لماذا يحتاج الأبناء إلى الاحترام؟
أعزائي المربين، أهلًا بكم جميعًا.
الأسرة السعيدة هي التي يتعايش أفرادها بمظلة الحب وضوابط الاحترام المتبادل، وقبل أن نشكو من أبنائنا ومن الأجيال الجديدة افتقادهم للاحترام علينا أن نقف مع أنفسنا وقفة لنتساءل: هل نحقق طرف المعادلة، ونمنحهم حقهم من الاحترام أولًا؟
فتفضلوا، أعزائي المربين، نتذاكر معًا أداءنا التربوي في منح الأبناء قيمة الاحترام، وأهميته في بنائهم النفسي، وأثره الإيجابي على سلوكهم.
كيف يؤثر منح الطفل (الاحترام) على صلابته النفسية؟
إن من أهم الاحتياجات النفسية التي يحتاجها الطفل هي حاجته إلى الاحترام، والتي كثيرًا ما نهمل في منحها إياه خلال سنوات حياته الأولى، وحاجة الأبناء إلى الشعور بالاحترام لا تقل عن حاجة الكبار؛ بل لا نبالغ إذا قلنا أنها تزيد، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الأبناء يكونون بعدُ في مرحلة البناء لذواتهم، ويكون تأثرهم بأسلوب تعامل الوالديْن معهم أكبر، فيثمر احترام الوالدين للطفل احترامه لذاته، وما هو إلا الصورة الذهنية التي يحتفظ بها الطفل في نفسه عن ذاته ومواهبه وعن قدراته، وعن مدى استقامته، وعن مدى حب أسرته له، وكل هذه الانطباعات والعقائد الشخصية إنما يكتسبها الطفل من الطريقة التي يعامله بها الوالدان، وتشكِّل احترامه لذاته.
والطفل الذي ينمو في أسرة تعتمد أسلوب الاحترام المتبادل في التعامل بين أفرادها ينشأ وهو يشعر في أعماق ذاته بالتمكّن، ويشعر بالجدارة، وبأنه مرغوب فيه، ومقبول من أقرانه وأقاربه، وتظهر أهمية هذا الشعور في حياة الابن جليًا عندما يتعرض الطفل للأزمات والشدائد، وعندما يواجه الضغوط والإحباطات؛ كالرسوب في المدرسة، أو إذا تعرضت الأسرة لفراق الوالديْن بالطلاق أو وفاة أحدهما، أو إذا تعرضت الأسرة لضائقة مالية تغير معالم حياتها...
في مثل هذه الظروف الصعبة يَظهر أثر تربية الطفل على احترامه لذاته.
بينما الطفل الذي يشعر بالضآلة واحتقار الذات يجد نفسه عاجزًا عن مواجهة هذه الإحباطات أو الظروف الصعبة؛ فيستسلم لها، وقد ينتهي به المطاف إلى التشرد أو الانحراف!
لذلك فإننا عندما نمنح الابن حقه من التعامل باحترام فإنه ينعكس عليه؛ فيحترم ذاته، وتتربى فيه روح الممانعة والمقاومة والصلابة النفسية اللازمة كي يشق طريقه في الحياة بنجاح. [د. عبد الكريم بكّار، الاحترام.. معالمه وتربية الناشئة عليه، ص15، بتصرف].
احترام النبي صلى الله عليه وسلم للصغار وتقديره لهم:
المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد منه أسلوبًا رائعًا في معاملة الأطفال والمراهقين والناشئين من شباب الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، والتي كانت تنضوي على احترام مشاعرهم وتقديرهم، الأمر الذي غرس فيهم الثقة بالنفس واحترام الذات، فظهر ذلك واضحًا جليًا في مسيرة حياتهم ومواقفهم الخالدة بعد ذلك.
ومن ذلك ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: «جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني أريد الحج)، فمشى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا غلام، زودك الله التقوى، وَوَجَّهَكَ في الخير، وكفاك الهم)، فلما رجع الغلام على النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا غلام، قَبِل الله حَجك، وغفر ذنبك، وَأَخْلَفَ نفقتك)».
والآن كيف نطبّق عمليًا احترامنا للأبناء؟
عزيزي المربي، يلزمنا أولًا أن نتجنب الكثير من الأساليب السلبية واسعة الانتشار، والتي من شأنها أن تخفض من احترام الوالدين للطفل؛ وبالتالي من تقديره لنفسه؛ مثل:
- كثرة الأوامر والنواهي مع التهديد، دون أن نكون قد قمنا سابقًا بتعليم الطفل وتدريبه على الأعمال المطلوبة منه.
- النقد الهدام والتركيز على الفشل والأخطاء، ونسبتها إلى ذات الطفل لفظيًا (أنت ولد غير مؤدب)، واللفظ الصحيح هو (هذا التصرف يعبر عن سوء الأدب ولا يليق بك).
- العُبُوس في وجهه بشكل مستمر، والإهمال لحديثه، والانشغال المستمر عنه، وعدم منحه الوقت الكافي للحديث معه إذا أراد ذلك.
