"أنصار الملك" يكشفون حجم الفساد وسط الطبقة السياسية في الكيان الصهيوني
بعد ثلاث سنوات من التحقيقات وجه أخيراً لزعيم حزب الليكود ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، تهمة بتقاضي رشوة والاحتيال وخيانة الأمانة.
لم يكشف المحققون عن هوية من قدموا أول البلاغات عن فساد تصرفات السياسي المحافظ المخضرم الذي يطلق عليه أنصاره "الملك بيبي". لكنهم بدأوا انطلاقا من هذا الخيط وبانتظام ينتقون أعضاء في الدائرة المقربة من رئيس الوزراء الذين سبق أن اختارهم نتنياهو بنفسه ومسؤولين كبارا لكي يكونوا شهود إثبات عليه.
وتم الكشف عن الأدلة المتزايدة في سلسلة من التسريبات المثيرة التي أضعفت ما قال ممثلو الادعاء إنها خطة من نتنياهو للتحكم في صورته العامة من خلال تبادل المنافع مع المؤسسات الإخبارية من أجل تغطية إيجابية.
كان الرجل الذي قاد التحقيقات هو أفيخاي ماندلبليت المدعي العام الصهيوني الذي عينه نتنياهو في 2016 وسبق أن عمل أمينا لمجلس وزراء نتنياهو بدءا من 2013.
وقال ماندلبليت لدى إعلان الاتهامات "حظيت بالعمل معه وشهدت مواهبه وقدراته المتعددة كرئيس للوزراء. وقد اتخذت القرار بتوجيه الاتهام له بقلب حزين". ويصف نتنياهو الإتهامات بأنها "محاولة إنقلاب" للإطاحة به.
وفي تقرير لوكالة "رويترز" وصف مصدر مطلع في الأجهزة الأمنية بأن بعض البلاغات وردت على استحياء، ثم "فاحت رائحة عفونة. لكن لم يكن الشق الجنائي واضحا فيها".
انطلقت تحقيقات ماندلبليت في يوليو 2016 عقب تعيين نتنياهو له. وسرعان ما ركز المحققون على تعاملات بين رئيس الوزراء والمنتج السينمائي أرنون ميلتشان والملياردير الأسترالي جيمس باكر.وستؤدي هذه التحقيقات في نهاية المطاف إلى القضية رقم 1000 المتهم فيها نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة وذلك لما تردد عن طلب هدايا وتسلمها من باكر وميلتشان كان من بينها إمدادات منتظمة من السيجار والشمبانيا.
وتقول عريضة الاتهام إن نتنياهو ساعد ميلتشان في الحصول على منافع مختلفة في أعماله. وقدم كل من ميلتشان وباكر شهادته في التحقيقات ولم توجه لهما أي اتهامات.
وخلال تحقيق منفصل مع أري هارو الرئيس السابق لديوان رئيس الوزراء وقع المحققون على كنز آخر تمثل في تسجيلات سرية على هاتف هارو المحمول.
ووثق المحققون سلسلة من الاجتماعات بين نتنياهو وأرنون موزيس صاحب صحيفة يديعوت أحرونوت أكبر صحف الكيان الصهيوني مبيعا وموقع واي نت الإخباري الشهير واللذين كان عداء كل منهما للآخر في ذلك الوقت من المعلومات العامة.وقال المصدر واصفا اللحظة التي سمع فيها المحققون للمرة الأولى التسجيلات "كانت مذهلة".
وفي لقاءات عقدت بين 2008 و2014 قيل إن الاثنين ناقشا صفقة كانت تقضي بأن يقدم موزيس تغطية إيجابية لنتنياهو وتغطية سلبية لخصومه السياسيين في حين يسعى نتنياهو لفرض قيود على صحيفة إسرائيل هيوم اليومية المملوكة لقطب صناعة القمار الأمريكي شيلدون أديلسون وهو من أنصار نتنياهو.
وتقتبس عريضة الاتهام التي جاءت في 63 صفحة من اجتماع عقد في ديسمبر 2014 خلال الاستعداد لانتخابات 2015. ويقول ممثلو الادعاء إن الرجلين بحثا مشروع قانون كان من شأنه أن يحد من توزيع صحيفة "إسرائيل هيوم".
وتقول العريضة إن موزيس قال لنتنياهو "نحن بحاجة للتأكد من أنك ستكون رئيسا للوزراء. وبافتراض أنه سيصدر قانون اتفقنا أنا وأنت عليه سأبذل أنا قصارى جهدي لكي تستمر أنت بقدر ما تريد".
ولم يكتب قط لمشروع القانون الذي ناقشه الرجلان أن يخرج للنور. ولم تتغير التغطية لنتنياهو في صحيفة يديعوت أحرونوت وموقع واي نت الإخباري بشكل كبير. وقال المصدر الأمني إن التسجيلات التي استغرب استيعابها ست ساعات صدمت المحققين.وكانت هذه التسجيلات هي التي أطلقت التحقيق الذي أدى إلى القضية رقم 2000 المتهم فيها نتنياهو بالاحتيال وخيانة الأمانة والمتهم فيها موزيس بالرشوة.وكان هارو قضى فترتين بصفته رئيس ديوان نتنياهو قبل أن يستقيل في 2015 وسط اتهامات بأنه حقق منافع على نحو خاطئ لصالح أعماله الشخصية أثناء شغل المنصب.وتحول هارو إلى شاهد ملك على نتنياهو في 2017 في إطار صفقة اعترف فيها هارو بالاحتيال وخيانة الأمانة.
