logo

أهمية المشاعر في العمل التربوي


بتاريخ : الاثنين ، 13 رجب ، 1438 الموافق 10 أبريل 2017
بقلم : محمد عادل
أهمية المشاعر في العمل التربوي

إن للعاطفة سطوةً كبيرةً على النفس الإنسانية، حتى إن كثيرًا من تجارب النجاح والفشل في حياة الإنسان تلعب المشاعرُ فيها الدورَ الأكبر، وإن إجادة بعض الناس لفن توظيف المشاعر بصورة إيجابية محفِّزة للهمة ومفجِّرة للطاقة وداعمة للاستقرار النفسي، وهي من ركائز صناعة النفوس العظيمة، في حين تمثِّل المشاعر المتفلتة، التي تسيطر على صاحبها دون أن يسيطر هو عليها، عائقًا كبيرًا أمام تقدُّم صاحبها، وتمنعه عن تحقيق أي إنجاز.

ولا يقف دور العواطف في حياة الإنسان عند الحدود الداخلية للنفس؛ بل إنه لا تكاد تخلو علاقة من العلاقات بين البشر، على تنوع أشكالها واختلاف دواعيها، من نوع من أنواع العاطفة، سواء في بداياتها، أو أثناء توجيه مسارها، والمساعدة على استمرارها، أو توقُّفها بعد ذلك.

وليست الأفكار وحدها، ولا الخبرات والمعلومات، هي التي تحدد توجهات الإنسان وترسم سلوكه، أو تعبِّر عنه وعن شخصيته، ولكنْ مشاعره أيضًا؛ لأنها جزء أساسي من تكوينه البشري؛ فللعاطفة إذًا دور كبير في تشكيل بناء الإنسان الداخلي من جهة، ورسم علاقاته الخارجية ومواقفه تجاه الآخرين من جهة أخرى.

ولأهمية العاطفة المحورية في حياة الإنسان؛ فإن الإسلام عدَّ العاطفة جزءًا أصيلًا في إيمان المرء، لا يكتمل إلا به، ولا ينمو إلا بنمائه؛ فالحب في الله والبغض في الله من أرقى درجات الإيمان.

ولأن النفس الإنسانية، بما تحويه من مخزون عاطفي، ومحاولة الارتقاء بها وإصلاحها، هي مجال عمل المربي الأول؛ فمن هنا يُعتبَر الاهتمام بالمشاعر حجر الأساس في العمل التربوي، على اختلاف صوره وأشكاله؛ ولذا فإن غفلة المربي عن العناية بتلك المشاعر وتهذيبها يعني مواجهة العديد من المشكلات، والفشلَ في الوصول للأهداف التربوية المرجوة، أو العجزَ عن تحقيق بعضها.

إن الدور المنوط بالمربي في العمل التربوي دور يتميز بالعمق والتنوع الكبير؛ لذا لا يتمكن المربي من النجاح في أدائه لمجرد تمكُّنه من مجموعة من المهارات التربوية، مع بذل الجهد واستفراغ الوسع.

وعلى الرغم من أهمية كل ذلك، إلا أن طبيعة العمل التربوي، الطويل في مداه الزمني، المتنوع في وظائفه، وخصوصية العلاقة بين المربي والمتربي، تستلزم فوق ذلك نوعًا خاصًا من الأخوَّة الصادقة غير المتكلَّفة، والعواطف الفياضة القوية في تأثيرها، المنضبطة في صورتها، تتيح للمربي أداء مهامه التربوية على وجهٍ جيد.

وتحتاج التربية في جميع مراحلها، خاصة مراحلها الأولى، إلى الارتباط الشعوري الوثيق بين المربي والأفراد، وإلى اهتمام خاص من المربي، ورعاية مستمرة للمتربين، توفر للمربي القرب المطلوب، والإحاطة الجيدة بنفوس الأفراد، وتوفر للمتربين الاستقرار النفسي والاطمئنان الشرعي، الذي يحتاج المتربي التأكد منه تجاه مربيه؛ فضلًا عن أن شكل العلاقة وقوَّتها وثباتها في هذه المرحلة يترك أكبر الأثر في نفوس المتربين، وتستمر انطباعاتها لسنوات طويلة، وتمثل ذكرياتُها مع المربي رصيدًا كبيرًا من المشاعر الإيجابية المحفِّزة لقدرات المتربي وانطلاقِه بحب، وانقيادِه بقناعة لمربيه في خطوات التربية ومراحلها، ومن ثَمَّ فحرص المربي على أن يملأها بالمشاعر الجميلة، والمواقف والذكريات الطيبة، من المعِينات الأكيدة لحسن تلقِّي المتربي من مربيه في المراحل التربوية اللاحقة.

