مرض القلوب والزيغ في القرآن
الزيغ:
الزيغ معناه: الانحراف والميل، ولا شك أن سببه الشبهات والتشكيكات والمعاصي والمخالفات التي تجعل الحق عنده باطلاً والباطل حقاً، فيميل عن الحق إلى الباطل وذلك هو الزيغ، وقد ذكر الله أيضاً أسبابه: فذكر من أسبابه أنهم زاغوا بأنفسهم فزادهم الله من ذلك:" فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ "61:5. وذكر أيضاً من أسبابه تتبع المتشابهات، فقال تعالى: " فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ " 3:7
لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ " 9:117
فأسباب ذلك في هؤلاء المبتدعة هي الشبهات، فعلى المسلم أولاً أن يكثر الاستعاذة بالله عز وجل من زيغ القلب، لقوله: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا " 3:8 "
إن الله سبحانه قد أنبأ مسبقا ان الذين في قلوبهم زيغ سيتبعون المتشابه من الآيات ليتلاعبوا بها وفق اهوائهم " هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ " آل عمران 7 .
وعليه فان رب العزة في الآية الكريمة يخبرنا بنوعين من المنهج في فهم القرآن: الفهم الموضوعي الذي يتبعه الراسخون في العلم والذي يقوم على الايمان بالكتاب كله والنظر الى جميع آياته ما كان منها محكم الدلالة وما كان منها متشابهًا مفصلًا. ثم الفهم الزائغ الذي ينتقى ويختار ما يؤكد وجهة نظره ويخدم منهجيته تبعا لمعتقدات حزبه أو جماعته ... الخ.
أي أننا أمام كتاب إلهي كريم واضح مبين محكم لا عوج فيه، ولكن نجد المتعاملين معه قسمين: أحدهما ضال (والقرءآن معه) والآخر اهتدى بالقرآن (وهو معه). السبب ليس في القرآن ولكن في القارئ للقرآن، إن كان مؤمنا ازداد بالقرآن ايمانا وإن كان ضالا ازداد به ضلالا.
ليس هذا مجرد استنتاج عقلي، ولكنه موجز لما قاله رب العزة عن كتابه العظيم. يقول تعالى" وَنُنَزِّلُ مِنَ القرآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا " الاسراء 82. فالقرآن هو شفاء ورحمة للمؤمن الذي يسعى اليه طالبا الهداية بإخلاص فيجد فيه الهداية. أما الآخر الذي يستعمل القرآن ليخدم غرضا في نفسه فما أسهل عليه أن يُحرّف المعاني ويخلط المفاهيم ويتلاعب بالآيات وهذه من صفات المخادعين لله والذين آمنوا.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) (8-2:10).
المرض:
" فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ" 5:52
"إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" 8:49
" وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ" 9:125
" لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ " 22:53
" أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ ۚ بَلْ أُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " 24:50
" وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا " 33:12
"يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا" 33:32
" لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا" 33:60
" وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ ۖ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ ۙ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ ۖ فَأَوْلَىٰ لَهُمْ" 47:20
"أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ" 47:29
" وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً ۙ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ ۙ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَٰذَا مَثَلًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ" 74:31
إذا فمرض القلوب نوعان: مرض شهوة ومرض شبهة، وقد ذكر الله مرض الشهوة في قوله تعالى: " فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ " 33:32، هذا مرض الشهوة، وهو الذي يميل إلى الفواحش ويطمع في الأجنبية إذا خضعت بالقول، فلذلك قال: "فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ "، ينهى نساء النبي عن هذا. وأما مرض الشبهة فهو أشد، وهو الذي يصد القلب عن الحق، ومتى صد القلب عنه ابتلي بالباطل.