ونفى محامو موزيس ارتكابه أي مخالفات في بيان مكتوب ووصفوا اتهامات الادعاء بالرشوة بأنها "تفسير خاطئ ومحرف" للتسجيلات.
أما أخطر القضايا المرفوعة على نتنياهو فهي القضية 4000 ولم تبدأ برئيس الوزراء. ففي 2017 كانت هيئة الأوراق المالية الصهيونية تحقق مع شاؤول إلوفيتش رئيس شركة بيزك إسرائيل تليكوم أكبر شركات الاتصالات في الكيان الصهيوني.
كانت الهيئة تتحرى ما إذا كان إلوفيتش قد تربح بشكل مخالف للقانون من صفقة ترجع لعام 2015 اشترت فيها بيزك بقية الأسهم التي لم تكن تمتلكها في شركة للبث التلفزيوني الفضائي.ولم يكن نتنياهو، الذي كان حينها وزيرا للاتصالات، محط شبهات.
كان أحد الشخصيات الرئيسية في التحقيق شلومو فيلبر المدير العام لوزارة الاتصالات الذي اختاره نتنياهو لهذا المنصب الحكومي عقب توليه وزارة الاتصالات.وقال المصدر إن التحقيق كشف عن قناة خلفية سرية بين بيزك وفيلبر.
وعثر المحققون فيما بعد على أدلة تشير إلى تورط رئيس الوزراء في تحركات على مستوى الإجراءات التنظيمية يقول المحققون إنها حققت منافع قيمتها نحو 1.8 مليار شيقل (500 مليون دولار) لشركة بيزك. ونفت الشركة ارتكاب أي مخالفات.وفي 2018 انقلب فيلبر إلى شاهد ملك على نتنياهو.وتزعم القضية 4000 أن خدمات نتنياهو التنظيمية لإلوفيتش كانت في إطار علاقة "تبادل منفعة" أوسع.
كانت بيزك تسيطر على موقع إلكتروني إخباري له شعبية كبيرة يسمى والا. وتقول عريضة الاتهام إن نتنياهو قدم التسهيلات التنظيمية مقابل تغطية أفضل لأخباره هو وأسرته.وتصف العريضة عشاء استضاف فيه نتنياهو وزوجته سارة إلوفيتش وزوجته إيريس قبل أسابيع من انتخابات 2013.
وقالت عريضة الاتهام "اتفق المدعى عليهم على أن يكون بمقدور نتنياهو وزوجته تقديم مطالب للسيد والسيدة إلوفيتش فيما يتعلق بتغطيتهما الإعلامية".وتتهم العريضة نتنياهو وزوجته بأنهما قدما مئات المطالب خلال السنوات القليلة التالية إلى موقع والا لتغيير عناوين ورفع تقارير سلبية عنهما وزيادة التقارير الإيجابية.
واتهم المحققون إلوفيتش وزوجته بالرشوة وتعطيل سير العدالة. كما وجهت لشاؤول إلوفيتش تهمة غسل أموال. ونفى الزوجان ارتكاب أي مخالفات.واستشهدت عريضة الاتهام بمثال صارخ على تأثير نتنياهو في الأخبار بمقابلة نادرة مع موقع والا قبل أيام من انتخابات 2015.
وتقول عريضة الاتهام إن التعديلات أملاها نتنياهو ونير هيفيتز المستشار الإعلامي لأسرة رئيس الوزراء في ذلك الوقت المتحدث الرسمي السابق باسمه.وانقلب هيفيتز إلى شاهد ملك في 2018. ووجهت لنتنياهو اتهامات بالرشوة في هذه القضية وكذلك الاحتيال وخيانة الأمانة.
وقالت عريضة الاتهام إن مطالب نتنياهو لموقع والا توقفت في يناير 2017 عندما استبد القلق برئيس الوزراء وإلوفيتش بشأن التحقيق في تعاملاتهما وتوقف موقع والا عن الامتثال لطلبات لصالح نتنياهو في تغطيته.
وقال نتنياهو يوم الخميس إن علاقات المنفعة المتبادلة بين السياسيين ووسائل الإعلام شائعة، لكنه مستهدف.وعن الشرطة والمحققين، قال نتنياهو "لم يسعوا وراء الحقيقة بل كانوا يسعون ورائي".
ورفض المدعي العام ماندلبليت اتهامات نتنياهو. ووصفه مصدر مقرب منه بأنه من المعجبين بشدة برئيس الوزراء.وقال المصدر "لكن في النهاية لا مجال للعواطف. فإما أن تحكي الأدلة الحكاية أو لا تحكيها".
وكالات