logo

العلاجُ النَّبويُّ للأخطاءِ


بتاريخ : الثلاثاء ، 12 جمادى الأول ، 1436 الموافق 03 مارس 2015
بقلم : سعد العثمان
العلاجُ النَّبويُّ للأخطاءِ

كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، حريصاً على شباب أمَّته،ليسيروا على المنهاج الصَّحيح؛ الذي يوافق شرع الله، وسنَّة رسول اللهصلَّى الله عليه وسلَّم، ولذا كان صلَّى الله عليه وسلَّم ينبِّه الشَّباب،على الأخطاء التي يقعون فيها، أو يحتمل وقوعهم فيها قبل حصولها. ولقد كانتله صلَّى الله عليه وسلَّم طريقة فريدة من نوعها، في معالجة الأخطاء.وإليك بيانها:

 

أولًا: التَّلميح دون التَّصريح:

كان صلَّى الله عليه وسلَّم، يُشهِّر بالخطأ ويذمُّه، ولا يُشهِّر بصاحبالخطأ، ولذلك لم يكن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يواجه شباب أمَّتهبالخطأ أمام النَّاس؛ لأن ذلك يؤدِّي إلى تحطيم شخصيَّة المخطئ، وإذلالنفسيَّته.

عن عائشة رضي الله عنها قالت: رخَّص رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّمفي أمر، فتنزَّه عنه ناس من النَّاس؛ فبلغ ذلك النَّبيَّ صلَّى الله عليهوسلَّم فغضب، حتَّى بان الغضب في وجهه، ثمَّ قال:(ما بال أقوام يرغبونعمَّا رُخِّص لي فيه، فو الله لأنا أعلمهم بالله، وأشدُّهم له خشية)متفقعليه.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: إنَّ نفراً من أصحاب النَّبيِّصلَّى الله عليه وسلَّم، سألوا أزواج النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عنعمله في السِّرِّ؟. فقال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكلاللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. فحمد الله، وأثنى عليه، فقال :(مابال أقوام قالوا كذا وكذا ؟! لكنِّي أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوجالنِّساء، فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي)رواه مسلم.

من خلال الحديثين الشَّريفين، نلاحظ منهجه صلَّى الله عليه وسلَّم، فياستخدامه أسلوب التَّلميح، ومجافاته لأسلوب التَّصريح، في معالجته لأخطاءمن يُربِّي، حتَّى لا تتأثر نفسيَّته، وتحدث أمور عكسيَّة؛ ليست فيالحسبان، فقد تؤدِّي إلى إثارة الشُّكوك، وحصول الضَّغينة والبغضاء، وظهورالعداوة والخلاف.

 

وما أحسن قول الشَّافعي رحمه الله:

 

تغمَّدني بنصحك على انفراد ...... وجنِّبني النَّصيحة في الجماعة

فإنَّ النَّصح بين النَّاس نـــــــــــوعٌ ...... من التَّوبيخ لا أرضى استماعه

ومواقف الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، في هذا الجانب كثيرة، فلا يخفىعلى الكثير خطابه صلَّى الله عليه وسلَّم، في كثير من أحاديثه، حيثيقول: (لينتهين أقوام عن ودعهم الجُمُعات)رواه مسلم. (ما بال رجال يتأخَّرونبعد النِّداء) رواه مسلم. (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء) رواهالبخاري. وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم في حقِّ ابن اللتبية: (ما بال عاملأبعثه، فيقول: هذا لكم، وهذا أُهدي إليَّ) رواه مسلم. وذلك عندما استعملهالنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على الصَّدقة، فلمَّا قدم قال: هذا لكم،وهذا أُهدي إليَّ.

 

ثانيًا: الإيحاء بالغضب:

كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، لا يواجه المخطئ بفعله أحياناً،ولكنَّه!! يغضب لذلك، فيعرف في وجهه، فعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه،قال:(كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، أشدُّ حياء من العذراء فيخدرها، فإذا رأى شيئاً يكرهه، عرفناه في وجهه)متفق عليه.

وروت عائشة رضي الله عنها: أنَّها اشترت نُمْرُقَةً، فيها تصاوير،فلمَّا رآها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، قام على الباب؛ فلم يدخل،فعرفت في وجهه الكراهية، فقالت: يا رسول الله!! أتوب إلى الله، وإلى رسوله،فماذا أذنبْتُ ؟ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم:(ما بال هذه النُّمْرُقَةِ).قالت: اشتريتها لك تقعد عليها، وتوسدها، فقال رسول الله صلى الله عليهوسلم:(إنَّ أصحاب هذه الصُّور يوم القيامة يعذَّبون، فيقال لهم: أحيوا ماخلقتم، ثمَّ قال: إنَّ البيت الذي فيه الصُّور، لا تدخله الملائكة)متفقعليه.

