logo

القضاء على التسويف


بتاريخ : الخميس ، 1 شعبان ، 1438 الموافق 27 أبريل 2017
بقلم : سحر شعير
القضاء على التسويف

"لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد..!":

يا لها من حكمة رائعة تربينا عليها، وكم زينت أغلفة دفاترنا الدراسية، فهل اتخذناها منهجًا لحياتنا؟

في الانجليزية هناك مثل مقابل يقول: "Tomorrow never comesأي «غدًا لا يأتي أبدًا» وستبقى تؤجل..!

إنها عقبة التسويف الكئود، التي قيل عنها: «التسويفُ هو القبر الذي نواري فيه أحلامَنا وطموحاتِنا والفرص النادرة في حياتنا».

 

ماذا يعني التسويف؟:

هي كلمة تصف واحدًا من أكثر الأمراض المنتشرة التي عرفتها الإنسانية وهي واحدة من أكثر العادات مكرًا و غدرًا..

وهي تعني أن تقوم بمهمة ذات أولوية منخفضة بدلا من أن تنجز مهمتك ذات الأولوية العالية أو الميل لتأجيل وأداء المهام و المشروعات وكل شي حتى الغد أو بعده بقليل وفي مرحلتها النهائية عن طريق اختلاق الأعذار، ونظرا لأنه يتم تأجيل كل شيء فإنه لا يتم أداء أي شيء، وأن تم أداءه فإنه سيجيء مبتورا وناقصا وغير مكتمل، ومن ثَمَّ يبدأ الإنسان ينتقل من أزمة لأخرى وتكون المحصلة عدم إنجاز أو إتمام أي شيء بالكفاءة والدقة المطلوبتين..!

 

ما خطورة التسويف والمماطلة في أداء الأعمال؟:

وقد حذرنا الله عزّ وجلّ من أن تدركنا الندامة جرّاء التسويف فيتمنى المرء أن يعود إلى الحياة الدنيا مرة أخرى حتى يدرك عملاً صالحاً ينجيه من الأهوال التي عاينها، قال تعالى: "وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ" المنافقون:10.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبيّ فقال : "كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل»، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك" رواه البخاري.

لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ الْمَوْتُ دَعَا عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، فَقَالَ لَهُ : "اتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ، وَاعْلَمْ أَنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَلا بِالنَّهَارِ لا يَقْبَلُهُ بِاللَّيْلِ، وَعَمَلا بِاللَّيْلِ لا يَقْبَلُهُ بِالنَّهَارِ، وَأَنَّهُ لا يَقْبَلُ نَافِلَةً حَتَّى تُؤَدَّى الْفَرِيضَةُ"

وذكرت إحدى الدراسات الحديثة حول (ظاهرة التسويف وتأجيل الأعمال) لاحظ خبراء معهد التنمية البشرية الفلسطيني، أن المماطلة والتسويف واختلاق الأعذار من أكثر الأمراض خطورة بل وتعد العدو الأول لإدارة وتنظيم الوقت واستثماره بالشكل الأمثل، فلا يكاد المسوف يبدأ في عمل أو مهمة إلا ويتركها مختلقاً الأعذار لذلك، ويسوق مبررات لا يقتنع هو نفسه بها، بل ويحاول أن يقنع الآخرين بها..!

 

ويقول أولئك الخبراء: أن أسوأ ما في المماطلة والتسويف هو تحويلها لنمط من الحياة قد لا نشعر به وذلك بسبب تحوّلها إلى عادة سلبية لا تؤدي إلا لمزيد من الضغوط والمشكلات، ونظرا لأن المسوف يقوم بتأجيل كل شيء فإنه لا يتم أداء أي شيء، وأن تم أداءه فإنه يكون مبتورًا وناقصًا وغير مكتمل.

وذكرت الدراسة أن من أهم أعراض التسويف:

- الخوف الدائم من الفشل.

