logo

أكذوبة تمني الطفل المثالي


بتاريخ : الخميس ، 28 رجب ، 1440 الموافق 04 أبريل 2019
بقلم : أحمد الكودي
أكذوبة تمني الطفل المثالي

الأمم الواعية حين تشعر بأزمة في أبنائها، ونقص في الفاعلية والإنجاز، فإن أول شيء تفعله هو قيام الخبراء فيها بفحص القيم الثقافية السائدة والنظام التربوي القائم؛ باعتباره مسئولًا عن المخرَجات البشرية.

من أولى الخطوات لفحص النظام التربوي القائم: فحص القناعات التربوية السائدة في المجتمع، وربما كانت هذه القناعات غيرَ مُتلفَّظٍ بها، لكن تبدو وكأنها مستقرة في العقول، وتظهر من خلال الأفعال؛ ومن هذه القناعات (تمني الطفل المثالي)!

كثيرًا ما تسمع من الآباء مدحًا لطفل حتى تظن أنه يتكلم عن طفل من الجنة، وقد يكون بطل الحوار ابنَك أنت، وتظل توضح له أن طفلي ليس بهذه الصورة، وأنك لا تشاهده بالصورة الكاملة.

ثم يتحول ليتحدث عن أبنائه، ويصبُّ عليهم كيلَ الاتهامات، التي هو جزء منها، ويصرح بأمنياته: ماذا لو كان ابني مثل ابن فلان؟

أظن أن هذا المشهد متكرر؛ مشهد الشكوى والاعتراض، مشهد تمني الطفل المثالي.

هل حقًّا يوجد طفل مثالي؟ وما أسباب هذه القناعة؟ وما أثرها على أفعالنا؟ وكيف نتصرف تجاه أخطاء أبنائنا؟

هل حقًّا يوجد طفل مثالي؟

إن المثالية حُلْم جميل مريح؛ لكنه حلم لا يمكن تصديقه، ومن العجيب أن المتأمل في مقصد بعض الآباء للمثالية يراه يقصد عيبًا لا ميزة على الحقيقة؛ يرى طفلًا مطيعًا في نظره، هادئًا في تصوره، فيتمنى مثله، ولا يدري أن هذا الحد من الطاعة والهدوء قد يكون خللًا نفسيًّا، ربما تحوَّل عند المراهقة إلى تمرد وعنف، وقد سمعنا بعض المربِّين يهنئ من رُزق بولدٍ عنيد؛ لما يصحبه من صفات إيجابية من القيادة، وعدم المسايرة العمياء للمجتمع، والنجاح والتفوق في أغلب الأحيان.

قُمْ بهذه التجربة بنفسك:

سَلْ مَن تظن في أبنائهم المثالية؛ بل سل كبار العلماء والمفكرين عن طفولته، أظن أن جوابهم سيكون صادمًا إلى حد كبير؛ بل ستعلم ساعتها أن خُلوَّ مراحل الطفولة من الإزعاج وهمٌ كبير، لا مكان له واقعيًّا.

بل إن فهمنا للدنيا يتعارض تمامًا مع مفهوم المثالية؛ فالابتلاء لا يجتمع مع مثالية المجتمع (رجاله، نسائه، أطفاله)؛ لكن اعترافنا بعدم المثالية لا يُعفيك من المسئولية.

إن أفضل الآباء الذين أعرفهم يشتركون في أنهم لا ينتظرون الأداء المثالي من أبنائهم؛ بل يعلمون أن لا أحد كامل.

وما هي أسباب أكذوبة تمني الطفل المثالي؟

يتعامل بعض الآباء مع تربية أولاده بنفسية المنافسة الرياضية؛ فينتج عن ذلك تتبع لأبناء العائلة، ومطالبة أبنائه بالتميز والمنافسة، وهو بهذا لم يلمح إلا تفوق الأقران، ولم يشاهد عيوبهم؛ لكن الآباء المميزين لا ينافسون في تربية أبنائهم؛ لعلمهم بالفروق الفردية التي أنعم الله بها على كل فرد.

