logo

إلى كل زوجين: ليس كل صمت حكمة


بتاريخ : الاثنين ، 8 رمضان ، 1437 الموافق 13 يونيو 2016
بقلم : سلوى المغربي
إلى كل زوجين: ليس كل صمت حكمة

كثيرة هي المشاكل الأسرية، ولا يكاد يخلو بيت منها مهما كانت درجة سعادته أو تفاهم أطرافه، وتنشأ كثير من هذه المشكلات من قلة الحوار بين الزوجين أو انعدامه.

ولعل أكثر من يشتكي من ذلك هن الزوجات بنسبة تفوق شكوى الرجال بمراحل كبيرة، فمِن الزوجات مَن تئن من صمت زوجها، وتضيق ذرعًا من ويلاته وآثاره، وترى أنه عنصر من عناصر التكدير على الجو الأسري؛ بل وعلى العلاقة الزوجية كلها، وهناك من تصرح بهذه الشكوى لغيرها في محيطها الداخلي، وتكثر مثل تلك الشكاوى في أبواب الاستشارات على المواقع التربوية.

وتشكو بعض الزوجات من طبيعة الزوج وتقول: زوجي شغوف جدًا بسماع من يتحدث إليه، وبطبعه مولع بحل المشاكل والصعاب، وهو مستمع جيد إلى الآخر، وهذه ميزة لا أنكرها فيه، ولكن مشكلتي معه عندما أبدأ في الحوار معه بما يخص البيت، أو الأبناء، أو الميزانية، أو أي شيء يتعلق بالمنزل، أشعر وكأنني أقص على طفلي حكاية من حكايات قبل النوم، ويبدأ زوجي في النوم شيئًا فشيئًا إلى أن يغط في نوم عميق، لا يفيق منه إلا صباح اليوم التالي.

وتقول أخرى: زوجي لم يعد يهتم بي، فهو لا يستمع إلي، ولا يصغي لحديثي، وإذا رغبت في مناقشة أي موضوع معه تحجج بأنه مشغول بما هو أهم، رغم أنه قد يكون مشغولًا بمشاهدة التلفزيون، أو الجلوس لساعات طويلة على الانترنت، أو محادثة أصدقائه في الهاتف، أو لا يعمل أي شيء من هؤلاء مطلقًا.

وبالفعل، فللزوج أو الزوجة الحق في الشكوى من الطرف الآخر الصامت دومًا، إذا جاوز ذلك الصمت الحد المعقول والمقبول؛ لأن الإنسان كائن اجتماعي بفطرته، يحب أن يتحاور، ويشاركه من يقتسم معه الحياة حديثًا بحديث، وفكرة بفكرة، ورأيًا برأي.

وللنساء الحق في الشكوى أكثر من الرجال؛ إذ إن فطرة النساء تختلف عن الرجال في الطبيعة النفسية، فالرجل يستطيع التحكم والسيطرة على مشاعره وعواطفه أكثر من المرأة، وعلى العكس؛ نجد المرأة، في العموم، أكثر رقة في المشاعر والأحاسيس، وتغلبهما دومًا على العقل.

وطبيعة الرجل تميل أكثر إلى الإيجاز والإنجاز، والتحدث في صلب الموضوعات، ويفضل أغلبهم الصمت الطويل, بعكس المرأة؛ التي هي بطبيعتها كثيرة الكلام، وتتحدث في أدق التفاصيل، حتى وإن كانت ليست على درجة كبيرة من الأهمية، ولا تمل من تكرار الحديث في نفس الموضوعات بنفس الحماس، ولديها القدرة على استرجاع أحداث مرت عليها عشرات السنين، فتذكرها بأدق تفاصيلها.

وبوقفة متأنية، غير متحيزة، مع تلك القضية نستطيع مناقشة بعض الأفكار والتصورات حول قضية الصمت الزوجي، لفهم بعض الدوافع النفسية التي تدفع الزوج للصمت.

