رائحة الموت تخنق الناجين في الموصل.. وتكشف الحجم المروع لمأساة المدينة
شكا السكان الناجون في مدينة الموصل، شمالي العراق، من روائح الموت المنبعثة في أرجاء مدينتهم، جراء جثث الموتى التي لا تزال تحت الأنقاض، ما يشير إلى أن حجم الكارثة الإنسانية التي شهدتها المدينة لم تتكشف كاملة بعد.
وقال الرجل الخمسيني، عزت محيي الدين، من أمام منزله في حي القليعات بـ"المدينة القديمة" غربي الموصل، حيث يسود دمار هائل، إن الروائح الكريهة المنبعثة من منزل جاره المدمر، وهي ذات الرائحة المنتشرة في أرجاء المدينة بشكل عام، تجعل بقاءه في منزله ولو لوقت قصير، أمرًا صعبًا للغاية .
وأوضح محيي الدين، في تصريحات لوكالة الأناضول، أن الروائح المنتشرة في المنطقة ربما هي رائحة جثث جيرانه، مشيرًا إلى أنه لا يعرف عنهم أي شيء منذ "تحرير" المدينة، وربما تكون جثث لعناصر داعش قضوا بسبب ضربة جوية مثلا.
وبدورها تشكو "أم عمر"، السيدة الأربعينية في منطقة "حضيرة السادة" بحي "الشهوانية"، من الخراب الذي يعم المنطقة والأنقاض التي تملأ أرجاء الحي، متسائلة عمن سيقوم برفع هذا الخراب في هذه الأزقة الضيقة، وتجيب في قلق أنهم ربما سيقومون بفتح الأزقة بالآليات الثقيلة ما يعني المزيد من الخراب.
وأكد الدفاع المدني بالموصل، أنه انتشل 1000 جثة من تحت الانقاض حتى الآن، فيما تقدر مصادر إعلامية وجود نحو 3 آلاف آخرين تحت الأنقاض.
وقال، سيف صلاح الهيتي، الصحفي العراقي، إن الموصل تشهد كارثة إنسانية جديدة بسبب الروائح الكريهة التي تخرج من تحت الأنقاض، وقال في تغريدة على تويتر: إن "ثلاثة الآف جثة لازالت تحت الأنقاض، وأغلب الجثث دهستها الجرافات".
وأكد الناشط المدني الموصلي، إياد حسين الحيالي، أن شكاوى العديد من سكان الأحياء القديمة في مدينة الموصل، من العائدين إليها، من روائح كريهة تفوح من تحت الأنقاض حتى اليوم، تشير لوجود عشرات الجثث تحت الأنقاض.
وأوضح أن بعضها قد يعود لمدنيين وبعضها يعود لعناصر من تنظيم داعش، مشيرا إلى أن الارتفاع الحاد بدرجات الحرارة ساهم بانتشار الروائح الكريهة".
ولفت الحيالي إلى أن الأخطار الأخرى التي يواجهها العائدون لمنازلهم بالموصل القديمة تتمثل بالعبوات الناسفة والأجسام غير المنفلقة (غريبة يشتبه بكونها عبوات ناسفة) الموجودة تحت الأنقاض".
وحذّر الطبيب المتخصص في الأمراض التنفسية والمعدية، عزيز فارس السندي، من أن تحلل جثث الموتى في العراء وتحت الأنقاض له أخطار مباشرة وغير مباشرة على صحة الإنسان بشكل خاص وعلى البيئة بشكل عام.
وأضاف أنه من المحتمل أن عدم معالجة جثث الموتى المكشوفة والمتحللة أن يؤدي إلى انتشار أوبئة قد تتحول إلى مشكلة صحية تصيب المئات وربما أكثر.
وحذّر السندي، من أن أمراض من قبيل الكوليرا، والحمى الوبائية، إضافة إلى أمراض جلدية من أبرزها اللشمانيا الذي قد يصيب الإنسان جراء تعرضه للدغ البعوض أو الذباب الذي سبق أن تغذى على جثث الموتى المتحللة غير المدفونة، وهذه الأمراض يمكن أن تؤدي لموت الإنسان ما لم يتلق العلاج اللازم.
وشدّد السندي، على ضرورة عدم الاكتفاء برفع الجثث من مواقعها، وأن يتم رش المطهرات والمعقمات في أماكن وجودها، مع ضرورة تهوية الغرف التي كان فيها جثث، والعمل على إيصال أشعة الشمس إليها قدر المستطاع لنحو أسبوع على الأقل.
وقبل أسابيع، أعلنت وزارة التخطيط العراقية، تعرض نحو 80% من البنى التحتية والخدماتية في المدينة للتدمير، فضلا عن آلاف المنازل، جراء المعارك في الموصل بين القوات الحكومية والميليشيات الشيعية المدعومة بالتحالف الدولي من جانب وتنظيم "داعش" من جانب آخر .
وقدرت الوزارة أن جهود إعادة إعمار الموصل والمناطق الأخرى بالبلاد تحتاج 100 مليار دولار أمريكي، ضمن خطة تستغرق 10 سنوات.
ويرى الإعلامي العراقي مصطفى كامل أن اتساع رقعة الدمار في الموصل يؤكد أن القصد لم يكن "تحريرها" بل تدميرها وجعلها غير قابلة للمعيشة لأهميتها الرمزية في تاريخ سنة العراق.
وكالات