logo

أهمية «التخريب» في عالم الصغار!


بتاريخ : الأربعاء ، 8 جمادى الآخر ، 1440 الموافق 13 فبراير 2019
بقلم : سحر شعير
أهمية «التخريب» في عالم الصغار!

عزيزي المربي .. أهلًا بك

لا تتعجب من العنوان؛ فإنه يتضمن حقيقة تربوية غائبة عن كثير من الآباء والأمهات، فبالطبع لا يوجد طفل طبيعي لم يكسر لعبة، أو يحاول أن يتسلق الأثاث المرتفع، أو يفكك لعبته الجديدة التي لم تلبث بين يديه إلا دقائق معدودة..

فهل هذه الأفعال تعبر عن سلوك طبيعي؟ أم أنها تختلف في درجة حدتها وعنفها من طفل إلى آخر؛ وبناء عليه لا نستطيع أن نطلق على كل طفل أنه «طفل مخرّب»؟

أعزائي .. بدايةً ماذا نقصد بالتخريب؟

هو سلوك يشترك فيه معظم الأطفال، وإن اختلفوا في حدته، ويتمثل في رغبة الطفل ظاهريا في تدمير أو إتلاف الممتلكات الخاصة بالآخرين أو المرافق، وقد يشمل السلوك التخريبي من قبل الطفل نحو مقتنيات الأسرة في المنزل أو الحديقة، أو حاجات أفراد أسرته من ملابس وكتب ولعب وأثاث منزلي أو غير ذلك من الحاجات ويتفاوت الأطفال فيما بينهم في درجة الميل نحو التدمير والإتلاف.

ويتجلى هذا السلوك من خلال بعض التصرفات المزعجة للأطفال، فنراهم يقصون الملابس، ويكسرون الأواني والتحف الغالية، أو يستخدمون الأقلام استخدامًا سيئًا فيشوهون به الجدران في المنزل أو في المدرسة!!

ولكن هناك أمورًا هي من خصائص الطفولة يجب ألا نغفلها، أو نخلط بينها وبين التخريب المرفوض، فالنشاط والحركة أمور ملازمة للطفل، وحب الطفل للاستطلاع أمر لا يمكن إغفاله في سلوكه اليومي، ومن النادر أن نجد طفلا مدمرًا أو مخربًا عن قصد، ولكن يقع التخريب أثناء محاولة الطفل تحقيق غرضه، أو تحقيق فكرة طرأت على ذهنه دون أن يكون خلف هذا السلوك خبث أو سوء نية، ولكن الأمر كما يبدو أمامنا على المستوى الظاهر يعد تخريبًا أو سلوكًا تدميرًا.

الحاجة إلى المعرفة:

تأتي الحاجة إلى المعرفة كواحدة من الحاجات النفسية الأساسية للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة، ولا تقل حاجته إلى المعرفة أهمية عن باقي الحاجات مثل حاجة الطفل إلى الحب والقبول، وحاجته إلى الانتماء، وحاجته إلى تأكيد الذات، وغيرها.

وحب الاستطلاع هي وسيلته لإشباع تلك الحاجة؛ حيث تدفع الرغبة في التعرف على الأشياء والموجودات الأطفال إلى العبث بها وتحليلها إلى أجزاء، ثم محاولة العمل على إعادة تركيبها.

كما أن هذه السلوكيات تفرضها طبيعة النمو، فالطفل كلما كان صغيرا حديث العهد بالموجودات اشتدت لديه رغبة تحليلها وفكها، فتراه يتفحص كلما تقع عليه يداه، يمسك بها، يتأملها ويرميها أرضا ليكتشف تأثير ذلك فيها، فإذا انكسرت وتحطمت قد نراه بادي السرور لأنه اكتشف حالة جديدة، وكلما تقدم الطفل في العمر وفي حدود الثالثة نراه يطور أساليب عبثه، فيفرغ الدواليب والأدراج والصناديق من محتوياتها ويبعثرها وغيرها. (د. حاتم محمد آدم: الصحة النفسية للطفل، ص196 بتصرف)

