logo

كيف تختارين زوجًا يسعدكِ؟


بتاريخ : الاثنين ، 7 رجب ، 1441 الموافق 02 مارس 2020
بقلم : سحر شعير
كيف تختارين زوجًا يسعدكِ؟

ابنتي القارئة الكريمة، أهلًا بكِ.

في الوقت الذي انتشرت فيه صيحات المبطلين ينددون بالطريقة الإسلامية الصحيحة في الزواج، ويطلقون عليها تهكمًا (زواج الصالونات)، ويجعلون هذه الكلمة علمًا على الزواج التقليدي، الذي يخلو من روح الحب المشتعل، ويزعمون أنه غالبًا ما ينتهي إلى زواج مستمر ولكنه فاتر غير سعيد، أو تكون نهايته افتراق الزوجين وتهدّم الأسرة بالطلاق...!

وهذه الصيحات التي تدعو إلى التحرر من سلطة الوالدين ومشورتهما في الزواج، ليتقدم عليهما اختيار الفتاة على أساس الحب والميل العاطفي فقط، من خلال الانخراط في علاقة ليس لها موقع من الإعراب قبل الخطبة الرسمية، يزعمون أنها للتعارف ونمو الحب بين الشاب والفتاة، وهذه العلاقة، غير كوْنها إثم لا يرضاه الله تعالى؛ لقوله عز وجل: {وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}؛ أي: أخلاء؛ فيبقى السماح بها واستحسانها بمثابة السماح للفتاة بظلم نفسها ظلمًا بيّنًا؛ إذ لا تمتلك الخبرة الكافية التي تمكنها من الحكم على الشخص الذي تريد الارتباط به، ومعرفة إن كان يصلح أو لا يصلح.

وهنا تجد الفتاة نفسها بحاجة إلى معرفة الصحيح من السقيم في خضم هذه الأفكار الكثيرة الدخيلة على مجتمعاتنا العربية المسلمة، والتي تموج بها أحاديث الزميلات من حولها، فضلًا عما تطالعه كل يوم على صفحات السوشيال ميديا، فإلى هذه السطور التي أقدم لكِ فيها الأسس الصحيحة التي شرعها الله تعالى كي تمكّن الفتاة المسلمة من اختيار الزوج الذي تتوقع معه أن تستقبل حياةً سعيدة في الدنيا والآخرة.

ابنتي الغالية، إن من إكرام الله تعالى للمرأة في الإسلام أن جعل شأنها في الإسلام مبنيًّا على الستر والصيانة، ومع ذلك يظل رأيها معتبرًا في زواجها، واستئذانها واجبًا على أوليائها إذا تقدم لها من يريد خطبتها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: (إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته)، قال فجعل الأمر إليها فقالت: «قد أجزتُ ما صنع أبي، ولكن أردت أن تعلم النساءُ أن ليس إلى الآباء من الأمر شيء» [رواه ابن ماجه].

من هو الزوج الذي تتوقعين معه السعادة؟

الأصل في الزواج هو الاختيار على أساس الخلق والدين، وما يندرج تحتهما من صفات وأخلاق، سواء توفرت هذه الصفات في دائرة معارف وأقارب الزوجين أم كانت من خارجها، ومن الطبيعي إذا ألف الله تعالى بين قلبي الزوجين أن تتنامى عاطفة الحب والمودة بينهما كل يوم أكثر وأقوى من سابقه، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، وبناءً على ذلك فإن أبرز الصفات التي تحرصين على وجودها في الخاطب هي:

أن يمتلك مؤهلات القوامة:

فالزوج الذي تتوقعين معه السعادة هو من يملك مقومات القوامة الصحيحة على الأسرة كما أرادها الله تعالى، تلك الصفات التي بدت واضحة جلية على نبي الله تعالى موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، من القوة البدنية والأمانة الخُلُقية؛ فذكرتها ابنة شعيب لأبيها : {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)} [القصص:26]، فما كان من الأب الحكيم إلا أن عرض على نبي الله موسى أن يزوجّه إحدى ابنتيه، وما ذلك إلا لما رآه مجتمعًا في شخصه من القوة التي يقوم بها الإنسان على معاشه، والأمانة التي تمنعه من الخيانة وما شاكلها من ذميم الأخلاق {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)} [القصص:27].

