logo

أسماء الأبناء، ودَوْرها في تثبيت هويتهم


بتاريخ : الخميس ، 22 جمادى الأول ، 1439 الموافق 08 فبراير 2018
بقلم : أ. سحر شعير
أسماء الأبناء، ودَوْرها في تثبيت هويتهم

أعزائي القراء والمربين، أهلًا بكم جميعًا.

إن الله تعالى جعل للأبناء حقوقًا على آبائهم وأمهاتهم، وخوَّفهم من تضييعها، ومن أول هذه الحقوق وفاءً تسمية المولود، فعن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويُحلق رأسه ويُسَمى» [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح]. 

وقد أُمر الوالدان باختيار الاسم الحسن لابنهما، فقد روى أبو داود بإسناد جيد عن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم» [هداية الله أحمد الشاش، موسوعة التربية العملية للطفل، ص62].

واليوم لا يخفى ما نراه من فوضى الأسماء المائعة، أو تلك التي يكون معيار الاختيار فيها على الجرس والجمال الصوتي، وهي تمثل مظهرًا من مظاهر التخلي عن هويتنا وأصالتنا الإسلامية، خاصةً إذا كان المربي يستحسن حداثتها ومناسبتها للعصر، ويرى أن أسماءنا الإسلامية صارت عتيقة لا تناسب الأبناء؛ بل قد تسبب لهم حرجًا بين زملائهم وأقاربهم!

إن ذلك يعكس خللًا واضحًا في قيم التربية على الاعتزاز بالدين، وتأكيد الهوية الإسلامية لدى المربين، الذين لم يجدوا غير أسماء الفنانين ولاعبي الكرة ليطلقوها على أبنائهم، فيظل الولد طوال حياته يعيش في دائرة التأثر بصاحب أو صاحبة الاسم، وغالبًا ما يقلده ويحاكيه بعد ذلك ويتخذه مثلًا وقدوة.

اسم المرء عنوان أخلاقه وهويته:

قد يعبر الاسم الحسن عن أسماء الصالحين، حتى يستشعر الابن صلاح من تسمى باسمه طوال حياته؛ فينهج نهجهم، ويكون أكثر ميلًا واستعدادًا لاقتفاء أثرهم، أو تلك الأسماء التي تدل على المعاني الطيبة والأخلاق النبيلة؛ فيقترن بالولد طيب المعنى، أو أن يعبر الاسم عن هوية الابن الإسلامية الأصيلة.

فالاسم ذو الملمح الإسلامي يكون بمثابة الإقرار على أن صاحبه من أهل الإسلام، وليس ذلك فقط؛ بل من المعتزين بإسلامهم، الفخورين بهويتهم الإسلامية؛ ولذلك أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أفضل الأسماء التي تعبر بوضوح عن هويتنا وعقيدتنا ومبادئنا، فعن أبي وهب الجشمي، وكانت له صحبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تسموا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة» [رواه أبو داود (4950)، وصححه الألباني].

فأحب الأسماء إلى الله تعالى ما تقرر حروفه أن صاحبه عبد لله تعالى، فيظل صاحبه مستحضرًا طوال الوقت معاني العبودية، خاضعًا لمولاه جل وعلا، وكذلك أسماء الأنبياء عليهم جميعًا الصلاة والسلام، يظل صاحبها مستحضرًا سيرة النبي الذي يحمل اسمه، وما قدم وبذل من أجل إبلاغ الرسالة، وإعلاء كلمة الحق والدين.

القرآن والسنة يوليان اختيار الأسماء عناية فائقة:

يعلمنا الله تعالى ويهدينا في القرآن الكريم إلى شدة الارتباط بين الاسم والمعنى، وأن أثر الاسم قد ينطبع على صاحبه طوال حياته، ومثال ذلك: لما سأل نبي الله (زكريا) ربه ولدًا صالحًا يرث النبوة والعلم من بعده، أجابه الله تعالى ورزقه الولد وسماه الله تعالى اسما يناسب ذلك، قال تعالى: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا} [مريم:7]، قال قتادة وغيره: «إنما سمي يحيى لأن الله تعالى أحياه بالإيمان» [ابن كثير (2/ 38)].

وهذه المرأة الصالحة (امرأة عمران) اختارت لابنتها اسمًا يتناسب مع الرسالة التي نذرتها من أجلها طيلة حياتها، وهي الانقطاع لخدمة الكنيسة، قال تعالى: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ} يعني: العابدة أو خادم الرب في لغتهم. [تفسير القرطبي (4/ 68)].

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم» [رواه مسلم (2315)].

«وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه، من مكان أو قبيلة أو جبل أو شخص، ومن تأمل معاني السنة وجد معاني الأسماء مرتبطة بمسمياتها، حتى كأن معانيها مأخوذة منها، وكأن الأسماء مشتقة منها، ألا ترى إلى خبر (أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها، وعصية عصت الله ورسوله)» [المناوي في فيض القدير (1/ 306)].

بل إن العقلاء قبل الإسلام كانوا يستشرفون المعاني العظيمة فيما يتخيرون من أسماء أبنائهم، ويدركون أن للاسم أثرًا قويًا في شخصية صاحبه، وأن معناه لا بد سينطبع على سلوك الابن وردود أفعال المحيطين به، ومثال ذلك ما ورد عن عبد المطلب جد نبينا صلى الله عليه وسلم، ففي الأثر عن أبي الحسن التنوخي: «أنه لما كان يوم السابع من ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح عنه جده ودعا قريشًا، فلما أكلوا قالوا: (يا عبد المطلب، ما سميته؟)، قال: (سميته محمدًا)، قالوا: (لم رغبت عن أسماء أهل بيته؟)، قال: (أردت أن يحمده الله في السماء وخلقه في الأرض)» [رواه البيهقي].

ولما وقفت حليمة السعدية على عبد المطلب تسأله رضاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لها: «من أنت؟»، قالت: «امرأة من بني سعد»، قال: «فما اسمك؟»، قالت: «حليمة»، فقال: «بخ بخ، سعد وحلم، هاتان فيهما غناء الدهر» [جمال عبد الرحمن، أطفال المسلمين كيف رباهم النبي  الأمين؟].

وما أحسن ما أورده ابن القيم رحمه الله في «تحفة المودود»؛ حيث قال: «وبالجملة فالأخلاق والأعمال والأفعال القبيحة تستدعي أسماءً تناسبها، وأضدادها تستدعي أسماءً تناسبها، وكما أن ذلك ثابت في أسماء الأوصاف فهو كذلك في أسماء الأعلام، وما سمي رسول الله محمدًا وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه، ولهذا كان لواء الحمد بيده، وأمته الحمادون، وهو أعظم الخلق حمدًا لربه تعالى؛ ولهذا أمر رسول الله بتحسين الأسماء فقال: (حسنوا أسماءكم)، فإن صاحب الاسم الحسن قد يستحي من اسمه، وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه، وترك ما يضاده؛ ولهذا ترى أكثر السفل أسماؤهم تناسبهم، وأكثر العلية أسماؤهم تناسبهم، وبالله التوفيق».

خاصية التوجيه الذاتي في الاسم واللقب:

أكد علماء التربية أن اسم الولد ولقبه أو كنيته، التي يناديه بها والداه ومربوه على وجه الخصوص، يكون لها أثر كبير في تشكيل وبناء شخصيته سلبًا أو إيجابًا، بحسب نصيبه من الأسماء والألقاب الحسنة والإيجابية.

وقل ما أبصرت عيناك ذا لقب       إلا ومعناه إن فكرت في لقبه

ولا يكفي أبدًا أن يتمتع الاسم بقالب عصري وجرس موسيقي، أو أن يعبر عن العادات الاجتماعية؛ مثل الولاء لاسم الجد والجدة، ولكن لا بد أن يعبر عن هوية الابن الإسلامية أولًا، إلى جانب المعاني الراقية والفأل الحسن.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه غيَّر أسماء بعض الصحابة؛ لما فيها من سوء المعنى، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم عاصية وقال: «أنت جميلة»، ونهى عن الأسماء التي فيها من التزكية ما قد يدعو صاحبها إلى الكبر والعجب، فعن محمد بن عمرو بن عطاء قال: «سميتُ ابنتي (بَرَّة)، فقالت لي زينب بنت أبي سلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا الاسم، وسُمِّيتُ (برة)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم)، فقالوا: (بم نسميها؟)، قال: (سموها زينب)» [أخرجهما الإمام مسلم في صحيحه].

وكان صلى الله عليه وسلم يتفاءل في أمر الدين والدنيا بالأسماء ذات المعاني الحسنة، ومن  ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما جاء سهيل بن عمرو يوم صلح الحديبية: «سهل أمركم»، وما أخرجه أحمد (6410) أن ابن عمر رضي الله عنه جاءه رجل، فقال: ممن أنت؟، قال: من أسْلَم، قال: ألا أُبَشِّرك يا أخا أسْلم؟ سمعت رسول الله -صلي الله عليه وسلم - يقول: «غِفَارٌ غفر الله لها، وأسلمُ سالمها الله» ، صححه أحمد شاكر.

