خطيب بلا جمهور
أذن المؤذن للصلاة بصوت أجش قبيح، لا تدري أيدعو إلى الصلاة أم يصد عنها! وخرج خطيب المسجد وإمامه فصلى ركعتين اثنتين ما زاد عليهما، ثم التفت إلى المؤذن قائلًا: «أقم الصلاة»، فعاتبه رجل مُسن من المصلين قائلًا: «أيها الشيخ، ألا ننتظر قليلًا؛ فما مر على الأذان إلا دقيقتان! وما نحن إلا خمسة في هذا المسجد، وإذا استثنيناك ومؤذنك فنحن ثلاثة!»، فأجابه في غلظة وضجر: «من أراد الصلاة فليبكر إليها!»، وقام المؤذن فنفذ أمر إمامه؛ فأقام الصلاة في صوت لا يقل (عذوبة) عن أذانه!
وتقدم الإمام الخطيب للصلاة، فنقرها نقرًا؛ فلم يتم لها ركوعًا ولا سجودًا، وانتهى منها في سرعة، فكأنها حِمْلٌ ثقيل وقد ألقاه عن كاهليه، ثم التفت ليلقي موعظته، فإذا بواحد قد انضم إلى الثلاثة فصاروا أربعة، وفتح الخطيب فاه لينطق فتلعثم، وتعثر وما تبصَّر، وأتى بكلمة من الشرق وأخرى من الغرب، فلا تجد أي علاقة بين أول كلامه وآخره، وانفض المصلون الأربعة بعد أن قلبوا النظر في الخطيب تعجبًا من فصاحته وبيانه! وما بقي معه إلا مؤذنه!
فاختتم حديثه إحراجًا، ثم تثاءب في كسل وهو يمدُّ رجليه ويسند ظهره إلى سارية من سرايا المسجد، الذي يعمل فيه خطيبًا منذ أكثر من ثلاث سنوات، بذل فيها قصارى جهده (لتنفير الناس من المسجد)! ثم رفع يده يمسح النوم عن وجهه متثاقلًا وهو يقول لمؤذنه: «أتدري ما هو أسوأ شيء في هذا المسجد؟»، قال: «وما هو؟»، فأجابه: «أن حجرة الخطيب به ليس فيها سرير للنوم! فلسوف أنتقل منه في الغد إلى غيره».
وكان لهذا الخطيب الكسول ما أراد؛ فبينما هو يدخل إدارته ليقدم طلب نقله إلى مسجد آخر، إذا هو بخطيب شاب يدخل معه وفي يده خطاب تعيينه، فوُضع هذا محل هذا.
وانطلق الخطيب الشاب إلى المسجد الموعود المسمى: «مسجد الهِداية»، ووافاه قبل صلاة العصر بدقائق، فتعرَّف على المؤذن، الذي خوَّفه ونفَّره وأنذره قائلًا: «إن أهل هذا الحي كلهم أهل سوء؛ فهم لا يحافظون على صلاة الجماعة، حتى في يوم الجمعة تجد المسجد شبه خاوٍ، وهم إلى جانب ذلك دائمو الشكوى والتذمر!»، فقال الخطيب الحصيف في نفسه: «لا بد لنفورهم هذا من أسباب، فتُرى ما هي هذه الأسباب؟»، فجلس مفكرًا.
وحان موعد الأذان، فقام المؤذن ليؤذن، وما أن انطلق صوته (المغرِّد) إلا وهَمَّ خطيبنا أن يضع أصبعيه في أذنيه إشفاقًا عليهما! مغمغمًا: «هذا أول الأسباب!».
وقُضيت الصلاة، وخرج الخطيب بعدها يتفقد الحي الذي يقع وسطه المسجد، فإذا هو حي فخم، تدل كل تفاصيله على الثراء والترف، وإذا بأماكن اللهو منتشرة على الجانبين تغص بالغافلين! فالتفت خلفه يقارن بين المسجد القديم المهمَل وبين الزخرف والبهرجة والزينة من حوله! فبدى المسجد غريبًا عجيبًا (نشازًا) وسط هذا الحي المتمدن! فكأنه قد أتى من عصر آخر من عصور التاريخ! على حد قول الشاعر:
ولي بيت تطوف به العوادي وتنشر في جـــوانبه الدمارَ
ترصص حوله شـــــجر كرسم قديم، جدَّدوا منه الإطارَ
فأدرك الخطيب، عندها، أن سبب انصراف الناس عن المسجد ليس فقط الخطيب الأول والمؤذن وإهمال المسجد ومرافقه؛ بل هي أيضًا ملهيات الدنيا وغفلتها، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم»(1).