- ترك العنان للتفكير بحيث تأخذنا الأحلام أو الذكريات بعيدا عن العمل أو المذاكرة مثل التفكير في الإجازة، أو استرجاع ذكريات سابقة أو التفكير بالنوم.

- الاستجابة طواعية للعوائق التي تحول دون إنجاز العمل مثل سيل المحادثات التلفونية اليومية، أو الجلوس لفترات طويلة على الإنترنت لا سيما مواقع التواصل الاجتماعي، متابعة التلفاز لفترات طويلة.

- تركيز الاهتمام على إنجاز الأعمال الثانوية والغير مهمة بدلاً من التركيز على ما يجب إنجازه فقط  .

 

ولكن ما هي أهم الأسباب التي تؤدي إلى تأجيل الأعمال؟:

يرى علماء النفس أن من أهم المسببات النفسية للتسويف التقليل من قيمة الشخص لنفسه أو ما يسمى بضعف تقدير الذات، وأيضا يكثر التسويف بين الأشخاص المنهزمون نفسيًا، وكذلك يعتقدون أن المسوّفين لديهم مستوى أقل من غيرهم في الاجتهاد والهمة ولديهم جنوح للأحلام والأماني في تحقيق الكمال والإنجازات مما يدل على غياب الواقعية في تقديرهم لواجباتهم وكذلك في تقديرهم لما هو متوقع من أمثالهم .

وثمة أسباب أخرى وراء تسويف الأعمال، مثل:

- تأجيل المهام غير المحببة

أن عدم السرور والارتياح من بعض المهام والأعمال يقود الإنسان إلى تأجيلها، وقد يكون هذا السبب من أكثر أسباب التأجيل لدى المديرين والمشرفين في الحياة العملية، ولا شك أن تأجيل المهام غير السارة يزيد من تراكمها ومضاعفة عدم السرور عند أدائها..

- المشروعات الصعبة

كثيرًا ما قمنا بتأجيل المهام الصعبة لأننا، لا نعرف من أين نبدأ..

علينا إذًا أن نتغلب على المهام الصعبة، أو على الأقل نسعى إلى إيجاد حلول لها أولًا بأول، ويمكن لنا أن نجزّئها إلى مهام صغيرة، ثم نسعى إلى أدائها مجزأة.. وهكذا، إن تفتيت المهام أسهل وسيلة لعلاج المشكلات.

- الخوف من الفشل:

إنّ الخوف من الفشل عادةً ما يكون أسوأ من الفشل نفسه، فالفشل ليس أسوأ ما يمكن أن يحدث للإنسان. والأشخاص الذين لا يقدمون على المحاولة فشلوا من قبل أن يبدءوا.

عندما يتعلم الصغار المشي فإنهم يقعون مراراً وتكراراً ويكون السقوط ليس إخفاقاً بالنسبة لهم؛ بل نوْعٌ من التعلم، فإذا نال اليأس منهم، لن يقدروا على المشي مطلقاً. فالأفضل أن يموت المرء واقفاً عن أن يعيش حريصًا على ركبتيه.

إن السفن التي تجوب البحار تتعرض لخطر العواصف لكنها إن ظلت في موانيها ستصدأ على كل حال..! وليس هذا هو الغرض من بنائها. (محمد سعيد مرسي: مفاتيح التميز، ص:94)

 

كيف تتغلب على التسويف وتأجيل العمال؟:

أسهل طريقة لمعالجة المماطلة هي ألا ندعها تبدأ من الأساس ولكن ماذا نفعل إذا تسللت إلى حياتنا؟ إن الأشخاص الناجحين في حياتهم تكون أهدافهم قابلة للتحقيق بأسرع ما يمكن لأنهم قد حددوها بطريقة دقيقة متسلسلة ومقسمة إلى أجزاء، مما يجعل عملية الإنجاز لديهم تسير بأسرع مما نتصور.