 

ثالثًا: الإقناع بالخطأ:

لقد انتهج الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، أسلوباً رفيعاً في تعليمهللشَّباب، وتقويم أخطائهم، ومن ذلك: عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: (إنَّ فتىً شاباً أتى النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقال: يا رسولالله!! ائذن لي بالزِّنا؛ فأقبل القوم عليه؛ فزجروه، وقالوا: مه.... مه!.فقال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ادن. فدنا منه قريباً. قال: فجلس.قال: أتحبه لأمِّك؟. قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا النَّاسيحبُّونه لأمَّهاتهم. قال: أفتحبُّه لابنتك؟. قال: لا والله يا رسول الله،جعلني الله فداك. قال: ولا النَّاس يحبُّونه لبناتهم. قال: أتحبُّه لأختك؟.قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا النَّاس يحبُّونه لأخواتهم.قال: أفتحبُّه لعمتك؟. قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا النَّاسيحبُّونه لعمَّاتهم. قال: أفتحبُّه لخالتك؟. قال: لا والله، جعلني اللهفداك. قال: ولا النَّاس يحبُّونه لخالاتهم. قال: فوضع يده على صدره، وقال:اللهمَّ اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه، فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفتإلى شيء)رواه البخاري.

فهذا شابٌّ عارم الشَّهوة، ثائر الغريزة، صريح في التَّعبير عن نزواته،فلقيه الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم، بهذا الرِّفق العجيب، والحوارالهادئ، فقام ذلك الفتى مقتنعاً بخطئه، عازماً على عدم الالتفات إليه.

رابعًا: الإشعار بعظِم الخطأ:

 

عن أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال: بعثنا رسول الله صلَّى الله عليهوسلَّم، إلى الحرقة من جهينة؛ فصبَّحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل منالأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكفَّ عنهالأنصاري، وطعنته برمحي حتَّى قتلته، قال: فلمَّا قدمنا بلغ ذلك النَّبيَّصلَّى الله عليه وسلَّم فقال:(يا أسامة!! أقتلته بعدما قال: لا إله إلاالله !) قال: قلت: يا رسول الله، إنَّما كان متعوِّذاً، قال: فقال:(أقتلتهبعدما قال: لا إله إلا الله!) قال: فما زال يكرِّرها عليَّ، حتَّى تمنيتأنِّي لم أكن أسلمت، قبل ذلك اليوم)رواه البخاري.

ولما أرسل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بعض السَّرايا، بعد فتحمكَّة، يدعون النَّاس للإسلام، ولم يأمرهم بالقتل، وبعث خالد على رأسسريَّة داعياً، ولم يأمره بالقتال، فوصل إلى بني جذيمة، فوضعوا السِّلاح،فأمر بهم خالد؛ فكُتِّفوا، ثم عرضوا على السَّيف، فقُتل منهم من قُتل،فلمَّا انتهى الخبر إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، رفع يديه إلىالسَّماء وقال:(اللهمَّ إنِّي أبرأ إليك؛ ممَّا صنع خالد) رواه البخاري.

 

فقد أخطأ خالد رضي الله عنه في اجتهاده، فيما أقدم عليه، فكان تبرُّؤالرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم من فعل خالد رضي الله عنه ، مشعِراً بعظمالخطأ؛ الذي وقع فيه خالد. 

أختم مقالي بهذه الكلمات:

(لقد انتصر محمد بن عبد الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يوم أن صاغ من فكرةالإسلام شخوصاً، ثمَّ حوَّل إيمانهم بالإسلام عملاً، ثمَّ نسخ من المصحفعشرات النُّسخ.. بل مئات.. بل ألوف..ولكنَّه!!لم ينسْخها بمداد من الحبر،على صفحات الورق، وإنَّما نسخها بمداد من النُّور، على صفحات القلوب، ثمَّتركهم يتعاملون مع النَّاس.. فيأخذون ويعطون..فيراهم النَّاس.. فيرون الإسلام من خلالهم، هؤلاء هم أصحاب النَّبيِّ عليهالصَّلاة والسَّلام، الذين ربَّاهم على يديه، ونشَّأهم على عينه، والحقيقةهي معجزة، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، في فترة وجيزة، في عُمُرالزَّمان، استطاع أن يحوِّل هؤلاء النَّاس البُسطاء، من رعاة للغنم، إلىقادة وسادة للأمم).

المصدر: موقع المسلم