ولما درس الخطيب أسباب انصراف الناس عن المسجد وحصرها، اتقدت عيناه عزمًا وحزمًا وإخلاصًا، وناجى ربه عز وجل قائلًا: «اللهم أعني أن أجعل من هذا المسجد مصباح هداية، ومنجاة من غواية»، وحمل على عاتقه، من تلك اللحظة، مهمة أن يجعل من هذا المسجد منارة ورحمة على أهل الحي الذي يقع فيه، وأن يرد إليه من هجره.
فتُرى ما الذي فعل؟ هلمَّ بنا نقترب منه ونراقبه؛ لنرى أي استراتيجية اتبع ليجذب الجمهور الذي هجر المسجد ونفر منه!
أولًا: وَهَبَ نفسه لمسجده:
لقد قالوا: «الدعوة إلى الله إن أعطيتها كلك أعطتك بعضها»، فما بالك لو أعطيتها فضول أوقاتك، فما عساها أن تعطيك؟!
ومما أعانه أن يهب نفسه لمسجده استحضاره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم»(2).
ومن يومها صار المسجد أول أولوياته، وأسمى غاياته، وأهم شيء في حياته.
ثانيًا: حوَّل الداخلين إلى المسجد إلى دعاة:
فما عساه أن يصنع وحده؟! بل لقد حرص أن يجنِّد كل داخلٍ إلى المسجد، سواء لصلاة أو لخطبة جمعة أو لمناسبة من المناسبات، فيجعل منه داعية إلى الله، وذلك بالطرق الآتية:
(1) تحبيب من يَقْدُم إليه في الدعوة إلى الله، بالوسائل المرغبة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: «نضر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها»(3)، وقوله: «من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه»(4)، وغيرها من الوسائل.
(2) باستثارة روح الغيرة على الدين؛ «من لبيوت الله إذا هُجرت إلى المقاهي والملاهي؟! إن بيت الله يشكو إلى الله من هجرانه...».
(3) بالأمر بتحمل المسئولية: «لِم تركت ابنك أو أخاك لاهيًا أمام الشاشات أو نائمًا عن صلاة الفجر أو غافلًا في دنياه؟! أوما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»(5).
ثالثًا: استخدم الأساليب الخطابية الجذابة:
فالخطابة أداة مهمة خطيرة للتغيير، ومن الأساليب الخطابية الجذابة:
(1) الأسلوب القصصي: فللقصة رونقها وبهاؤها، وهي من أكثر ما يجذب الآذان ويخلب الألباب، وهو أسلوب نبوي معلوم، ومما جمع قصص السنة النبوية كتابي: «صحيح القصص النبوي»، و«قصص الغيب»، لعمر الأشقر.
(2) الأسلوب الفكاهي الهادف: بإلقاء الفكاهة والطُرْفة والدعابة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أصحابه ولا يقول إلا حقًا.
وميزة هذا الأسلوب، بجانب كونه وسيلة تعليمية ميسرة، أنه يؤلف القلوب ويحببها في الخطيب.
(3) أسلوب الوعظ الذي يستهدف القلوب: ولا أظننا ننسى قول العرباض بن سارية: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب»(6)، ولعل هذا الأسلوب، إن أخلص الخطيب في استخدامه، هو أعظم أساليب الخطابة تأثيرًا.
رابعًا: خرج إلى أماكن تجمعات الناس:
فلم ينتظر خطيبنُا الناسَ أن يأتوه، خاصة أن هناك من لا يدخل المسجد أصلًا؛ بل ذهب هو إليهم في أماكنهم؛ ذهب إلى أصحاب الحرف في أعمالهم، ودخل المقاهي على الجالسين فيها، وارتاد المتنزهات ليخاطب اللاهين بها.
قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي استغل كل مكان وكل سبيل للدعوة إلى الله، فصعد صلى الله عليه وسلم الصفا ونادى عليهم، وقابل الوافدين في موسم الحج، وأتى القريشين في دار ندوتهم، وهاجر إلى المدينة المنورة، بعد أن عرض صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل.
ولعله قرأ قصة ذلك الشيخ الكبير الذي كان يخطب في أحد المساجد، لكنه لاحظ أن عدد المصلين يتناقص، فسأل، فقيل له: إنهم في المراقص والملاهي.
فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله، هيا بنا إليهم ننصحهم، قالوا: يا شيخ، أتعظ الناس وتنصحهم في المرقص؟! سيسخرون منك! فقال: وهل نحن خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ثم أمسك بيد أحد المصلين ومضوا إلى المرقص، لكن صاحب المرقص رفض دخول الشيخ ومن تبعه، خاصة وقد علم مقصدهم، فأخذ الشيخ يرغِّبه بالثواب العظيم، لكنه أبى، فأخذ يساومه بالمال ليأذن لهم، حتى دفع له مبلغًا من المال يعادل دخله اليومي فوافق.
