logo

أضرار المشاهد الإباحية على الحياة الزوجية


بتاريخ : الأحد ، 17 رجب ، 1440 الموافق 24 مارس 2019
بقلم : محمد إبراهيم موسى
أضرار المشاهد الإباحية على الحياة الزوجية

كم هي مريرة تلك الثمار التي يجنيها مرتادو المواد الإباحية؛ فهي لذة عابرة لا تلبث أن تنتهي، لتعقبها المرارة والحسرة والعياذ بالله، وسنخصص هذا الفصل للحديث عن هذه الآثار والأضرار الخطيرة.

ولا عجب من أننا في معرض حديثنا سنستشهد ببحوث ودراسات أجنبية، وسنورد وقائع وحوادث أمريكية وأوروبية، وذلك من باب أخذ العبرة والعظة من مجتمعات سبقت مجتمعاتنا في هذا المجال، وخاصة أن بعض آثار هذه الظاهرة اللعينة لا تظهر إلا على المدى الطويل؛ ولذلك فهي قد تجلت بكل مظاهرها في هذه البلاد، وبينما تسير بلادنا ومجتمعاتنا، للأسف الشديد، في الطريق نفسه فإنها تنتظر النتائج الوخيمة ذاتها، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: «حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه»(1).

ومن المهم أن نتعظ بمن سبقنا، وأن نعتبر بما أصاب البشرية من أضرار وقعت فعلًا، فهي ليست مجرد تحذيرات وتوقعات، وأن نعلم أن هذه الأضرار لا تُفرِّق بين مسلم وكافر، ولا بين شرقي وغربي، ولا بين عربي وأعجمي؛ لأن سنن الله تعالى في خلقه لا تجامل أحدًا ولا تحابيه، كما أنها لا تظلم أحدًا ولا تتحامل عليه، فمن زرع الشوك لن يجني الورد.

تؤكد جميع الدراسات أن مشاهدة المواد الإباحية تنعكس بشكل خطير على صحة الإنسان، وكذلك على حالته النفسية والاجتماعية، وخاصة على بيته وأسرته وزوجته، ومن ثم فآثارها لا تقتصر على الحاضر، وإنما تمتد للمستقبل، وكل ذلك تدمير لحياة الإنسان، وقبل ذلك وبعده فلها أثر فتاك على قلب الإنسان ودينه وعلاقته بربه.

ولا بد قبل الحديث عن هذه الأضرار أن ننبه إلى أنه ليس من المحتم أن يصاب كل مرتاد لهذه المواد الخبيثة بكل تلك الأضرار مجتمعة وفي وقت واحد؛ بل كلٌّ حسب طبيعته ومدى استعداده ومدى انهماكه؛ نقول ذلك لأن بعض الشباب عندما يقرأ بعض الآثار ولا يجدها في نفسه رغم إدمانه على تلك الخبائث يظن أنه بمنأى عن بقية الأخطار، أو أن هذا الكلام مبالغ فيه وغير صحيح، أو أنه أقوى من أن يصاب بشيء من ذلك، وما يدريه فلعل الله سبحانه يعطيه الفرصة للنجاة والمعافاة، فليحذر كل امرئ لنفسه، وليتب إلى ربه.

وسنستعرض في الصفحات التالية الآثار المدمرة والمخاطر الجسيمة لهذه الأمور السيئة على جوانب حياة الإنسان المختلفة، ويمكن أن نقسم هذه الأضرار على النحو التالي:

• الأضرار على الحياة الزوجية والنواحي الجنسية.

• الأضرار الصحية.

• الأضرار على دين الإنسان وعلاقته بربه.

أولًا: الأضرار على الحياة الزوجية والنواحي الجنسية:

إن أول وأسرع الآثار الضارة على من ابتلُوا بهذا الداء هو ما يتصل بها من حياتهم، ولما كان الدافع الأول لمطالعتهم لها هو الغريزة الجنسية، كانت حياتهم الجنسية هي الضحية الأولى؛ بما يؤثر سلبًا على قدرتهم الجنسية وعلى حياتهم الزوجية؛ وبالتالي على سعادتهم وسعادة شريك حياتهم، زوجًا أو زوجة؛ وبالتالي تهب الرياح العاصفة؛ بل الأعاصير العاتية على الأسرة والبيت، فكم من بيت خُرِّب، وحياة دُمرت، وحب تحول بغضًا، وسعادة انقلبت نكدًا، وهذه الجرثومة الخبيثة هي التي أدت إلى كل هذا، ويمكن إجمال هذه التأثيرات فيما يلي:

1– تكوين تصور مشوه عن العملية الجنسية:

إن شياطين الإنس، الذين يتاجرون في هذه الصناعة، قد استخدموا الإمكانيات التكنولوجية الحديثة ليخرجوا بها هذه المواد الإباحية؛ ولذلك فهذه المشاهد، وطبقًا لخبرة كثير من المتزوجين، لا يمكن أن تحدث في الحياة العادية؛ لأنها تحتاج إلى تعاطي كميات كبيرة من المنشطات، تحت إشراف منظم من متخصصين في نواحٍ مختلفة، مع الاستعانة بعلوم مختلفة من الصوتيات والضوء والإخراج والتجهيز الحواري والحركي، وكذلك الاستعانة بكثير من الأساليب الخادعة، والعمليات الجراحية، والماسكات والمواد الصناعية، فالصوت والضوء والإخراج والتدريب، كل هذه الأشياء، التي تسخر لصناعة هذه النوعية من الأفلام، يصعب توافرها على أرض الواقع لمن يمارس العلاقة الجنسية البشرية السوية.

ولكن المشكلة أن أكثر مرتادي هذه المواد الإباحية يظنون أن هذا هو الجنس، وأن هذه هي طبيعته الممكنة؛ بل الوحيدة، التي يمكن تطبيقها وممارستها، في حين أن هذا لا يمت للحقيقة بصلة، فيصبح لديهم تصور مشوه عن العملية الجنسية؛ ولذلك فالاعتماد على المواقع الإباحية في فهم الجنس أو تكوين فكرة عنه هو طريق خطأ، وسلبياته لا حصر لها.

ومما ينتج عن ذلك أن هذا المُشاهِد إن كان متزوجًا فإما أن يشعر بالنقص في نفسه؛ لعدم قدرته على الوصول إلى هذه الدرجة التي يشاهدها، أو يشعر بالنقص في زوجته لأنها ليست مثل هؤلاء النساء اللائي يشاهدهن، ممن يصورن في صور مفبركة ومصطنعة، فتقل زوجته في نظره، ولا يمكن أن يجد في الحقيقة ما شاهده في الكذب، وبالتالي يدب البعد والنفور بينه وبين زوجته، وتصبح مقاييس الجمال عنده مرتبطة بهذه المشاهد والنماذج المصطنعة والخادعة، والبعيدة تمامًا عن المعدل الطبيعي، ويبدأ في فقدان رغبته الجنسية شيئًا فشيئًا.

والكلام هذا ينطبق على الرجل والمرأة؛ ولذلك فالأمر نفسه يقال في علاقة المرأة المدمنة لهذه المشاهد بزوجها، وفقدان رغبتها الجنسية معه، وشعورها بالخيبة والإحباط ثم الكره والنفور لنفس الأسباب، فإدمان أحد الزوجين لهذه الصور يُثقل من كاهل الطرف الآخر المشارك بالعملية الجنسية؛ لكونه يسعى إلى إرضاء شريكه بشتى الطرق دون جدوى.

ولعل هذا من أكبر أساس الانحراف وسلوك طريق الفواحش؛ حيث يتجه النظر إلى خارج البيت، ويقع الإنسان في فاحشة الزنا، التي حذر الخالق سبحانه من الاقتراب منها فقال سبحانه: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}، وقد يزداد الحال سوءًا فيتجه البحث عن إشباع تلك النزوات، التي ولدتها هذه الخبائث في بيوت الفساد، والنتيجة من كل هذا هي تدمير العلاقات الزوجية، وانهيار البيوت السعيدة.

أما إن كان هذا المُشاهد غير متزوج ففي الأيام الأولى من زواجه يفاجأ بأنه، وبعد أن أصبحت عنده امرأة في الحلال، لا يجد الرغبة والاستمتاع الذي كان يتوقعه.

يقول أحد أولئك الشباب: «كنت مدمنًا لهذه المواقع قبل زواجي، وكان الشيطان يسول لي الدخول عليها بدوافع عدة، كان منها الفضول وحب استكشاف هذه العلاقات، وغير ذلك من الحجج الواهية، التي بدت لي في وقتها مقبولة، والتي لم تكن إلا اتباعًا للشهوات، وها أنا ذا أتجرع ألم المعصية، فقد عاد ذلك عليّ بالسلب في علاقتي مع زوجتي، فما أكاد أشرع في معاشرة زوجتي إلا وتتوارد على ذهني تلك الصور، وتفسد عليَّ حالي، وما أن أتذكرها حتى أفقد حلاوة اللقاء».

