حذف وتقليص مناهج التربية الإسلامية بالمغرب
أخضعت وزارة التربية الوطنية بالمغرب مناهج ومقررات التربية الإسلامية لمراجعة شاملة، في إطار تعديلات تشمل 147 كتابا دراسيا في كل المواد التعليمية خلال الموسم الدراسي الحالي.
وباتت المطبوعات الجديدة شكلا ومضمونا جاهزة، بعد خمسة أشهر من الاشتغال على هذه المراجعة، التي قالت الوزارة إنها تستهدف ترسيخ قيم الإسلام السمحة، والتعايش والتسامح والانفتاح واحترام الآخر.
وتم الإبقاء على وصفها بمقررات "التربية الإسلامية"، بعدما كان مقترحا تغييرها إلى "التربية الدينية"، لكن التغييرات تناولت الكيف والكم، ووصل حجم الحذف والتقليص من المقررات إلى نصف ما كان معتمدا في السابق.
ففي المستويين الإعدادي والثانوي تم تقليص منهج التربية الإسلامية من أربعين درسا، موزعة على عشر وحدات بالمنهاج القديم، إلى عشرين درسا موزعة على خمسة مداخل (التزكية والاقتداء والاستجابة والقسط والحكمة) بالمنهاج الجديد.
وشملت التغييرات حذف عدد من دروس المنهج السابق، وإدخال دروس جديدة، مع الإبقاء على بعض الدروس السابقة لكن بوضعها في نسق آخر، مع تقليص أخرى وإعادة ترتيبها أو توزيعها بخصوص سنة تقديمها.
وحذفت وزارة التربية الوطنية المغربية حفظ وفهم سورة الفتح من مقررات مادة "التربية الإسلامية" في الإعدادي الثانوي، وعوضتها بدراسة سورة الحشر، وهو الحذف الذي برره مشرفون على الإصلاح بكون سورة الفتح تضم آيات القتال والجهاد، وهو ما لا يناسب المرحلة العمرية للتلاميذ، بينما سورة الحشر مليئة بآيات "التزكية".
كما تم حذف كل الآيات والسور التي يمكن تأويلها للتحريض على الجهاد والقتال، وشمل الحذف أيضا درس التشريع الجنائي من مستوى الثاني الثانوي، الذي يطرح موضوع الحدود والقصاص والتعزيرات.
ورأى متتبعون في حذف دروس الإرث من مستوى الأول الثانوي استجابة مباشرة لدعوات المساواة المطلقة في الميراث، كما اعتبروا أن حذف درس "نظام الأسرة في الإسلام" يدعم مطالب إلغاء تجريم العلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج.
وكذلك تم حذف الدروس المرتبطة بالانفتاح والتواصل وتدبير الاختلاف، ودروس وحدة التربية المالية والاقتصادية (محاربة الإسلام للمفاسد الاقتصادية: الربا والاحتكار والغش والرشوة).
كما شملت التغييرات بمناهج التربية الإسلامية تقليص حجم دروس الخصائص العامة للإسلام التي كانت تشمل الربانية والشمول والتوازن والاعتدال بالنسبة لمستوى الصف الأول الثانوي. وكذلك تقليص الدروس المتعلقة بالتشريع والأحكام بما فيها مادة الفرائض لحساب دروس العقيدة والإيمان والتزكية.
واختار مؤلفو الكتاب المدرسي الجديد المقرر للسنة الأولى من التعليم الابتدائي تفسير جميع آيات سورة الفاتحة باستثناء آية "المغضوب عليهم ولا الضالين"، لترك التفسيرات التي تعتبر أن المقصود "بالمغضوب عليهم" و"الضالين" هم اليهود والنصارى.
من جانبها، قالت الوزارة في بيان رسمي إنها "لم تصادق على أي كتاب مدرسي بالسنة الأولى من التعليم الابتدائي لعدم إدراج وبرمجة أي كتاب دراسي لمادة التربية الإسلامية بهذا المستوى". لكن المثير أن غلاف الكتاب مكتوب عليه بوضوح "مصادق عليه من لدن وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني".
في الوقت نفسه، فقد جعل المنهاج الجديد حفظ القرآن الكريم محورا أساسيا، بتعدد سوره في المستوى الإعدادي من خلال سور: ق، ولقمان، والنجم، والحجرات. ودخوله لأول مرة للمستوى التأهيلي من خلال سور: الكهف ويوسف ويس. كما تم إدراج السيرة النبوية، ونماذج من حياة الصحابة الكرام بشكل أكبر مما كانت عليه في البرنامج السابق.
وأوضح مدير المناهج والبرامج بوزارة التربية الوطنية فؤاد شفيقي، في تصريح للجزيرة نت أن الوزارة عملت على تطوير المنهاج من خلال إعادة ترتيب المادة المعرفية الخام بشكل يأخذ بعين الاعتبار العمر والنمو العقلي والنفسي والسياق الاجتماعي للمتعلمين.
ولفت شفيقي النظر إلى تخفيف بعض محتويات المناهج مع مراعاة انسجامها وترابطها بين المستويات التعليمية، حيث تم تجنب التكرار في التناول من سنة تعليمية إلى أخرى أو الفوارق في التدرج المفاهيمي للمتعلمين.
لكن محمد احساين المؤطر التربوي والباحث في قضايا التربية، يرى أن التعديلات والتغييرات التي جاءت بها المناهج الجديدة غابت فيها مداخل أساسية مألوفة في علوم التربية وعلم المناهج، منها المداخل الفلسفية والبيداغوجية والديداكتيكية، بينما ركزت على مداخل يمكن إدراجها في مدخل القيم.
وبينما سجل مدير المناهج أن محتوى البرنامج لم تصادفه أي ردود فعل سلبية، معتبرا أن سنة 2016 ستكون سنة تجريبية للمناهج الجديدة، فقد استنكر محمد احساين في تصريحه للجزيرة نت جدوى هذا التجريب بعد إنتاج كمية هائلة من الكتب المدرسية، بدل إصدار نسخة واحدة كمشروع لتجريبه على عينات محدودة. مشيرا إلى أن الاستعجال في تأليف الكتب المدرسية، وعدم فتح المجال للمنافسة بشكل أوسع، "أنتجا كتبا عديمة الفائدة غنية بالأخطاء المعرفية واللغوية والمنهجية".
الجزيرة نت