وداخل المرقص أسدل الستار فجأة على ما كان يعج به من منكرات، ثم فُتح، فإذا شيخ وقور يجلس على كرسي، فدُهش الناس وتعجبوا، وظن بعضهم أنها فقرة فكاهية!
وبدأ الشيخ في خطبته، فنظر الناس بعضهم إلى بعض متعجبين متضاحكين، والشيخ ماض في موعظته لا يلتفت إليهم، حتى قام أحد الحضور وطلب منهم الإنصات، وبدأ الهدوء يسود المكان، والسكينة تتنزل على القلوب.
قال الشيخ كلامًا ما سمعوه من قبل؛ آيات تهز الجبال، وأحاديث وأمثال، وقصص لتوبة بعض العصاة، وأخذ يدافع عبراته ويقول: «يا أيها الناس، إنكم عشتم طويلًا، وعصيتم الله كثيرًا، فأين ذهبت لذة المعصية؟! لقد ذهبت اللذة وبقيت الصحائف سوداء، ستسألون عنها يوم القيامة...».
خرجت كلمات الشيخ من القلب، فاستقرت في القلوب، بكى الناس، فزاد في موعظته، ثم دعا لهم بالرحمة والمغفرة، وهم يرددون: آمين آمين.
ثم قام من على كرسيه تجلله المهابة والوقار، وخرج الجميع وراءه، حتى صاحب المرقص تاب وندم على ما كان منه(7).
خامسًا: قَدَّمَ للناس القدوة:
من أسباب انصراف الناس عن المسجد افتقاد الثقة في حاملي الدعوة، من الخطباء وغيرهم، والاعتقاد أنما هم مجرد موظفين أو مرتزقة يتكسبون بالدين، أو منافقون يقولون ما لا يفعلون، أو (دراويش) (مجذوبون) لا يفهمون من الدنيا شيئًا؛ بل هم عنها منعزلون مغفلون.
وعليه، فالطريق إلى تجميعهم في المسجد هو إعادة ثقتهم في الخطيب، وذلك عن طريق تقديم القدوة العملية، المسموعة المرئية الملموسة لأضداد ما سبق؛ فيتفانى الخطيب في خطبته وأقواله وإتقانها، والتجرد لله فيها، فإن فعل شعر السامعون بإخلاصه، ويأتي قبل مواعيد عمله ويستمر بعد انتهائها؛ حتى يتبينوا أنه ليس مجرد موظف يؤدي عملًا مقابل راتب.
ويلتحم بواقعهم، مستعينًا بمستجدات التقنيات الحديثة؛ حتى يعي الناس أنه ليس من الجامدين؛ بل هو من المتطورين السباقين...
هذا كله كمرحلة تمهيدية يؤلف فيها القلوب ويخاطبها على قدر فقهها.
ثم يبدأ الخطيب مرحلة التعليم بالقدوة، فيلبس للمسجد أجمل ما يجد، ويتعفف عما في أيدي الناس، ويغض بصره عن محارمهم، ويصدق إذا حدَّث، ويؤدي إذا ائتمن، ولا يضحك إلا تبسمًا، ويقوم إلى الصلاة قبل أن يؤذن لها، ويسارع بعدها إلى فعل الخيرات، ويقدِّم من نفسه تجسيدًا واقعيًا للفضائل والكمالات، فيرى الناس فيه، مع الفارق، ما كان الصحابة يرون في رسول الله صلى الله عليه وسلم من القدوة والأسوة.
سادسًا: حَارَب الشواغل والملهيات:
فما أن توطدت صلته بجمهوره، الذي بدأ يتوافد على مسجده، حتى بدأ يبصِّرهم برفق بخطورة الملهيات واتباع الشهوات، فبدأ يحارب ويحقِّر كل ما يصد عن الله وعن بيت الله، ومن ذلك:
(1) تحطيم الشاشات الثلاثة في القلوب؛ شاشة التلفاز وشاشة الحاسوب وشاشة الهاتف المحمول، بكل ما فيها من مفاسد ومجون، فقد انجرف كثير من الناس في حمأة الرذائل بسبب هذه الشاشات، موجهًا ومشيدًا، في نفس الوقت، بما فيها من قنوات نافعة ومن استخدامات هادفة.