دور المشاعر في العمل التربوي:

إن الأخوَّة الفردية الخاصة التي تربط بين المربي والمتربي هي إحدى أهم جوانب العلاقة المتميزة بين الطرفين، وإن للعاطفة الجياشة التي يستشعرها المتربي من مربيه دورًا كبيرًا في نجاح العلاقة التربوية واستقرارها، وهذا الجانب العاطفي يتيح للمربي القرب الهادئ من المتربين، والإحاطةَ بأمورهم التي يحتاج إلى الإلمام بها؛ ليُحسِن التعامل معهم وتوجيههم؛ إذ إن المدخل العاطفي والمحبة الأخوية هي أفضل طريق للقرب من المتربي، ومعرفة طباعه وصفاته النفسية، والوقوف على خصائص شخصيته؛ فعندما يثق الفرد في مربيه فإنه يصبح كتابًا مفتوحًا بين يديه، ويبوح له بالعديد من خبايا نفسه وأسراره، التي لا يطلع عليها إلا المقربون، كما أن هذه العاطفة تهيئ المتربين من جانب آخر للتلقي من مربيهم برضًى وقناعة.

فما عند المربي من بضاعة حقٍّ وخير قد تُقنِع المتربي بقبولها لكونها حقًا وخيرًا، لكن ذلك قد لا يكون كافيًا دائمًا لالتزام المتربي بهذا الخير؛ بل يحتاج المتربي لبعض المعِينَات التي تسهِّل عليه قبول الحق، وتيسِّر له العمل به، وكثيرًا ما تتمثل تلك المحفزات في عواطف الأخوة الصادقة، التي تجمع قلوب المتربين مع مربيهم؛ بما تغرسه في نفوسهم من حلاوة المحبة في الله، ولذة ما يستشعرونه من جميل التآخي فيه، والالتقاء على طاعته سبحانه.

ويمثِّل هذا الرصيدُ العاطفي الاعتبارَ الأهم، بدايةً، في تجاوز المتربي لأي مشكلة قد تحدث بينه وبين مربيه.

والتماس العذر عن أي خلل أو تقصير قد يحدث من جانب المربي في حقه هو الأصل في التعامل؛ فالمتربي الذي يرتبط نفسيًا بمربيه، ويُكن له قدرًا كبيرًا من المحبة والاحترام يَسهُل عليه التماس الأعذار له، ولا تعتاد عينه رؤية أخطاء مربيه وتضخيمها؛ بل التجاوز والصفح والتماس العذر هو الغالب على النفوس تجاه مَنْ تحبها.

ولذا فإن رصيد العاطفة الكبير، الذي تسري نسماته بين المربي والأفراد، تظهر دلائله واضحة في أسلوب التعامل الراقي، والحرص على مشاعر الجميع، وهو أحد أهم صمامات الأمان التي يركن إليها المربي لاستقرار الوسط التربوي، ولتهدئة أجوائه عند حدوث أي توتر أو أزمات؛ حيث تذوب في أجواء المحبة الصادقة حدةُ الغضب، وتهدأ الأعصاب المتشنجة، وتُدفَع أيُّ خواطر سيئة قد يوسوس بها الشيطان، أو سوء ظن قد يختلج في النفوس في لحظات ضعفها.

فشعور الأفراد بالأمان مع مربيهم، بسبب الارتباط الأخوي، من المشاعر المؤثرة إلى حدٍّ كبير في ضبط الاستقرار النفسي لدى المتربين، وفي القضاء على الكثير من المشاكل، وحسم أي خلافات قد تنشأ داخل المحاضن التربوية.

بجانب ذلك فإن العاطفة تلعب دورًا مؤثرًا في تخفيف حدَّة التكاليف ومشقة المهام التي يُكلَّف بها المتربي، فيؤديها بهمة ومثابرة، دون ضجر أو ملل، خلافًا لما لو فقدت العلاقةُ تلك الأخوة المتميزة ومشاعرها الجميلة؛ فقد تؤدي أية مشكلة أو خلاف يطرأ إلى توتُّر في العلاقة، يؤثر على سير العملية التربوية، أو تدفع المتربي للتهرب من أداء التكاليف، أو القيام بها بأداءٍ ضعيف وصورة روتينية، لا يحتسب فيها أجرًا، ولا يرجو منها فائدة.

لا تُبْقِ مشاعرك داخل جدران نفسك:

لا ينبغي أن تقف تلك المحبة والعلاقة الأخوية عند حدود المشاعر القلبية وكلمات المودة؛ دون أن تُتَرجَم إلى مواقف عملية، يستشعر منها المتربي صدق المحبة ودفء الأخوة مع مربيه.

ويجب الالتفات إلى أن فاعلية تلك العواطف تقل كثيرًا ويختفي أثرها عندما يتم الاحتفاظ بها داخل جدران النفس، دون إشعار الآخرين بها؛ فالمحبة مهما بلغت في قلب المربي دون أن يستشعرها المتربون تفقد أثرها الجميل.

والمربي الواعي، الخبير بأحوال النفوس، هو من يُحكِم بناء تلك العواطف ابتداءً، ويُحسِن إظهارها بعد ذلك وإشعار المتربين بها؛ دون مبالغة تُخرِجها إلى درجة التكلف، ودون تحفُّظ يصل بها لحد الجفاف.