وما أصاب هذا الشاب، ومثله كثير، إنما هو حالة نفسية، جاءت نتيجة تولد ارتباط بين الأفلام الإباحية والمتعة ارتباط المحفز بالاستجابة؛ مما أدى إلى ضعف الرغبة في الممارسة الحقيقية، فالرؤية المغلوطة التي ذكرناها تجعله مستغنيًا بهذه المشاهد عن الواقع، وبالتالي يلجأ لاتخاذ الأفلام الإباحية زوجة له، وهو جالس أمام شاشة الكمبيوتر أو الفيديو أو التلفاز أو غيرها ليشاهد مثل هذه المشاهد القاتلة، وفجأة عندما يأتي ميعاد الزواج يكون قد تحول إلى إنسان غير قادر على إشباع الحاجات الزوجية.

ويرى د. محمد رشيد(2)، رئيس قسم علم الاجتماع بآداب أسيوط، أن من أبرز سلبيات تلك المواقع أن هذا الارتباط الشرعي أصبح يتم بغير حماسة، ولكن بيأس اجتماعي ونفسي واضح؛ لأن منهم من يعلم أنه لن يحقق ما يريد من الناحية الجنسية، ومنهم من كان يظن أن ذلك الواقع الإلكتروني سوف يسقط على واقع حياته بعد الزواج، لكنه يُصدم ويرتد اجتماعيًا، فسرعان ما يفكر في الطلاق أو يعيش حياة زوجية باردة، مليئة بالمشكلات، تكسوها ملامح الندم.

2– ضعف الانتصاب أو انعدامه:

لقد أوضح الخبراء أن التعود على مشاهدة المواد الإباحية يمكن أن يؤدي إلى التقليل من حدة الإشباع الذي تحققه المواد الجنسية المعتادة، ويدفع بقوة إلى الرغبة في التعامل مع مواد أكثر عنفًا وأكثر انحرافًا؛ لأن هذه المواقع تثير ولا تشبع، بمعنى أنها تحقق الإثارة ولكن لا تحقق الإشباع؛ كرجل تركته يجوع ويعطش، ثم تضع أمامه الطعام والماء ولا تسمح له بتناولهما؛ فتتلف أعصابه.

وهذا أيضًا سببُه حالة نفسية؛ تنتج عن الإفراط في مشاهدة الأفلام الإباحية، فالمدمن لهذه الصور يتدرج من مستوى سيء إلى أسوأ؛ حتى ينتهي به الأمر إلى عدم الاستجابة لصورة عادية؛ بل يبحث دائمًا عن الصور الأكثر شذوذا عن العادة، ومثل هذا الشخص من المتوقع ألا تثيره زوجته، ولا تحرك فيه شيئًا، وإن كانت أجمل الجميلات، فيجد المسكين نفسه عاجزًا عن الممارسة الطبيعية.

يقول أحد المدمنين: «كلما أكثرت من هذه الممارسة نقصت رغبتي في زوجتي، لم تعد هناك علاقة بيننا إلا مرة في الأسبوع، ثم صارت مرة في الشهر، وفي الأشهر الأخيرة صارت لدي مشكلات في الانتصاب...».

3– اكتساب عادات جنسية سيئة:

العجيب أن كثيرًا من المتزوجين يفضلون الاستمناء أمام الشاشة على قضاء الشهوة في إطار العلاقة الزوجية، وهذه هي الإثارة المرتبطة بالجهاز، فقد أصبح هذا الشاب لا يُثار إلا من خلال الصورة المدعمة بإضاءة تمثيلية وأصوات معالجة إلكترونيًا؛ مما أضعف دور شريك الحياة بشكل عام على المستوى الجنسي، وإذا كان هذا يحدث للمتزوجين فكيف بغير المتزوجين؟!

وقد ذكر الباحث الاجتماعي (ألفين كوبر)(3) أنه وجد من خلال إقامته ندوات حول علاج إدمان الجنس الخيالي أن 15% من مرتادي المواقع الإباحية على الإنترنت يقومون بتطوير سلوك جنسي يعرقل حياتهم، ويسبب لهم مشكلات جنسية؛ إما بسبب فرط الاستمناء، أو بسبب الانعزال الجنسي، بحيث يصبح الحاسوب هو الملاذ الآمن لممارسة الجنس الخيالي.

4– تأجيج الشهوات:

لا شك أن مطالعة هذه المواد الإباحية من أعظم أسباب الزنا وانتهاك الحرمات، حتى مع المحارم، والواقع خير شاهد على ذلك، فقد أصبحنا كثيرًا ما نسمع عن شاب اعتدى جنسيًا على أخته أو ابنته أو خالته أو ما شابه ذلك من الفواحش.

