إرشادات للأئمة حول الصلاة في البيوت
الداعية: عبد العزيز بن صالح الكنهل
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فكثيرٌ من الآباء والأزواج والإخوة سيكونون هذا العام أئمةً محتسبين في بيوتهم، بعد تعليق الصلاة في المساجد بسبب انتشار فيروس كورونا، وربما بعضهم سيكون إمامًا لأول مرة، لذا كانت هذه التوجيهات للأئمة الجدد في بيوتهم، وأسأل الله أن ينفع بها:
♦أخي الكريم، احرِص رعاك الله دائمًا على أمرين مهمين لا يسمى العمل عملًا صالحًا بدونهما، أو بدون أحدهما، ولا يُقبل العمل بدونهما، وهما الإخلاص والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومن المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم: الحرص والحث على المحافظة على سُنن الصلاة القولية والفعلية، ومنها السنن الراتبة والمندوبة، وأذكار أدبار الصلوات للحديثين التاليين: الأول في أذكار الصلاة البعدية، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سبَّح الله دبرَ كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمِد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبَّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعٌ وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير - غُفِرت خطاياه وإن كانت مثل زَبَد البحر))؛ رواه مسلم.
الثاني في السنن الرواتب؛ عنْ أُمِّ المؤمِنِينَ أُم حبِيبَةَ رَمْلةَ بِنتِ أَبي سُفيانَ رضيَ الله عَنهما، قَالتْ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يقولُ: مَا مِنْ عبْدٍ مُسْلِم يُصَلِّي للهِ تَعَالى كُل يَوْمٍ ثِنْتَيْ عشْرةَ رَكْعَةً تَطوعًا غَيْرَ الفرِيضَةِ، إِلا بَنَى الله لهُ بَيْتًا في الجَنَّةِ، أَوْ: إِلا بُنِي لَهُ بيتٌ فِي الجنَّةِ؛ رواه مسلم.
وعَنِ ابنِ عُمَر رَضيَ الله عنْهُما، قالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، ورَكْعَتيْنِ بَعْدَ الجُمُعةِ، ورَكْعتيْنِ بَعْد المغرِبِ، وركْعتيْنِ بعْد العِشَاءِ؛ متفقٌ عَلَيهِ.
وعنْ عبدِاللَّهِ بن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه، قَالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَيْنَ كُلِّ أَذانَيْنِ صَلاةٌ، بيْنَ كل أَذَانيْنِ صَلاةٌ، بَيْنَ كُل أَذَانَيْنِ صَلاةٌ، وقالَ في الثَالثَة: لمَنْ شَاءَ)؛ متفقٌ عَلَيهِ.
احرِص في صلاتك في البيت وفي إمامتك لأهل بيتك على الآتي:
ترغيب أهل البيت خاصة الشباب والشابات الذين ربما بعضهم لأول مرة سيحافظ على صلاة التراويح، فرغِّبهم في فضيلة رمضان صيامًا وقيامًا وتلاوة وصدقة بذكر الأدلة في ذلك؛ مثل الآتي:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ؛ رواه البخاري ومسلم.
ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه رغب في صلاة التراويح جماعةً، فقال: (مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ، كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ)؛ رواه الترمذي وصححه وأبو داود والنسائي وابن ماجه، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وهذا الثواب لا يناله إلا من صلى مع الإمام حتى ينتهي من الصلاة كلها، أما من اقتصر على بعض الصلاة ثم انصرف، فلا يستحق الثواب الموعود به في هذا الحديث، وهو "قيام ليلة".
ولا تنسَ تذكيرهم بالموت والجنة والنار، فالقلوب في رمضان خاصة مقبلة وقابلة.
وعلِّمهم أحكام الصيام الأساسية وسننه الفعلية.
♦أعلَم أنك ترغب في إطالة التراويح وختم القرآن فيها، وتتلذذ بذلك، ولكن من باب ترغيب أهل البيت حتى يتشجعوا ويحافظوا على التراويح إلى آخر الشهر، اختصِر في صلاتك بهم اختصارًا غير مخلٍّ.
♦ السنة النبوية أن تمزج في العشرين ليلة الأولى بين القيام والنوم، ولكن إن كان أهل البيت سيسهرون كل الليل أو معظمه كما هو غالب كثير من الناس للأسف، فلعل الأفضل إن لم يشق عليهم أن تجعل وترَك وقنوتك بهم في آخر الليل؛ أي: في وقت النزول الإلهي للسماء الدنيا واستجابة الدعاء.
♦ إذا انتهيت من صلاتك بهم ورغِبت في مزيد من صلاة فيها مزيد إطالة في القيام والركوع والسجود، فادخُل غرفتك وصلِّ ما شئت وأطِل ما شئتَ.
♦ كما ندبتك لعدم إطالة القيام والسجود بهم، كذلك أندبك إلى عدم إطالة القنوت حتى لا تُنفرهم، واقتصر على الأدعية القرآنية والنبوية الثابتة، واترك الأدعية المسجوعة المتكلفة، أو أن تحول القنوت إلى موعظة.
♦ علِّمهم تعظيم شهر مضان، وأن تعظيمه من تعظيم الله سبحانه الذي عظمه بفرض صيامه، وبإنزال القرآن فيه، وبجعْل صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا مكفرًا للذنوب.
♦ كنْ قدوة حسنة لهم بحرصك الشديد على الاستفادة من الشهر صيامًا وقيامًا وصدقة وتلاوة وأخلاقًا.
♦ كنْ قدوة لهم بعدم الانشغال بوسائل التواصل والقنوات، وكل الصوارف عن الانتفاع من هذا الشهر، أو تحديد أوقات محدودة للاطلاع على النافع في وسائل التواصل.
♦ كثيرٌ من الناس يفرِّطون في ليالي رمضان، والجيد منهم من يقرأ القرآن نهار رمضان، وعدم العناية بالتلاوة ليالي رمضان هو خلاف السنة النبوية؛ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ؛ رواه البخاري. ولاحظ أن المدارسة كانت ليلًا، وهذا يعني فضيلة تلاوة القرآن ليالي رمضان.
♦ تنبيه أخير: لا تنشغل بالتوجع على عدم صلات التراويح في المساجد، وارضَ بما قدَّره الله سبحانه، والمخلص لا يَمنعه من العبادة والتلذذ بها شيء، بل ربما يحصل لك المزيد من الإخلاص والخشوع.
حفِظكم الله وبلَّغكم رمضان، وأعانكم على صيامه وقيامه إيمانًا واحتسابًا، وكشَف الله الوباء، وصلِّ اللهم على نبينا محمد ومن والاه.
المصدر: موقع الألوكة