logo

جددوا أنفسكم في هذا العيد كما جددتم ثيابكم


بتاريخ : الجمعة ، 6 ذو الحجة ، 1439 الموافق 17 أغسطس 2018
جددوا أنفسكم في هذا العيد كما جددتم ثيابكم

أيها المسلمون:

في حجة الوداع خطب رسول الله في المسلمين الأولين وكانوا بشهادة الله لهم خير أمة أخرجت للناس، فأعلن فيهم بدء حياة جديدة، يتناسون فيها ما كان بينهم من إحن وشحناء، وترات وبغضاء، وتعامل بما لا يرضي الله، واختلاف بالباطل على الأموال، وتعامل بالربا، وخروج عن سنن الإسلام إلى سنن الجاهلية، وبذلك جدد فيهم الأخوة والمحبة والتعاون على الخير، والتعامل بشرع الله وأخلاق الإسلام، وجعل ذلك نظامًا لأمته جميعًا، من حضر منهم تلك الخطبة النبوية العظيمة، ومن غاب عنها، وقد فعل ذلك بأمر من الله، ولذلك أشهد الله على ما فعل، وأمر الذين شهدوا خطبته وسمعوا مقالته أن يبلغ الشاهد الغائب.

وإذا كنا نحن – أيها المسلمون – ممن غاب عن تلك الأوامر والإرشادات المحمدية، فقد أبلغنا ذلك الرواة الثقات العدول.

أيها المسلمون:

إنَّ أمل نبيكم فيكم لعظيم، وإنكم أمة مباركة، أولها خير وآخرها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم في خطبته التي خطبها في حجة الوداع: ((ربَّ مبلغ أوعى من سامع)). وها أنتم هؤلاء ممن بلغتم دعوة نبيكم صلى الله عليه وسلم إلى أن تجددوا أنفسكم في هذا العيد المبارك كما جددتم ثيابكم، فاجعلوا نفوسكم نقية طاهرة، كما جعلتم ثيابكم وبيوتكم طاهرة نقية، كونوا من أمة نبيكم المباركة لتكونوا من أهل الخير، كما كان سلفكم الأول من أهل الخير، وكونوا من أهل الوعي لهذا الإرشاد العظيم لتسعدوا به، ولتكونوا ممن قال فيهم – صلوات الله وسلامه عليه – :((رب مبلغ أوعى من سامع)).

أيها المسلمون:

إنَّ هذا العيد يفرح فيه المسلمون بما كتب الله لإخوانهم حجاج بيت الله الحرام من تجديد في حياتهم، بما خلعوا عنهم من سيئات الماضي وآثامه، وبما عاهدوا الله عليه عندما هتفوا له: (لبيك اللهم لبيك) بأن يكونوا من أهل مرضاته، فهذا العيد هو عيد الفرح بأن هذا الجمع الأعظم من المسلمين الذين حجوا بيت الله الحرام قد طهروا نفوسهم وقلوبهم من درن الآثام، وصاروا من صالحي أمة محمد عليه الصلاة والسلام، وإذا كان هذا مما يفرحنا ونعيِّد لأجله، فلماذا لا نشاركهم في هذا العيد الذي نعقده مع الله عز وجل؟ بأن نكون نحن أيضًا من أهل الخير، وأن نتعامل فيما بيننا بما يرضيه، وأن نتعاون على البر والتقوى؟

أيها المسلمون:

عاهدوا ربكم على ذلك، وجدِّدوا حياتكم، لتلقوا الله وأنتم من أهل السعادة، وإذا عاد إليكم حجاج بيت الله الحرام، فراقبوهم وصاحبوهم، وكلما هفا أحد منهم هفوة تخالف ما عاهد الله عليه، عندما نادى ربه قائلا: (لبيك اللهم لبيك) فذكروه بعهده مع الله، وتعاونوا على ما يرضي الله! لتكونوا بعد اليوم أمة صالحة سعيدة، تعيش الحق وللحق وبما يرضي الحق، جلَّت عظمته وعزَّ سلطانه.

أيها الأغنياء من المسلمين:

إنَّ نبيكم صلى الله عليه وسلم كان يضحي في هذا العيد المبارك بكبشين سمينين عظيمين فإذا صلى وخطب الناس أتي بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه ثم يقول:((اللهم إنَّ هذا عن أمتي جميعًا، ممن شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ)) ثم يؤتى بالكبش الأخر ، فيذبح ويقول: ((هذا عن محمد وآل محمد)). فيطعمهما جميعًا للمساكين، ويأكل هو وأهله منهما.

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يعيش لأمته، ويحمل عن أمته.

فيا من أغناهم الله! اشكروا نعمة الله عليكم بأن تعيشوا أيضًا لأمتكم، وتحملوا عن أمتكم وإنَّ الزمان قد استدار، وإنَّ أمتكم قد عزمت- بحول الله وحسن توفيقه- على أن تبدأ حياة جديدة يدعمها كل فرد منا بما يستطيعه من الناحية التي هو فيها وبالموهبة التي وهبها الله له من مال أو علم أو صناعة أو غير ذلك من نعم الله عليه.

فكلُّ فرد من أفراد الأمة مدعو إلى بذل ما يستطيعه وما يتيسر له من تضحية؛ ليتمتع هو الآخر من مجموع تضحيات.

وعيد الأضحى رمز إسلامي قديم لمعنى التضحية، ولما يجب على المسلم من بذل في دائرة مقدوره، وبمجموع ذلك يكون التعاون، وإنَّ الحياة بهذا التعاون وهذه المحبة تكون جميلة وسعيدة، وفي أيدينا أن نكون من أهل السعادة – إن شاء الله – وهذا العيد المبارك يذكرنا بهذا كله أعاده الله عليكم بالهناء والسعادة، وتحقيق الأماني.

--------------------------------

المصدر: كتاب (موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين)، دار النوادر بسوريا، ط1، 1431هـ، (10/116).