ويكون هذا السلوك على أشده عند الطفل حديث العهد بدنياه. فنراه يندفع بطريقة فطرية لا شعورية للتعرف على ما حوله فهو يريد أن يعرف مم تصنع الأشياء؟ فيحاول أن يتفحصها ويفككها إذا أمكن، أو يقذف بها على الأرض بهدف التعرف على مكوناتها وما قد يحدث لها، وقد يبدو هذا للكبار على أنه تدمير، في حين أنه يكشف لدى المختصين عن رغبة الطفل في إشباع حاجة النمو العقلي، فهي أول محاولة نشيطة من جانبه للتعلم والتعرف على العلاقات المادية بين الأشياء. (محمد عباس عرابي: تخريب الأطفال ليس تخريباً/ مجلة الابتسامة: عدد:126)

وهناك أنواع من التخريب يعذر فيها الطفل، مثل:

التخريب اللاواعي:

يقوم الأطفال بتخريب الأشياء أو المواد دون معرفة أو وعي منهم، وغالبًا ما يجد الأطفال أنفسهم أمام وضع تخريبي، نتيجة لمسهم لمواد وأشياء قد تنفرط بين أيديهم دون انتباه، أو ظهور شيء يدل على أنهم أحسوا بما صنعت أيديهم من خسائر.

التخريب كانعكاس للطاقة العضلية:

قد يشعر الطفل بالقدرة الجسدية بين أقرانه؛ فيفرض نفسه عليهم فيقوم ببعض الأعمال التخريبية؛ كأن يدوس بقدميه على المفارش، وتمزيق المقاعد، وإسقاط الستائر، والتسلق عليها، وتكسير بعض الأشياء داخل غرفة الطعام، أو غير ذلك من الأفعال التخريبية التي يقوم بها.

أما التخريب المتعمد الذي يقوم به الطفل عمداً فهو يمثل أحد الاضطرابات السلوكية الهامة في حياة طفل الروضة (ما قبل المدرسة)، ويكون على أنواع أيضاً مثل:

- تخريب الشلة:

قد يظهر سلوك تخريب الشلة كسلوك جماعي، يصدر من مجموعة من الأطفال بهدف تفريغ الطاقة الزائدة عند هؤلاء الأطفال، الذي شكلوا فيما بينهم شلة أو فريقا أو عصابة، أو لإشباع رغبة التقليد والمحاكاة ومسايرة الجماعة.

- التخريب المرضي:

يحدث التخريب المرضي عند الأطفال الصغار؛ فنجدهم يشعلون النار في الحديقة والاستمتاع بها، أو يقومون بتخريب الأشياء عند الجيران من أجل المتعة، وقد يسعى الأطفال في هذا النوع من التخريب إلى سلب ممتلكات لأطفال الآخرين، أو دفعهم على الأرض ثم الفرار ضاحكًا لسلوكه التخريبي، هذا وبعض الأطفال يؤذي الآخرين ويرمي الأشياء عليهم، كما قد يقوم بإتلاف أعمال الآخرين، ويكسر الألعاب ويمزق الكتب.

لماذا يلجأ الطفل للسلوك التخريبي؟

- النشاط والطاقة الزائدة والأجسام التي تتميز بنشاط حركي زائد، مع عدم توافر الطرق المنظمة لتصريف تلك الطاقة في الأمكنة المناسبة، واضطراب في الغدة الدرقية.

- ظهور مشاعر الغيرة لدى بعض الأطفال، نتيجة ظهور مولود جديد، أو تفرقة الوالدين في المعاملة بين الأخوة.

- حب الاستطلاع والميل إلى تعرف طبيعة الأشياء، ومحاولة إثبات الوجود والسيطرة على البيئة.
- النمو الجسمي الزائد مع انخفاض في مستوى الذكاء.

- شعور الطفل بالنقص أو بالظلم؛ فيدفع نحو الانتقام من أجل إثبات الذات.

- مسألة عارضة عندما يضيق المكان أثناء اللعب.

- الشعور بالضيق والانزعاج وكره الذات.