أسماؤنا الحسنة كم تزعج أعداء الإسلام!

أعزائي، قد لا يتخيل المربي مدى الانزعاج والرعب الذي تثيره أسماء أطفالنا الإسلامية الأصيلة في نفوس أعدائنا، فلننتقل سريعًا إلى الشرق البوذي الوثني الملحد؛ حيث الأقليات المسلمة الأكثر اضطهادًا في شرق آسيا، ماذا تمثل أسماء المسلمين للحكومات الملحدة هناك؟ لنطالع هذا الخبر: (الصين تحظر (22) اسمًا على المسلمين، بينهم صدام، وسيف الدين، وخديجة، وعائشة!).

جاء في الخبر: «نقل تقرير لراديو آسيا عن مسلمين في إقليم (شينجيانغ)، ذي الأغلبية المسلمة، قولهم: إن السلطات في شمال غرب الصين أبلغتهم أن الهدف وراء تغيير الأسماء هو: (محاولة الحد من التطرف بين السكان الإيغور في المنطقة)، وهددت بعدم السماح لأطفالهم الذين يحملون هذه الأسماء بالذهاب إلى المدرسة ما لم يغير آباؤهم هذه الأسماء» [صحيفة الخبر الإلكترونية في 27 سبتمبر، 2015].

يعكس الخبر كيف يدرك هؤلاء الكفار، على اختلاف مشاربهم، اعتزاز المسلمين بأسمائهم الإسلامية، وأن إطلاقهم لتلك الأسماء على أبنائهم جزء لا يتجزأ من التربية الإسلامية الموجهة، وله ما بعده في مستقبل هؤلاء الأبناء، وله تأثيره أيضًا على غير المسلمين من المخالطين لهم في المجتمع.

وفي الوقت ذاته تشير الإحصائيات إلى صعود الأسماء الإسلامية الأصيلة في الغرب المسيحي، وفي بريطانيا تحديدًا حيث الأقلية الإسلامية كبيرة العدد، تتميز عن كثير من دول أوروبا بتوفر مساحة كبيرة من الحرية الدينية للأقليات، يقول الخبر:

(«محمد» أكثر أسماء المواليد شيوعًا في بريطانيا)

«تفوق اسم (محمد)، على اسمي (جاك) و(أوليفر) ليتصدر قائمة أسماء الذكور الأكثر شيوعًا في بريطانيا، حسبما أظهر مسح سنوي نشرت نتائجه أمس الاثنين.

وكان الاسم الأسرع صعودًا في قائمة أسماء الإناث هو (نور)، ليلحق باسم آخر للإناث المسلمات وهو (مريم) في قائمة المئة اسم الأكثر شيوعًا، وتراجعت أسماء أفراد العائلة الملكية في القائمة؛ حيث لم يعد (تشارلز) و(ويليام) و(هاري) وحتى (جورج) بين الأسماء الأكثر تفضيلًا» [جريدة الرياض، الثلاثاء 10 صفر 1436هـ/2 ديسمبر 2014م، العدد:16962].

ولا يخفى ما يعكسه هذا الخبر من تمسك المسلمين هناك بكل ما يعبر عن هويتهم وأصالتهم، ومن ذلك أسماء أبنائهم.

وأخيرًا، أعزائي، إن على المربين أن يأخذوا بكل الأسباب والوسائل التي من شأنها أن تصوغ شخصية الأبناء على النسق الإسلامي الأصيل، وأن يعطوا تسمية الأبناء حقها من الاهتمام، فأسماء الأبناء تعمل بشكل كبير في تثبيت هويتهم الإسلامية، والتي باتت مستهدفةً من كل حدب وصوب، وتسهل عليهم غرس القيم والمعاني العظيمة التي يحملها الاسم ويدل عليها.

ولنطرح جانبًا الأسماء ذات المعاني الهابطة أو أسماء التافهين، أو بحسب الجرس الموسيقي، فما هي إلا إحدى صور استلاب هوية أبنائنا الإسلامية، وهذا ما نرفضه شكلًا وموضوعًا، ولتكن أسماء أبنائنا هي الأسماء التي تعبر عن هويتنا، وتبشر من يلقاهم ويتعرف عليهم  بالخير القادم على أيديهم بإذن الله تعالى.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

- تحفة المودود بأحكام المولود، ابن القيم.

- أطفال المسلمين كيف رباهم النبي الأمين، جمال عبد الرحمن.

- موسوعة التربية العملية للطفل، هداية الله أحمد الشاش.

- صحيفة الخبر الإلكترونية، عدد: 2015.

- جريدة الرياض، العدد:16962.