وقد ذكر الله للقلوب أنواعًا من الأمراض فمنها الطبع، قال تعالى حكاية عن اليهود: "وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا" 4:155، فالطبع عليها معناه: أنه ختم عليها بحيث لا يصل إليها الخير ولا تعرفه ولا تطمئن إليه، وهذا الطبع هو أشد الأمراض. كذلك مرض ثان وهو الختم، وهو بمعنى الطبع، قال تعالى: " خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ " 2:7، وقال تعالى: " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً" 45:23، ومعلوم أن الختم هو تغطية الشيء بحيث لا يصل إليه شيء، فالقلب الذي قد ختم عليه لا يصل إليه الخير ولا ينتبه للمواعظ ولا يتذكر، وسبب ذلك هو الشبهات.
وذكر الله أيضاً من أمراض القلوب: القسوة، التي هي قسوة معنوية، بحيث إن القلب لا يصل إليه الخير ولا يلين، قال تعالى: " ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً" 2:47، وقال تعالى: " أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ" 57:16. فعابهم بأنهم قست قلوبهم، وأبعد القلوب من الله تعالى القلب القاسي، وهو الذي لا يلين لموعظة ولا يتأثر بتذكير ولا يقبل ذكراً، ولا يتأثر بتخويف، وتأتيه الإرشادات والنصائح وهو يصد عن كل ذلك صدوداً، ولا يزيده ذلك الأمر إلا نفوراً، وما ذاك إلا أنه ممتلئ من الانحراف وممتلئ من الشبهات، ولم يبق فيه محل للمواعظ ولا محل للاعتبار ولا لقبول الحق، فكان بذلك قلباً قاسياً لا يلين، وشبه بحجارة أو أشد من الحجارة.
وقد ذكر الله أيضًا من أمراض القلوب: الران، الذي ذكره بقوله: "كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" 83:15، والران أو الرين: هو الغطاء الذي يحجب القلب عن الاعتبار ويحجبه عن التذكر ولا يصل إليه الخير، ولا شك أن سببه كثرة الذنوب؛ فكلما كثرت الذنوب صارت أغلفة على القلب؛ غلافاً فوق غلاف وغطاء فوق غطاء، إلى أن يشق اختراقها وتعسر تنقيتها وإزالتها، وأشد الأمراض هو: الإقفال الذي ذكره الله بقوله: "أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"47:24، ولا شك أن القفل هو ما يغلق به الباب ويوصد ولا يمكن فتحه إلا بمفتاحه الذي صنع له، فالقلب إذا كان قد أقفل ولم يكن له ما يفتح به فإنه يبقى محجوبًا ومحجوزاً لا يصل إليه خير.
لا شك أن هذه الأمراض التي ذكرنا لها أسباب، وقد ورد من أسباب أمراض القلوب: الشبهات والشهوات والتشكيكات وما أشبهها، وكلما عظمت تلك الشكوك تراكمت على القلب فحصل الزيغ والانحراف والميل عن الاستقامة.
فإن الله تعالى يقول: "قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ " 41:44، وقال تعالى: " وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا " 17:42، و(من) في قوله: (من القرآن) لبيان الجنس لا للتبعيض. وقال تعالى: "يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ" 10:57.
فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق، وإيمان وقبول تام، واعتقاد جازم، واستيفاء شروطه.
ذكر أن القلوب تمرض وأن لها شفاء، وأنها بحاجة إلى علاج وبحاجة إلى غذاء، فالبدن إذا مرض احتاج إلى الدواء، وإذا جاع احتاج إلى الغذاء، وغذاء البدن الأكل والطعام، وعلاجه الأدوية والعقاقير وما أشبهها وهذا غذاء ودواء حسي، ولكن لا يفيد ذلك في مرض القلوب. فالقلوب لها غذاء هي بحاجة إليه أشد من حاجة الأبدان إلى غذائها، وهو غذاء معنوي؛ هذا الغذاء هو ما يستنبط من العلوم الشرعية، هذا الغذاء هو كلام الله وكلام رسوله والعمل به. فما دام القلب مستقيماً وما دام سليماً، فإنه بحاجة إلى أن يستمر معه هذا الغذاء، يستمر العبد على قراءة كلام الله وعلى تدبره.
