logo

بواعث الطعن في التراث الإسلامي


بتاريخ : الجمعة ، 17 محرّم ، 1437 الموافق 30 أكتوبر 2015
بقلم : أحمد محمد بلقيس
بواعث الطعن في التراث الإسلامي

قد تكون أفكار المعتزلة هي حجر الأساس أو منطلق المعتزلة الجدد المعروفين بالليبراليين الإسلاميين أو التنويريين في طعنهم بالسنة، والموروث الفقهي والتفسيري للقرآن الكريم - وإن كان طعنهم ليس بالجرأة التي نطق بها جدهم الأعلى عمرو بن عبيد- كونها تنطلق من منطلق عقلي بحت !

فاليوم ومع غياب القوة العلمية عن الساحة الإسلامية يظهر بعض دعاة التحرر ليرموا هذا التراث عن قوس واحدة - قوس العقل والتشكيك أعني - والموضوعات هي ذاتها بلا اختلاف : طعن في الصحيحين ، تجريح في بعض أعلام الصحابة ، اتهام كتب التفسير بأنها مشحونة بالإسرائيليات والأباطيل والأكاذيب.

هذه الأطروحات من حيث مضومنها لا تخيفني فهي في رأيي قد عفا عليها الزمن واستوعبتها الكتب بردود مفحمة؛ ولكن إعادة طرحها على الساحة الإسلامية هو المخيف فهو يمثل في رأيي أمرين :

الأول: إظهار التموت العلمي والفكري التي تعيشه الأمة منذ زمن طويل وطويل جداً ، وعدم قدرتها – حتى المبتدعة والضلال منها- على طرح أفكار جديدة على الساحة الإسلامية ، وهذا ملاحظ جدا في سوق الكتب والمؤلفات التي ما زالت تتناول الموضوعات التي تشبعت المكتبة الإسلامية بمؤلفات عنها ، كالبدعة والتوسل والفرق والمذاهب ؛ لست أعارض الكتابة عن هذه االموضوعات ولكني أعارض المنهجية الركيكة والنمطية في الطرح ومنهجية القص واللصق والنقول الغفيرة بدون ربط مع الواقع أو حتى محاولة لفهم النص بشكل أفضل.

الثاني –وهو الأخطر بطبيعة الحال- : وهو أن هذا الطرح إنما هو عبارة عن تمهيد للطعن في المسلمات ومحاولة تطويع الدين للتماشي مع معطيات هذا الزمان وطرح أفكار شيطانية كالمطالبة بإعادة النظر في فرائض الميراث مرة أخرى وبالأخص (للذكر مثل حظ الأنثيين) بحجة أن هذه الفرائض وضعت طبقا لمعطيات اجتماعية وزمنية سالفة وهذا يعني أنها قابلة للتغير بحسب معطيات العصر وهذا يعني بشكل أو بآخر تماشيا مع التفسير الحديث لظاهرة الأديان التي وضعها جوليان هكسلي[1] وخلاصتها : (إن الدين هو نتاج التفاعل بين الانسان وبيئته) !

هذا النوع من التعامل مع النصوص الدينية قد يكون مبعثه الهوى ؛ ولكن مبعثه الأساسي هو روح الانهزامية والخوف من التيارات المعادية والشعور بالضعف والهوان أمام الخصم، مما يضطر بالباحث إلى خلق تفسيرات و مناهج جديدة للتعامل مع الدين والشرع تكون مقبولة عقلا ومتوافقة مع الفلسفة والمادية الحديثة ، كتلك التي تقول إن الجنة والجحيم حالتان وليستا بموقعين !

المشكلة التي تواجه هؤلاء المفكرين هي أنهم لم يقفوا على حقيقة الدين والشريعة ؛ فهي ربانية المصدر ، متبوعة وليست تابعة ، وهنا دعوني أطرح سؤالا مهما: ما الذي يدفع عالما ما في العلوم المادية للتمسك بعقيدة كتلك التي تؤمن أن الإله قد تجسد في بقرة – تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- , أو تقدس الفأر والقرد؟

في رأيي أن هؤلاء – مع غرقهم في الضلال – إلا أنهم علموا يقينا أن دينهم هذا هو أكبر من أن يحاكم من قبل فرضيات ونظريات مادية متغيرة ، ولا يمكن لهذا الدين أن يطوع حسب التغيرات المزاجية للمادية الحداثية.

" إني أصدقه في أبعد من هذا إني أصدقه أن خبر الوحي يأتيه من السماء في عشية وضحاها ، أفلا أصدقه أنه انتقل إلى البرزج وصعد إلى السماء، والله لهذه أصعب من هذه ." هذه الكلمات الخالدة التي نطق بها الصديق أبو بكر لم تكن محاولة منه للتهرب من محاولة إحراج كفار قريش له ، بل خرجت من عقل تمتع بفقه عال دقيق ، فالصديق قد وقف على حقيقة الأمر، وجعل الدين والإيمان أصلا لا يسقطهما أي فرع !

إن محاولة إنشاء تزاوج بين الإسلام وغيره هو أسلوب الحضارات المقهورة إزاء الحضارات القاهرة ، وهذا الأسلوب لا يمكن أن يعيد الإسلام إلى مكانته الريادية بين الديانات والحضارات ، بل سيجعله رهين عجلة الزمن تدور به حيث دارت؛ لتبين عجزه عن الإتيان بمنظومة واضحة ثابتة راسخة ، وأنه يكتفي بالعلاجات المؤقتة التي سرعان ما يذهب مفعولها، فعظمة الدين في تغييره للأفكار لا في تماشيه معها !

وحاصل الكلام أن ظاهرة الطعن في السنة والموروث الفقهي ليست ناتجة – غالبا- عن مشكلة شخصية مجردة مع هذا الموروث ، بل هي نتاج "للبرلة"[2] الإسلامية والنظرة السطحية لهذا الموروث على أنه تفسير زمني للنصوص والمفاهيم الإسلامية ، فتبدأ بنبش إشكاليات قديمة ، لتنتقل إلى التشكيك بالمسلمات ، وتنتهي بتطويع الدين ليتلاءم مع الحداثة والعولمة.

(فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون)

[1] عالِم أحياء وفيلسوف إنجليزي ملحد (1887-1975)

[2] من اللبرالية ، ومفهومها المختصر هو التحرر.

ـــــــــــــــــــ

المصدر: موقع الإسلام اليوم