logo

المؤامرة ليست ضد رمضان


بتاريخ : الأربعاء ، 22 رمضان ، 1439 الموافق 06 يونيو 2018
بقلم : سهام علي
المؤامرة ليست ضد رمضان

لما كان رمضان المدرسة التي تخرج المؤمنين الجدد الذين تدربوا في حضنها على الاقتراب من الله والبعد عن المعاصي، بل أن الاقتراب من الله أساسه هو البعد عن المعاصي فالتخلية قبل التحلية؛ وهذا أساس في التعامل مع الله، فالصوم فرضه الله سبحانه لتهذيب النفس أولا ولتعليمها كيف تتقي الله وذلك يظهر جلياً في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]

فبعد فرض الصوم شهراً كاملاً تحبس فيه النفس عن معاصي اللسان فلا غيبة ولا نميمة ولا كذب ولا فحش ولا بذاءة ولا لفظ يحبط العمل ويكفينا حكم الله تعالى في قائل الزور من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم:

«من لمْ يَدَعْ قولَ الزورِ والعملَ بِهِ، فليسَ للهِ حاجَةٌ في أنِ يَدَعَ طعَامَهُ وشرَابَهُ» الراوي: أبو هريرة (صحيح البخاري؛ رقم: [1903]). 

وسلسلة آفات اللسان طويلة، فمن ضبط لسانه لعله ينجو من وعيد الله الذي يصل إلى حد السخط دون أن يدري المتكلم كما في قول الرسول صلى الله عليه وسلم:

«إنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من رضوانِ اللهِ، لا يُلقي لها بالًا، يرفعُ اللهُ بها درجاتٍ، وإنَّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخطِ اللهِ، لا يُلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنَّمَ» الراوي: أبو هريرة (صحيح البخاري؛ رقم: [6478]).

وبالقياس نفسه تكون حساسية المسلم لسائر المعاصي وكيف أن معاصي كل الجوارح الأخرى يمكن أن تبلغ به هذا المبلغ من سخط الله فلا يستهين بآثام البصر ولا آثام السمع وأخطرها على الإطلاق آثام القلب المتعددة مثل الشرك أو القسوة أو النفاق أو الكبر أو الحسد أو الحقد وغيرها.

ولا نجد متآمراً على صوم المسلم مثل تآمر وسائل الإعلام المختلفة وعلى رأسها المسلسلات والأفلام والبرامج التافهة والمغرضة التي لا تهدف إلى ضياع رمضان فحسب كفرصة ذهبية يمنحها الله للمسلم لنيل أعلى الدرجات والحصول على الحسنات؛ بل هي في حقيقتها مؤامرة على محاولة المسلم لإعادة بناء شخصيته بشكل يحقق له عمل مصالحة مع ربه؛ فالمصالحة مع الرب في الحقيقة مصالحة مع النفس والكون لأن الله خلق الإنسان مفطوراً على عبادته وطاعته ومرضاته.

وما من إنسان يستطيع الشعور بالسعادة والانسجام مع ذاته إلا من خلال إصلاح ما بينه وما بين ربه، فالأمر لا يتعلق بالسعادة الأخروية وحسب بل السعادة الدنيوية كذلك.

 

وأستشهد ببعض قول السلف الصالح: "إنا لفي سعادة لو علمها الملوك وأبناء الملوك لقاتلونا عليها بالسيوف"

 

كما أستشهد بالمقارنة بمن مررت بهم سواء على أرض الواقع أو من خلال الكتب بمن يتمتعون بعلاقة طيبة مع خالقهم وبين من نبذوا كتاب الله وحكمه وراء ظهورهم وآثروا الانغماس في الشهوات التي لا تحقق الإنسان أية سعادة حقيقية، فهي أشبه ما تكون بماء البحر الذي كلما ازداد منه شرباً ازداد منه عطشاً، لأنه في نفس الوقت يحرمه الزاد الروحي الذي يمنح النفس الشعور بالقوة على تحمل الحياة بأعبائها المختلفة والرضا بحظه منها، وأهم من ذلك الشعور بالأمن والأمان لأنه يحيا في كنف القوي العزيز، والأمل في حياة أفضل فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

 

فهذا الإنسان الجديد الراقي وليد العطاءات الرمضانية الرافض للإسفاف الإعلامي وما يقدمه من حرب على الدين والفضيلة وتشجيع على الفسق والرذيلة-هذا الوليد الجديد جدير بتدبير المؤامرات لإجهاضه قبل أن يخرج للنور بمزيد من الإغراءات وبمزيد من الفتن، فكيف لتاجر الغواية أن يقبل بالتفريط في زبائنه؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: موقع طريق الإسلام.