ومن علامات نجاح العلاقة الأخوية في شقها العاطفي بين المربي والمتربين، هي تلك المشاعر الفياضة التي يستشعرها المربي منهم، والتي تكبر مع الوقت مع عملية القرب والإحاطة والأخوة، ومن علاماتها أنك ترى إقبال المتربِّي على مربيه باهتمام، والفرحةَ بلقائه والجلوس معه، والانشراحَ عند رؤيته، والحرصَ على الالتزام بمواعيده، والإنصات لحديثه، والحرصَ على شئونه، والمساعدة في قضاء حوائجه، واضطرابَه عند غياب مربيه وانقطاعه عنه لطارئ، وعدمَ تحرُّجه من فتح بعض الموضوعات التي تخصه، والتي يصعب عليه أن يصرح بها لغير المربي.

محاذير تربوية:

- قد يغلو المربي في علاقة المحبة التي تربطه بالمتربين، فيخرج عن الحد الذي ينبغي أن تنضبط به علاقته بهم، وينتج عن ذلك صور منوعة من السلبيات التي تصيب المتربي وبقية المتربين والوسط التربوي كلَّه، ولا يسلم منها المربي ذاتُه، ومن ثَمَّ يستوجب الأمر مراعاة الضوابط والآداب الشرعية؛ حتى تنضبط العلاقة في شقَّيها؛ الأخوي والتوجيهي.

- لا تعني الحاجة إلى الاعتناء المستمر والتعهد القوي بالمتربي أن يتكلف المربي في مشاعره تجاه المتربين، أو يبالغ في إبراز اهتمامه بهم؛ فإن لذلك سلبيات مستقبلية على نفس المتربي، والأصل عدم إمكانية استمرار التكلف في كل وقت.

- الحذر من التدليل في التعامل مع المتربين:

ومنشأ ذلك التدليل قد يكون حرص المربي على القرب من المتربين والتودد إليهم؛ لكسب ثقتهم واستمالتهم، وقد ينشأ التدليل أحيانًا مع بعض المتربين بسبب قدراتهم الكبيرة ومواهبهم المنوعة، تلك التي تدفع المربي لتمييزهم بشكل خاص، خلافًا لبقية أقرانهم، مع معاملتهم بصورة ينشأ معها الفرد على التدليل؛ فهو يضيق ذرعًا إذا ما جرى التعامل معه مثل بقية أقرانه، وقد لا يتقبل العقاب أو مجرد اللوم في حال تقصيره.

- قد ينشأ من التعلق العاطفي المفرط للمربي بأحد الأفراد، مع المخالطة والمعايشة، ضعف في شخصيته، وقد تبهت وتذوب في شخصية المتربي؛ بل قد يتولد، مع طول الخلطة والمعايشة، نوع من التبسط الزائد والأريحية المَرَضية؛ تؤدي، إذا لم يفطن المربي لها مبكرًا، لنوع من الندِّية في التعامل، وبعض التجاوزات السلوكية، التي لا يقصدها المتربي، في الغالب، ومن ثَمَّ تسقط هيبة المربي، ويفقد زمام التوجيه مع الوقت.

- من المزالق، التي قد يقع فيها بعض المربين، تمييز بعض المتربين، والتعلق بهم، وتقريبهم، وتخصيصهم بمزيد اهتمام يفوق بقية أقرانهم، بصورة تثير حفيظة بقية أقرانهم، وقد يكون ذلك بسبب الجاذبية الشخصية، التي تُميز بعض المتربين وتجعلهم محط إعجاب مَن حولهم، بما فيهم المربي نفسه.

إن الأصل في الجو التربوي إشاعة روح الثقة لدى المتربين؛ وهذا بالطبع لا ينشأ إلا إذا استشعر المتربي إنصاف مربيه وعدالته، واتباعه للشرع في معاملة الجميع دون تمييزٍ لا داعي له ولا حاجة إليه.

وربما استدعت اعتباراتٌ خاصة تمييز بعض المتربين، بناءً على ما يبذلونه من جهد وما يحققونه من تقدم، أو ربما يحتاج بعضهم، أحيانًا، مزيد عناية واهتمام لطارئٍ حل به؛ كمشكلة تواجهه أو فتور يعتريه وغير ذلك؛ مما قد يستدعي عنايةً خاصة واهتمامًا زائدًا، ومثل تلك الاعتبارات قد تخوِّل المربي للاهتمام الزائد ببعض حالات من المتربين لبعض الوقت، لكنها لا تخوِّل له التمادي المتكلَّف فيه في تلك الاعتبارات، أو الاعتماد على اعتباراتٍ منشؤها الهوى والتمييز غير المستحق.

وأخيرًا: إن الحالة الشورية كذلك تؤثر تأثيرًا كبيرًا على طريقة تلقِّي الأفراد وتفاعلهم ونموِّهم، وطريقة عطائهم بعد ذلك، وكلما كان الوضع النفسي مستقرًا كلما كان المربي أقدر على العمل بهدوء ونجاح، وأقدر على الإنجاز، وكان المتربي أقرب للتميز والإبداع.

المصدر: مجلة البيان