- البرمجة على إنجاز الأعمال:

الحل الناجح في تجاوز حالة التسويف أن يشترط الإنسان على نفسه ويستجمع عزيمته متوكلاً على الله تعالى، ويربيها تربية حسنة على التزام أوقات الأعمال، (فإذا عزمت فتوكل على الله)، وأن يتعاهدها كما يقول العلماء القدامى على المشارطة والمراقبة ثم المحاسبة.

 

- مفكرة الأعمال:

من الحلول الواقعية أن تكون للإنسان مذكرة يسجل فيها كل ليلة جدول أعماله للغد، كما تتضمن برنامجا يوميا وأسبوعيا وشهريًا وسنويًا، لتحديد العمل الواجب انجازه، والتزام الإنسان بما اتفق به مع الآخرين على انجازه، وألا يسوف، فهذه من الأمور العملية البسيطة التي لا تحتاج إلا أن يحمل الإنسان نفسه على الالتزام بها.

 

- ابدأ بالعمل فورًا:

بعد أن نضع أهدافنا يجب أن نفكر فوراً في التنفيذ .. وهنا تظهر قدرة الإنسان على اختلاق وتأليف الأعذار .. وأسوأ ما تتميز به عملية اختلاق الأعذار هو أننا وعند لحظة اختلاق العذر نبدأ في الاقتناع بأنه حقيقي، إنها آلية دفاع طبيعية وتلقائية عن النفس تحمي عشقنا لذواتنا خاصة عندما تحركنا القوة الدافعة وتأمرنا لأن نكون مثالين، كما أن عقلنا الباطن يبدع ويتفنن في اختلاق الأعذار وبمهارة فائقة، كيف يمكننا أن نتخلص من عملية اختلاق الأعذار؟؟

    

- قسِّم أعمالك:

 قم بتقسيم العمل إلى خطوات سهلة وعملية.. وتابع تقدمَك عبر أدائك لهذه الأعمال الصغيرة. وليكن شعارُك (دعني أرى), ولذلك أهمية كبيرة في مواصلة العمل

مثال:لو قلت لنفسك: إني سأحفظ كتاب الله فستقف مذهولاً أمام هذا العمل الضخم الذي أنت بصدده وستسوّف فيه كثيراً, ولكن عندما تنظر إلى عمل اليوم بأن تحفظ فقط نصف صفحة من القرآن, فستجد أنه أمر يسير يمكن القيام به. تذكر دائمًا: (القيام بعمل اليوم يمنحك رضا اليوم وفرص الغد(

 

- حدد وقت للإنهاء من كل مهمة:                                        

 تعاهد مع نفسك بأنك لن تغادر مكانك حتى تنتهي من الجزء الذي قررت أن تنهيه لهذا اليوم اكتب قائمة بالأشياء التي تؤجلها دائما …حلل هذه القائمة..لاحظ وجود نمط معين من هذه الأعمال، ثم شجع نفسك واسألها ..ما المشكلات التي سوف أسببها لنفسي حين أؤجل هذا العمل؟

اكتب تلك المشكلات في قائمة ..الآن هل تريد فعلا أن تعيش وسط كل هذه المشكلات؟

 

كافئ نفسك:

اجعل لنفسك حافز يدفعك لإنجاز هدفك .. ثم امنح نفسك مكافأة عند الانتهاء من العمل، كإجازة خاصة إضافية، أو أي شيء أنت تحبه.

 

وأخيرًا عزيزي القارئ الكريم:

والآن حان وقتُ العمل, اخطُ الخطوةَ الأولى.. ابدأ وستندهش من النتائج التي ستحققُها, وتذكّر أن أفضل وسيلة لتلافي الإخفاق والإحباط هي القعود مكتوف الأيدي دون عمل! .. فمن يعمل لا بد أن يخطئ, ولكننا نتعلم من الإخفاق أحيانا أكثر من النجاح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

- مفاتيح التميز:محمد سعيد مرسي

- كيف تتخلص من التسويف: د. ياسر بكار/ شبكة الألوكة