فللصمت عند بعض الرجال عدد من الأسباب المنطقية، التي من الممكن قبولها واحترامها، ومن ثم التعايش والتكيف معها، لكي يستريح الطرفان، ومنها:

أن يكون الصمت طبيعة سلوكية متجذرة فيه، فلا يكون صمته داخل البيت فقط؛ بل مع الجميع، فمن الرجال من يكون الهدوء الشديد أحد سماته الأساسية والواضحة في شخصيته، فمهما كانت درجة سخونة الحديث المثار أمامه لا يشارك إلا بكلمات معدودات، وتكون ردوده قليلة وبسيطة؛ فبالتالي فلا توجد مشكلة أصلًا مع الزوجة لكي يُبحث لها عن حل.

دائمًا ما يكون البيت بالنسبة للزوج هو العش الهادئ، الذي يريد الدخول فيه كي ينال قسطًا من الراحة والاسترخاء؛ ليستريح من عناء يوم شاق من العمل، استنفذ معظم طاقته في التحدث طويلًا لإيجاد حلول للمشاكل التي لا بد أن يقوم بها بنفسه، فإذا عاد إلى البيت تمنى أن يصمت كل شيء حوله، وأن تنال أذناه قسطًا من راحتها، وأن يقف عقله عن التفكير قليلًا في إيجاد حلول أو استيعاب مشكلات.

فإذا عاد الزوج بعد ذلك اليوم الشاق، ووجد الصخب والإزعاج يملأ البيت، ووجد زوجة تريد أن تتحدث معه في كل كبيرة وصغيرة، عن البيت، وعن الأبناء ومشاكلهم ومتاعبهم ومعاناتها معهم، وعن جاراتها وما حدث بينهن، وعن علاقاتها مع أهله أو أهلها، وما نجم عنها من توترات؛ بل وعن مشاكل العالم بأسره، وقتها سيؤثر الصمت، ويجعله ملاذه الآمن من توابع حوارات مرهقة بلا توقف أو هدنة.

يمكن أن تتسبب الزوجة نفسها في إيجاد ذلك الصمت واستمراره، حتى يصير عادة بينهما، ويكون ذلك بإلقائها اللوم والعتاب والتبعات باستمرار على كاهل زوجها إذا تحدث معها في أمور تخصهما؛ بل تكرر إحداهن لزوجها دائمًا بأنه كان السبب في حدوث الصعاب التي مرت بالأسرة، وأن تصرفه كان خاطئًا لأنه لم يستمع أو يستفد من نصحها إياه، فيجد كثير من الأزواج الصمت أفضل وأسلم الحلول للخروج من مناقشات تفتح دائمًا أبوابًا للمشاكل قد لا يحسنا إغلاقها بحكمة.

وفي بعض الأحيان يلجأ الزوج إلى الصمت بعد تجارب حوارات بينه وبين زوجته، فكان من نتيجتها أن وجد أن كل ما أسر به إليها قد تم إفشاؤه في محيط العائلة أو الجيران، فتضعف الثقة بينهما؛ بل في كثير من الأحيان تُفقد من الأساس، فيجعله ذلك في شعور دائم بعدم ائتمانها على ما يجول في عقله وصدره وخاطره وأسراره، فيقرر الصمت إلى الأبد؛ حرصًا منه على نفسه وكيانه وكرامته أمام الآخرين.

وربما يكون اختلاف الثقافة والفكر والمستوى العلمي بين الزوجين عائقًا عن وجود حوار، فيجد أحد الطرفين، غالبًا الزوج، أن الحوار غير مثمر، ويتسم بالسطحية الشديدة؛ مما يؤثر على درجة التفاهم بينهما؛ ومن ثم يقل الحديث لدرجة أن يصل، عند بعض الأزواج، لحالة تسميها الزوجات بـ(الخرس الزوجي).

