logo

لماذا المراجعات؟!


بتاريخ : الخميس ، 25 جمادى الأول ، 1440 الموافق 31 يناير 2019
بقلم : د. محمد العبدة
لماذا المراجعات؟!

هل سأل أحد نفسه هذا السؤال: لماذا نجد أن أكثر اللاجئين في العالم، وفي هذه السنوات الأخيرة، هم من المسلمين؟ لماذا هذا التشرد وهذا القتل؛ بل هذا العذاب وهذا التخريب للأوطان والتغريب للإنسان؟ هل هذا شيء طبيعي؟ هل يجب أن نعتبر هذا من الابتلاء والمحن وحسب؟ وعلى المسلمين الصبر وانتظار الفرج، أم أن هناك مشكلة ما، وأن هناك أخطاءً من فعلنا وكسبنا؟ ويجب أن نقف قليلًا أو كثيرًا لنراجع أنفسنا، ونراجع منهجنا في العمل، وخطواتنا في السير؛ بل ومنهجنا في الفكر وفهم هذا الدين.

نعم، يبتلي الله سبحانه وتعالى عباده ليمحص الصفوف وينقي الصدور، ليَخْرُج المؤمنون بعد ذلك أصلب عودًا وأشد إيمانًا، والابتلاء سنة من السنن الربانية، قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} [محمد:31]، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة:155]، ولكن هل يستمر البلاء أم أن من سنته تعالى أيضًا الفرج بعد الشدة {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)} [القصص:5]، {إنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51)} [غافر:51]، والأصل أن المسلم يسعى ألا يتعرض للابتلاء ولا يطلبه ويتمناه، كما جاء في الحديث النبوي: «لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية».

قال ابن القيم رحمه الله: «فمن ظن أن الله لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد والباطل على الحق إدالة مستمرة، يضمحل معها التوحيد، فقد ظن بالله ظن السّوْء، فإن حكمته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن يكون الظفر لأعدائه، ومن ظن ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه وصفاته»(1).

لماذا لا نفكر أن هناك مشكلة ما في حاضر المسلمين وواقعهم، لماذا لا نبحث عن الأخطاء الكبيرة التي ارتُكِبت، عن الأشياء الثمينة التي ذهبت من أيدينا ونحن غافلون، قد يكون هناك أخطاء في النظرة إلى المجتمع الذي نريد له النهوض وأن ننهض معه، والنظرة إلى ما حولنا من تجمعات وكيانات ودول، وإذا اكتشفنا أننا على جبل صغير ألا يجب أن نفكر كيف نهبط ونعبر السهول لنتسلق جبلًا أعلى، وهذا يعني التخلي عن الأفكار الميتة التي نحملها، لماذا لم تستطع الحركات الإسلامية أن ترتقي لتصبح تيارًا عامًا ويستفيد من كل طاقات الأمة، ومن الملاحظ في الشركات التي فقدت المرونة أن الابتكارات تأتي غالبًا من أشخاص لا يعملون في الشركة، إنما يكونون من خارجها، لماذا لا نلاحظ أنه عندما يزداد العلم، ويبدأ التفكير، وتبدأ المناقشات فسوف ينسحب البعض لأنه لا يستسيغ طرق التفكير الساذجة، وهذا خسارة للدعوة.

هل فكرنا بما ستئول إليه الأمور، بالاستراتيجيات، أم ما زلنا نحب التفكير الآني القصير المدى والنتائج الفورية «إن التجربة الدعوية حتى لو كانت ناجحة تحتاج هي الأخرى، بعد مرحلة معينة، لإعادة النظر؛ لأن كل نجاح ينتهي إلى أزمة عندما يقع الإخلاد له واعتباره نهاية المطاف»(2).

إن الناظر إلى الساحة اليوم لا يبصر حركة في اتجاه واحد، اتجاهًا بناءً، وإنما يلاحظ دوامات وجيوبًا منفصلة، كل جيب استأثر بجزء من شباب الأمة، قد يكون التعدد شيئًا واقعًا، ولكن يجب أن ننكر الدوران في الدوامة نفسها، في الدوائر المغلقة المعزولة، والمتشاحنة أحيانًا.

هل نمارس النقد الذاتي أم نقول: نحن قمنا بما يجب علينا، وعملنا كل الذي نستطيع، ولكن المؤامرات الخارجية هي التي عملت بكل جهدها لصدنا عن مشروعنا، وعطلت كل سبلنا، ثم نحن غير مسئولين عن النتائج.

إن الجملة الأخيرة من مقولتهم هي كلمة حق أريد بها تبرير الكسل الفكري والعملي، وعدم الاعتراف بالتقصير في الأخذ بالأسباب الكافية.

إنها الأخطاء والفشل الذي يجب الاعتراف به، ثم تصحيح المسار بعد الاعتماد على الله سبحانه وحده.

____________

(1) زاد المعاد (3/ 229).

(2) محمد الميلي، المعرفة والأمل، ص163.

موقع المسلم