أما إذا أحس بمرض من الأمراض التي ذكرنا، فإن لديه العلاج النافع، وليس علاجه عند الأطباء وفي الصيدليات ونحوها، بل علاجه معنوي، وهو أن يتعاطى هذا الكتاب وأن يعالج به قلبه، فإذا كان المرض من الشبهات فإنه يزيلها بما يبطلها، فإذا ورد إلى القلب شبه التشكيك في المعاد وجد في القرآن علاجاً يزيل هذه الشبهة. وإذا مرض القلب بشبهة التشكيك مثلاً في الإيمان بالغيب وجد في القرآن علاجًا ودواءً لهذا المرض، وإذا مرض القلب بشبهة الشك في المعاد أو في المبدأ أو في أول الخلق أو في آخره، أو بشبهة الشك -مثلاً- في الأسماء والصفات، أو بشبه الشك في العبادات والمعاملات، أو بشبهة الشك في الأوامر والنواهي، أو ما أشبه ذلك؛ وجد علاج ذلك علاجًا كاملًا في كلام الله وكلام رسوله، ولكن ذلك يحتاج إلى قلب حي واع فطن، يحتاج إلى تأمل؛ فيقرأ كتاب الله عز وجل ، وعند ذلك يحيا قلبه بعد أن كان ميتاً، ويصح بعد أن كان مريضاً، ويزول ما فيه من الوهن، وتزول الأمراض الكثيرة التي ذكرنا، فيزول الإقفال، وتزول الأكنة، ويزول الختم، ويزول الطبع، وتزول القسوة، ويزول الرين إذا استعمل كتاب الله كعلاج ودواء لهذه الأمراض القلبية.
فعلى المؤمن أن يقبل على هذا العلاج النافع حتى يؤثر فيه، ولا يؤثر فيه إلا إذا كان صادق الرغبة في إقباله على الله، وصادقاً في محبته لكلام الله وكلام رسوله، ومصدقاً بما وصف به هذا القرآن من قوله تعالى: "وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ"17:82، وفي الآية الأخرى: "يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ للمؤمنين" يونس:57 فوصف بأربع صفات، وكل واحدة منها لها أهميتها. كذلك قول الله تعالى: "قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ" 41:44
انحرافات في تلقي القرآن:
وأن هناك من يتلقون القرآن عَلَى غير ما أمر الله تَعَالَى به من التلقي والقبول؛ وهم الذين في قلوبهم مرض؛ الذين ذكرهم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في قوله: "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ" آل عمران:7 وذكرهم في قوله: "ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ" محمد:26
وهنا مرضان من أمراض القلوب في تلقي القرآن، سواء ما كَانَ من الصفات أو غيرها:
أولًا: اتباع المتشابه ورد المحكم
وهو أن الإِنسَان يتبع المتشابهات ليحرف ويرد بها المحكمات، ويؤول معاني المحكمات لأجل المتشابهات، وهذا نوع من أنواع المرض.
ثانيًا: كراهية بعض ما أنزل الله
أن يكره الإِنسَان بعض ما أنزل الله ويجامل أعداء الله ويقول: "سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ" محمد:26 فلا يسلم تسليمًا كليًا قاطعًا لما أنزله الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وهذا قدر موجب لإحباط العمل، فلذلك قال في آخر الآية: "فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ" 47:82؛ لأن كراهية بعض ما أنزل الله سبب من أسباب إحباط العمل. وأن من أسباب هذه الكراهية هو من تلقى من القرآن لا يوافق غرضه أو ما تريده نفسه أو تتعارض مع مبادئ الحزب أو الجماعة التي ينتمي إليها.
فلو أن أحدًا آمن بدين الإسلام كله وبشريعة الإسلام كلها، إلا أنه لم يؤمن بحرمة الربا -مثلًا- أو يكره في نفسه كون الربا حرام، أو كون الزنى حرام، أو يكره ويتضجر، أو يكره هذه الآيات، ويكره هذا الحكم، وإن كَانَ مسلمًا منقادًا لبقية الشريعة فإن هذا كله يؤدي إِلَى إحباط عمله لأن هذا اعتراض وكراهية لبعض ما أنزل الله السميع العليم.
المصدر: موقع أهل القرآن