logo

نصوص فُهمت خطأ .. ساعة وساعة


بتاريخ : الخميس ، 24 محرّم ، 1440 الموافق 04 أكتوبر 2018
بقلم : د. عامر الهوشان
نصوص فُهمت خطأ .. ساعة وساعة

الإيمان بنصوص الشرع من آيات وأحاديث، واعتقاد كونها من عند الله، أوحى بها إلى خاتم الأنبياء والمرسلين، ليست نهاية المطاف في رحلة الإيمان؛ إذ لا بد من فهم صحيح لتلك النصوص على حسب مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ومن ثم العمل والتطبيق بتنفيذ ما أمر الله به في القرآن، ورسوله الكريم في السنة، واجتناب نواهيهما.

والحقيقة أن الفهم الصحيح للنصوص الشرعية هي نقطة الارتكاز وواسطة العقد في حسن العمل وكمال التطبيق، كما أن الأهم هو أن الأجر والثواب لأي عمل في دين الله مرتبط بشكل وثيق بالأداء المنبثق عن فهم صحيح لأوامر الله ورسوله ونواهيهما، ففي كثير من الأحيان يحرم الفهم الخاطئ للنصوص صاحبه من الأجر والثواب؛ بل ربما يترتب عليه إثم ومعصية وعقاب.

أمران اثنان ساهما في استمرار انتشار ظاهرة الفهم الخاطئ لبعض نصوص كتاب الله وسنة رسوله الخاتم صلى الله عليه وسلم بين المسلمين حتى الآن، هما:

- ضعف التزود بالعلم الشرعي وقلة القراءة وندرة المطالعة في كتب التفسير وشروح الحديث، التي تكشف عن مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في بعض النصوص، التي قد تشكل على البعض أو لا تُفهم بشكل صحيح من الوهلة الأولى، رغم توفر أداوت التعلم، وسهولة الوصول إلى المعلومة الشرعية الصحيحة بلمسة يد أو كبسة زر.

- ترويج أعداء الإسلام لتلك المفاهيم الخاطئة، والعمل على نشرها بمختلف السبل والوسائل، وفي مقدمتها وسائل الإعلام والقنوات الفضائية، التي تقحم مثل هذه المفاهيم الخاطئة في المسلسلات والأفلام و...

أولى النصوص التي فهمت خطأ، ولا بد من بيان معناها الحقيقي الصحيح، جزء من حديث نبوي شريف «ساعة وساعة»، والذي تحول بعد التشويه والتحريف المتعمد من قبل أعداء الإسلام، وبعد إلقاء بعض المسلمين سمعهم لكل ناعق، وترك الرجوع إلى مصادر شرح كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الكثيرة والمستفيضة، إلى ذريعة لارتكاب المحرمات واقتراف الموبقات، والخوض في لجة المنهيات وربما الكبائر.

نص الحديث الذي يتضمن هذه الجملة النبوية أورده الإمام مسلم في صحيحه، عن حنظلة الأسيدي، وكان من كُتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «لقيني أبو بكر فقال: (كيف أنت يا حنظلة؟)، قلت: (نافق حنظلة)، قال: (سبحان الله! ما تقول؟)، قلت: (نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا)، قال أبو بكر: (فوالله، إنا لنلقى مثل هذا)، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: (نافق حنظلة يا رسول الله)، فقال صلى الله عليه وسلم: (وما ذاك؟)، قلت: (يا رسول الله، نكون عندك، تذكرنا بالنار والجنة، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعةً وساعة)» ثلاث مرات.

وعلى الرغم من أن قول النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: «ولكن يا حنظلة ساعة وساعة» واضحُ القصد جليُّ المعنى ظاهرُ البيان في كون الساعة الثانية ضمن ما أحل الله تعالى من المباحات؛ من راحة البدن، والقيام بشئون الزوجة والأولاد، وما يصلح المعاش، من تجارة أو حرفة أو صناعة، بعد ساعة العبادة والطاعة والخشوع والحضور والقرب من الله تعالى...، إلا أن المعنى الخاطئ والفهم المغلوط ما زال منتشرًا بين بعض المسلمين حتى الآن وللأسف الشديد.

تجد البعض حين تذكره بالله، وتخوفه الدار الآخرة حين تراه على معصية، أو تلحظ إصراره على صغيرة، يبرر معصيته أو يحاول التهوين من وقوعه في المنكر باللجوء إلى فهمه المغلوط، والركون إلى المعنى المشوه لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة»، ويردد تلك العبارة، التي أضحت عنوانًا وملاذًا لكل من يريد تبرير معصيته وشرعنة إثمه: «ساعة لك وساعة لربك»!!

يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرح هذه العبارة النبوية: «يعني ساعة للرب عز وجل، وساعة مع الأهل والأولاد، وساعة للنفس؛ حتى يعطي الإنسان لنفسه راحتها، ويعطي ذوي الحقوق حقوقهم...، ويتعبد لله عز وجل براحة؛ لأن الإنسان إذا أثقل على نفسه وشدد عليها مل وتعب، وأضاع حقوقًا كثيرة» [شرح رياض الصالحين (2/ 236)].

إن مما يدمي الفؤاد ويحز في النفس ذلك البون الكبير والفرق الشاسع بين اتهام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنفسهم، وشدة محاسبتهم لها، رغم اجتهادهم في العبادة، وحرصهم على الاقتداء والتأسي بالمصطفى العدنان صلى الله عليه وسلم، وبين إطلاق بعض المسلمين اليوم لشهواتهم، وتبريرهم لذنوبهم بنصوص كان من حقها أن تكون محفزًا لهم على حسن الاقتداء بخير القرون وأفضل الناس بعد النبيين والمرسلين.

ففي الوقت الذي اتهم فيه حنظلة الأسيدي نفسه بالنفاق، وخشي أن يكون في سلوكه شيء من تلك الآفة الخبيثة، ووافقه أبو بكر رضي الله عنه على ما يقول، فانطلقا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبرئهما مما اتهما به نفسهما، وليخفف عنهما ثقل ما يجدون في أنفسهم، من تغير حال قلوبهم بين ساعة وساعة...، يجد أحدنا بين المسلمين من لا يزال يبرئ نفسه من كل عيب؛ بل ويحاول تبرير ذنوبه ومعاصيه بفهم خاطئ لنص نبوي شريف.

_______________

موقع: المسلم