(2) التحذير من الانشغال بالأموال والأولاد؛ كما قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن:15]، وبيان أن الأمر كما قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله، ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما يجعل أحدكم إصبعه هذه [وأشار يحيى بالسبابة] في اليم، فلينظر بم ترجع»(8).
(3) الكسل والخمول: وكفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استعاذ منه وقرنه بالعجز، قائلًا: «اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل»(9)، ولقد قال الملَك للنبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه: «أما الذي يثلغ رأسه بالحجر فإنه يأخذ القرآن فيرفضه، وينام عن الصلاة المكتوبة»(10).
(4) العمل على غلق أماكن اللهو المحرم بالرفق واللين، وحبذا لو كان باقتناع أصحابها وتوبتهم.
سابعًا: أَمَّنَ مستقبل مسجده:
عن طريق الاهتمام بالأطفال، فجيلنا أوشك أن يفارق المساجد إلى الآخرة، أما الأطفال فهم مستقبل المسجد، ومن شب منهم متعلقًا به عاش عمره لا يفارقه، ووسائل تعليق قلب الأطفال بالمساجد وتحبيبهم فيها كثيرة معلومة، منها:
(1) المسابقات ذات الجوائز: في حفظ القرآن والأحاديث والمعلومات الثقافية والدينية...
(2) الجلسات: ومنها جلسة القصة، وفيها يقص عليهم الخطيب قصة قرآنية أو نبوية أو غير ذلك، ثم يناقشهم فيها، ومنها جلسة التلاوة، وفيها يتلو كل طفل شيئًا من القرآن، ويتبارون في تصحيح الأخطاء وتحسين الأصوات، ومنها جلسة النوادر، وفيها يحكي كل طفل نادرة حدثت له، ويتبادل الجميع التعليق والتصويب، إلى غيرها من أنواع الجلسات.
(3) دورات رياضية وترفيهية: ويقسَّم فيها الأطفال إلى فرق متعددة ويستمر الفائز، ويُعلَّم الجميع الآداب الإسلامية عند الفوز بإرجاع الفضل لله وعدم العجب، وعند الهزيمة بالحمد والاسترجاع والمثابرة وعدم العجز...
(4) لوحات الشرف: وهي متعددة؛ فلوحة شرف لأكثر الأطفال المواظبين على صلاة الجماعة، وأخرى لأبرز الفائزين في مسابقات المسجد ودوراته الرياضية، وثالثة لأكثرهم محافظة على آداب المسجد، ورابعة لأكثرهم تبكيرًا إلى صلاة الجمعة، وخامسة لأكثرهم مشاركة في خدمات المسجد...
ثامنًا: صنع دعاية للمسجد:
فلِم لا تُصنع الدعاية إلا للأمور الدنيوية فقط؛ بل لقد صنع خطيبنا دعاية لمسجده، وذلك من خلال الأدوات الآتية:
(1) عقد ندوة عن موضوع يهم معيشة أهل الحي، وأعلن عن هذه الندوة بشتى الوسائل؛ إعلانات مقروءة علقت في طرقات الحي، وإعلانات صوتية في مكبرات الصوت للمسجد...
(2) كتيبات واسطوانات حاسوب توزع على رواد المسجد وأهل الحي عمومًا، مكتوب عليها عبارة: «هدية من مسجد الهِداية».
(3) الدعوات العامة عن طريق رواد المسجد لأولادهم وأزواجهم وأقاربهم لحضور الدرس اليومي.
وذلك كله يُشعر، من لا يشعر، بوجود أنشطة للمسجد؛ بل بوجود المسجد نفسه للغافلين عنه.
تاسعًا: جعل المسجد مصدر جذب للرواد:
فمن دخله انبهر برونقه وبهائه ونظامه وإمكاناته ورائحته الزكية وإضاءته المدروسة وجوِّه الروحاني...، فاشتاق أن يعود إليه، وقد صنع خطيبنا ما يلي ليحقق ذلك:
(1) اهتم بنظافة المسجد ومرافقه: فأصلح خطيبنا بناء المسجد وفناءه ومرافقه؛ ليكون رونق المسجد ومظهره جذابًا لمن يدخله؛ فجعله نظيفًا منظمًا، وجدد منه ما عفى عليه الزمن، متجنبًا البهرجة والزخرفة المنهي عنها.
(2) زوده بحجرة للحاسوب، محمل عليه فيديوهات لعالم الحيوانات وعالم الأسماك وعالم النبات وعالم التكنولوجيا والمخترعات، بجانب الخطب والدروس والمحاضرات المسجلة...
(3) استقدم أصواتًا عذبة للأذان وللصلاة، فمع أن صوته من أندى الأصوات إلا أن الناس تحب التغيير والتجديد، كما استضاف خطباء مشهورين لبعض الجمعات؛ ليحيي الله بهم المسجد، كذا فقد استبدل أجهزة تكبير الصوت بالمسجد بأجود منها.
