صائد المواهب
الموهبة كالزهرة؛ إن لم يتم رعايتها ذبلت وماتت، وكم من المواهب انطفأ بريقها وفقد العالم خيراتها، لا لسبب إلا لعدم وجود من يكتشفها، يصطادها؛ ومن ثم يضع أصحابها على أول الطريق الصحيح المفعل لمواهبهم.
في المساجد، في المدارس، في الجامعات، في المؤسسات، وفي كافة القطاعات هناك موهبة ما ساكنة في ركن من أركانها، قد يقدر لها ويكتشفها من يقدر قيمتها ويدرك أهميتها، ويوجهها الوجهة الصحيحة، وقد تتوه في وسط البشر، وتنشغل بإشباع الاحتياجات الشخصية، والسعي على الأهل والأبناء في ظل الأعباء والضغوطات، لتصبح الموهبة ذكرى من الذكريات.
من هنا كانت المبادرة، وكان الاقتراح بوجود وظيفة اجتماعية تحمل همّ اكتشاف الموهوبين؛ لتضعهم في المسار الصحيح قبل الضمور والذوبان، ويمكن أن نطلق على صاحب تلك الوظيفة اسم (صائد المواهب).
وهذا الصائد هو شخصية تعرف قيمة الموهبة، ليس بالضرورة أن يكون صائد الموهبة عالمًا حاذقًا أو مفكرًا متبحرًا، ولكنه يعرف طريق العلماء، ويدرك سمتهم، ويلمس سبيل المفكرين ويقرأ نبوغهم.
ومن ثم فإذا وقعت عيناه على موهوب، هنا أو هناك، يستطيع، من خلال رصده لحركات وسكنات هذا الموهوب، أن يدرك ملكاته، وفي أي حقل يمكن أن تستنبت.
ولا يمكن لصائد المواهب هذا أن يوجد على الساحة، ويفعل دوره بحيث يخدم الأمة الإسلامية، ويسعى لنهضتها بعقول ومواهب أبنائها إلا بعدة أمور رئيسية، منها:
1- نشر ثقافة اكتشاف المواهب في المجتمعات الإسلامية، مع الترويج لوظيفة صائد المواهب، وذلك بتأهيل المجتمع لاصطياد الموهبة، وهذا دور رسمي وإعلامي، يقع عبؤه على العلماء، المسئولين، الكتاب، الإعلاميين، وكل صاحب منبر يدرك قيمة الموهوبين وأثرهم في نهضة الأمم؛ وذلك حتى يكون المجتمع مهيأً لهذا النوع من الوظائف.
2- وجود مؤسسة تحتضن وتؤهل صائد المواهب للعمل في المجتمع، وليكن اسمها (مؤسسة إعداد وتأهيل صائدي المواهب)، لتعمل ضمن منظومة المؤسسات الأهلية؛ حيث تقدم هذه المؤسسة جملة من البرامج العلمية والتدريبية، التي توفر لصائد الموهبة كافة الملكات اللازمة لاكتشاف المواهب، ويمكن أن يقوم على أمر هذه المؤسسة القادة والخبراء في المجالات العلمية المتعددة، والذين أحيلوا للتقاعد بسبب سنهم.
3- يمكن لمراكز التدريب القائمة أن تشرع في وضع برامج تدريبية لإعداد وتأهيل صائد الموهبة؛ حيث يلتحق فيها من يرى في نفسه القدرة على القيام بهذه المهمة؛ ليدرب تدريبًا نظريًا وعمليًا على اصطياد الموهبة، ويكون مؤهلًا لممارسة هذه الوظيفة في المجتمع.
4- وجود عدد من المؤسسات القومية والفرعية في البلاد الإسلامية لرعاية الموهوبين، بحيث يكون صائد الموهبة بمثابة حلقة وصل بين الموهوب وبين تلك المؤسسات.
5- وجود موقع وظيفي يعمل صائد الموهبة تحت مظلته؛ يغطي مصروفات حركاته في أنحاء البلاد، ويوفر له المكافآت على ما يقوم به من إنجازات، وهذا الموقع يمكن أن يكون في:
أ- وزارات التربية والتعليم؛ ليجوب صائد المواهب المدارس، ويلتقط الفوارس من الموهوبين والمبدعين.
ب- يمكن أن يكون هذا الموقع الوظيفي في الجامعات؛ حيث يلتقط الصائد من الكليات والمعاهد الملكات والمواهب، ويضعها على طريق النبوغ والإبداع.
ت- كما يمكن أن يكون لصائد المواهب موقع وظيفي ضمن منسوبي وزارات الدعوة والإرشاد؛ حيث يلتقط الموهوبين في حقل الدعوة وفي أوساط المسلمين الجدد؛ ليوجههم الوجهة التي تخدم بها موهبتهم الأمة الإسلامية.
ث- أن يكون لصائد الموهبة موقع متميز في المصانع والشركات والمؤسسات الخاصة؛ لتكون مهمته تأمل أحوال القطاعات العلمية المتقاطعة مع تخصصات المؤسسة، التي ينتمي إليها، والسعي لاصطياد كل موهبة تعلي من قدر مؤسسته وكفاءتها المهنية.
مبادرة سطرنا فكرتها عبر الكلمات السابقة، وهي قابلة للتعديل والإضافة والتنقيح؛ ليتم بلورتها وتفعيلها كي تؤتي بثمارها في المجتمعات الإسلامية، ويصير لصائد المواهب وضع وظيفي يحظى باحترام جميع الفئات، ويتوافر له المناخ المهني وآليات التحرك، التي تمكنه من اصطياد عشرات ومئات الموهوبين، في كافة القطاعات التي بنهضتها تنهض الأمة الإسلامية بإذن ربها.
موقع: الألوكة