وإذا تصور الأب قدر الضغط الذي تسبب به ليظهر للمجتمع متفاخرًا بتربية أبنائه؛ حيث يشعر أبناؤه أنهم مجبَرون على التصرف بصورة معينة؛ حتى يتسنى للأب التمادي في التفاخر.

وسرعان ما يكبر الأولاد ليصيروا مجانين بالمنافسة، التي تطغى على قيمة التعاون، وقد تُفسِد عليهم عَلاقات وصداقات حميمة.

إن مما يجعل الآباء يتصرفون بهذه النفسية إحساسًا داخليًا بعدم الأمان، وضعف الثقة بمهاراته التربوية.

أثر أكذوبة تمني الطفل المثالي على أفعالنا:

أكذوبة تمني الطفل المثالي هي الأب الروحي لكل التجاوزات التي تحدث في بيوتنا:

1- المطالبة بالمثالية:

ويظهر هذا في تعييره بأخطائه وزلاته؛ فبعض الآباء إذا غضب من ابنه اجتر من ذاكرته قائمةً طويلة من الأخطاء الماضية، وهذا ليس سلوكًا تربويًا.

2- إرهاقه بتعليمات وتوجيهات ونقد مستمر:

فكثرة التوجيهات والتعليمات تقتل روح المبادرة، وتُصيب بفتور وتبلد في الحِس؛ فالنقد الدائم يهدم ولا يبني، ويحدث التصادم الذي يقطع روح التربية؛ ألا وهو: بناء العلاقة.

3- حرمان الطفل من التقبل:

الطفل بحاجة إلى الشعور بأنه مقبول لدى والديه وأسرته، وكذلك في المدرسة، كحاجته للاحترام والتقدير والحب، وكلما كان الطفل مقبولًا في محيطه وبيئته، كان سلوكه أكثر تهذيبًا ووعيًا؛ لأنه يشعر بثقةِ مَن حوله، ولا يريد أن يخسر تلك الثقة.

4- فقدان الاتزان الانفعالي:

وما يترتب عليه من الأساليب الخاطئة؛ من ضرب وصُراخ وشتم، وتأنيب ومقارنة؛ ولهذا ينبغي مقارنة الطفل بنفسه، ثم تشجيعه على تحسنه المستمر، وعلى أدائه الحالي مقارنةً بالسابق.

5- ضعف الثقة بالنفس والشعور بالدونية:

كنت في يوم أجلس مع شباب في سن الثانوي والجامعة في دورة، وكان السؤال الموجه إليهم: ما هي نقاط قوتك؟ وما هي نقاط ضعفك؟

لكن العجيب أن أغلبهم أو كلهم عجز عن كتابة نقطة قوة واحدة عن ذاته؛ مع أنهم يمتلكون نقاط قوة؛ منهم مَن كان خاتمًا للقرآن، ومنهم من كان في كليات القمة؛ لكن وجدتُهم جميعًا كتبوا نقاط ضعف عن ذواتهم.

ولما سئلوا عن أسباب ضعف الثقة كان أغلبهم يعود باللائمة على أسرته وتربيته.

وكيف نتصرف تجاه أخطاء أبنائنا؟

1- أن نتقبله كما هو في الواقع، وليس الصورة المثالية التي نتمنى أن يكون عليها، وأن نُظهِرَ له المحبة والتقدير، ونُشعِره بقيمته، وأنه مهم على الرغم من عيوبه وأخطائه.

2- نبدأ بغرس وتعزيز السلوك الإيجابي، وتعديل السلوك السيئ الذي يمكن تعديله، وتخفيف وتقبل السلوك السيئ الذي لا يمكن إزالته.

3- عدم انتقاده باستمرار؛ فالنقد الدائم يهدم ولا يبني، والحرص على عدم التصادم معه ما أمكن ذلك، واستخدام الأسلوب غير المباشر في التنبيه على الخطأ.

موقع: الألوكة