أساليب التغلب على المشكلة:

- يجب دراسة الحالة بعناية ودقة لتحديد مدى ونوعية التخريب، وكذا محاولة تحديد الدافع خلف هذا السلوك التخريبي (عوامل شعورية أو عوامل لا شعورية مثل الغيرة...)

- عرض الطفل على الطبيب؛ للتأكد من طبيعة الغدة الدرقية، وقياس مستوى ذكاء الطفل عن طريق مقاييس الذكاء.

- علينا أن نفرق بين ظاهرة التخريب وبين اللعب الطبيعي؛ فاللعب حتى لو تضمن بعض التخريب ونتجت عنه بعض الفوضى؛ سيظل عمل مهم جداً لا يستغني عنه، فمن خلال انغماسه في اللعب يطور عقله وجسده، ويحقق التكامل بين وظائفه الاجتماعية والانفعالية والنفسية، اللعب يحدث للطفل التوازن النفسي المطلوب، بينما التخريب قد يكون عرض من أعراض الخلل أو الاضطراب النفسي. (محمد سعيد مرسي: كيف تكون أحسن مربي في العالم؟،ص:20 بتصرف)

- توفير لعب بسيطة للطفل، تكون متقنة الصنع، ويمكن تفكيكها وتركيبها دون أن يلحقها تلف.

- توفير المكان الفسيح المناسب يستطيع الصغير أن يقوم فيه باللعب، دون أن يحدث فوضى، ويسبب توتراً للكبار.

- الابتعاد عن كثرة تنبيه الصغير وتوجيهه؛ لأن ذلك يفقد قوة تأثير التوجيه، ويفقد الطفل الثقة في إمكاناته، فيجب أن نقلل من الأوامر والنواهي التي تجعل الأطفال يشعرون بالملل، وليس معنى ذلك ترك الأمور، بل خير الأمور الوسط، إن الطفل محتاج إلى حزم بغير عنف ومرونة بدون ضعف، مع بيان ما هو خير وما هو شر.

- عرض الطفل على الطبيب للتأكد من طبيعة الغدة الدرقية، وكذا تعرف مستوى ذكاء الطفل داخل العيادات النفسية.

- إشباع حاجة الطفل إلى الاستطلاع ليس فقط بتوفير اللعب؛ بل ومراعاة ما يناسب سنه وتنوعها بحيث تشمل أيضا لعب رياضية تفرغ الطاقة الجسدية، ويجب أن نسأل أنفسنا أمام طفلنا المخرب: ماذا قدمنا له من فرص لتفريغ طاقته؟ وذلك قبل اللوم أو العقاب.

- قد نحتاج إلى مراجعة النظام الغذائي للطفل، كي يسهم في الوصول إلى مستويات معتدلة من الطاقة وضبط الحالة المزاجية للطفل. (محمد سعيد مرسي: مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب المشكلات، ص:203)

- دور معلمة الروضة:

هناك أيضاً دور لمعلمة الروضة في احتواء تلك الظاهرة؛ فالطفل يقضي ما يقارب نصف اليوم في الروضة، ولا شك أن الطفل المخرّب سينتقل بتلك الظاهرة إلى الفصل الدراسي وأدوات الزملاء، وحديقة الروضة...، وعلى المعلمة أن تدعم الطفل نفسيًا من خلال:

- منح الطفل الكثير من العطف والحنان والمحبة، وإشباع الحاجات النفسية الضرورية للطفل.
- إفساح المجال للأطفال لكي يعبروا عن ثورتهم، بطريقة تسمح بإظهار غضبهم، ولكن في حدود المسموح الذي ينفّس عن الطفل، ولا يمكنه من إلحاق الأذى بزملائه أو إتلاف أدواتهم
-التقليل بقدر الإمكان من القيود التي تفرض على الأطفال في المدرسة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

  • كيف تكون أحسن مربي في العالم؟:محمد سعيد مرسي
  • الصحة النفسية للطفل: د. حاتم محمد آدم
  • مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب المشكلات: محمد سعيد مرسي
  • مجلة الابتسامة: عدد/126