إن مطالعة تلك المناظر تؤجج الشهوات، وتجعل الشخص، ذكرًا كان أم أنثى، مهيأ للوقوع في الرذيلة متى فتح له بابها؛ بل إنه ليعمد إلى كسر كل باب يمنعه من مشتهياته المحرمة، التي تكرَّس مفهومها لديه عبر مئات المناظر والمشاهد، التي جعلت منه إنسانًا مهيجًا جامحًا، مهيأً لارتكاب الفاحشة بأي سبيل ممكن.

5– إدمان المواد الإباحية حتى بعد الزواج:

مخطئ كل الخطأ من يظن من الشباب أنه يستطيع التوقف عن مشاهدة المواد الخليعة بمجرد الزواج، وأن ما يمنعه من التخلص من هذه الآفة هو فقط كونه غير متزوج، فالتجربة أثبتت أن مدمن المواد الإباحية، ومعها العادة السيئة، يستمر في تلك الممارسة بعد الزواج.

ويرى د. محمد رشيد(4)، رئيس قسم علم الاجتماع بآداب أسيوط، أن هذا التصور الإلكتروني للجنس كثيرًا ما يصل بصاحبه لدرجة الإدمان، فيتعلق (مركز التعزيز) في المخ بهذه المثيرات على المستويين الحسي والبصري، وهو ما يجعل مرتاد هذه المواقع كلما ابتعد عنها عاد إليها مشتاقًا؛ بل معوضًا لفترة البُعد، وتصبح المشاهدة عنده أمرًا لا يستطيع مقاومته، وبناءً على ذلك تتقلص المساحات الأخرى في الحياة.

يقول أحد من ابتلُوا بهذه البلية: «وقد ظلت هذه العادة الكئيبة لديَّ إلى الآن، لدرجة أنها أثرت عليَّ، ورجعت بعد الزواج أيضًا للنظر إلى المحرمات في كل الأماكن، حتى المواقع الإباحية في الإنترنت رجعت إليها، وحتى العادة السيئة التي كنت أقع فيها قبل الزواج رجعت إليها بعد الزواج!! وهذه هي النتيجة لمن يطلق لنفسه العنان في مشاهدة المواد الإباحية».

6– تدمير الأسرة:

في الولايات المتحدة رأس السيناتور (سام براونباك)، عضو الكونجرس الأمريكي، في 10 نوفمبر 2005م، اجتماع اللجنة الفرعية للدستور لمناقشة قضية تأثير المواد الإباحية على الزواج والأسرة والأطفال؛ قال براونباك: «إن معظم الأمريكيين يعلمون تمامًا أن المواد الإباحية شيء سيئ، ولكنهم لا يقدِّرون حجم الأذى الذي تتسبب فيه لمن يستخدمها وللأسر بصفة عامة، وبينما يعلو الحديث عنها على أنها تدخل تحت مظلة حرية التعبير، يخفت الحديث عن آثارها المدمرة على الأسرة والطفل».

وأشار السيناتور الأمريكي إلى أن ثلثي المحامين من أعضاء الأكاديمية الأمريكية الخاصة بمحاكم الأسرة - قد كشفوا في اجتماعاتهم أن انغماس عملائهم المتزايد في الإنترنت الإباحي لعب دورًا كبيرًا في قضايا الطلاق التي يباشرونها.

وما أشار إليه هذا السيناتور حدث في عام 2003 في اجتماع للأكاديمية الأمريكية لمحامي الزواج (American Academy of Matrimaonial Lawyers)؛ حيث قال أكثر من ثلثي المحامين (وعددهم 350): «إن الإنترنت، وبالتحديد المواد الجنسية الإباحية، كانت من أهم أسباب الطلاق».

والأمر يبدو واضحًا إذا تذكرنا ما ذكرناه من قبل من أن مدمن الخيال والأحلام سيمل زوجته، مهما امتلكت من مقومات الجمال، ولن تبلغ في إقناعه ما وصلت إليه أولئك النساء المتجددات، اللاتي يراهن في الأفلام، ويعششن في دماغه وأحلامه، فما يكون منه إلا أن يبحث عن مصدر آخر للاستمتاع؛ ظنًا منه أن المشكلة تكمن في زوجته، ولا يدري المسكين أنه إن عاشر نساء الدنيا كلهن فلن يصل إلى الإشباع الذي يبحث عنه كما سبق أن ذكرناه.

ويقول آل كوبر، مؤلف كتاب «الجنس والإنترنت»: «إننا نسمع من المعالجين في جميع أنحاء البلاد أن الأنشطة الجنسية على شبكة الإنترنت هي السبب الرئيسي في المشكلات الزوجية».

______________

(1) رواه البخاري (3456، 7320)، ومسلم (2669).

(2) نقلًا عن موقع: إسلام أون لاين.

(3) المصدر السابق.

(4) المصدر السابق.

موقع: الألوكة