثيرًا ما لا يشعرون بها، وتخرج من الوالدين، غالبًا، دون قصد، هذه الحقيقة ترصد داخلهم الحقيقي، وتخرج مكنونات نفوسهم وطبائع ذواتهم بغير رتوش، وتخرج منهم على هيئة سلوكيات قد تكون مقصودة أو غير مقصودة، وما زال الأبناء يرصدون كل صغيرة وكبيرة؛ بل ويتأثرون دون الإفصاح عن ذلك.
وقد تكون هذه السلوكيات طيبة وقد تكون عكس ذلك، وقد يخجل الأبناء من التعبير أمام الوالدين عنها؛ لذا على الوالدين أن يكونا النموذج الحسن في عيون أبنائهم، فمنهم يتعلمون الكثير من السلوكيات، ومنهم يتلقون النصائح، وإلا ففاقد الشيء لا يعطيه، فإذا كان الأب، مثلًا، مدخنًا فلا يستطيع أن يأمر ابنه بعدم التدخين، أو إذا كان مهملًا في صلاته فلا يستطيع أن يأمر أبناءه بالمحافظة على الصلوات، ذلك التناقض يُفقِد الأبوين مصداقيتهم عند أبنائهم، ويحول بينهم وبين الامتثال لما يقدمان من نصائح؛ بل ويدفعهم لإظهار حاله التمرد والعصيان تجاه الوالدين.
3- على الوالدين المرونة في التعامل مع مراعاة الفروق الفردية بين الأبناء، فما يصلح لأحدهم يفسد الآخر، وهذه المرونة ليست عشوائية، ولا ينبغي أن تكون حكمًا ناتجًا عن ظن أو عن بعض السلوكيات النادرة؛ بل ينبغي أن يكون الحكم على قدرات الأبناء حكمًا ناتجًا عن ملاحظة دقيقة، وتتبع لطبيعة الولد، وقدراته وتفكيره، وتكوينه النفسي.
4- عليهم اتباع سياسة اللين والتبسط، مع الحزم عند الحاجة، فعلى الأب أن يدرك أن بساطته وتيسيره لشئون الحياة مؤثر إيجابي على تكوين الأبناء النفسي، وأن الشدة والعصبية والتشنج ينشئ نفسية غير مستقرة، كذلك فالحزم عند الخطوط الحمراء والتجاوزات، والحزم في المواقف المهمة هو السبيل الأمثل للتقويم، لكنه حزم الحكيم، بغير إضرار أو أذى أو تعد على قيمة الأبناء المعنوية والشخصية.
5- ما أجمل الأبوان يتحليان بالصبر!، فالابن عمومًا مجادل معاند حتى يحقق رغبته في الشيء، فإن كان هذا مخالفًا لما يريده الأبوان فلا بد من التحلي بالصبر وسَعة الصدر في عرض وجهات نظرهم، ومحاولة إقناع الابن دون إرغامه على ذلك، ولا بد من إفساح الصدر له بالتعبير عن رأيه أولًا دون صده من أن يسمعوه أصلًا.
6- اتباع سياسة التشجيع، والبعد، كل البعد، عن الذم والتوبيخ، مع العلم أن المدح والتشجيع المنضبطين والمقننين إذا لم يفيدا فإنهما لن يضرا، غير أن التشجيع يأتي بآثاره في رفع معنوية الابن؛ بل ويدفعه للمزيد من الأفعال الطيبة، على عكس الذم والتوبيخ الذي يترك آثارًا سيئة في نفس الابن، مع إحساسه بالدونية والإحباط.
7- يجب أن يكون الوالدان متصفان بروح التبسط والتبسم، وربما المزاح أيضًا، فإن روح الفكاهة لا تنافي سياسة الحزم، ولا تنزع من هيبة الوالدين شيئًا، فالابن يقضي كثيرًا من وقته داخل البيت، فلا بد من تلطيف الجو حينذاك عن طريق بعض التعليقات اللطيفة، أو حكايات الطرائف، أو التعليق على المواقف النادرة والحكايات في حدود ما ترتضيه الأخلاق.
8- أن يكون الوالدان قادرين على تحمل المسئولية، فإن أراد الأب غرس وتعليم قدر المسئولية في نفوس الأبناء فلا بد أن يكون هو نفسه الصورة الناجحة أمام أبنائه لذلك.
إن ما ذكرناه يلخص بعض النقاط في تقويم الآباء؛ حيث يعتبر تقويم الآباء هو البداية من أجل أن نَسْعَد بجيل أفضل، فنحصد الثمار الطيبة من الأشجار الطيبة.