(4) اقتنص الداخل لغير الصلاة: فمن الناس من يدخل المسجد قاصدًا فقط دورات المياه لقضاء الحاجة أو ما شابه، فاستغل خطيبنا هذا جيدًا؛ فعلق لافتات في أماكن صنابير المياه مكتوب عليها: «المسجد اشتاق إليك»، و«ربك يناديك فمتى تجيب نداءه»، و«ركعتان خفيفتان خير من الدنيا»، و«لا تجعل هذا حظ المسجد منك»...
(5) أنشأ مركزًا لحل المشاكل الأسرية والاقتصادية...، وكوَّن لجنة من فضلاء المسجد ليشاركوا في حل المشاكل؛ بهدف ربطهم هم بالمسجد.
(6) أنشأ موقعًا للمسجد على الشبكة العنكبوتية (النت)، للتواصل مع شباب الحي الذين قد أخذ عناوين صفحاتهم، أو أعطاهم عنوان موقع المسجد.
عاشرًا: استثمر المشاريع المسجدية:
ولكي يحيي خطيبنا المسجد ويعيد إليه الجمهور الذي هجره، فقد أقام مشاريع في مسجده، يجعل بها المسجد مقصدًا وملاذًا وموئلًا ومَعْلَمًا يأتيه القريب والبعيد، ومن المشاريع التي أقامها:
(1) مشروع الوجبة المسجدية والإفطار الجماعي: وتكون داخل المسجد، ويُدعى إليها عدد من الهاجرين للمسجد، وسط غيرهم بحيث لا يشعرون أنهم هم المستهدفون، تحبيبًا لهم في المسجد وتأليفًا لقلوبهم، ويُعلَن في آخرها عن الموعد القادم لتكرارها.
(2) مشروع فريق المسجد الرياضي: ويشارك فيه شباب الحي، كلٌ في هوايته التي يحسن، ويوزَع جدول المباريات بعد خطبة الجمعة.
(3) إنشاء مجلس إدارة للمسجد برئاسة الخطيب: لإشعار وجهاء الحي بقيمتهم المستمدة من المسجد، فلما قال العباس: «يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر، فاجعل له منه شيئًا»، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن»(11).
ويكون من مهمة مجلس الإدارة توفير التمويل اللازم لأنشطة المسجد، من خلال اشتراكات تُجمع منهم شهرية أو أسبوعية...
(4) الدورات التدريبية في كل المجالات التثقيفية والشرعية والإدارية، وفي قيادة الحاسوب...
(5) يوم الخدمة التطوعي: لتنظيف الحي والاعتناء بمرافقه، ولعيادة مرضاه، ومساعدة محتاجيه...
(6) رحلة المسجد الدعوية: إلى حديقة أو شاطئ أو مكتبة أو مسجد عريق...
وقد فعل خطيبنا هذه البنود العشر وزاد عليها.
***
وفي جمعة من الجُمع، وقبل موعد الصلاة بساعة، مشى الخطيب نحو مسجده، وقبل أن يبلغه بمائتي متر أو يزيد إذا بالطُرقات والساحات قد ازدحمت بالمصلين، وضاقت الأماكن بهم حتى لم يعلموا أين يجلسون، وإذا هم، في انتظارهم للصلاة، ما بين راكع وساجد وتال للقرآن وذاكر...
فحمد الخطيبُ الله عز وجل وأثنى عليه، ثم توجه بقلبه إليه قائلًا: «الحمد لله الذي أجاب دعائي، وأعانني حتى أصبح هذا المسجد، بمحض فضله، منارة هدى ومصباح دلالة، وحتى صار مسجد (الهِداية) بحق.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
___________________
(1) رواه البخاري، واللفظ له (6425)، ومسلم (2961).
(2) رواه البخاري (3009)، ومسلم (2406).
(3) رواه الحاكم، واللفظ له (294)، وابن ماجه (231)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (6765).
(4) رواه مسلم (2674).
(5) رواه البخاري (893)، ومسلم (1829).
(6) رواه ابن ماجه (43)، والترمذي (2676).
(7) انظر مقال: «في بطن الحوت»، د. محمد العريفي، موقع: صيد الفوائد.
(8) رواه مسلم (2858).
(9) رواه البخاري (2823)، ومسلم (2706).
(10) رواه البخاري (1143).
(11) الآحاد والمثاني، لابن أبي عاصم (486)، وأبو داود (3021)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (3341).
المصدر: موقع ملتقى الخطباء