- السخرية من شكله أو تصرفاته أو بعض صفاته وكلماته، أو إطلاق بعض الألقاب الساخرة عليه، وهذه السلبية في منتهى الخطورة؛ إذ تحطم شخصية الطفل وتهزمه نفسيًا.
- الحديث عن أخطائه أمام الناس (الفضيحة)، سواء في حضوره أو غيابه، فكلاهما مؤذٍ له، ومنتقص من حقه.
- تجنب أساليب العقاب البدني، فالضرب والصراخ تعدّ من أبشع مسببات الإيذاء النفسي، والتي يتهاون فيهما كثير من الآباء والأمهات.
كما يلزمنا أن نوصل لهم رسائل الحب والاحترام؛ مثل:
منحهم الحب غير المشروط:
يحتاج الأبناء، كبارًا وصغارًا، وبشكل يومي تقريبًا، أن نثبت لهم أننا نحبهم حبًا غير مشروط، وغير معلّق على شيء مُعيّن، بحيث إذا فقد هذا الشيء في ظرف ما فسيفقد الأبناء محبتنا لهم!
ما يجب أن يصلهم منا هو أننا نحبهم لشيء واحد، هو أنهم أبناؤنا وكفى، والتعبير عن هذا الحب يكون من خلال العديد من الصور والتصرفات، فأحيانًا بالكلام المباشر، وأحيانًا أخرى بالهدايا والمفاجآت السارة، وقد يكون باللمسات الحانية المتفرقة على مدار اليوم، أو من خلال رسالة موبايل، أو سطر يكتبه الأب أو الأم على ورقة صغيرة ويتركه على مكتب الابن أو بالقرب من فراشه.
تقدير مجهودهم:
إذا كلفت الطفل فلا تجعله يشعر أنه في تحدٍ، ولكن كلّفه بما يطيق، وبالمهمات التي تتناسب مع قدراته، واستمر في تشجيعه وتعليمه كيفية تنفيذها؛ فإن ذلك يعطيه الثقة في نفسه واحترام ذاته، والطفل عندما يبذل مجهودًا في الدراسة أو في حفظ كتاب الله أو في التمرين الرياضي يحتاج أن يشعر أنّ والديه يثمنان ما بذله، وينظران إلى مجهوده بعين التقدير والاحترام، حيث أن المهم في تربيتنا ليس مجرد النجاح أو الفوز، المهم حقًا هو المحاولة الصادقة، وبذل الجهد، مهما كانت النتائج.
تشجيعهم على التفاعل الاجتماعي:
إن تشجيع الابن على الذهاب إلى المسجد وعلى حضور حلقات تحفيظ القرآن الكريم، وعلى الاشتراك في فريق الإذاعة المدرسية، وفريق الكشّافة، وتشجيعه على أن يكون له أصدقاء جيدين، كل هذه الأنشطة التي تمثل صورًا من التفاعل الاجتماعي الجيد، من شأنها أن تساعد الابن على اكتشاف نقاط القوة لديه، كما تجعله أكثر جزمًا وثقًة بقدراته وخبراته.
الإيمان بقدراتهم:
الطفل مبدع أكثر مما نتخيل؛ لذلك تقبّل أفكاره واقتراحاته، وناقشه فيها بصدر رحب، ولا تقابلها بالصدّ أو التجاهل أو التقليل منها، ولنعلم أن لكل طفل قدراته وإمكانياته التي وهبها الله تعالى له، فلا تكلفه ما لا يطيق، ولا تقلل من حجم ملكاته ومهاراته.
احترام خصوصياتهم:
- لُعب الطفل وملابسه وأشياؤه الخاصة ملك له، فتعامل معها باحترام، وليس على اعتبار أنها ملك عام أو ليس لها صاحب، وإن احتجت أن تغير مكانها أو تعيد ترتيب شيء منها فاستشره أولًا، إنك تدربه على الاستقلال، وتعبر عن احترامك لخصوصيته.
دفعهم للأمام بالثناء المعتدل:
تقصير الوالدين في الثناء المعتدل على الابن يدمّر حوافزه على الاستمرار في بذل الجهد، ويشعره بالغبن والظلم، فما من شخص إلا وهو يتمنى أن يسمع كلمات الثناء، ويتحقق من أنه شخص متميز، ولكن ننوّه هنا أن الإسراف في الثناء على الابن تكن نتيجته في النهاية لا شيء، فالثناء الذي ينتفع به الأبناء يجب أن يحمل معنى المكافأة؛ أي يكون الثناء مقابل فعل وأداء ممتاز.
وأخيرًا، عزيزي المربي، تبقى القاعدة الذهبية في تعليم الأبناء خُلق الاحترام هي:
(امنح الاحترام، تربي ابنًا يتقن لغة الاحترام لذاته وللآخرين).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
- الاحترام، معالمه وتربية الناشئة عليه، د. عبد الكريم بكار.
- الحاجات النفسية للطفل، د. مصطفى أبو سعد.
- حتى لا نشتكي، محمد سعيد مرسي.