وفي الجانب الآخر، فللمرأة كل الحق في شكواها من صمت زوجها، إذا بالغ فيه، ولها أيضًا أسبابها المنطقية في أن تطالب بحقها الطبيعي والبسيط في الحوار مع شريك حياتها؛ لعدة أسباب، منها:

  • ما جاء من نتائج لدراسات سلوكية حديثة للرجال والنساء، والتي فسرت كثيرًا من الظواهر, فمنها ما نشرته صحيفة "بيلد" الألمانية أن متوسط عدد الكلمات التي تنطق بها النساء في اليوم الواحد يبلغ عشرين ألف كلمة, بينما لا يتجاوز العدد لدى الرجال سبعة آلاف كلمة!!، ومنها ما ذكرته جريدة الجزيرة عن دراسة الطبيبة الأمريكية في الأمراض العصبية بريزيدين لوان (Louann Brizendine) ونشرتها في كتابها (مخ الأنثى)، والتي أثبتت فيها أن السبب في كثرة كلام المرأة، ودقة تذكرها للأحداث، يرجع إلى أن مخ الأنثى يحتوي على 11 % من الخلايا العصبية أكثر من الرجل، وبخاصة في المنطقة المسئولة عن مراكز الإحساس والذاكرة، ولهذا ينبغي على الرجل أن يلتمس لها العذر في ذلك، وأن يتفهم ذلك منها.
  • شعور الزوجة بالمسئولية تجاه زوجها، ورؤيتها أن من واجبها تجاهه، إذا وجدته حزينًا أو مهمومًا، أن تخفف عنه ضغوطه، فتحب أولًا أن تعرف سبب ذلك، فتلاحقه بالحديث، وتسأله عما يشغل باله للتخفيف عنه، وإخراجه من حالته النفسية المتعبة، وربما لا يكون الزوج لحظتها مستعدًا للحوار فيتضرر منها.
  • كثرة انشغال الزوج خارج بيته، وتركه زوجته فترات طويلة وحيدة تجعلها تنتظر لحظة وصوله إلى المنزل بفارغ الصبر؛ كي تفرغ شحنتها الداخلية قبل الانفجار، وهذا من حقها على زوجها أن يستمع إليها.
  • الضغوط اليومية والحياتية وعبء تربية الأبناء، وتحمل الزوجة لمسئوليات وأعباء البيت، غالبًا، بمفردها, تجعلها تقع تحت عبء نفسي كبير، يزيد من احتياجها لعودة زوجها لتجد من تتحاور معه؛ ليساعدها في حل بعض الأزمات التي تواجهها طيلة اليوم.
  • الفراغ الذي يملأ حياة بعض الزوجات يجعلها لا تنشغل بأشياء مهمة نافعة تقضي فيها أوقاتها بما يفيد, وخاصة بعد انتشار كل الوسائل التكنولوجية الحديثة في إعداد الطعام أو الملابس ومستلزمات البيت، وانتشار للخادمات في عدد من البيوت؛ مما أوجد وقت فراغ طويل للمرأة، فتحتاج لزوجها لملء ذلك الفراغ؛ حتى لا تصرفه فيما لا يفيدها ولا يفيد علاقتها الزوجية؛ مثل قضاء الوقت، بغير فائدة، على الانترنت والهاتف وغيره.
  • انحصار دائرة معارفها وعدم وجود صديقات أو أخوات تتحدث إليهن عن مشاكلها اليومية الطبيعية، وعدم الزيارات الأسرية التي تخفف من الضغط النفسي على الزوجة والأولاد، ويزيد ذلك إذا كانت الأسرة مغتربة أو منعزلة، ويزيد أيضًا إذا كانت الزوجة ذات طبيعة غير اجتماعية، أو إذا تعرضت لمشكلات في التعامل مع الناس في السابق؛ فبالتالي تكون حاجتها لوقت أطول مع زوجها.

همسة في أذن الزوجين:

خطوة هامة قبل بداية الحل:

بداية لا بد من معرفة أن أية مشكلة تقع بين الزوجين يمكن أن يكون لها حل، بشرط تفاهم الزوجين ورغبتهما معًا لتجاوز هذه المشكلة، فمجرد الشعور بوجود مشكلة في حياتهما الزوجية، والشعور بالحاجة لإيجاد حلول لها يعتبر خطوة كبيرة على طريق الحل، ويكمن الحل في تعاونهما معًا دون إشراك غيرهما فيه، فما من مشكلة يتدخل فيها أطراف غير الزوجين إلا وتتسع وتتضخم، ويصعب الوصول لحل فيها، فالخطوة الأولى أن يحاول الزوجان دائمًا تجنب إدخال ثالث بينهما في معالجة مشكلاتهما.