أن يكون ذا خلقٍ ودين:

فهاتين الصفتين أيضًا تندرج تحتهما معالم الشخصية التي سوف تعاشرينها بقية عمرك، والاختيار على أساس الخُلق الحسن والتدين الصحيح هو وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وتوجيهه للمرأة وأوليائها عند اختيار الخاطب أو المفاضلة بين مجموعة من الخُطَّاب، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» [رواه الترمذي].

وقال رجل للحسن: «قد خطب ابنتي جماعة فمن أزوجها؟»، قال: «ممن يتقي الله، فإن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها» [إحياء علوم الدين (2/ 41)].

ولكِ في الصحابية الجليلة أم سُليم بنت ملحان والمعروفة بـ(الرميصاء) أسوة حسنة، فقد كانت صاحبة مبدأ واضح في مسألة الزواج، لما تقدم لها أبو طلحة الأنصاري، وكان ذا حسب ونسب، وكان رجلًا موسرًا لا يُرَدّ، إلا أنه غير مسلم، فكانت في هذا الاختيار صادقةً مع نفسها، واضحةً في مبدئها كالشمس، حيث بيّنت له أنها لا تقبله أبدًا إلا بعد أن يدخل في الإسلام، ولا ترضى مهرًا لها سوى ذلك.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «جاء أبو طلحة يخطب أم سليم، فقالت: (إنه لا ينبغي لي أن أتزوج مشركًا، أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم التي تعبدون ينحتها عبد آل فلان النجار؟! وأنكم لو أشعلتم فيها نارًا لاحترقت؟!)، فانصرف عنها وقد وقع في قلبه من ذلك موقعًا، وجعل لا يجيئها يومًا إلا قالت له ذلك، فأتاها يومًا فقال: (الذي عرضت علي قد قبلت)، فما كان لها مهر إلا إسلام أبي طلحة» [الطبقات الكبرى (8/ 427)].

وأنتِ أيضًا لا تفرّطي أبدًا في توفّر صفة (التدين وتعظيم الشرع) فيمن تقبلينه زوجًا لكِ؛ لأن هذا هو الأساس الذي تقيمين عليه أسرتك، ويطيب به عيشك معه إلى نهاية الحياة، فالسعادة الحقيقية تكمن في طاعة الله عز وجل والاستقامة على أمره.

طموح يتحمل المسئولية:

من الصفات الهامة في الخاطب أن يكون مقدّرًا للمسئولية الكبيرة التي يستقبلها، متنفذًا بالقيام بها بالفعل، فبهذه الصفة يتحقق الاستقرار الأسري عندما يعرف كل من الزوجين حدود مسئولياته، ويقوم بها على أكمل وجه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده، وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» [متفق عليه].

يعتمد أسلوبُه لغةَ الحوار والتفاهم:

وهذه الصفة الهامة تُعرَف بالسؤال عن اتصافه بها من عدمه بين أقربائه وجيرانه وزملائه في العمل، وكذلك من خلال التعامل الأسري معه أثناء فترة الخطبة؛ لأن الحوارات في هذه الفترة غالبًا ما تدور حول الترتيبات للزواج، وقد يحدث خلاف في وجهات النظر بين الخاطب ومخطوبته وأوليائها، فيظهر من خلال أسلوبه في النقاش هل هو مرن ومتفاهم وواسع الأفق، أم ضيق الأفق، حاد في آرائه، لا يقبل بوجهات النظر الأخرى، ولا يستطيع أن يتقارب معها ليحل المشكلات.

وأخيرًا، ابنتي القارئة الكريمة، عظّمي رأي والديك وقدّميه، ولا تخالفيهما؛ فإنهما يريان في الأفق البعيد ما لا تدركه سنوات عمرك القصيرة، وفي الوقت نفسه هما أكثر الناس حبًا لكِ، وإرادة لكل خير وتوفيق في حياتك المقبلة، حتى وإن اختلفتِ معهما في وجهات النظر.

فلا تتبعي الآراء الدخيلة، فإنها ليست بشيء، غثاء كغثاء السيل، والزمي قرآنك وسنة نبيك صلى الله عليه وسلم تفلحي، جعلك الله من السعداء في الدنيا والآخرة.