الخطوة الثانية:

أن تفكر الزوجة في أسباب الصمت، فربما لا تختار الزوجة فعلًا الوقت المناسب للحديث، أو لعلها تكثر ترداد نفس الكلمات والأفكار والشكاوى، ولا بد لها أن تتفكر: هل ساهمت الزوجة بطريق مباشر أو غير مباشر في صمته؟, وتحاول أن تتفهم مواقفه.

وعلى كل زوج أن يعرف حق زوجه عليه، ويراعي حقها في أن يستمع إليها، حتى لو لم يكن حديثها بالمفيد الإفادة الكبيرة، وليكن له في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة.

وليتدبر كل زوج موقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حين أنصت باهتمام بالغ لحديث زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها، وهو الحديث الذي روي في الصحاح، والمعروف بـ(حديث أم زرع).

وليتدبر كيف أنصت النبي لحديث طويل دار بين نساء، ونقلته زوجته له، مُظهرًا اهتمامه ومتابعته، رغم ما يحمله من أعباء جسام، ومهام عظمى لن يحمل مثلها مطلقًا أي رجل بعده من المسلمين، ثم رد عليها بعدما انتهت برد يدل على أنه استمع ودقق في الأزواج، واختار أن يقول لها: «كنتُ لكِ كأبي زرعٍ لأم زرعٍ».

يجب أن يعي الزوجان أن أية حلول توضع بينهما لم ولن تُحدث انقلابًا في أي شخصية منهما، فلن يُصبح نادرُ الكلام طويلُ الصمت مكثرًا للحديث بين عشية وضحاها, وأيضًا لن تصبح الشغوفة بالحديث صامتة تمامًا؛ بل يجب أن يعي الزوجان أن الهدف من هذه الحلول الدخول في المنطقة الوسطى لكي يلتقيا, فيتقارب كل طرف من الآخر، فتتخلى الزوجة قليلًا عن رغبتها في تناول الأخبار بكل تفاصيلها الطويلة والممتدة، وتختار الأوقات المناسبة للتحدث فيها، وفي المقابل يتخلى الزوج عن رغبته في الصمت المطبق، الذي يُشعر من معه بالوحشة في وجوده، فضلًا عن الوحشة في غيابه.

يجب أن يعي الزوج ملمحًا في غاية الدقة، وهو أن إنصاته إلى كلام زوجته يحتل عندها الدرجة الأولى من الأهمية أكثر بكثير من أن يجد لها حلولًا،فهي لا تنتظر منه إيجاد الحلول عندما تشعر بحاجتها للحديث معه؛ لأنها بمجرد أن تتحدث إليه في أي شأن خاص بها، وتجد منه اهتمامًا وسعة صدر وصبر على حديثها تستريح، حتى لو لم يتكلم بعدها إلا كلمات معدودات، فإذا أنهت حديثها ولم تر على زوجها التذمر والتأفف، ووجدته مستوعبًا لاهتماماتها، مهما كانت بسيطة، تصبح بعد هذا التفريغ النفسي في لحظة استعداد لتقبل كل رأي منه، وتستمع بإنصات لتحليله العملي والمنطقي الذي يتميز به الرجال، وتتقبل رأيه بكل ارتياح وهدوء؛ لهذا يُسعدها أن تجد فيه ذلك المستمع المتفاعل مع حديثها، قبل أن يُقدِّم لها الحل بطريقة مقتضبة؛ لأن طبيعته في الحوار (المختصر المفيد).

وختامًا، أختي الزوجة، إذا لم يكن زوجك من أهل الصمت، وجاء يومًا مهمومًا أو حزينًا فسألته عن سبب ذلك فطلب منك إرجاء الحديث لفترة فلا تكثري عليه الأسئلة، أو تلحي عليه، واتركيه يدخل كهفه لينعزل قليلًا ليهدأ، وساعتها سيعود إليك، ويسر لك بسبب ما أهمه وما أغمه، فهذه من دقائق طبيعة معظم الرجال، الذين يحتاجون لخلوة لا يقطعها عليهم أحد.

موقع المسلم